بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ
(44)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ} بَلْ: لِلْإِضْرابِ عَنْ الكلامِ عَنْهُمْ إِلَى وَعِيدِهِمْ. أَيْ: بَلْ إنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الكَلاءَةِ والحِفْظِ والرِّعَايَةِ والنِّعْمَةِ إِنَّمَا هُوَ بتَفَضُّلِنا عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لهم يَمْنَعُنا مِنْ إِهْلاكِنا إِيَّاهِم، وَمَا هَذا المَتَاعُ وَالِإمْهَالُ إِلَّا لاسْتِدْراجِهِم، كَمَا فَعَلْنَا بِغَيْرِهِمْ مِنَ الكُفَّارِ حَتَّى طَالَ الأَمَدُ عَلَيْهِمُ، وامْتَدَّتْ بِهِمْ أَيَّامُ الرَّوْحِ والسَّعَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، فَحَسِبُوا أَنْخم باقُونَ عَلَى ذَلِكَ الحالِ مِنَ النِّعمةِ والعِزَّةِ، لَا يُغْلَبُونَ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُمْ ثَوْبُ أَمْنِهِمْ واسْتِقْرارِهِمْ وَاسْتِمْتَاعِهِمْ، وَذَلِكَ طَمْعُ زَائِفٌ وأَمَلٌ فارغٌ وَحُلْمٌ كَاذِبٌ وسَيَجِدونَ ذِلَكَ كُلَّهُ في ما سيستقبلونَ مِنْ أَيَّامِ دَهْرِهِمْ. وَتَرْكُهُ ـ سُبْحانَهُ، خِطابَ المُشْركينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَالَّتي قَبْلَها اسْتِهَانَةٌ بِهِم. وَعُدُولُهُ ـ هُنَا، عَنِ ضَمِيرِهمْ إِلَى الإِشَارَةِ إِلَيْهِمْ بِـ "هَؤُلَاءِ" تَحْقِيرٌ لِشَأْنِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ ـ تَعَالَى، أَنَّهُمْ مُمَتَّعونَ في هَذِهِ الحَيَاةِ اسْتِدْراجًا لَهُمْ كَآبائِهِمْ وَأَجْدَادِهِم.
قولُهُ: {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} أَيْ: أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ، وَأَمْهَلْناهُمْ زمانًا طَويلًا، حَتَى طالَتْ أَعْمارُهُم، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَمَرُّوا عَلَى ضلالِهِم، ولمْ يَهْتَدُوا إِلَى طريقِ الإيمانِ والخيرِ والصَّلاحِ، بَلِ اغْتَرُّوا بما متَّعناهُمْ بِهِ مِنْ خيراتٍ وطولِ إِمْهالٍ، ولِجَهْلِهم، حَسِبُوا أَنَّ مَا مَتَّعْناهُمْ فِيهِ، إِنَّما هُوَ بِسَبَبِ ما هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حالِ الضَّلَالِ، وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ دَليلٌ عَلى أَنَّنا راضَونَ بما يفعلونَ، وَعَمَّا يَصْنَعُونَ.
هذا وقدْ وردَ هذا المعنى في آياتٍ كَثيرةٍ مِنْ القرآنِ العَظيمِ، فَقَالَ في الآيةِ: 178، مِنْ سورةِ آل عِمْرانَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، وَقَالَ مِنْ سورةِ الأَعْراف: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} الآيةَ 182، وَقَالَ مِنْ سورَة ِالفُرْقان: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} الآية: 18، وَقَالَ: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} الآية: 29، مِنْ سورةِ الزُّخْرُف.
قولُهُ: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أَيْ: أَفَلا يرونَ كَيفَ نَأْخُذُ الأرْضَ مِنْ حولِ مكَّةَ وأَطْرَافِها وَنَوَاحِيها، وَنَفْتَحُهَا لِنَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والمُؤمنينَ مَعَه، فقد كَانَتِ السَّرايا التي يُرسِلُها رَسولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ، تَغْزُو أَرْضَ المُشْرِكِينَ، وَتَأْتِيهَا غَالِبَةً عَلَيْهَا، نَاقِصَةً مِنْ أَطْرَافِهَا. فيَنْقُصُ مَا يُسَيْطِرُونَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَما يَمْلِكُونَهُ وَيَتَحَكَّمُونَ فِيهِ.
ويَجوزُ أنْ يكونَ المَعنى: أفلا يَرَوْنَ أَنَّنَا نَقْبِضُ أَرْوَاحَ الأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ والزُّعماءِ مِنْهُمْ وَالرُّؤَساءِ فيهِمْ؛
وقَالَ الحَسَنُ البَّصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: المُرادُ هُوَ ظُهُورُ المُسْلِمِينَ عَلَى المُشْرِكِينَ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قالَ: المُرادُ هُوَ مَوْتُ فُقَهَائِها وَذَهَابُ خِيارِهَا. وهوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِ بْنِ العاصِ ـ رَضِي اللهُ عنْهُما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)). أَخْرَجَهُ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ: (2/162)، وَالبُخارِيُّ: (7307)، وَمُسْلِمٌ: (2673)، وَالتِّرْمِذِيُّ: (2652)، وَابْنُ مَاجَةَ: (52) وَابْنُ حِبَّان: (4571)، وغيرُهم مِنْ طُرُقٍ. وَبُعْدُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ ظَاهِرِ الآيَةَ ظَاهِرٌ بِحَسَبِ دَلَالَةِ السِّيَاقِ.
