يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا
(102)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} أَيْ: يَوْمَ إِذْ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ. أَيْ: حِينَ يَحِينُ مَوْعِدُ قِيَامُ السَّاعَةِ، يَنْفُخُ فِي الصُّوْرِ المَلَكُ المُكَلَّفُ بِالنَّفْخِ فِيهِ، بأَمْرٍ مِنْ اللهِ تَعَالى، فَيَصْعَقُ كلُّ مَنْ كانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، ثُمَّ يَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَيَنْعَدِمُ وُجُودُ الحَيَاةِ فِي الوُجُودِ كُلِّهِ، فَلَا يَبْقَى إِلَّا الحيُّ القَيُّومُ وَاجِبِ الوُجُودِ ـ جَلَّ جَلالُهُ العَظِيمُ. وَتكونُ النَّفْخَةُ الأُوْلَى فِي الصُّورِ ـ إِيذَانًا بِإِهْلاَكِ الخَلاَئِقِ جَمِيعًا إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ. وَتَكونُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ إِيذَانًا بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ صَريحًا مَعَ تَعْيِينِ أَنَّ الحَشْرَ لَا يَكونُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ للتَّهْويلِ. وَوَرَدَ أَنَّ النَّفْخَ يَتَكَرَّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ أَيْضًا: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} الآية: 68.
وَ "الصُّور" هوَ قَرْنٌ عَظِيمٌ يُجْعَلُ فِي دَاخِلِهِ سِدَادٌ لِبَعْضِ فَضَائِهِ، فَإِذَا نَفَخَ فِيهِ النَّافِخُ بِقُوَّةٍ خَرَجَ مِنْهُ صَوْتٌ قَوِيٌّ، وَقَدِ اتُّخِذَ قَدِيمًا في الخَطَرِ المُحِيقٍ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِوُجوبِ ِاجْتِمَاعِهِمْ لِلْحَرْبِ دفاعًا عنْ أَنْفُسِهِم وأموالِهِمْ وعِيالِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، أَوْ للإغارةِ على عَدُوٍّ لهم.
وقُرِئَ "الصُّوَر" ـ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الَواوِ، جَمْعِ "صُورَةٍ"، كَ "غُرْفَةٍ" تُجْمَعُ عَلَى "غُرَف"، وَالمُرَادُ بِه الجِسْمُ المُصَوَّرُ. وَقدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ ـ عَلى حَسَبِ هَذِهِ القِرَاءَةِ المَشْهُورَةِ، وَالنَّفْخَ فِيها بالإِحْيَاءِ لَهَا.
واعْتُرِضَ بأنَّهُ لَيْسَ كُلُّ نَفْخٍ للإِحْيَاءِ، فَمَنْ كانَ فِي القَبْرِ فَلَيْس بِمُرادٍ بِالنَّفْخَةِ الأُولَى، لِأَنَّهَا إنَّما تَكونُ لِإِمَاتَةِ الأَحْيَاءِ، فَالإِحْيَاءُ بَعْدَ المَوْتِ غَيْرُ مُتَكَرَّرٍ.
