لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
(3)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} احْتِرَاسٌ لِقَوْلِهِ: {اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ} مِنَ الآيةِ التي قَبَلَهَا، وَتَأْكِيدٌ عَلى مَضْمونِه، أَيِ: اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعُبُونَ فَهُوَ اسْتِمَاعٌ لَا فِقْهَ لَهُ وَلَا وَعْيَ مَعَهُ. ونَقَلَ الواحِدِيُّ في تفسيرِهِ "البَسيط" أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قالَ: أَيْ عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ. وَنَقَلَ أَيضًا عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: عَمَّا جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَ "لاهيَةً" مُشْغولَةً باللَّهْوِ الذي هُوَ الإعْراضُ والتَّرْكُ، مِنْ "لَهَى يَلْهُو" إِذَا سَلَا، وَتَرَكَ، وأَعْرَضَ، وفي الحَديثِ الشَّريفِ قَوْلُهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الْهَ عَنْهُ)) يُريدُ البَلَلَ بَعْدَ الوُضُوءِ. يُقَالُ: لَهِيَ عَنْ الشَّيْءِ يَلْهَى، كَغَشِيَ يَغْشَى إذَا غَفَلَ عنْهُ، وَلَهَا بِهِ يَلْهُو، إذَا لَعِبَ بِهِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: (فَلَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِشَيْءٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ)، أَيْ اشْتَغَلَ بِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: {إذَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِشَيْءٍ فَالْهُ عَنْهُ}. وَسُئِلَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَمَّا يَجِدُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْبِلَّةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ، فَقَالَ: "الْهَ عَنْهُ"، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ لَهَا عَنْ حَدِيثِهِ، وَقَالَ أميرُ المُؤمنينَ عُمَرُ لِرَجُلٍ بَعَثَهُ بِمَالٍ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ: "تَلَهَّ عَنْهُ ثُمَّ اُنْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ". وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، في قَصيدَتِهِ التي مَدَحَ بها رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ .............. لَا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
أَيْ لَا أَشْغَلُكَ عَنْ شَأْنِكَ وَأَمْرِك. وَفِي مُسْنَدِ الإِمامِ أَحْمَدٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ: ((سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُعَذِّبَ اللَّاهِينَ مِنْ أُمَّتِي)). وأَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو يعلى المَوْصِلِيِّ في مُعْجَمِهِ عنْ أَنَسِ بْنِ مالكٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنْهُ. وَالمُرادُ باللَّاهِينَ هُمُ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الذُّنُوبَ. وَقِيلَ: هُمْ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِفُوا ذَنْبًا قَطُّ. وَاللَّهَاةُ: هيَ قِطْعَةُ اللَّحْمِ فِي أَقْصَى سَقْفِ الفَمِ، والجَمْعُ اللَّهَا واللَهَواتُ واللَهَياتُ وَأَيْضًا اللُّها. واللُهْوَةُ: العَطِيَّةُ، يُقالُ في الجوادِ: هوَ مِعْطاءُ اللُها، إِذَا كانَ يُعْطِي الشَّيْءَ الكَثيرَ. ولَهِيتُ عَنِ الشَّيْءِ ـ بِالكَسْرِ، أَلْهَى لُهِيًّا ولُهْيانًا، سَلَوْتُ عَنْهُ، وَتَرَكْتُ ذِكْرَهُ وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ. وَأَلْهاهُ، شَغَلَهُ. ولَهَّاهُ بِهِ تَلْهِيَةً، أَي: عَلَّلَهُ. ولَهَوْتُ بالشَّيْءِ أَلْهُو لَهْوًا، وَتَلَهَّيْتُ بِهِ، لَعِبْتُ بِهِ. وَتَلَاهوا، أَي: لَهَا بَعْضُهُم بِبَعْضٍ. وَقَدْ يُكَنَّى باللَهْوِ عَنِ الجِمَاعِ. وقالوا في قولِهِ تَعَالَى: "لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نتَّخِذَ لَهْوًا" أَيْ: امْرَأَةً، وَقيلَ أَيْضًا: وَلَدًا. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: إِلْهَ عَنْهَ وَمِنْهُ بِمَعْنًى. وفلان لَهُوٌّ عَنِ الخَيْرِ، عَلَى وزْنِ فَعولٍ: تاركٌ لهُ مُنْشَغِلٌ عَنْهُ. وَالأُلْهِيَّةُ ما يُتَلَهَّى بِهِ؛ وَيُقالُ: هُمْ لُهَاءُ مِئَةٍ أَيْ: زُهَاءُ مِئَةٍ.
قولُهُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَي: أَنَّ أُلائِكَ المُشْرِكُونَ الذينَ وُصِفُوا بِاللَّهْوِ واللَّعِبِ، تَنَاجَوْا سِرًّا فِيمَا بَيْنَهُم. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذينَ ظَلَمُوا" يَقُولُ: أَسَرُّوا الَّذينَ ظَلَمُوا النَّجْوَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وأَسَرُّوا النَّجْوَى" قَالَ: أَسرُّوا نَجْوَاهُمْ بَيْنَهُمْ.
وَالنَّجْوَى: الْإِسْرَارُ بِالْكَلَامِ وَإِخْفَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ. وَ "الذينَ ظَلَمُوا" هُمُ الذينَ أَشْرَكُوا. قالَهُ ابْنُ عباسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، كما في "تَنْويرُ المِقْبَاسِ مِنْ تفسيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ"، يُؤَيِّدُهُ قولُهُ تَعَالَى مِنْ سُورةِ: لُقْمَان، حكايةً وَعْظَ لُقْمانَ لِابْنِهِ، قالَ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} الآيَةَ: 13.
قولُهُ: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الاسْتِفْهامُ هنا للنَّفْيِ وَالإِنْكَارِ، وهُوَ مَا أَسَرُّوهُ أَفْشَاهُ اللهُ وَأَذَاعَهُ وكَشَفَ سِتَرَهُمْ، فأَعْلَمَ رَسُلَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا يَقُولونَ في سِرِّهمْ، وَمَا يُخْفُونَ مِنْ أَمْرِهِم. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقدْ تَحَدَّثَ اللهُ تَعَالَى عَنْ قولِهِم ذَلِكَ وردَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةَ الَّتِي هِيَ مَنْعُ إِرْسَالِ الْبَشَرِ، فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْها قَوْلُهُ هُنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} الآيتَانِ: (7 ـ ، وَقَوْلُهُ مِنْ سورةِ الرَّعْدِ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} الْآيَةَ: 38، وقَوْلُهُ مِنْ سُورةِ إبراهيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} الآيةِ: 10، وقولُهُ مِنْ سُورةِ الإسْراءِ: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا} الآيةَ: 94، وَقَال مِنْ سُورةِ المُؤمِنُونَ: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} الآيتانِ: (33 ـ 34}، وقالَ مِنْ سورةِ الفرقان: {وَقَالُوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الآيَةَ: 7، وقالَ في الآيةِ: 20، منها: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}. وَقَالَ مِنْ سُورَةِ القَمَر: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} الآيةَ: 24، وقالَ مِنْ سورةِ التغابُنِ: {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ} الْآيَةَ: 6، إِلى آخرِهِ مِنَ الْآيَاتِ التي تتحدَّثُ عنْ مِثْلِ ذَلِكَ فهي كَثِيرَةٌ جِدًّا. قولُهُ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أَيْ: أَنَّ المُشْرِكينَ بَعْدَ أَنِ اسْتَمَعُوا إِلَى القُرْآنِ وَهُمْ في لَهْوٍ واسْتِهْتَارٍ وإِعْراضٍ، اخْتَلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَبَالَغُوا في إِخْفاءِ مَا يُضْمِرُونَهُ مِنْ سُوءٍ تِجَاهَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرِّسالةِ الَّتي حُمِلَها، وأَخَذَ يَجِدُّ في دَعْوةِ النَّاسِ إِلى الدِّينِ الجَديدِ، فقد نَاقَشُوا فيما بينَهُم هذا المَوْضوعَ وَقرَّرُوا خُطَّةً يواجِهونَ بها النَّبِيَّ ودِينَهَ، ودَبَّروا سِرًّا كيفَ يجعلونَ النَّاسَ مُعْرِضِينَ عَنْ دَعْوَتِهِ زَاهِدينَ في دِينِهِ لِيَنْفَضُّوا مِنْ حولِهِ.
