فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
(47)
قوْلُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} فَأْتِيَاهُ: الفَاءُ هُنَا هِيَ الفَصِيحَةُ أَفْصَحَتْ عَنْ شَرْطٍ تَقْديرُهُ: إِنْ اطْمَأْنَنْتُما إِلَى اللهِ ـ تَعَالَى، وذَهَبَ عَنْكُمَا الخَوْفُ، فَاذْهَبَا إِلَى فرعونَ، مُدَرَّعَيْنِ بِقُوَّةِ اللهِ الَّتي تُرْهِبُ كُلَّ مَخْلوقٍ، وَلَوْ كَانَ فِرْعَوْنُ طاغِيَةُ الأَرْضِ فِي زَمَانِهِ وَقُولَا لَهُ بكُلِّ شجاعةٍ وَقُوَّةٍ: "إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ". وإِتْيَانُ الشَّيْءِ: الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَالْحُلُولُ فيهِ أَوْ عِنْدَهُ، أَيْ: فَحُلَّا عِنْدَ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ أَثَرُ الذَّهَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْخِطَابِ السَّابِقِ، وَكَانَا قَدِ اقْتَرَبَا مِنْ مَكَانِ وُجودِ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّهُمَا كانا فِي مَدِينَتِهِ، فَلِذَلِكَ أُمِرَا بِإِتْيَانِهِ، وَدَعْوَتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَهِيَ المَرَّةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي يُعِيدُ الحقُّ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، عَلَيْهِما تَكْليفَهُما بِأَنْ يَذْهَبا إِلَى فِرعونَ بالرِّسَالَةِ، ذَلِكَ لأَنَّهُ فِرعَونُ، ومَا أَدْرَاكَ مَا فِرْعَوْنُ الذي يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في العُتُوِّ والتكَبُّرِ والتجبُّرِ والتَسْلُّطِ والبطْشِ؟. وَقَدْ ادَّعى الأُلوهيَّةَ، واسْتَعْبَدَ الخَلْقَ، فَفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَالَ تَعَالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ} الآيَتَانِ: (23 و 24)، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المباركةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ قالَ: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} الآية: 42. وَفِي الثالِثَةِ قالَ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} الآية: 43، وَفِي الرَّابِعَة قالَ لَهُمَا: "فَأْتِيَاهُ".
وَقَالَ هُنَا: "إِنَّا رَسُولَا ربِّكَ" فَجَاءَتْ تَثْنِيَةُ "رَسُولٍ" عَلَى الْأَصْلِ فِي مُطَابَقَةِ الْوَصْفِ الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِ فِي الْإِفْرَادِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الآيَةِ: 16، مِنَ سُورَةِ الشُّعَرَاء: {أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} فجاءَ الوَصْفُ غَيرَ مُطابقٍ، لجَوازِ المُطابقةِ وعَدَمِها فِيمَا وزْنُهُ "فَعُولٌ" الَّذِي بِمَعْنَى "مَفْعُولٍ" كَقَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، فَطَابَقَ الوَصْفُ مَوْصُوفَهُ، وَمِنْ عَدَمِ المُطابقةِ قَوْلُهُمْ: وَحْشِيَّةٌ خَلُوجٌ، أَيِ اخْتُلِجَ وَلَدُهَا.
وَقدْ تَضَمَّنَ قولُهُ "إِنَّا رَسُولَا ربِّكَ" أَمْرًا لَهُ بطَاعَتِهِمَا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرانِهِ بِهِ، واتِّباعِهِما، والانْقِيَادِ إِلَيْهِمَا، لِأَنَّهُما رَسُولَا ربِّهِ إِلَيْهِ، وَالرَّسُولُ إنَّما أُرْسِلَ لِيُطاعَ، قالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النِّسَاء: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} الآيَةَ: 64، وقالَ أَيْضًا في الآيَةِ: 80، مِنْهَا {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}، وَهَذَا مِمَّا يَعْظُمُ عَلَى الْمُلوكِ لَا سيَّما مَنْ كانَ يَعْبُدُهُ أَتْباعُهُ، وتُقَدِّسُهُ رَعِيَّتُهُ، كَفِرْعَوْنَ.