وَقَالَ الكَلْبِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَعْنِي: السَّبْيَ، وَالقَتْلَ، والخَرَابَ. واللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ بَعْضهُم: نَقْصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا خَرَابُهَا عِنْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا. وَقَالَ آخرونَ: المَعْنَى هُوَ النَّقْصُ في الْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ. وَأَظْهَرُ هذِهِ الأَقوالِ أَوَّلُهَا، بِدَلالَةِ قَوْلِهِ في الجملةِ الَّتي بَعْدَهَا: "أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ".
قوْلُهُ: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} اسْتِفْهَامٌ لإِنْكَارِ غَلَبَتِهِمْ. وَتَقْرِيرِ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ لَا غَالِبُونَ، وفيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْصَ الْأَرْضِ مِنْ أَطْرَافِهَا سَبَبٌ لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الإِسْراءِ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ} الآيةَ: 31، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَارِعَةِ السَّرَايَا التي كانَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِتَفْتَحُ أَطْرَافَ بِلَادِهِمْ. وهوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُي سَعِيدٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ ـ رضِيَ اللهُ عنهم. وَفي هَذَا الْمَعْنَى يقولُ اللهُ تعالى فِي آخِرِ سُورَةِ "الرَّعْدِ" أَيْضًا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} الآيةَ: 41، منْ سورةِ الرَّعْدِ. إِلَى غيْرِ ذلك.
قولُهُ تَعَالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ} بَلْ: حَرْفُ إِضْرَابٍ وابْتِدَاءٍ. و "مَتَّعْنَا" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٍ، هُوَ "نَا" ضميرُ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهَ، وَ "نا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ. و "هَؤُلَاءِ" الهاءُ: للتَّنْبِيهِ، و "أُلاءِ" اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على الكَسْرِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ. و "آبَاءَهُمْ" مَعْطوفٌ عَلَى "هَؤُلَاءِ"، منصوبٌ مِثْلُهُ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ: علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وَغَايَةِ. و "طَالَ" فِعْلٌ مَاضٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ بعدَ "حَتَّى". و "عَلَيْهِمُ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "طَالَ"، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "الْعُمُرُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ، فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ، مَجْرُورٍ بِـ "حَتَّى" التي بِمَعْنَى "إِلَى" والتَّقْديرُ: إِلَى طُولِ العُمُرِ.
قولُهُ: {أَفَلَا يَرَوْنَ} أَفَلَا: الهَمْزَةُ: لِلِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ، دَاخِلَةٌ عَلى مَحْذوفٍ، وَالفاءً: عَاطِفَةٌ عَلَى ذَلِكَ المَحْذوفِ، و "لا" نَافِيَةٌ. و "يَرَوْنَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلةِ المَحْذوفَةِ، وَالتَّقْديرُ: أَلَا يَتَدَبَّرُ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ، المُسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ فَلَا يَرَوْنَ. وَالجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فَلِيْسَ لَهَا محلٌّ مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ} أَنَّا: "أَنَّ" حرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ
بالفعْلِ، وَ "نا" ضميرُ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "نَأْتِي" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَعَلَاَمةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى آخِرِهِ، لِثِقَلِها عَلَى اليَاءِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ: (نَحْنُ) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالى. و "الْأَرْضَ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" مَعَ صِلَتِهَا فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ، سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "يَرَوْنَ"؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا عِلْمِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً.
قَوْلُهُ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} نَنْقُصُهَا: فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تَقْديرُهُ: (نَحْنُ) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالى. و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَنْقُصُ" والجُملةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِيَ مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَال مِنْ فَاعِلِ "نَأْتِي"، أَوْ مِنْ مَفْعُولِهِ؛ أَيْ: نَفْتَحُها أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ، بِمَا يَنْقُصُ مِنْ أَطْرَافِ المُشْرِكِينَ، وَيَزِيَدُ فِي أَطْرَافِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقين.
قولُهُ: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} الهَمْزَةُ للِاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ، دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، وَالفاءُ: عَاطِفَةُ عَلَى ذَلِكَ المَحْذوفِ، وَالتَّقْديرُ: أَبَعْدَ نُقْصانِ أَرْضِهِمْ مِنْ أَطْرَافِهَا، هُمْ طامِعُونَ فِي النَّجَاةِ مِنْ بَأْسِنَا، فَهُمُ الغَالِبُونَ. و "هُمُ" ضميرٌ مُنْفصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابتِداءِ، وقدْ حُرِّكَ آخِرُهُ لالْتِقاءِ السَّاكنَيْنِ. و "الغالبونَ" خَبَرُ المُبتَدَأِ مَرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التَّنْوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى تِلْكَ الجُملةِ المَحْذُوفَةِ، والجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ مُسْتَأْنَفَةُ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.