قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} أَيْ: قالَ سَحَرةُ فِرْعَوْنَ لسيِّدِنا موسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِمَّا أَنْ تُلقيَ أَنْتَ ما مَعَكَ مِنْ سِحْرٍ وأدواتهِ، قَبْلَنا لِيُعاينَه النَّاسُ.
وَثَمَّةَ مَحْذُوفٌ هُنَا أَغْنَى عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْديدِ المَكانِ وَهُوَ {مَكانًا سُوى} الآيةَ: 58، وَالمَوْعِدِ وَهُوَ {يَوْمُ الزِّينةِ} الآيَةَ: 59، السَّابقتانِ، وتَقْديرُ هَذِهِ الجملةِ المَحْذوفةِ: فَحَضَرُوا إِلى هَذَا الْمَوْضِعَ في ذَلِكَ المَوْعِدِ المَضْروبِ، وَ "قَالُوا إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ .." وذَلِكَ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ.
قولُهُ: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} أَيْ: وَإِمَّا أَنْ نُلْقِيَ مَا مَعَنَا مِنْ سِحْرٍ قَبْلَكَ، وَقدْ كانَ هَذَا حُسْنَ أَدَبٍ منهُم مَعَ سَيِدُنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَتَوَاضُعًا لَهُ، فَلَا جَرَمَ إِذًا أَنْ تابَ اللهُ عليهمْ، وأَنْعَمَ عليهِمْ بالْإِيمَانَ بِبَرَكَةِ تَأَدُّبهم معَ رَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَابَلَ أَدَبَهُمْ بِأَدَبٍ فَقَالَ: "بَلْ أَلْقُوا" فقدَّمَهُمْ وأَخَّرَ نفسَهُ،
ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ مُعْجِزَتَهُ قَبْلَ لكَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِظْهَارِهَا مَرَّةً أُخْرَى فتَركَهُمْ يُظْهِرُونَ سِحْرَهُمْ لِيُظْهِرَ هوَ الْمُعْجِزَةَ الَّتي تُبْطِلُهُ وتُزيلُ شُبْهَتَهُ، واللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالى: {قَالُوا} فِعْلٌ ماضٍ مبنيُّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعَةِ، وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قوْلُهُ: {يَا مُوسَى} يَا: أَداةُ نداءٍ للبعيدِ. وَ "مُوسَى" مُنَادَى مُفْرَدُ العَلَمِ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ المُقَدَّرِ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ، في محلِّ النَّصْبِ على النِّداءِ، وَجُمْلَةُ النِّداءِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَوا".
قوْلُهُ: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} إِمَّا: حَرْفُ تَفْصِيلٍ وَتَخْيِيرٍ. وَ "أَنْ" حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدريٌّ. وَ "تُلْقِيَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى سَيِّدِنا مُوسَى ـ علَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ، مَعَ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٍ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، والتَقْديرُ: اخْتَرْ إِمَّا إِلْقَاءَكَ أَوَّلًا، أَوْ إلقاءنا أَوَّلًا، وَالجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ القَولِ لِـ "قَالُوا". وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ المَصْدَرُ المُؤوَّلُ هَذا مُبْتَدَأً وَخبَرُهُ مَحْذوفٌ، والتقدير: إِلْقُاؤُكَ أَوَّلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ المَصْدَرُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، وَالتَّقْديرُ: إِمَّا الأَمْرُ إِلْقَاؤُكَ.
قوْلُهُ: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "إِمَّا" مِثلُ "إمَّا" الأولى معطوفةٌ عَلَيها. و "أَنْ" تقدَّمَ إعرابُها أَيْضًا. و "نَكُونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيها وُجوبًا تَقديرُهُ (نَحْنُ) يَعُودُ عَلى السَّحَرَةِ. و "أَوَّلَ" خَبَرُها منَصوبٌ بِهَا، وَهُوَ مُضَافٌ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَجُمْلَةُ "نَكُونَ" مَعَ "أَنْ" المَصْدَريَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى المَصْدَرِ المُنْسَبِكِ في الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ محذوفٌ أَوْ خَبَرًا لمُبتَدَأٍ محذوفٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مفصَّلًا هُنَاكَ.
قَولُهُ: {أَلْقَى} فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ المُقدَّرِ عَلَى آخرِهِ لتعذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ على "مَنْ"، والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ لِـ "مَنْ" المَوْصُولَةِ فَلَيسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.