قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
(94)
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ} نِدَاءٌ مِنْ هارونَ لِأَخيهِ موسَى ـ عليْهِما السَّلامُ، يُرَقِّقُ قلبَهُ عليْهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِمَا بَيْنَهُما مِنْ رابطِ الأُمُومَةِ الواحِدةِ، وَأَقْوَى أَوَاصِرِ الْأُخُوَّةِ، وَهِيَ آصِرَةُ الْوِلَادَةِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ، وَالرِّضَاعِ مِنْ لِبَانٍ وَاحِدٍ. وَابْنُ الْأُمِّ: الْأَخُ. وَقد عَدَلَ عَنْ قولِ: يَا أَخِي، إِلَى قولِ: ابْنَ أُمَّ، لِمَا في ذِكْرِ الْأُمِّ مِنْ تَذْكِيرٍ بالعَطْفِ، والحَنَانِ، وَالمَوَدَّةِ، وَالرَّحمة. وَقالَ الزجَّاجُ في "مَعَانِي القُرْآنِ وإِعْرابُهُ" لَهُ: (3/373): وَقَدْ قِيلَ في هَارُونَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخَا مُوسَى لِأُمِّهِ. وَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفَسيرِهِ "المُحَرَّرُ الوَجِيزُ": (10/81): وَقَالَتْ فُرْقَةٌ لَمْ يَكُنْ هَارُونُ أَخَا مُوسَى إِلَّا مِنْ أُمِّهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} أَرَادَ: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتي وَلَا بِشَعْرِ رَأْسِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما: أَخَذَ شَعْرَهُ بِيَمِينِهِ، ولِحْيَتَهُ بِيُسْراهُ. وقِيلَ: إِنَّهُ أَخَذَ بِأُذُنِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَعَبَّرَ بِالرَّأْسِ عَنِ الأُذُنِ لأَنَّها بعضٌ مِنْهُ.
وقَدْ كانَ الأَخْذُ بِاللِّحْيِةِ عَادَةً فِي ذَلِكَ الزَّمانِ، وَكانَ ذَلِكَ يُعَدُّ بمثابةِ القَبْضِ عَلَى يَدِ مَنْ تُخاطِبُهُ، ويَخْتَلِفُ الحُكْمُ بِحَسَبِ العَادَةِ فيهَا. ذَكَرَهُ أَبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ في كتابِهِ: "إِعْرابُ القُرْآنِ" (3/55).
وَقَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى أَنَّ هَارُونَ ـ عليْهِما السَّلامُ، قد عَصَى اللهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى، لمَّا لمْ يَتَّبِعْهُ، ولذلكَ فَقدْ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَرْأَسِهِ غَضبًا لله، وتَأْديبًا لأَخيهِ هارُونَ. إِذًا فَقَدْ جَذَبَهُ إِلَيْهِ لِيَلْطِمَهُ، فإِنَّ قولَهُ فِي الآيةِ: 150، مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} مُشْعِرٌ بذلكَ واللهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَجْرَاهُ مُجْرَى نَفْسِهِ، فقد كانَ سيِّدُنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذَا غَضِبَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ؛ لِأَنَّه لَمْ يَكُنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ عَلى نَفْسِهِ، وقيلَ: أَخَذَ بلِحيَتِهِ ورأْسِهِ لِيُسِرَّ إِلَيه أَمْرَ نُزُولِ الأَلْواح عَلَيْهِ، فقد أَرادَ أَنْ يُخِفيَها عَنْ بَنِي إِسْرائيلَ إلى أَنْ يَتُوبوا أَوَّلًا، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي لِيُشْتَبَهَ الأَمْرُ عَلى بَنِي إِسْرائيلَ.
وَعُطِفَ الرَّأْسُ عَلَى اللِّحْيَةِ لا العكْسُ لِأَنَّ الأَخْذَ مِنْ اللِّحْيَةِ أَشَدُّ أَلَمًا، وَأَنْكَى فِي الْإِذْلَالِ.
