قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
(123)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِلإجابةِ عَنْ سُؤالٍ رُبَّما أَثارَهُ في نَفسِ السَّامعِ الْإِخْبَارُ عَنْ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِالْغِوَايَةِ والْعِصْيَانِ، وهوَ: فَمَا كَانَ جَزَاءُ ذَلِكَ؟.
والضَّمِيرُ فِي "قالَ" عائدٌ إِلَى {رَبَّهُ} في قولِهِ مِنَ الآيةِ: 121: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ}، وَالقائلُ هُوَ اللهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وَهَذا الأَمْرُ هوَ أَمْرُ إنْجازٍ وَتَكْوِينٍ، لِأَنَّهُمَا عَاجِزَانِ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الأَرْضِ بنفسَيْهِما إلَّا بِتَكْوِينٍ وإِنْجازٍ مِنَ اللهِ تَعَالى، كَمَا كَانَ قَرَارُهُمَا فِي عَالَمِ الْجَنَّةِ بِتَكْوِينِهِ وإنْجازِهِ تَعَالَى.
وَ "اهْبِطَا" انْزِلا، وهو مِنَ الهُبُوطِ الذي هُوَ النُّزولُ مِنْ أَعْلى إِلَى أَسْفَلَ، فهَبَطَ هُبُوطًا: مَعْنَاهُ نَزَلَ نُزُولًا، وَهَبَطَهُ هَبْطًا، أَنْزَلَهُ إنْزالًا، وَأَهْبَطْتُهُ فانْهَبَطَ: أَنْزَلْتُهُ أَنا فأُنْزِلَ، وفِي المجازِ بالهُبُوطِ المَعْنَوِيِّ يُقالُ: هَبَطَ ثَمَنُ السُّلْعَةِ، إِذا نَقُصَ، وهَبَطْتُهُ أَنَا، وَأَهْبَطْتُهُ، وَهَبَطَ المَرَضُ لَحْمَهُ، أَيْ: هَزَلَهُ. فَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَمَا يأْتي لازِمًا فَلَا يَتَعَدَّى. والهَبُوطُ: هُوَ الحَدُورُ. والهَبِيطُ: الضَّامِرُ مِنَ النُّوقِ.
وَالْمُخاطَبُ في قولِهِ: "اهْبِطَا" ـ بِضَمِيرِ التَثْنِيَةِ، هُوَ سَيِّدُنَا آدَمُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما: (يُريدُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ). وَأَمَّنَا حَواءُ ـ عَلَيْها السَّلامُ، فَمَشْمُولةٌ بالخِطابِ ضِمْنًا مَعَ أَبِينَا آدمَ، لأَنَّها زَوْجُهُ، وَيُصِيبُها مَا يُصيبُهُ، بِدَليلِ قولِهِ بعْدَ ذَلِكَ "جَميعًا".
وَقِيلَ: بَلِ يَعودُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ـ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَالتَثْنِيَةُ باعْتِبَارِهمَا مَعًا، لِقَوْلِهِ في الآيةِ: 121، الَّتي قَبْلَها: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}، فَالْحَديثُ إنَّما كانَ عَنْ آدَمَ وحَوَّاءَ، وَلَيْسَ عَنْ آدَمَ وإِبْلِيسَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى "جَميعًا"، فَبِاعْتِبَارِ آدَمَ وزَوْجِهِ مَعَ مَا يَكونُ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا، فهُو اسْمٌ مُفْرَدٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ، كَ: "فَرِيقٍ"، أَيْ هُوَ اسْمٌ لِمَعْنَى كُلِّ أَفْرَادِ مَا يُوصَفُ بِـ "جَمِيعٍ"، فيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالمُؤنَّثُ وَالْمُفْرَدُ وَالمُثَنَّى والجَمْعُ، كَقَولِهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ: 55، مِنْ سُورةِ هُودٍ: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ولا تُنْظِرون} وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
و "مِنْهَا" أَيْ: مِنْ الجَنَّةِ، فَهاءُ الْضَّمِيرِ المَجرورةِ بحرفِ الجَرِّ هنا عائدةٌ إِلَيْهَا، لأَنَّ الضمائرَ في الآياتِ الواردَةِ قَبْلَ ذَلِكَ كُلُّها كانتْ عائدةً إِلَيْهَا، أيْ: إلى الجَنَّةِ، قالَ تَعَالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119).