وَقد تَوَصَّلوا في تَنَاجِيهِم إلى أَنَّ هَذَا الذي يَدَّعيهِ ويدْعُوا إِلَيْهِ، إنْ هو إلَّا سِحْرٌ، وما مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بَشَرٌ، لكنَّ ما يأْتيهِ وما يَتْلوهُ عَلى النَّاسِ سِحْرٌ، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ تأْثيرهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، في سَامِعيهِ وسُرْعَةِ اسْتِجابَتِهِمْ لِدَعْوَتِهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكونَ رَسُولًا، وَمَا جاءَنَا بِهِ إِنَّمَا هُوَ السِّحْرُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ؟، وتَقْبَلونَ مِنْهُ مَا يَدَّعِيهِ، وأَنْتُم تُعايَنُونَ سِحْرَهُ بِأَبْصَارِكُمْ. حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا القَوْلِ الباطِلِ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَمكِنُ أَنْ يكونَ بَشَرًا، وأَنَّ كُلَّ مَا يُظْهِرُهُ مُدَّعِى النُّبُوَّةِ مِنَ البَشَرِ مِنْ خَوَارِقَ، إِنَّما هُوَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ" يَقُولُونَ: إِنَّ مُتَابَعَةَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَابعَةُ السِّحْرِ.
قولُهُ تَعَالَى: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} لَاهِيَةً: مَنْصوبٌ عَلى الحالِ مِنْ الفاعِلِ في قَوْلِهِ {يَلْعَبُونَ} مِنَ الآيَةِ التي قبْلَها، فَتَكونُ الحَالانِ مُتَدَاخِلَتَيْنِ، أَوْ مِنْ فاعِلِ {اسْتَمَعُوهُ} أَيْضًا، عِنْدَ مَنْ يُجيزُ تَعَدُّدَ الحَالِ، فَتَكونُ الحَالانِ مُتَرَادِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُ الحالِ كَمَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الصِّفَةِ، وعَلَيْهِ يكونُ قدْ قُدِّمَتِ الحالُ غَيْرُ الصَّريحَةِ عَلَى الصَّريحَةِ، وَ "قُلُوبُهُمْ" فَاعِلُ باسْمِ الفاعِلِ "لَاهِيَةً" مَرْفُوعٌ، وَهُوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌّ بِه في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجَمْعِ المُذَكَّرِ.
قولُهُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "أَسَرُّوا" فعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. و "النَّجْوَى" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتحَةٌ مقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ. والجُملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْ تَكونَ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَ "الَّذينَ ظَلَمُوا" مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} الَّذينَ: اسْمٌ مَوْصُولٌ، مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ وَفيَ مَحلِّهِ مِنَ الإِعْرابِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ في محلِّ الرَّفعِ بَدَلًا مِنَ الوَاوِ فِي "وَأَسَرُّوا" فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، كَمَا فِي "الكِتَابِ" لَهُ: (2/41). والزَّجَّاجُ فِي "مَعَانِي القرآنِ وَإِعْرابُهُ": (3/383). وَقالَ المُبَرِّدُ: وَهَذَا كَقَوْلِكَ فِي الكلامِ: "إِنَّ الذينَ في الدَّارِ انْطَلَقُوا بَنُو عَبْدِ اللهِ. عَلَى البَدَلِ مِمَّا فِي "انْطَلَقُوا". وقد نَسَبَهُ لَهُ غَيرُ واحِدٍ كالبَغَوِيِّ: (5/310)، وَالقُرْطُبِيِّ: (11/269)، وأبو حيان الأندلُسيُّ: (6/297)، والسَّمينُ الحلبيُّ: (8/132).
وَالثاني: أَنْ يَكونَ رَفْعًا عَلَى الذَّمِّ عَلَى مَعْنَى: هُمُ الذينَ ظَلَمُوا. "مَعَاني القُرْآنِ وَإِعْرَابُهُ" للزَّجَّاجِ: (3/ 383 ـ 384).
والثَّالِثُ: أَنْ يَكونَ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِـ "أَسَرُّوا". واسْتُعْمِلَ الفِعْلُ مُقَدَّمًا كَمَا يُسْتَعْمَلُ مُؤَخَّرًا، وَعَلامَةُ الجَمْعِ لَيْسَتْ بِضَميرِ. فيجوز: انْطَلَقُوا إِخْوَتُكَ، وَانْطَلَقَا صَاحِبَاكَ، تَشْبِيهًا بِعَلامَةِ التَأْنِيثِ، نَحْوَ: ذَهَبَتْ جَارِيَتُكُ. قالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ في "مَجَازُ القُرْآنِ" لَهُ: (1/101، 2/35)، وَالأَخْفَشُ في "مَعَانِي القُرْآنِ" لَهُ: (2/475، 632) وَغَيْرُهُمَا. انْظُرْ: "البَحْرُ المُحيطُ" لِأَبي حَيَّان الأندَلُسيِّ: (6/297)، و "الدُّرُّ المَصُونُ" للسَّمِينِ الحَلَبيِّ: (8/133). فقد جَعَلوا الأَلِفَ وَالواوَ في التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ كَهَذِهِ التَّاءِ الَّتي تَقَدَّمَ لِتُؤْذِنَ بِالتَّأْنِيثِ. وَقالَ الأَخْفَشُ: وَهَذَا عَلى لُغَةِ الذينَ يَقولونَ: "أَكَلوني البَرَاغِيثُ"، وَ "ضَرَبوني قَوْمُكَ" معاني القرآن" للأخفش (2/475، 632).