قوْلُهُ: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} أَيْ: ثُمَّ يَأْتيهِ الأَمْرُ بالنَّفخِ ثانيةً، فَيَنْفُخُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَيَحيا كُلُّ مَنْ كانَ خُلِقَ مِنْ قَبْلُ مُنْذُ أَنْ خَلَقَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الكائناتِ، وَكلُّ مَنْ كانَ قد شَرِبَ مِنْ كأْسِ الحَيَاةِ، سَواء أَكَانَ مَلاكًا، أَمْ شَيْطانًا، أَمْ إِنْسانًا، أَمْ حَيَوانًا، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّنْ أَرادَ اللهُ لَهُ حَيَاةً ثَانِيَةً. ويُحْشَرُ الجَمِيعُ، إلى الجزاءِ وَالحِسَابِ، فَنعيمٌ وثَوَابٌ، أَوْ عَذابٌ وعقابٌ. و "نَحْشُرُ" نَجْمَعُ، مِنَ الحَشْرِ الذي هوَ الجَمْعُ، ويومُ الحَشْرِ: هوَ يَوْمُ القِيَامَةِ، والمَحْشِرُ: المَجْمَعُ الذي يُحْشَرُ الخلقُ إِلَيْهِ. وَالحاشِرُ مِنْ أَسْمَاءِ سَيْدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقولِهِ: ((أَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِي))، فقدْ أَخْرجَ الطَّبَرَانيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي أَمْحُو الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي أَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ، الَّذِي لا نَبِيَّ بَعْدِي)). "المُعْجَمُ الكَبيرُ" لَهُ: (2/184، برقم: 1750). وأَخْرَجَهُ أَيْضًا: في الأَوْسَطِ: (4/44، رقم: 3570). وأخرجهُ أَيضًا ابْنُ شَيْبةَ وابْنُ وهْبٍ. وَ "الحَشَراتُ": هَوامُّ الأَرْضِ. وَأُذُنٌ حَشْرَةٌ، وَحَشْرٌ: صَغِيرَةٌ لَطِيفَةٌ مُسْتَديرَةٌ دَقِيقَةُ الطَّرَفِ لِأَنَّها حُشِرَتْ حَشْرًا أَيْ: صُغِّرَتْ وأُلْطِفَتْ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَها أُذُنٌ حَشْرٌ وذِفْرَى أَسِيْلَةٌ ............... وَوَجْهٌ كَمِرْآةِ الغَريبَةِ أَسْجَحُ
وَ "المُجْرِمُينَ" هُنَا هُمُ المُشرْكِونَ. مِنْ: جَرَمَ، وأَجْرَمَ، واجْتَرَمَ، إِذا ارْتكَبَ جُرْمًا، أَيْ: أَذْنَبَ. وَالجَرْمُ: القَطْعُ. وجَرَمَ صُوفَ الشَّاةِ، أَيْ: جَزَّهُ. وجَرَمَ مِنَ الشَّيْءِ، أَخَذَ مِنْهُ.
وَ "زُرْقًا": مِنَ الزُّرْقَةِ: وَهِيَ الخُضْرَةُ في سَوَادِ العَيْنِ ـ كَمَا قِيلَ، يُحْشَرُ المُجرِمونَ زُرْقَ العُيُونِ سُودَ الوُجُوهِ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَزْرَقُ الْعَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ زَرْقَاءُ بَيِّنَةُ الزَّرَقِ. وَالِاسْمُ الزُّرْقَةُ. وَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنُهُ بِالْكَسْرِ وَازْرَقَّتْ عَيْنُهُ ازْرِقَاقًا، وَازْرَاقَّتْ عَيْنُهُ ازْرِيقَاقًا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: "زُرْقًا" أَيْ عُمْيًا. فَلَعَلَّهُم يَكُونُونَ عُمْيًا فِي حَالٍ وَزُرْقً فِي حَالٍ أُخْرَى. فقد أَخَرْجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: "وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمئِذٍ زُرْقًا" وَفي الآيةِ: 97، مِنْ سُورَةِ الإِسْرَاءِ: "عُمْيًا"، قَالَ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيهِ حالاتٌ: يَكونُونَ فِي حَالٍ زُرْقًا وَفِي حَالٍ عُمْيًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَخْرُجُونَ بُصَرَاءَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَيَعْمُونَ فِي الْمَحْشَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي زُرْقَ الْعُيُونِ سُودَ الْوُجُوهِ، وَهِيَ زُرْقَةٌ تَتَشَوَّهُ بِهَا خِلْقَتُهُمْ، وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِذَلِكَ، وَتَهْجُو بِهِ كَمَا قَالَ الشاعرُ سُوَيْدُ بْنُ أَبي كَاهِلٍ:
لَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنَاكَ يَا بْنَ مُكَعْبَرٍ ............. كما كُلُّ ضَبِيٍّ مِنَ اللُّؤْمِ أَزْرَقُ
وقَالَ حسَّانُ بْنُ ثابتٍ الأَنْصاريِّ يَرْثي أَميرَ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الخطابِ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُما:
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكونَ وَفَاتُهُ ....... بَكَفَّيْ سَبَنْتِي أَزْرَقِ العَيْنْ مُطْرِقِ
وَإِنَّما جُعِلُوا كَذَلِكَ لِأَنَّ الزُّرْقَةَ أَسْوَأُ أَلْوانِ العَيْنِ عندَ العربِ وَأَبْغَضُها إِلَيهم، فَإِنَّ الرُّومَ الذين كَانُوا أَشَدَّ أَعْدائهمْ عَدَاوَةً لهم كانوا زُرْقَ الأَعيُنِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي وَصْفِ العَدُوِّ: أَسْوَدُ الكَبِدِ، أَصْهَبُ السِّبَالِ، أَزْرَقُ العَيْنِ.