قولُهُ: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أَيْ إِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَنَا فارَقْتُهم وَأَتَيْتُكَ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ جماعَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ذَلِكَ لأَنَّهُ لو تَرَكَهُمْ ولَحِقَ بِمُوسَى لَصَارُوا أَحْزَابًا: حِزْبٌ مَعَهُ، وَحِزْبٌ مَعَ السَّامِريِّ، وَحِزْبٌ مُؤمِنُونَ باللهِ لَا يُتَابعونَهُ وَلَا يَعْبُدونَ العِجْلَ، فَقَدْ يَتَطَوَّرُ هَذَا الاخْتِلافُ إِلَى خَلافٍ بَيْنَهُمْ فَتُسْفَكُ فيهِ دِمَاءُ الجَمِيعِ، وِلِاعْتِذارِهِ هذا وَجْهٌ مَقْبُولٌ.
قولُهُ: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} أَيْ: لَمْ تَمْتَثِلْ أَمْرِي وتَعْمَلْ بِوَصِيَّتِي، بأَنْ تُصْلِحَ فيهم ولا تتَّبِعَ سَبيلَ المُفْسِدينَ، وقدْ فَسَدوا بعبادَتِهِمُ العِجْلَ وأَفْسَدوا فَلَمْ تَمْنَعْهُمْ، ولمْ تفارقْهُمْ وتَلْحَقْ بِي.
وقَدِ اسْتُدِلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى لُزُومِ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، وَعَدَمِ حَلْقِهَا، لأَنَّهَا بيَّنَتْ أَنْ نَبِيَّ اللهِ هَارُونَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ مُوَفِّرًا شَعْرَ لِحْيَتِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَخِيهِ: "لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي" فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ حَلِيقًا لَمَا أَخَذَ أَخُوهُ موسَى بِلِحْيَتِهِ، وهارونُ، ـ عليْهِ السَّلامُ، مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ونحنُ مأْمورونَ باتِّباعِهمْ، والتَأَسِّي بِهِمْ، والاهْتِداءِ بِهُداهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالى مِنْ سُورةِ الأَنْعَام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، الآيتانِ: (89 و 90)، وفي هَذَا الأَمْرِ تشريفٌ مِنَ اللهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَكْليفٌ لَنَا، فإِنَّ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ مِنَ السِّمَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِها فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ كَانَ سِمَةَ المُرْسَلينَ الْكِرَامِ ـ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ.
وَقَدْ جاءَ في صِفَةِ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَجْمَلِ الْخَلْقِ طَلْعَةً، وَأَحْسَنِهِمْ صُورَةً، أَنَّهُ كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ.
قوْلُهُ تَعَالى: {قَالَ} فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقدَيرُه (هوَ) يَعُودُ عَلى :هَارُونُ" ـ عليْهِ السَّلامُ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {يَبْنَؤُمَّ} يا: أَداةٌ للنِّداءِ، و "ابْنَ" مَنْصوبٌ عَلَى النِّداءِ مُضافٌ، وعَلامَةُ نَصْبِهِ الفَتْحَةُ الظاهِرَةُ عَلى آخِرِهِ. و "أَمَّ" مَجْرُورٌ بالإِضافةِ إِلَيْهِ، وَعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ المُقَدَّرَةُ عَلَى المِيمِ لِاشْتِغَالِ المَحَلِّ بِالحَرَكَةِ المُنَاسِبَةِ لِلْأَلِفِ المَحْذُوفَةِ، وَالأَلِفُ المَحْذوفَةُ المُنْقَلِبَةُ عَنِ اليَاءِ مُضافٌ إِلَيْهِ، وَياءُ المُتَكَلِّمِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ مُضافٌ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ النِّداءِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قَالَ".
قولُهُ: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} لَا: نَاهِيَةٌ جَازِمَةٌ، و "تَأْخُذْ"
فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لَا" النَّاهِيَةِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا يَعُودُ عَلَى "مُوسَى" ـ عليْهِ السَّلامُ. و "بِلِحْيَتِي" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَأْخُذْ"، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذوفِ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ "تَأْخُذْ"، أَيْ لَا تَأْخُذْنِي مُمْسِكًا بِلِحْيَتِي، وَ "لِحْيَتِي" مَجْرٌورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وَ ياءُ المُتكَلِّمِ ضميرُ مُتَّصِلٌ بِه في محلِّ الجَرِّ بالإِضافةِ إِلَيْهِ. و "وَلَا" الواوُ: للعطْفِ، و "لا" لِتَأْكِيدِ النَّفيِ، و "بِرَأْسِي" مَعْطوفٌ عَلى "بِلِحْيَتِي" ولَهُ مِثْلُ إِعْرابِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلُ لِـ "قَالَ" عَلَى كَوْنِهَا جَوَابَ النِّداءِ.