وَقَالَ أَبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ في ما ذَكَرَهَ الطُّوسِيُّ: الذي قَالوهُ يَجوزُ، وَلَكِنَّهُ بَعيدٌ لَا يُخْتَارُ فِي القُرْآنِ. "التّبْيان" للطوسيِّ: (7/204).
وَقالَ أَبُو حَيَّان فِي تفسيرِ "البَحْرُ المُحيطُ" لَهُ: (6/297). أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهَا لُغَةٌ شاذَّةٌ. وَلَمْ يَنَصَّ عَلَيها أَحَدٌ. وَذَكَرَ السَّمِينُ الحَلَبِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ضَعَّفَ هَذِهِ اللُّغَةَ. ثُمَّ قالَ: قالَ أَبُو حَيَّان الأَنْدَلُسيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لُغَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ مِنْ لُغَةِ أَزْد شَنُوءَة، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَولَهُ تَعَالَى في الآيةِ: 71، مِنْ سُورةِ المائدَة: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} "الدُّرُ المَصونُ" لَهُ: (8/133). وَذَكَرَ الواحِدِيُّ في تَفْسيرِهِ "البَسيطُ" أَنَّ الحَسَنَ بْنَ يَحْيَى الجُرْجانِيَّ قالَ في كِتَابِهِ "نَظْمُ القُرْآنِ": لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ العَرَبِ أَنْ يُظْهِرُوا العَدَدَ فِي الفِعْلِ المُتَقَدِّمِ للأَسْماءِ؛ لِأَنَّ الفِعْلَ إِذَا تَقَدَّمَ الاسْمَ فَلَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ، إِنَّما هوَ فِعْلٌ ابْتُدِئَ وَصَاحَبَهُ بِالخِيَارِ مِنْ بَعْدُ فِي تَفْسيرِهِ بِمَنْ شَاءَ وَبِمَا شَاءَ، فَلِذَلِكَ خَلا مِنَ الضَّمِيرِ، وَوُحِّدَ فِي الصُّورَةِ. وإِذَا تَقَدَّمَتِ الأَسْمَاءُ فَالفِعْلُ مَعْطوفٌ عَلَيْها؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الكَلَامِ أَنْ يَزُولَ بِالْفِعْلِ عَنِ الأَسْماءِ الَّتي أَرْصَدَهَا للفِعْلِ، فإِذَا كانَ مَعْطوفًا عَلَيْهَا وَقَدْ أُضْمِرَتِ الأَسْماءُ فِيها وَبِضِمْنِها، فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ إِظْهَارِ العَدَدِ فَقَوْلُهُ: "وَأَسَرُّوا النَّجْوَى" فِعْلٌ قَدْ تَقَدَّمَتِ الأَسْماءُ عَلَيْهِ، وُهُمُ الذينَ ذَكَرَهُمُ فِي قَوْلِهِ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ: "وَأَسَرُّوا" فَجَاءَ قَوْلُهُ: "وَأَسَرُّوا" مَعْطوفًا عَلَيْهَا، وَصَارَتِ الأَسْماءُ مُضْمَرَةً فِي هَذَا الفِعْلِ.
وَالرَّابعُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، وَعَلَيْهِ فَجُمْلَةُ "أَسَرُّوا" جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ قُدِّمَتْ عَلَى المُبْتَدَأِ. حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الكِسَائِيِّ.
والخامِسُ: أَنْ يَكونَ مَرْفُوعًا بِفِعْلٍ تَقْديرُهُ: يَقُولُ الذينَ كَفَرُوا. وَقدْ حَسَّنَ أَبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ هَذَا الوَجْهَ فقالَ: فَالدَّليلُ عَلى صِحَّةِ هَذَا الجَوَابِ أَنَّ بَعْدَهُ: "هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكمْ".
والسَّادِسُ: أَنْ يَكونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، فيكونُ التَّقْديرُ: هُمُ الذينَ ظَلَمُوا.