وَسَوَادُ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ تَزْرَقُّ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ أَعْمَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى في الآيَةِ: 41 مِنْ سورةِ إِبراهيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ}، وَشُخُوصُ الْبَصَرِ مِنَ الْأَعْمَى مُحَالٌ، وَقَالَ فِي حَقِّهِمُ: {اقْرَأْ كِتابَكَ} الآيةَ: 14 منْ سُورةِ الْإِسْرَاءِ، وَكيف يقرأُ الْأَعْمَى. فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَحْوَالَهُمْ قَدْ تَخْتَلِفُ.
وَقَيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الزُّرْقَةِ شُخُوصُ أَبْصَارِهِمْ وَالْأَزْرَقُ شَاخِصٌ لِأَنَّهُ لِضَعْفِ بَصَرِهِ يَكُونُ مُحَدِّقًا نَحْوَ الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَيَّنَهُ وَهَذِهِ حَالُ الْخَائِفِ الْمُتَوَقِّعِ لِمَا يَكْرَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالى في الآيةِ: 41، مِنْ سُورَةِ إبراهيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ}.
وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قالَ: "زُرْقًا" عِطَاشًا، قَالَ: لِأَنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ يَتَغَيَّرُ سَوَادُ عُيُونِهِمْ حَتَّى تَزْرَقَّ وَيَدُلُّ عَليْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ مَريمَ ـ عَلَيْها السَّلامُ: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} الآيَةَ: 86. وَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ سِرَاعًا يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ، وَيَكُونُ المُجْرِمُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ زُرْقَ الوُجُوهِ، مِنْ شِدَّةِ مَا يَرَوْنَهُ مِنَ الأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ.
وَذَلِكَ غَايَةٌ فِي التَّشْويهِ إذْ لَا تَزْرَقَّ الأَبْدانُ ـ كما هُوَ مَعْلومٌ، إِلَّا مِنُ مُكَابَدَةِ الشَّدائدِ وَجفافِ رُطوبَتِها، فَهُوَ وَصْفٌ للشَّيْءِ بِصِفَة جُزْئِهِ كَمَا يُقالُ: غُلامٌ أَكْحَلُ وَأَحْوَلُ والكُحْلُ وَالحَوَلُ مِنْ صِفَاتِ العَيْنِ، وَلَعَلَّهُ منَ مَشْهُورِ المَجازِ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكونَ حَقيقَةً، كَرَجُلٍ أَعْمَى. وَعَنِ الفَرَّاءِ أَنَّهُ قالَ: المُرادَ مِنْ "زُرْقًا" عُمْيًا لِأَنَّ العَيْنَ إِذَا ذَهَبَ نُورُها ازْرَقَّ نَاظِرُها، وَوَجه الجمع عليه ظاهر.
