أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(67)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أُفٍّ لَكُمْ} أُفٍّ: اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ، فهُوَ اسْمٌ وَمَدْلُولُهُ فِعْلٌ، لِمَا فيهِ مِنَ الاسْمِ والفِعْلِ مَعًا، فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ صُورَةِ تَنَفُّسِ الْمُتَضَجِّرِ لِضِيقِ نَفْسِهِ مِنَ شِدَّةِ غَضَبِهِ. وَبِهذا الصَوْتِ يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُتَضَجِّرٌ، فَقَدْ أَضْجَرَ سَيِّدَنا إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا رَأَى مِنْ إصْرارِ قومِهِ عَلَى عِبَادَةِ تِلْكَ الأَصْنَامِ رَغْمَ وُضُوحِ أَمْرِها وَانْتِفَاءِ العُذْرِ في عبادتِهِمْ لَهَا، بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، فَقد تَأَفَّفَ بِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ عَرَفُوا صِحَّةَ قَوْلِهِ، ووقفوا عَلَى حَقِيَّتِهِ.
فَمِنَ المُحْتَمَلِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتِ لهُمُ الْحُجَّةُ وضحةً والحقيقةُ جَلِيَّةً ـ وَإِنْ غَضُّوا الطَّرفَ عَنْها، وتَجَاهَلُوها، وَلَمْ يَعْقِلُوهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، بَعْدَ ذَلِكَ: "أَفَتَعْبُدُونَ .. "؟، وَ "أَفَلا تَعْقِلُونَ"؟.
وَالتَنْوِينُ في "أُفٍّ" لِلتَّنْكِيرِ وذلكَ تَعْظِيمًا لِهَذَ الفعلِ، أَيْ: أَقولُها لَكُمْ، وقدْ ضِقْتُ بِكُمْ، وَأَنَا أَتَضَجَّرُ مِنْكُمْ ضَجَرًا قَوِيًّا.
وَ "لَكُمْ" اللَّامُ فِيها لِبَيَانِ الْمُتَأَفَّفِ بِسَبَبِهِ، أَيْ: أُفٍّ لِأَجْلِكُمْ، وَلِلْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللهِ ـ تَبَاركَ وتَعَالى.
قولُهُ: {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} وقَدْ عَمَّ ضجرُهُ، وِضِيقُ صَدْرِهِ وتَأَفُّفُهُ تِلَكَ الأَصْنامَ التي كانوا يَعْبُدُونَها مِنْ دونِ اللهِ ـ تَعَالى، الذي خلقهم، ورزقهُم، وبِيَدِهِ وَحْدَهُ نَفْعُهُمْ، وضرُّهُمْ.
قولُهُ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ فُرِّعَ عَلَى التَّضَجُّرِ مِنْ عَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ فِي الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ والبَرَاهِينِ القَاطِعَةٍ والحُجَجِ البَيِّنَةِ، مِنَ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ، وإِنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِم.
قولُهُ تَعَالى: {أُفٍّ لَكُمْ} أُفٍّ: اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ، بِمَعْنَى أَتَضَجَّرُ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ـ عَليْهِ السَّلامُ، تَقْديرُهُ: (أَنَا). وَ "لَكُمْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ للبَيَانِ المُتَأَفَّفِ مِنْهُ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "أُفٍّ". وَكَافُ الخِطَابِ ضَمْيرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحَرْفِ الجَرِّ، والمِيمُ عَلامَةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. وَالجُمْلَةُ مِنِ اسْمِ الفِعْلِ مَعَ فَاعِلِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَ" على كونِهِ مَقولَ قولٍ لَهُ.
قولُهُ: {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "لِمَا" اللامُ حرفُ جَرٍّ ومجرور مَعْطُوفٍ عَلَى الجارِّ قبلَهُ، و "ما" اسمٌ مَوْصولٌ بِمَعْنَى "الذي"، مَبْنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجرِّ. و "تَعْبُدُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ وَاوِ الفَاعِلِ فِي "تَعْبُدُونَ"، و "دُونِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مَجْرُورٌ بالإضافةِ إليْهِ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةُ الموصولِ "مَا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، والعائدُ مَحْذوفٌ، والتقدير: وَلِمَا تَعْبُدُونَهُ.
قولُهُ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَفَلَا: الهَمْزَةُ: لِلِاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ التَّوْبِيخِيِّ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، وَالفَاءُ: عَاطِفَةٌ عَلَى ذَلِكَ المَحْذُوفِ. و "لا" نَافِيَةٌ. و "تَعْقِلُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ المَحْذُوفَةِ، والتَّقْديرُ: أَجُنِنْتُمْ فَلَا تَعْقِلُونَ سُوءَ صَنِيعِكُمْ، وَالجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قَالَ".