قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ
(87)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالُوا: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ، فَتَصَدُّوا مُجِيبِينَ عَنِ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ، وَهُمْ الكُبَرَاءُ فيهِمْ، وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ، مُجيبينَ نبيَّهُمْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذْ قالَ لَهُمْ في الآيَةِ الَّتي قَبْلَها: {يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} فقالوا: "مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا" أَيْ: بإرادَتِنَا وَاخْتِيَارِنَا، وَمَا تَجَرَّأْنَا، بَلْ خالَفْنا لأَسْبابٍ خارجةٍ عنْ إرادَتنا، وَلَكِنْ غَرَّنا السَّامِرِيُّ وَغَلَبَنا دَهْمَاءُ الْقَوْمِ. وَهَذَا إِقْرَارٌ مِنَ الْمُجِيبِينَ بِمَا فَعَلَهُ دَهْمَاؤُهُمْ. ثُمَّ ذَكَرُوا هَذِهِ الأَسْبَابَ الَّتِي حَمَلَتْهم عَلَى المُخَالَفَةِ.
والـ "مَلْك" بِفَتْحِ المِيمِ، تَعْنِي تَمَلُّكَ الإِنْسانِ لِذَاتِهِ وَنَفْسِهِ وإِرادَتِهِ، و "مِلْك" بِكَسْرَهَا، تَعْنِي تَمَلُّكَهُ مَا هوَ خَارَجٌ عَنْ ذَاتِهِ. وَ "مُلْك" بالضَّمِّ، تَعْنِي أَنْ يِمْلُكَ الشَّيْءَ ومالِكَهُ، وَإنْ أَفادتُ جَمِيعُها التَمَلُّكَ الحِيَازَةَ.
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: "بِمَلْكِنَا" قَالَ: بِأَمْرِنَا. الدُرُّ المنثورُ في التفسيرِ بالمَأْسورِ للإمامِ السُّيوطيّ: (5/595). وَقالَ مُقاتِلٌ: وَنَحْنُ نَمْلُكُ أَمْرَنَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "بِمَلْكِنَا" قَالَ: بِسُلْطانِنَا. نَفْسُ المَصْدَرِ السَّابقِ: (5/595). وَقالَ قتادةُ: بِطاقَتِنَا. وَقالَ مُجاهِدٌ: بِأَمْرٍ نَمْلُكُهُ. "تَفْسيرُ مُجَاهِدٍ: (464). قالَ الفَرَّاءُ: إِنَّا لَمْ نَمْلُكِ الصَّوَابَ وَإِنَّمَا أَخْطَأْنَا. وَحَكَى الزَّجَّاجُ أَيْضًا: "مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ" بِأَنْ مَلَكْنَا الصَّوَابَ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالخَطَأِ، وَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نَمْلُكْ أَمْرَنَا حَتَّى وَقَعْنَا بِالَّذي وَقَعْنَا فِيهِ مِنَ الفِتْنَةِ، وَهَذَا التَّفْسيرُ لَا يَطَّرِدُ عَلَيْهِ نَظْمُ الآيَة.
قَوْلُهُ: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} شَرْحٌ للأَسْبَابِ الَّتِي ادَّعَوْا أَنَّها خارجَةٌ عَنْ إِرادَتِهم، فَكانَ أَوَّلَ هَذِهِ الأَسْبابِ: أَنَّهُمْ حُمِّلُوا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الإشارَةُ إِلى أَنَّ بَنِي إِسْرائيلَ كانُوا فُقَرَاءَ لَا يَمْلِكونَ الحُلِيَّ الذَّهَبِيَّةَ والمُجَوْهَرَاتِ، لِيَتَزَيَّنُوا بها في مُنَاسَبَاتِهِمُ وأَعْيَادِهِمْ وأَفْراحِهِم، فَكانُوا يَسْتَعِيرونَ حُلِيَّ الزِّينَةِ مِنْ جيرانِهِمُ الأَقْبَاطِ، ويُعِيدونَها إِلَيْهِمْ إِذا انتهتْ أَفراحُهُم.