وَقِيلَ: يَجْعَلُهُ أَبْيَضَ، وَقد جَاءَ الأَزْرَقُ بِمَعْنَى الأَبْيَضِ، وَمِنْه قالوا: سِنَانٌ أَزْرَقٌ، وَقالَ الشَّاعِرُ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمى:
فَلَمَّا وَرَدْنا الْمَاءَ زُرْقًا جِمامُه، .......... وَضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
وَيُلائِمُ تَفْسِيرَهُ بـ "عِطاشًا" قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ مَرْيمَ: {وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} الآيةَ: 86.
قوْلُهُ تَعَالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يَومَ: بَدَلٌ مِنْ {يَوْمَ القِيامَةِ} مِنَ الآيةِ السابقةِ لَهَا، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلى المفعوليَّةِ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ قَبْلَهَ، تقديرُهُ "اذْكُرْ"، وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ منصوبًا على الظَّرْفيَّةِ الزَّمانيَّةِ لِفعلٍ مُضْمَرٍ حُذِفَ لِضِيقِ العِبَارَةِ عَنْ حَصْرِهِ، كَما يجوزُ أَنْ يكونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، وقدْ بُنِي عَلَى الفَتْحِ ـ عَلَى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ كَقِرَاءَةِ {هَذَا يَوْمَ يَنفَعُ} للآيَةِ: 119، مِنْ سورةِ المائدةِ. وَ "يُنْفَخُ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ مبنيٌّ للمَفعولِ، مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِنَائِبِ الفَاعِلِ، بِـ وَ "الصُّورِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإِضافَةِ "يَوْمَ" إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "نَحْشُرُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نَحْنُ" يعودُ على اللهِ تَعَالَى، والجُملةُ مَعطوفَةٌ عَلَى جملةِ "يُنْفَخُ" قبلَها. و "الْمُجْرِمِينَ" مَفْعولُهُ منصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالم، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التَّنْوينِ في الاسْمِ المُفرَدِ. وَ "يَوْمَئِذٍ" منصوبٌ على الظرفيةِ الزمانيَّةِ مُضافٍ إِلَى ظَرْفٍ، مُتَعَلِّقٍ بِـ "نَحْشُرُ" وَالتَنْوينُ عِوَضٌ عَنِ الجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ. و "زُرْقًا" مَنْصُوبٌ عَلى الحَالِ مِنَ "الْمُجْرِمِينَ".
قَرَأَ الجُمهورُ: {يُنْفَخُ} بالياءِ مَضْمُومَةً مَفْتُوحَ الفاءِ عَلَى البِنَاءِ للمَفْعُولِ، وَالقائِمُ مَقَامَ الفاعِلِ هوَ الجَارُّ والمَجْرُورُ بَعْدَهُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: "نَنْفُخُ" بِنُونِ العَظَمَةِ، مَبْنِيًّا للفاعِلِ، أُسْنِدَ الفعلُ إِلَى الآمِرِ بِهِ تَعْظيمًا للمَأْمُورِ، وَهُوَ المَلَكُ إِسْرافِيلُ ـ عليْهِ السَّلامُ. وَرويَ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ قرأَ: "يَنْفُخُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ.
قَرَأَ العَامَّةُ: {الصُّورِ} بِإِسْكَانِ الوَاوِ. وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَابْنُ عَامِرٍ ـ فِي رِوَايَةٍ عنْهُ: "الصُّوَرِ" بِفَتْحِ الواوِ جَمْعَ "صُوْرَة" كَ "غُرَفٍ" جَمْع "غُرْفَةٍ".
قرأَ الجُمْهورُ: {وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ}، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الجَوْزاءِ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "وَيَحْشُرُ المُجْرِمينَ" بَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَفْعِ الشَّينِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعودٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو عِمْرانَ: "وَيُحْشَرُ" بِيَاءٍ مَرْفُوعَةٍ وَفَتْحِ الشِّينَ، و "المُجْرِمونَ" بالرَّفعِ.