وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ
(51)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} رُشْدَهُ، أَيْ: كَمَالَ عَقْلِهِ، وَإِرْشَادِهِ إِلى طَلَبِ المَعَارِفِ والحَقَائِقِ، وَسُلُوكِ سبيلَ التَّوْحيدِ للهِ ـ تَعَالَى، وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَ الحَقِّ، مِنْ قَبْلِ مُوْسَى وَهَارُونَ.
وَقَبْلَ مَجِيءِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ، كَانَ خَلِيلُ اللهِ إِبْرَاهِيمُ ـ علَيْهِ السَّلامُ، الْمَثَلَ الْأَعْلَى الأَوَّلَ فِي مُقَاوَمَةِ الشِّرْكِ، ومُقَارَعَةِ الحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، وَبِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِإِعْلَانِ التَّوْحِيدِ، إِذْ أَقَامَ في مَكَّةَ هَيْكَلًا لِلتَّوْحِيدِ هُوَ الْكَعْبَةُ، وَفي جَبَلِ (نَابُو) مِنْ بِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ، حَيْثُ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ ثَمَّ مَدِينَةٌ تُسَمَّى (لَوْزَا)، ثُمَّ بَنَى (بَيْت إِيل) بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ مَدِينَةِ (القُدْسِ)، فَكَانَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ مَعَ قَوْمِهِ شَاهِدًا عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ الَّذِي كَانَ مُمَاثِلًا لِحَالِ مُشْرِكِي مَكَّةَ، الَّذِينَ جَاءَ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقَطْعِ دَابِرِهِ.
وَفِي ذِكْرِ قِصَّةِ سيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، تَعريضٌ بالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ المُكَرَّمةَ، فَقدْ كَانُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي نَعَاهَا خليلُ الرحمنِ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، على قَوْمِهِ، وَهُمْ يَنْتَسبونَ إِلَيْهِ فهوَ جَدُّهُمْ لأَنَّ العَربَ هُمْ أَبْنَاءُ إِسْماعيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَشَرِيعَةَ إِبْرَاهِيمَ شَهِيرَةٌ كشرِيعَةِ مُوسَى ـ عَلِيْهِما السَّلامُ، وَكَفَى بِهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ أَكَّدَ ـ سُبْحانَهُ، هذا الْخَبَرَ بِلَامِ الْقَسَمِ، كَمَا أَكَّدَ الْخَبَرَ عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ، لِتَنْزِيلُ الْعَرَبِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ شَرِيعَةَ جَدِّهِمْ إِبْرَاهِيمَ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ إِبْرَاهِيمَ أُوتِيَ رُشْدًا وَهَدْيًا.
وَالرُّشْدُ، والرَّشَدُ: الْهُدَى وَالرَّأْيُ الْحَقُّ، ضِدُّ الْغَيِّ، مِنْ: رَشَدَ، يَرْشُدُ، رُشْدًا، وَرَشِدَ، يَرْشَدُ، رَشَدًا، لُغَةٌ فيه. وَتَقُول: أَرْشَدَهُ اللهُ، إِذَا هَدَاهُ إلى الصَّوابِ. و "الرَّشيدُ" مِنْ أسْماءِ اللهِ الحُسْنَى.
الرَّاشِدُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ رَشَدَ يَرُشُد رُشْدًا، ويُجْمَعُ على "راشدينِ" مِنْ ذلكَ ما جاءَ فِي الحَديثِ الشَّريفِ، قولُهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ مِنَ بَعْدِي)) فقدْ أَخْرجِ الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا ـ أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا، قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ـ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)). مُسْنَدُ أَحْمَدٍ: (4/126 ـ 127)، وَالدَّارِمِيَّ: (1/229 ـ 230)، وَأَبُو دَاوُدَ بِرقم: (4607)، وَالتِّرْمِذِيُّ برقم: (2676)، وقال: حسنٌ صحيحٌ. وابْنُ ماجَةَ برقم: (42 و 44)، وَابْنُ أَبي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةَ: (1/29 ـ 30)، والحاكم في مُسْتَدْركِهِ: (1/95 ـ 97) وقالَ: حديث صَحيحٌ عَلى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ أَعْرِفْ لَهُ عِلَّةً.
وَإِضَافَةُ الرُّشْدُ إِلَى ضَمِيرِ سيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ هو مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ، أَيِ الرُّشْدُ الَّذِي أُرْشِدَهُ. وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ هَذَا الرُّشْدِ الذي أُرْشِدَهُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَيْ رُشْدًا يَلِيقُ بِهِ، لأَنَّهُ كَانَ مَضْرِبَ الْمَثَلِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ في الرُّشْدِ، والمعنى: مَا ظَنُّكُمْ بِالرُّشْدِ الذي أُوتِيَهُ إِبراهيمَ مِنْ اللهِ تَعَالَى، فَهُوَ الَّذِي طَبَّقَتْ سُمْعَتُهُ الْخَافِقَيْنِ كَمَا عَلِمْتُمْ. فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ كَانَتْ مُفِيدَةً لِلِاخْتِصَاصِ، وَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ بَيْنَ قَوْمِهِ منفردًا بالهُدَى.
