وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(38)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} هَذِهِ الجُمْلَةُ الكَريمةُ هِيَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلةِ قَوْلِهِ ـ تَعَالَى، في الآيَةِ الَّتي قَبْلَها: {سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلَا تَسْتَعْجِلونَ}.
فَقَدْ تَسَاءَلَ المُشْركونَ عَنْ مَوَعِدِ تَنْفيذِ وَعِيدِ اللهِ لَهُم تَهَكُّمًا واسْتِهزاءً وعِنادًا، فَهِيَ مَقَالَةٌ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِهِمُ الَّتِي قَابَلُوا بِهَا دَعْوَةَ سَيِّدِنا رَسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالاسْتِهْزَاءِ وَالمُكابَرَةِ والعِنَادِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يُريدونَ وَعْدَ القِيَامَةِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّفسيرِ، والظاهِرُ أَنَّهُم كانوا يَعْنُونَ بِهِ كلَّما توعَّدَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والمُؤمنونَ أَصْحابُهُ ـ رُضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، مِنْ انْتِقامِ اللهِ مِنْهُمْ وَتَعْذيبِهِ إيَّاهم في الدُّنيا والآخرَةِ، وَذَلِكَ بِوَعِيدِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ، لَهُمْ.
قوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بِأَنَّ القيامةَ سَتَقُومُ، أَوْ أَنَّنا سَنُعَذَّبَ، والخِطابُ هُنَا مُوجَّهٌ مِنَ المُشْرِكينَ إِلى النَّبيِّ الأَمِينِ ـ عَلَيْهِ أفضَلُ الصَّلاةِ وأَكْمَلُ التَّسْليمِ، وَلِأَصْحَابِهِ الكِرامِ ـ رُضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ، فهُمُ الذينَ كانوا يُبَلِّغُونَهُم الوَعيدَ عَنِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "يَقولونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ، لإِيرادِ نَمَطٍ مِنِ اسْتِعْجَالِهِمُ المَذْمُومِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} مَتَى: اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، وَهُوَ لِلِاسْتِفْهَامِ الاسْتِخْبَارِيِّ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. وقِيلَ هي في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ. أَوْ بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ يَقَعُ خَبَرًا للمُبْتَدَأِ، والتَّقْديرُ: هَذَا الوَعْدُ مَتَى يَجِيءُ، والأَوَّلُ هُوَ المَشْهورُ. وَ "هَذَا" الهاءُ: للتَّنْبِيهِ، وَ "ذا" اسْمُ إِشَارَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. وَ "الْوَعْدُ" بَدَلٌ مِنْهُ مَرْفُوعٌ، وَالتَّقْديرُ: هَذَا الوَعْدُ كائنٌ مَتَى؟، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "يَقُولُونَ".
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جازِمٍ. و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتحَرِّكٍ هُوَ التاءُ، فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ، والتاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفعِ اٍسْمُهُ، والميمُ للجَمْعِ المُذكِّرِ. و "صَادِقِينَ" خَبَرُهُ خبرُ "كانَ" مَنْصُوبٌ بِها، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وَجَوَابُ شَرطِ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ، والتَّقْديرُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَمَتَى هُوَ، وُجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ.