فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
(114)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} تَعَالَى: أَيْ: تَنَزَّهَ ـ سُبحانَهُ، وَجَلَّ عَنْ إِلْحادِ المُلْحِدينَ، ومَا يَصِفُهُ بِهِ المُشْرِكونَ. فهُوَ المُسْتَحْقُّ أَنْ يُمْدَحَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ وَكُلُّ سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، فهوَ الملكُ الحقُّ الذي لَهُ الإيجادُ والإمدادُ، وهوَ المحيِ والمُمِيتُ وَبِيَدِهِ العَطَاءُ، والحِسَابُ والثوابُ، والعقابُ وَالجزاءُ، إليْهِ ترجَعُ الأُمُورُ، وهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ.
وَفِي وَصْفِهِ بِالْحَقِّ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُتَسَمَّيْنَ بِالْمُلُوكِ لَا يَخْلُو مِنْ نَقْصٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى في الآيةِ: 26، مِنْ سُورَةِ الفرقانِ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ}. وَفِي الْحَدِيثِ الشَّريفِ: ((قَالَ يَقْبِضُ اللهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ)). أَيْ أَحْضِرُوهُمْ هَلْ تَجِدُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ. أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ: (2/374، برقم: 8850)، والبُخاريُّ: (8/135، برقم: 6519)، وَمُسْلِمٌ: ((8/126))، وابْنُ مَاجَةَ: ( برقم: 192)، والنَّسائيُّ: في "سُنَنِهِ الكُبْرَى": ((7645))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. كَقَوْلِ الْخَلِيفَةِ مُعَاوِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، حِينَ خَطَبَ فِي الْمَدِينَةِ: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ".
وهَذِهِ الآيَةُ تَفْريعٌ عَلَى قَوْلِهِ في الآيَةِ التِي قَبْلَها: {وكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا...}، لِإِنْشَاءِ الثَنَاءِ عَلَى اللهِ تَعَالى مُنَزِّلِ الْقُرْآنِ العَظِيمِ لِعَظِيمِ امْتِنَانِهِ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَتَلْقِينٌ لَهُمْ كيْفيَّةَ شُكْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَ لهُمْ فِيهِ مِنْ وَسَائِلِ الْإِصْلَاحِ، وَلِحَمْلِهِمْ عَلَيْهِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَتَوْجِيهِهِ إِلَيْهِمْ بِأَبْلَغِ الكَلَامِ وَأَحْسَنِ النِّظامِ أُسْلُوبٍ.
وَهذا التَّفْرِيعُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِنْزَالَ للقرآنِ، وَالتَّصْرِيفَ وَوَسَائِلَ الْإِصْلَاحِ كلُّ ذَلِك نَاشئٌ عَنْ جَمِيلِ آثَارٍ يَشْعُرُ جَمِيعُهَا بِعُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، هُوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُدَبِّرُ لِأُمُورِ مَمْلُوكَاتِهِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الْكَمَالِ وَأَنْفَذِ طُرُقِ السِّيَاسَةِ. وَقد جَمَعَ بَيْنَ اسْمِ الْجَلَالَةِ الأَعْظَمِ الجامِعِ لِصِفاتِ الكَمَالِ، الدَّالِّ عَلَى انْحِصَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَكَمَالِهَا "اللهُ" وَاسْمِهِ "الْمَلِكُ" لِلإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِعْظَامَهُ وَإِجْلَالَهُ مُسْتَحِقَّانِ لِذَاتِهِ المُقدَّسَةِ العَلِيَّةِ، كَمَا أَنَّ في اسْمَهُ "الْحَقُّ" إشارةٌ إِلَى أَنَّ أَفعالَهُ كلَّها وَتَصَرُّفَاتِهِ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مُلْكَهُ مُلْكُ حَقٍّ لَا تَصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ. وَلَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ عَجْزٍ وَلَا خُضُوعٍ لِغَيْرِهِ، ولا زَوَالَ لِمُلْكِهِ. وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مُلْكَ غَيْرِهِ عاريةٌ مُسْتَرَدَّةٌ، فَهُوَ مُلْكٌ زَائِفٌ، زَائلٌ.
وَفِي تَفْرِيعِ ذَلِكَ عَلَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ قَانُونُ ذَلِكَ الْمَلِكِ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ السِّيَاسَةُ الْكَامِلَةُ الضَّامِنَةُ صَلَاحَ أَحْوَالِ مُتَّبِعِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَهَذِهِ الجملةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ قولِهِ: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قرآنًا عربيًا} مِنَ الآيةِ: 113، السَّابِقَةِ، وَبَيْنَ جُمْلَةِ قولِهِ: مِنَ هَذِهِ الآيَةِ الكريمةِ: "وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ".
قولُهُ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} أَيْ: وَلَا تَعْجَلْ بِقراءَةِ الْقُرْآنِ} أْيٍ: بقراءته {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أن يفرغ جبريل من تلاوته عليك. وقال المفضل: (من قبل أن يوفى ويتمم) (2).أَيْ: لَا تُمْلِهِ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُتِمَّهُ لَكَ. قالَهُ مُجَاهِدٌ ـ رَضِي الله عَنهُ، فيما أَخْرَجَهُ عنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ. وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، في رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَأَبي صَالِحٍ عَنْهُ: كانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُبَادِرُ جِبْرِيلَ فَيَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ جِبْريلُ مِنَ الوَحْيِ، وَلَا يَفْرَغُ جِبْريلُ مِمَّا يُريدُ مِنَ التِّلاوَةِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَوَّلِهِ، حِرْصًا مِنْهُ عَلَى مَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَشَفَقَةً عَلَى القُرْآنِ مَخَافَةَ الانفِلاتِ وَالنِّسْيانِ فنهاهُ اللهُ عنْ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ" يَقُولُ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ.
ولا شَكَّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ يحِبُّ الْاسْتِكْثَارَ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَيرغَبَ فِي التَّعْجِيلِ بِهِ إِسْرَاعًا منْهُ بِعِظَةِ النَّاسِ وَصَلَاحِهِمْ، فَعَلَّمَهُ رَبُّهُ ـ تَباركَ وتعالى، أَنْ يَكِلَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِحَيْثُ يُنَاسِبُ الحَالَ الْعَامَّ للْأُمَّةِ.
قولُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتِمَّ وَحْيُ مَا قَضَى ربُّكَ بأَنْ ينزلَ الوَحْيُ بِهُ إِلَيْكَ، أَيْ مَا نُفِّذَ إِنْزَالُهُ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ. فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ سُؤَالُ التَّعْجِيلِ، أَوِ الرَّغْبَةُ الشَّدِيدَةُ فِي النَّفْسِ الَّتِي تُشْبِهُ الِاسْتِبْطَاءَ لَا مُطْلَقُ مَوَدَّةِ الِازْدِيَادِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شَأْنِ قِصَّةِ سيِّدِنا مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ ـ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلَامُ: ((وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا أَوْ مِنْ خَبَرِهِمَا)). جاءَ ذَلِكَ فيما أَخْرجَهُ الأئمَّةُ: عَبدُ الرَّزاقِ، والشَّيخانِ وغيرُهما، مِنْ حديثِ سَعِيدِ بْنِ جُبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عنْ أُبيِّ بْنِ كَعبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ جميعًا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنْعانيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَن قَتَادَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ" قَالَ: تِبْيَانُهُ.
قولُهُ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنْ يَدْعُوَهُ، وَعَلَّمَهُ كيفَ يدْعُوا، وماذا يَسْأَلُهُ، مَزيدًا مِنَ العِلْمِ. لأنَّهُ أَسْمَى ما يُمْكِنُ للمَرْءِ تَحْصِيلُهُ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ انْفَعْني بِمَا عَلَّمْتَني، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْني عِلْمًا، وَالْحَمْد للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)).
وَأَخْرَجَ سَعِيد بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ زِدْنِي إِيمَانًا، وَفِقْهًا، وَيَقِينًا، وعِلْمًا)).
وَرَدَ في أَسْبابِ النُّزُولِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَ يُبَادِرُ جِبْرِيلَ فَيَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ جِبْريلُ مِنَ الوَحْيِ، وَلَا يَفْرَغُ جِبْريلُ مِمَّا يُريدُ مِنَ التِّلاوَةِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَوَّلِهِ، حِرْصًا مِنْهُ عَلَى مَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَشَفَقَةً عَلَى القُرْآنِ مَخَافَةَ الانفِلاتِ وَالنِّسْيانِ فَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ. "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ" للإمامِ السُّيُوطِيِّ: (صَ: 147)، وَ "الدُّرُّ المَنْثُورُ" (5/552). وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الإمامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ، بابُ: قَوْلُهُ تَعَالَى "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ": (9/187)، وَصَحيحُ مُسْلِمٍ، "كتابُ الصَّلاةِ، بابُ: الاسْتِمَاعُ للقِرَاءَةِ: (1/330).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ، أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي حِفْظِهِ، حَتَّى يَشُقُّ عَلَى نَفْسِهِ، يَتَخَوَّفُ أَنْ يَصْعَدَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَحْفَظْهُ، فَيَنْسَى مَا عَلِمَهُ. فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: "وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وَحْيُهُ" وَقَالَ أَيْضًا في الآيَةَ: 16، مِنْ سُورةِ الْقِيَامَة: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَطْلُبُ قِصَاصًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُمَا الْقِصاصُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا" فَوَقَفَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلَتِ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الْآيَةَ: 34، مِنْ سُورَةِ النِّساءِ.
قولُهُ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} الفاءُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "تَعَالَى" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلَى الفتْحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ، وَلَفْظُ الجَلالةِ "اللهُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، و "الْمَلِكُ" صِفَةٌ أُولَى للجَلالَةِ، مرفوعةٌ مِثْلُهُ. و "الْحَقُّ" صِفَةٌ ثانِيَةٌ لَهُ مرفوعٌ أَيضًا. وَالجُمْلَةُ: مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} الواوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "لَا" نَاهِيَةٌ جازمةٌ. و "تَعْجَلْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لا" الناهِيَةِ، وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ. و "بِالْقُرْآنِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "تَعْجَلْ"، و "الْقُرْآنِ" اسْمٌ مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ: "تَعَالَى" على كونِها مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} مِنْ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بـ "تعجلْ"، و "قَبْلِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "أَنْ" حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَرِيٌّ. و "يُقْضَى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ، مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ"، وعلامةُ نَصْبِهِ مقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ. و "إِلَيْكَ" إلى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُقْضَى"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في مَحَلِّ الَجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "وَحْيُهُ" نائِبٌ عَنْ فاعِلِهِ مرفوعٌ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعَ "أَنّْ" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِإِضَافَةِ الظَّرْفِ إِلَيْهِ، والتَّقْديرُ: مِنْ قَبْلِ قَضَاءِ وَحْيِهِ إِلَيْكَ.
قولُهُ: {وَقُلْ} الواوُ: للعَطْفِ، وَ "قُلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "وَلَا تَعْجَلْ" على كونِها مُسْتَأْنَفةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {رَبِّ} رَبِّ: مُنَادَى مُضَافٌ مَنْصُوبٌ، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذُوفَةِ للتَّخْفِيفِ، وَياءُ النِّداءِ المَحْذوفَةُ للتَّخْفيفِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ النِّداءِ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قُلْ".
قولُهُ: {زِدْنِي عِلْمًا} زِدْنِي: فِعْلُ طلبٍ وَدُعاءٍ ورجاءٍ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وَفَاعَلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ: (أنت) يَعودُ اللهِ تعالى، والنُّونُ للوِقايَةِ، والياءُ ضميرُ المتكلِّمِ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ أَوَّلُ. و "عِلْمًا" مفعولٌ بِهِ ثانٍ مَنْصوبٌ، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قُلْ" عَلَى كَوْنِهَا جَوَابَ النِّداءِ.
قرَأَ العامَّةُ: {يُقْضَى إِليْكَ وحْيُهُ} عَلَى بِنَاءِ "يُقْضَى" للمَفْعُولِ، وَرَفْعِ "وَحْيُهُ" لِقِيَامِهِ مَقَامَ الفاعِلِ. وَقَرَأَ الجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو حَيَوَةَ، وَالحَسَنُ، "نَقْضي" بِنُونِ العَظَمَةِ مَبْنِيًا للفَاعِلِ، و "وَحْيَهُ" منصوبٌ على المَفْعُولِيَّةِ. وَهِيَ قِراءَةُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ سَكَّنَ لَامَ الفِعْلِ، اسْتَثْقَلَ الحَرَكَةَ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً عَلَى حَرْفِ العِلَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بيانُهُ كَمَا سُكِّنَ الفعلُ "أوسطُ" منِ قَوْلُهُ فِي الآيةِ: 89، مِنْ سُورةِ المائدَةِ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْالِيكُمْ} المائدَةِ: 89.