وقَدِ اتَّفَقَ أَنْ كانتْ لديهِمْ حُلُيٌّ لِجِيرانِهِمْ حِينَ بلَّغَهُمْ نَبِيُّهُمْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَمْرَ اللهِ لَهُمْ بالرَّحيلِ سِرًا تحتَ جنحِ الظَّلامِ، وَكانَ الوقتُ لَيْلًا، فلَمْ تَكنْ ثمَّةَ فُرْصَةٌ لإِعادةِ هَذِهِ الحُلِيِّ المُسْتَعَارَةِ إِلَى أَصْحابها، منْ الأقباطِ قومِ فرعَونَ، ثمَّ إِنَّ في إِعَادَتِها بِسَرْعَةٍ وفي ذاكَ الوقتِ المُتَأَخِرِ مِنَ الليْلَ كانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرِهِمْ، ويُعَرِّضَهُمْ لبطْشِ فرعونَ وجنودِهِ بهِم، ولذلكَ فقدْ غادروا بها، فكانَ ذلكَ حِمْلًا ثقيلًا عليهمْ جعلَهُمْ يشعرونَ بِضِيقِ الصَّدْرِ وأَلَمِ النَّفْسِ، وتَأْنِيبِ الضَّميرِ، والحُزْنِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرُدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِها.
وقدِ اسْتَغَلَّ السَّامريُّ حالتَهُمُ النَّفْسِيَّةَ هَذِهِ، واسْتَثْمَرَ أَزَمَتَهُمْ لغايةٍ في نَفْسِهِ فأَشْعلَ لهم النَارَ في حُفرةٍ، وأَقْنَعَهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يقذِفوا بهَذِهِ الحليِّ في النَّارِ، لِيَتَخَلَّصُوا مِنْها ويُريحُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ التقلُّبِ عَلى نَارِ الشُّعُورِ بالذَّنْبِ التي تُؤَرِّقهُم، وقدْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فأَلْقَى ما كانَ لَدَيْهِ مِنْ هذِهِ الحُلِيِّ في النارِ، لِيَقْتَدُوا بِهِ فيما فعلَ وكانَ هَدَفُ السَّامِرِيِّ صهْرُ هَذِهِ الحُلِيَّ الذَّهَبيَّةَ لِتَخْلِيصِ ذَهَبِها مِمَّا فِيهِ مَنْ الشَّوائبِ.
وَ "أَوْزَارًا" جَمْعُ وِزْر، وهوَ الحِمْلُ الثَّقِيلُ عَلَى النَّفْسِ، وَيُطْلَقُ أَيضًا عَلى الإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ ثَقيلٌ عَلَى النَّفْسِ ثِقَلًا مُسْتَمِرًّا إِلَى الحَياةِ الآخِرَةِ؛ يدُلُّ لذلكَ قولُهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ: 101، مِنْ هَذِهِ السُّورةِ المُبَارَكَةِ: {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ حِمْلًا}.
قوْلُهُ: { فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} هُمْ قَذفوا الحُلِيَّ في النارِ قذْفًا، ذَلِكَ لِأَنَّهمْ كانُوا يَكْرَهُونَها وَيَوَدُّونَ التَخَلُّصَ مِنْهَا، فهي مالٌ حَرَامٌ عِنْدَهُمٌ، أَمَّا السَّامِرِيُّ فَقَدْ أَلْقى حُلِيَّهُ إِلْقَاءً ترَفُّقًا بها، وذلكَ لحُبِّهِ الشَّديدِ لها، فَالإلْقاءُ: إنَّما يَكونُ بِهُدُوءٍ وَتَمَهُّلٍ وتَلَطُّفٍ. أَمَّا القذْفُ فإِنَّهُ إِلْقاءٌ سَريعٌ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ وَانْفِعَالٍ، لِأَنَّهُ إِنَّما يَنْتَجُ عَنِ كُرْهٍ لِلْمُلْقىَ، وَحُبٍّ للتَّخَلُّصِ مِنْهُ بِسُرعَةٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {قَالُوا} فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ فارقةٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} مَا: نافِيَةٌ، و "أَخْلَفْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحَرِّكِ هو "نَا" ضميرُ جماعَةِ المتكلِّمينَ، وهذا الضَّميرُ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ. و "مَوْعِدَكَ" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قَالُوا". و "بِمَلْكِنَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ فَاعِلِ "أَخْلَفْنَا"؛ أَيْ: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ حَالَ كَوْنِنَا مَالِكِينَ أَمْرَنَا، وَلَكِنَّا غُلِبْنَا عَلَى أَمْرِنَا، مِنْ جِهَةِ السَّامِرِيِّ وَكَيْدِهِ، و "مَلْكِنَا" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمِينَ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِالإِضافةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "لكنا" لكن: حَرْفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَّبَّهٌ بالفعلِ للاسْتِدْراكِ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "حُمِّلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرّكٍ هُوَ "نَا" لجماعَةِ المُتَكَلِّمينَ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المتكلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ نائبًا عنْ فاعِلِهِ. و "أَوْزَارًا" مَفْعُولُهُ الثاني منصوبٌ بِهِ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بصِفةٍ لـ "أَوْزَارًا"، و "زِينَةِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهوَ مُضافٌ. و "الْقَوْمِ" مَجْرورٌ بالإِضافَة إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ "لِكِنْ" الاسْتِدْرَاكِيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "أَخْلَفْنَا" على كونِها في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ.