وَمما زَادَهُ تَفْخِيمًا وتَنْوِيهًا بفضْلِهِ تَذْيِيلُهُ بِالْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ" أَيْ: آتَيْنَاهُ رُشْدًا عَظِيمًا عَلَى عِلْمٍ مِنَّا بِإِبْرَاهِيمَ، أَيْ: بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِذَلِكَ الرُّشْدِ، وَهَذَا الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْسِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانَ إِبراهيمُ بِهَا مَحَلَّ الثَّنَاءِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ القُرْآنِ الكريمِ، منها: قولُهُ في الآيةِ: 124، مِنْ سُورَةِ البقرة: {قال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}. ثمَّ قوْلُهُ في الآيَةِ: 130، منها: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين}. وقالَ مِنْ سورةِ آل عِمران: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين} الآيةَ: 33. ثمَّ قالَ في الآيةِ: 67، منها: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وَقالَ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} الآية: 125. وقالَ مِنْ سورةِ الأنعام: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين} الآيةَ: 75. وقالَ مِنْ سورةِ التوبة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} الآية: 114. وَقالَ مِنْ سُورَةِ هُود: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} الآيةَ: 75. وَقالَ مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الآياتِ: (120 ـ 122). وقالَ مِنْ سورةِ مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} الآيةَ: 41. ثمَّ قالَ في الآيةِ: 58، مِنْها: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}. وقالَ مِنْ سورةِ الصَّافَّاتِ: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} الآياتِ: (109 ـ 111)، وَقالَ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار} الآياتِ: (45 ـ 47) مِنْ سُورةِ (ص). إلى آخِرِ ما هنالكَ مِنْ آياتٍ نَوَّهَتْ بفضِلِهِ ـ على نبيِّنا وعَلَيْهِ وعلى جميعِ الأَنْبِيَاءِ والمُرسَلينَ أفضلُ الصَّلاةِ وأكملُ التسْليم. والحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ" قَالَ: هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ" يَقُولُ: آتَيْنَاهُ هُدُاهُ.
قوْلُهُ: {وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ} أَيْ: وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ، بِأَنَّهُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَهْلٌ لِما آتَيْناهُ مِنَ الْرَّشادِ وَالهِدَايَةِ وَالنُّبُوَّةِ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} الواوُ: حَرْفٌ للعَطْفِ، أَوْ للاسْتِئْنافِ. وَاللَّامُ: هي المُوَطِّئَةُ للقَسَمِ. وَ "قَدْ" حرْفٌ للتَّحْقيقِ. وَ "آتَيْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وَ "نا" التَّعْظِيمِ هَذِهِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ عَلَى الفاعِلِيَّةِ. و "إِبْرَاهِيمَ" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ مَنْصوبٌ بِهِ، ولمْ يُنَوَّنْ لأَنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ. و "رُشْدَهُ" مَفْعُولُهُ الثاني منصوبٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ إِبْرَاهيمَ ـ عليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ قَبْلِ مُوسَى وَهَارُونَ، و "قَبْلُ" مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ لأَنَّهُ مقطوعٌ عنِ الإضافةِ، أَيْ: مِنْ قَبْلِ مُوسَى وَهَارُونَ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قُدِّرَ بِهِ المُضافُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ بُلُوغِهِ، وقيلَ: مِنْ قبلِ نُبُوَّتِهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ جَوَابُ القَسَمِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَجُمْلَةُ القَسَمِ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ القَسَمِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ} على كَوْنِها جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، أَوْ هِيَ جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وفي الحالينِ ليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعرابِ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ} الواوُ: حرْفٌ للعَطْفِ، و "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وقدْ حُذِفتْ أَلِفُهُ لالتِقاءِ الساكنينِ، وَ "نا" التَّعْظِيمِ هَذِهِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ عَلَى كونِهِ اسْمَ "كان". و "بِهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "عَالِمِينَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَالضَّميرُ فِي "بِهِ" يَعُودُ عَلَى "إِبْراهيمَ". وَقِيلَ: عَلَى "رُشْدَه". وَ "عَالِمِينَ" خَبَرُ "كانَ" منصوبٌ بِها، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ، وَجُمْلَةُ "كَانَ" مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "آتَيْنَا" على كونِها جوابًا للقَسَمِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ العَامَّةُ: {رُشْدَهُ} بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكونِ الشِّينِ. وقرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ ـ رحِمَهُ اللهُ، بِفَتْحِهِمَا.