وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى
(129)
قوْلُهُ ـ تَعالى شأْنُهُ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أَيْ: وَلَوْلَا الكَلِمَةُ السَّابِقَةُ مِنْهُ ـ سُبْحانَه وَتَعَالى، وَهِيَ وَعْدُهُ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بِتَأْخيرِ عَذَابِ أُمَّتِهِ إِلَى الآخِرَةِ إِكْرامًا لَهُ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم} الآيةَ: 33، مِنْ سُورَةِ الأَنْفَالِ. وَفي ذَلِكَ حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٍ وَإِفْساحٌ لَهُمْ في المَجَالِ لِيُؤْمِنُوا، أَوْ لِيُؤمِنَ باللهِ مَنْ يأْتي مِنْ أَصلابهِمْ، كَمَا قَالَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، حينَ ذهَبَ إلى الطائفِ يدعوا ثقيفًا إِلى اللهِ تَعَالى فسلَّطوا عَلَيْهِ غِلْمانَهُمْ وسفهاءهُمْ، فقذفوه بالحجارةِ حتَّى سالَ الدَّمُ مِنْ كَعْبَيْهِ الشَّريفيْنِ، وَجاءَهُ جِبْريلُ وَمَعَهُ المَلَكُ المُوَكَّلُ بالجبالِ قائلًا: ((أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يعبد الله))، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغيْرِهِما، عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُد؟ فَقَالَ: ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى (ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كِلَالٍ) فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بَسَحابَةٍ قَدْ ظَلَّلَتْني، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، وَسَلَّمَ عليَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يعبد الله لا يشرك به شيئًا)). مُتَّفقٌ عليْهِ، أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في: بِدْءُ الخَلْقِ ـ ذِكْرُ المَلائِكَةِ: (برقم: 2992)، ومُسْلِمٌ في: الجِهَادُ والسِّيَرُ ـ مَا لَقِي النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (برقم: 3352). وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ السَّابِقَةُ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ وتعالى: هُيَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ الدَّلِيلِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، واللهُ أَعْلَمُ.
وَهُوَ اسْتِئنافٌ سِيقَ لِبَيانِ حِكْمَةِ عَدَمِ وُقُوعِ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الآيةَ: 128، السَّابِقَةَ، مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ القُرونَ المُهْلَكَةَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} مِنَ الآيَةِ: 128، السَّابقةِ، بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْعِبْرَةِ بِالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وبِأَنَّهمْ جَدِيرُونَ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ. فَلَمَّا كَانُوا قَدْ غَرَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ بِتَكْذِيبِ الْوَعِيدِ لِمَا رَأَوْا مِنْ تَأَخُّرِ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ: {مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} الآية: 29، مِنْ سُورةِ سَبَأَ، فَعَقَّبَ وَعِيدَهُمْ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُزِيلُ غُرُورَهُمْ بِأَنَّ سَبَبَ التَّأْخِيرِ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنَ اللهِ بِذَلِكَ لِحِكَمٍ يَعْلَمُهَا. وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ سَبَأ: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} الآيةَ: (29 و 30).
وَالْكَلِمَةُ: مُسْتَعْمَلَةٌ هُنَا فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ الْكَلِمَاتُ اللَّفْظِيَّةُ مِنَ الْمَعَانِي، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الرَّاجِعِ إِلَى عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا سَيُبْرِزُهُ لِلنَّاسِ مِنْ أَمْرِ التَّكْوِينِ أَوْ أَمْرِ التَّشْرِيعِ، أَوِ الْوَعْظِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ هود: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِي سُورَةِ هُودٍ} الآيةَ: 110.