قوْلُهُ: {فَقَذَفْنَاهَا} الفاءُ: عَاطِفةٌ، و "قَذَفْنَاها" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَميرِ رَفْعٍ مُتَحَرّكٍ هوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نَا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ، و "هَا" ضميرٌ مُتَصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على الفَتْحِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "حُمِّلْنَا" على كونِها في مَحَلِّ النَّصْبِ بِالقَوْل.
قولُهُ: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} الفاءُ: عَاطِفَةٌ، و"كذلك" الكافُ الأولى حَرْف جَرٍّ وتَشْبِيهٍ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ حالٍ مِنْ ضميرِهِ عندَ سيبويْهِ، والتقديرُ: فَأَلْقَى السَّامِرِيُّ إِلْقاءً مِثْلَ إِلْقائِنا، و "ذا" اسْمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، واللامُ للبُعْدِ، والكافُ الثانيةُ للخِطابِ. و "أَلْقَى" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِها على الأَلِفِ. و "السَّامِرِيُّ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُملَةِ "قَذَفْنَا"، على كونِها في محلِّ النَّصْبِ.
قَرَأَ الجُمهورُ ـ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ: {مُلْكِنا} بِكَسْرِ الْمِيمِ. وقَرَأَ الأَخَوانِ (حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ) وَخَلَفٌ: "مُلْكِنا" بِضَمِّ المِيمِ. وَقَرَأَ نافِع وعاصِمٌ "مَلْكِنا" بِفَتْحِهَا، فقيل: لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمَعْنَاهَا: القُدْرَةُ والتَّسَلُّطُ. وَفرَّق الفارسيُّ وغيرُهُ بَيْنَهَا فَقَالَ: المَضْمُومُ مَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ لَنَا مُلْكٌ فَنُخْلِفَ موعدَك بسُلْطَانِه، وإِنَّمَا فَعَلْناهُ بِنَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، فالمَعْنَى عَلى: أَنْ لَيْسَ لَهُمْ مُلْكٌ. وَفَتْحُ المَيمِ مَصْدَرٌ مِنْ مَلَكَ أَمْرَهُ. والمَعْنَى: مَا فَعَلْنَاهُ بِأَنَّا مَلَكْنَا الصَّوابَ، بَلْ غَلَبَتْنا أَنْفُسُنَا. وَكَسْرُ المِيمِ كَثُرَ فِيمَا تَحُوْزُهُ اليَدُ وَتَحْويهِ، وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الأُمُورِ الَّتي يُبْرِمُها الإِنْسانُ، ومَعْناهَا كَمَعْنَى الَّتي قَبْلَهَا. والمَصْدَرُ فِي هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ مُضافٌ لِفَاعِلِهِ، والمَفْعُولُ مَحْذوفٌ، أَيْ: بَمَلْكِنا الصَّوابَ.
قَرَأَ الجُمْهورُ ـ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ {حَمَلْنا} بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفَةً، فَنَسَبُوا الفِعْلَ إِلى أَنْفُسِهِمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ "حُمِّلْنا" بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَكْسُورَةٍ، أَيْ حَمَّلَنَا مَنْ حَمَّلَنَا، أَوْ حَمَّلْنَا أَنْفُسَنَا. وقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ المِيمَ، فنَسَبُوا الفِعْلَ في هاتَيْنِ القِراءتَيْنِ إِلَى غَيْرِهِمْ.