والهُبُوطُ كانَ مِنَ الجنَّةِ إِلَى الأَرْضِ لِقَوْلِهِ فِي الآيَةِ: 36، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}، وقولِهِ في الآية: 24، مِنْ سُورةِ الأَعرافِ: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}. وقيلَ: كانَ الهُبُوطُ أَوَّلًا كانَ مِنَ الجنَّةِ إلى السَّماءِ، واللهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الْخِطَابُ لِآدَمَ وَإِبْلِيسَ، وَأَمَّا حَوَّاءُ فَتَبَعٌ لِزَوْجِهَا. وَقَدْ خُوطِبَا بِضَمِيرِ بـ "جَميعًا" لِأَنَّهُ أُرِيدَ ما يَكونُ بَيْنَ نَسْلَيْهِمَا مِنْ عَدَاوَةُ، فَهُمَا أَصْلَانِ لِنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنَ الخَلْقِ، عَدُوَيْنِ لَدُودينِ، نَوْعِ الْإِنْسِ وَنَوْعِ الشَّيْاطَينِ.
قوْلُهُ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} الْخِطَابُ هنا لِآدَمَ وذُرِّيَّتِهِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، أَمَّا إِبْلِيسُ فهو مستثْنًى مِنْ هَذَا الْخِطَابُ لِأَنَّهُ مَفْطُورٌ عَلَى الشَّرِّ وَالضَّلَالِ، ولا حظَّ لهُ في الهدايةِ، بِهَذَا أَنْبَأَهُ اللهُ تَعَالى عِنْدَما أَبَى السُّجُودَ لِآدَمَ طاعَةً للهِ ـ تَبَاركَ وَتَعَالَى، ولذَلكَ لَمْ يُكَلَّفْ بِاتِّبَاعِ الْهُدَى، مِمَّنْ أَعْلَمَهُ ِأَنَّهُ مِنْ أهْلِ الضَّلَالِ وَلِهذَا لَمْ يَرِدْ فِي السّيرَةِ الشريفةِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا الشَّيْطَانَ أَوْ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لِلْإِسْلَامِ، وَأَمَّا ما رَوَاهُ الأَئمَّةُ أَحْمَدٌ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فلا يأْمُرُني إلَّا بِخَيْرٍ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (1/385، برقم: 3648)، الدَّارِمِيُّ: (2734)، ومُسْلِمٌ في صحيحِهِ: (8/139، برقم: 7210)، وغَيْرُهُم، وَلَهُ رِواياتٌ مُتَقَارِبَةٌ عندَ الترمذيِّ، والنَّسَائيِّ، والطَبَرانيِّ، والدارقطنيِّ وأبي يَعَلَى وابْنِ حِبَّانٍ عَنْ السَّيِّدَةِ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ، وَجَابِرِ بْنِ عبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعينَ. وهذا لَا يَعني أَنَّهُ دَعَاهُ لِلْإِسْلَامِ وَلَكِنَّ اللهَ أَلْهَمَ قَرِينَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخَيْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَرِينِ: شَيْطَانٌ قَرِينٌ، وَالْمُرَادُ بِالْهُدَى: الْإِرْشَادُ إِلَى الْخَيْرِ، واللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ} أَيْ: مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى الْوَارِدَ مِنَ عِنْدِ اللهِ تَعَالى عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ الكِرَامِ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، سَلِمَ مِنْ الضَّلَالِ، فَلَا يَقَعُ فيهِ أَبَدًا، بِخِلَافِ مُتَّبِعِي الشَّرَائِعِ الْوَضْعِيَّةِ فَإِنَّهَا لا تَسْلَمُ مِنَ ضَلَالٍ مهما بَذَلَ واضِعُوها في تَطَلُّبِ الحَقِّ والعدْلِ، والْتِمَاسِ الصَّوابِ. أَمَّا المُرْسلونَ مِنْ عندِ اللهِ ـ تعالى، فإِنَّهم يَتَلَقُّونَ شَرائِعَهُمْ وَحْيًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ الَّذِي لَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى، وَقد أَيَّدَهُمُ رَبُّهُم، وَعَصَمَهُمْ مِنْ مُصَانَعَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَكَوَّنَهُمْ تَكْوِينًا مُنَاسِبًا لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ مُرَادِهِ مِنْهُمْ، وَثَبَّتَ قُلُوبَهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ اللَّأْوَاءِ وأَلْوانِ العِداءِ، وَلَا يَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَالَّذِي يَنْظُرُ فِي الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ كُلِّها نَظْرَةَ مُتَفَحِّصٍ حَكِيمٍ، يَجِدُ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى مُرَاعَاةِ أَوْهَامٍ وَعَادَاتٍ، ومُراعاتِ مَصالحَ شخصيَّةٍ، أَوْ طَبَقِيَّةٍ، أَوْ عِرْقيَّةٍ، أَوْ فِئَوِيَّةٍ.
قولُهُ: {وَلا يَشْقَى} أَيْ: وَلا يَشْقى في الْآخِرَةِ، فقدْ ضَمِنَ اللهُ تَعَالَى لِمَنْ تَبِعَ هُداهُ، والتزمَ بِشَرْعِهِ المُنَزَّلِ على رُسُلِهِ السَّلامَةَ مِنَ الضَّلَالِ فِي الدُّنْيَا، وعَدَمَ الشَّقَاءِ فِي الْآخِرَةِ. يَدُلُ لِهَذَا مُقَابَلَةُ ضِدِّهِ فِي قَوْلِهِ بعدَ ذلكَ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى}، إِذْ رَتَّبَ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ هُداهُ اخْتِلَالَ وضْعِهِ فِي الدُّنْيَا، وَشقاءَهُ في الْآخِرَةِ، فَالْمَعِيشَةُ مُرَادٌ بِهَا مُدَّةُ العَيْشِ في الْحَيَاةِ الدُّنيا.
أَخْرَجَ الإمامُ الطَّبَرَانِيُّ والخَطِيبُ البغداديُّ فِي (الْمُتَّفِقُ والمُفْتَرِقُ)، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي الطُّفَيْلِ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٌ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ اتَّبَعَ كِتَابَ اللهِ هَدَاهُ اللهُ مِنَ الضَّلَالَةِ فِي الدُّنْيَا، وَوَقَاهُ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى".
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَب الإِيمانِ) مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَجَارَ اللهُ تَابِعَ الْقُرْآنِ مِنْ أَنْ يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". قَالَ: لَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الكَريمَةِ وَصِيَّةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِ رُسُلِ اللهِ وَالْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ إلَيْهِم، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَبَ الْهُدَى مَزْروعٌ فِي العُقولِ الْبَشَرِيَّةِ بالْجِبِلَّةِ الإلهيَّةِ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى اللهِ تَعَالَى، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئنافًا بَيَانِيًّا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} اهْبِطَا: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذِفِ النونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخمسَةِ، وَأَلِفُ التَثْنِيَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ يعود عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "مِنْهَا" مِنْ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اهْبِطَا"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "جَمِيعًا" منصوبٌ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "اهْبِطَا". وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} بَعْضُكُمْ: مَرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "لِبَعْضٍ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "عَدُوٌّ"، وَ "بَعْضٍ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ لأَنَّهُ كانَ صِفَةً لَهُ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. و "عَدُوٌّ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ حالٌ مِنْ فاعِلِ "اهْبِطَا".
قوْلُهُ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} فَإِمَّا: الفاءُ: عاطِفَةٌ، وَ "إِمَّا" هِيَ: "إِنْ" حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، و "ما" زَائِدَةٌ. و "يَأْتِيَنَّكُمْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ لاتِّصالِهِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقيلَةِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ على أَنَّهُ فِعْلُ شَرْطٍ لَهَا، والنونُ نونُ التوكيدِ الثقيلةِ. وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ بالمَفْعولِيَّةِ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذَكَّرِ. و "مِنِّي" من: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يَأْتِيَنَّ"، وياءُ المُتكلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "هُدًى" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورها على الألِفِ. والجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ على جُملةِ "اهْبِطَا" علة كونِها في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ.
قولُهُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} فَمَن: الفاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوابِ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا لِكَوْنِ الجَوَابِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، وَ "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، وَالخَبَرُ: جُمْلَةُ الشَّرْطِ، أَوِ الجَوَابِ أَوْ هُمَا مَعًا. و "اتَّبَعَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَّرطيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَفاعِلُهُ: ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلَى "مَنْ". و "هَدَايَ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتْحَةٌ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهورِها عَلَى الأَلِفِ، وهوَ مُضافٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الرَّفعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في محلَّ الجزمِ جَوَابُ الشَّرْطِ الأَوَّلِ مُقْتَرِنَةٌ بالفاءِ.
قوْلُهُ: {فَلَا يَضِلُّ} فَلَا: الفاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَاب "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ لِاقْتِرانِهِ بِـ "لا"، وَ "لا" نافِيَةٌ لَا عَمَلَ لَهَا. و "يَضِلُّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جَوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلَى "مَن"، والجُملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في محلِّ الجَزْمِ جَوَابًا لِشَرْطِ "مَنْ".
قولُهُ: {وَلَا يَشْقَى} الواوُ: عاطفةٌ، و "لا" نافيةٌ كسابقتها، و "يشقى" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تَقْديرُهُ (هوَ) يعودُ على "مَنْ" والجُملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَّرطيَّةِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "يَضِلُّ".