قوْلُهُ: {إِنِّي خَشِيتُ} إِنِّي: "إِنَّ" حَرْفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوْكيدِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ اسْمُهُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ. و "خَشِيتُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لِاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ تاءُ الفاعِلِ، وهِيَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قَالَ".
قوْلُهُ: {أَنْ تَقُولَ} أَنْ: حَرْفٌ ناصِبٌ مَصْدَرِيٌّ. و "تَقُولَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيْهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى "مُوسَى" وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعَ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٍ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، والتَّقْديرُ: "إِنِّي خَشِيتُ" قَوْلَكَ.
قَوْلُهُ: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} فَرَّقْتَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرٍّكٍ هوَ تاءُ الفاعِلِ، وهيَ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ، وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لـ "تَقُولَ". و "بَيْنَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ المَكانِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَرَّقْتَ"، وهُوَ مُضافٌ، وَ "بَني" مَجْرورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الياءُ لأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ، وهُوَ مُضافٌ، وَ "إِسْرَائِيلَ" مَجرورٌ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ نِيَابَةً عَنِ الكَسْرةِ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالعلميَّةِ والعُجْمةِ.
قوْلُهُ: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} الواوُ: عاطِفَةٌ، و "لَمْ" حَرْفُ نَفْيٍ وَجَزْمٍ وَقَلْبٍ. و "تَرْقُبْ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بـ "لَمْ"، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيْهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى "هَارُونَ" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. و "قَوْلِي" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى ما قبلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ لانْشِغالِ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ المناسِبَةِ للياءِ. وهوَ مُضافٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ وهيَ واقعَةٌ على سَيِّدِنا "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "فَرَّقْتَ" عَلى كَوْنِهَا مَقُولًا لِـ "تَقُولَ"، أَيْ: وَخَشِيتَ أَنْ تَقُولَ: لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي لَكَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي، وهَذَا الاحْتِمَالُ هو ما عليْهِ جُمْهُورُ المُفَسِّرينَ، وَيَجُوزُ عَطْفُ قوْلِهِ: "وَلَمْ تَرْقُبْ" عَلَى قولِهِ: "أَنْ تَقُولَ" فَتَكونُ ياءُ المتكلِّمِ في "قَوْلِي" وَاقِعَةً عَلى "هَارُونُ" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَيْ: وَخَشِيتُ عَدَمَ تَرَقُّبَكَ لِـ "قَوْلِي" والتقديرُ: خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ، وَخَشِيتُ عَدَمَ تَأَمُّلِكَ فِي
قَوْلِي حَتَّى تَفْهَمَ عُذْرِي.
قَرَأَ الجُمْهُورُ: {بْنَ أُمَّ} بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٍ "بْنِ أُمِّ" بِكَسْرِها، وَأَصْلُهُ: يَا ابْنَ أُمِّي، فَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا، وَهُوَ حَذْفٌ مَخْصُوصٌ بِالنِّدَاءِ. وَالْقِرَاءَتَانِ وَجْهَانِ فِي حَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا لَفْظُ أُمَّ وَلَفْظُ (عَمِّ) فِي النِّدَاءِ.
قَرَأَ الجُمْهُورُ: {بِلِحْيَتِي} بِكَسْرِ اللَّامِ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَهِيَ الفُصْحَى. وفِيهَا الفَتْحُ. وَبِهِ قَرَأَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ الحِجَازِيِّ. وَالفَتْحُ لُغَةُ الحِجَازِ. وَيُجْمَعُ عَلَى "لِحَى"، ك "قِرَب". وَنُقِلَ فِيهاَ الضَّمُّ، كَمَا قَالُوا: صِوَرٌ بالكَسْرِ، وَحَقُّهَا الضَّمُّ.
قَرْأَ الجُمْهُورُ: {تَرقُبْ}، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاسُ: "تُرْقِبْ" بِضَمِّ حَرْفِ المُضَارَعَةِ مِنْ "أَرْقَبَ".