والسَّابعُ: أَنَّهُ مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، وَخَبَرُهُ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: الذينَ يَقُولونَ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلكمْ.
الثامِنُ: أَنْ يَكونَ مَنْصوبًا على الذَّمِّ. قالَهُ مَكِّيُ بْنُ أَبي طَالبٍ في "إِعْرَابِ القُرْآنِ": (2/477)، ذَكَرَهَ أَبو البَرَكاتِ الأَنْبَارِيُّ: في "البَيَانُ فِي غَريبِ إِعْرَابِ القُرْآنِ": (2/158)، والسَّمينُ الحَلَبِيُّ في "الدُّرِّ المَصُون": (8/32 ـ 133).
التاسِعُ: وَجَوَّزَ الفَرَّاءُ أَنْ يَكونَ فِي مَوْضِعِ الخِفْضِ تَبَعًا للنَّاسِ، فَيَكونُ "الذينَ" فِي مَوْضِعِ الجَرِّ نَعْتًا "للناس". كَأَنَّما قيلَ: اقْتَرَبَ للنَّاسِ الذينَ ظَلَمُوا حِسابُهم. "معاني القُرآنِ" لهُ: (2/198)، وانْظُرْ "إِعْرَابُ القُرْآنِ" لابْنِ الأَنْبَارِيِّ: (2/158).
العاشِرُ: وَقِيلَ: "الذينَ" فِي مَوْضِعِ الجَرِّ وَهوَ بَدَلٌ مِنَ "النَّاسِ". وَقَدِ اسْتبعدَهُ أَبُو حَيَّان الأنْدَلُسيُّ وعَدَّهُ أَبْعَدَ الأَقْوَالِ. انْظُرْ: تفسير "البَّحْرُ المُحيط" لَهُ: (6/297). وَ "ظَلَمُوا" فعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "الَّذينَ" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} هَلْ: للاسْتِفْهَامِ الإِنْكارِيِّ. و "هَذَا" الهاءُ: للتَّنْبيهِ، و "ذا" اسْمُ إشارةٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ (أَدَاةُ حَصْرٍ). وَ "بَشَرٌ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرْفوعٌ. و "مِثْلُكُمْ" صِفَةٌ لِـ "بَشَرٌ" مَرْفوعةٌ مِثْلُهُ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ الاسْتِفْهَامِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على البَدَلِ مِنَ "النَّجْوَى" لِأَنَّها بِمَثَابَةِ التَّفْسيرِ لَهَا، أَوْ جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، أَوْ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مُضْمَرٍ هُوَ جَوَابٌ عَنِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، نَشَأَ مِمَّا قَبْلَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالُوا فِي نجْوَاهُمْ؟ فَقِيلَ: قالوا: هَلْ هَذَا ... الخ، وَجُمْلَةُ القَوْلِ المُقَدَّرَةِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإِنْكارِيِّ، دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذوفٍ، وَالفاءُ: عَاطِفَةٌ عَلى ذَلِكَ المَحْذوفِ. وَ "تَأْتُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رفعِهِ ثَباتُ النونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخمسَةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. وَ "السِّحْرَ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ، وَالتَّقْديرُ: أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ. وَالجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، بَدَلًا ثَانيًا مِنَ "النَّجْوَى" وقالَ السَّمينُ الحلَبيُّ: يَجُوزُ فِي هَاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ الاسْتِفْهامِيَّتَيْنِ أَيْ قَوْلُهُ: "هَلْ هذا"، وَقَوْلُهُ: "تُبْصِرُونَ"، أَنْ تَكونَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بَدَلًا مِنَ "النَّجْوَى"، وَأَنْ تَكونَا في مَحَلِّ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ القَوْلِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَنْ تَكونَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أَنَّهُما مَحْكِيَّتَانِ لِـ "النَّجْوَى"؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى القَوْلِ.
قَوْلُهُ: {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} الواوُ: حَالِيَّةٌ، و "أَنْتُمْ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، وَ "تُبْصِرُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَعَلامَةُ رفعِهِ ثَباتُ النونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخمسَةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. والجُمْلةُ خَبَرُ المُبتَدَأِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، وَهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "تَأْتُونَ" مُقَرِّرَة للإنْكارِ.
قرَأَ العامَّةُ: {لاهِيَةً} بالنَّصْبِ، وقَرَأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ "لاهيَةٌ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ ثَانٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّز ذَلِكَ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَعَدُّدَ الخَبَرِ.