فَالْكَلِمَةُ هَنَا مُرَادٌ بِهَا: مَا عَلِمَهُ اللهُ مِنْ تَأْجِيلِ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، فَاللهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ أَنْظَرَ قُرَيْشًا فَلَمْ يُعَجِّلْ لَهُمُ الْعَذَابَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنْشَرَ الْإِسْلَامَ بِمَنْ يُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَبِذُرِّيَّاتِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ بَقَاءِ شَرْعِهِ وَانْتِشَارِهِ لِأَنَّهُ الشَّرِيعَةُ الْخَاتِمَةُ. وَخَصَّ اللهُ مِنْهُمْ بِعَذَابِ السَّيْفِ وَالْأَسَرِ مَنْ كَانُوا أَشِدَّاءَ فِي التَّكْذِيبِ وَالْإِعْرَاضِ حِكْمَةً مِنْهُ تَعَالَى.
قوْلُهُ: {لَكانَ لِزامًا} لِزَامًا: أَيْ لازِمًا، مِنَ الْمُلَازَمَةِ، مَصْدَرُ "لَازَمَ" كَ "خِصَامٍ" مَصْدَرُ "خاصَمَ"، اسْتُعْمِلَ مَصْدَرَا لِفِعْلِ لَزِمَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي قُوَّةِ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ عِدَّةِ نَاسٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ "فِعَالٍ" بِمَعْنَى "فَاعِلٍ"، مِثْلَ لِزَازٍ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:
إِنّا إِذَا التَقَتِ المَجَامِعُ لم يَزَلْ ............... مِنَّا لِزَازُ عَظِيمَةٍ جَشّامُهَا
وَسِدَادٍ فِي قَوْلِ الْعَرَجِيِّ:
أَضَاعُونِي وَأَيُّ فَتًى أَضَاعُوا ................... لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ
أَيْ: لَكَانَ الْإِهْلَاكُ الشَّدِيدُ لَازِمًا لَهُمْ. فيكونُ مَعْنَى الآيَةِ: لَكَانَ الْعَذَابُ لَازِمًا لَهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ قولُهُ: "لِزَامًا" جَمْعَ "لَازِمٍ" كَ "قِيامٍ" جَمْعَ "قائِمٍ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "لَكَانَ لِزَامًا"، قَالَ: مَوْتًا. أَيْ لَكَانَ عقابُ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ عَلَى جِنَايَاتِهم أَمْرًا لَازِمًا مباشَرةً لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ وقوعِهَا مِنْهُمْ سَاعَةً لُزُومَ مَا نَزَلَ بِأُولئكَ الغابِرينَ.
قولُهُ: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} قالَ قَتَادَةُ وَالْقُتَبِيُّ: وَالْمُرَادُ بالأجَلِ المُسَمَّى: يومُ الْقِيَامَةُ، وَقِيلَ: يَوْمِ بَدْرٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمَّى" قَالَ: هَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ، يَقُولُ: لَوْلَا كَلِمَةٌ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمَّى لَكَانَ لِزامًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا" قَالَ: لَكَانَ أَخْذًا، وَلَكنَّا أَخَّرْناهُمْ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَهُوَ اللُّزُومُ وتَفْسيرُهَا "وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجْلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لزامًا" وَلَكِنَّهُ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي الْكَلَامِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: الْأَجَل الْمُسَمَّى الْكَلِمَةُ الَّتِي سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ، "لَكَانَ لِزَامًا" وَ "أَجَلٌ مُسَمًّى} قَالَ: أَجَلٌ مُسَمًّى الدُّنْيَا.
وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى "كَلِمَةٌ"، أَيْ وَلَوْلَا أَجَلٍ مُسَمًّى لِأَعْمارِهِمْ، أَوْ لِعَذابِهِمْ، لَمَا تَأَخَّرَ عَذَابُهُمْ أَصْلًا، وَفَصْلُهُ عَمَّا عُطِفَ عَلَيْهِ للْمُسَارَعَةِ إِلَى بَيَانِ جَوَابِ "لَوْلَا" وَلِلإشْعارِ بِاسْتِقْلالِ كُلٍّ مِنْهُما بِنَفْيِ لُزُومِ العَذابِ وَمُراعَاةِ فَوَاصِلِ الآيِ الكَريمَةِ.
وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ بَغْتَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ لِنَبِيِّهِ في الآيةِ التي بَعْدَهَا مُسَلِّيًا لَهُ: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أَيْ: مِنْ تَكْذِيبِهِمْ لَكَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} وَلَوْلَا: الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "لَوْلَا" حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجودٍ. وَ "كَلِمَةٌ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، خَبَرُهُ مَحْذوفٌ تَقْديرُهُ: مَوْجُودَةٌ، وهذِهِ الجُملةُ الاسْميِّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وَ "سَبَقَتْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ، والتَّاءُ السَّاكِنَةُ للتَأْنيثِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازًا تَقْديرُهُ: (هِيَ) يَعُودُ إِلَى "كلمةٌ"، والجُمْلَةُ في محلِّ الرَّفعِ صِفَةٌ لِـ "كَلِمَةٌ". و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "سَبَقَتْ"، و "رَبِّكَ" اسمٌ مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ.
قوْلُهُ: {لَكانَ لِزامًا} لَكَانَ: اللامُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "لَوْلَا"، و "كان" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ، وَاسْمُهَا: ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيها جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلى الإِهْلاكِ. و "لِزَامًا" خَبَرُ "كانَ" مَنْصُوبٌ بِها، وَالتَّقْديرُ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بِتَأْخِيرِ العَذَابِ عَنْهُمْ لَكَانَ الإِهْلاكُ العاجِلُ لَازِمًا لَّهُمْ. والجملةُ جوابُ شَرطٍ غيرِ لازمٍ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قَوْلُهُ {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} الوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "أَجَلٌ" مَرفوعٌ بالابْتِدَاءِ عَطْفًا عَلى "كَلِمَةٌ". و "مُسَمًّى" صِفَةٌ لَهُ مرفوعةٌ مثلُهُ، وَالتَّقْديرُ: وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لِإِهْلاكِهِمْ لَكَانَ الإِهْلَاكُ العاجِلُ لِازِمًا لَهُمْ. وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُ، والعُكْبُريُّ أَنْ يَكُونَ "أَجَلٌ" مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ فِي "كانَ" وَقَامَ الفَصْلُ بِخَبَرِهَا مَقَامَ التَأْكِيدِ بِالضَّميرِ المُنْفَصِلِ، إِذًا فَهُوَ مِنْ قَبيلِ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: أَوْ فَاصِلٍ مَّا؛ أَيْ: لَكَانَ الإِهْلَاكُ العَاجِلُ، وأَجَلٌ مُسَمًّى لَازِمَيْنِ لَهُمْ، كَمَا كَانَا لَازِمَيْنِ لِمَنْ كانَ قَبْلَهُم كَعَادٍ وَثَمُودٍ. فَقَدْ جَعَلا اسْمَ "كانَ" عَائدًا عَلى مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تُشْكِلُ عَلَيْهِما مَسْأَلَةٌ: وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ جَوَّزَا فِي "لِزَامًا" وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكونَ مَصْدَرَ "لازَمَ" كَالخِصَامِ مَصْدَر خاصَمَ، وَهذا لَا إِشْكَالَ عَلَيْهِ. وَالثَّاني: أَنْ يَكونَ وَصْفًا عَلى زِنَةِ "فِعال" بِمَعْنَى "مُفْعِلٍ" أَيْ: مُلْزِمٍ، كَأَنَّهُ آلَةُ اللُّزُومِ لِفَرْطِ لُزُومِهِ، كَمَا قَالُوا: لِزَازُ خَصْمٍ، وَعَلَيْهِ فَيُقالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُطَابِقَ فِي التَّثْنِيَةِ فَيُقال: لِزَامَيْنِ بِخَلافِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا فَإِنَّهُ يُفْرَدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَجَوَّزَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ أَنْ يَكونَ "لِزَامًا" جَمْعَ "لازِمٍ" كَ "قِيامٍ" جَمْعَ "قائِمٍ".