قَوْلُهُ: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} أَيْ: دَعْ لَنَا بَنِي إِسْرائِيلَ نَذْهَبْ بهِمْ إِلَى حَيْثُ كانَ آباؤهم يَعِيشُونَ، وكُفَّ عنْ اسْتِعْبادِهِم وتَسْخِيرِهِمْ لِخِدْمَتِكَ أَنْتَ وَقَوْمِكَ، وكُفَّ عنْ إِذْلالهم وتَعْذيبِهم، فَقَدْ كَانَ يَعُدُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْعَبِيدِ وَالْخَوَلِ جَزَاءَ إِحْلَالِهِمْ بِأَرْضِهِ.
وكانَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمُهُ يُسَخِّرُونَ بَنِي إسْرائيلَ في خِدْمَتِهِمْ، وَيَشُقُّونَ عَلَيْهِمْ، ويُعذِّبونَهُمْ، ويُكلِّفُونَهُمْ بكلِّ بالأَعْمالِ القَذِرةِ وَالشَّاقَّةِ. ففي تَخَلِّيهِ عنْهم وعَنْ خِدْماتِهِمْ إِدْخَالٌ للنَّقْصِ عَلَى مُلْكِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِمْ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنَ أَعْمَالِ البِنَاءٍ وغَيْرِها مِنَ الأعمالِ التي كانَ قومُهُ يَتَأَفَّفونَ مِنْها.
وَبَنُو إسْرائيلَ هُمْ ذُرِّيَّةُ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَإِخْوَتِهِ، أَبناءُ يَعْقُوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَ مَلِكُ مِصْرَ قَرَّبَ إِليْهِ يُوسُفَ، بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ مِنَ التَعرُّضِ لامْرأَةِ العزيزِ، وخَرجَ مِنَ السِّجْنِ، وَجَعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ، قالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ يوسُف: {وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} الآيَتَانِ: (54 و 55)، فلَمَّا مَكَّنَ اللهُ لَهُ في الأَرْضِ اسْتَقْدَمَ إِلَيْهِ أَبويْهِ وَإِخْوَتِهِ الذينَ كانوا قد أَلقوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْهُ، فَعَفَا عَنْهُمْ، وعَاشُوا في كَنَفِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ قِصَّتِهُ هُنَاكَ في سُورَةِ يوسُفَ.
قولُهُ: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ} هَذِهِ الجُمْلَةُ جَارِيَةٌ مِنَ الجُمْلَةِ الأُولَى ـ وَهِيَ: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ}، مَجْرَى البَيَانِ والتَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الرِّسَالَةِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَتِهَا الَّتي هِيَ مَجِيءُ الآيَةِ. وَقَالَ: "آيَة" وَهِيَ في الواقعِ أَكَثَرُ كَمَا تَقَدَّمَ بيانُهُ في الآياتِ السَّابِقَةِ، فَقَدْ أَرَادَ الجِنْسَ وَلَيْسَ آيَةً وَاحِدَةً، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ جِئْنَاكَ بِبَيَانٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى يُثْبِتُ صِحَّةَ ما نَدَّعِيهِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ آيَةً وَاحِدَةً أَوْ آياتٍ كَثِيرَةً.
قَالَ الإِمامُ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسيرِهِ (الكَشَّاف): وَإِنَّمَا وَحَّدَ بـ "آيَةٍ" وَلَمْ تُثَنَّ ـ وَمَعَهُ آيَتَانِ؛ لِأَنَّ المُرادَ فِي هَذَا المَوْضِعِ تَثْبِيتُ الدَّعْوَى بِبُرْهانِهَا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: قَدْ جِئْناكَ بِمُعْجِزَةٍ وَبُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَيْنَاهُ مِنَ الرِّسالَةِ. وَكَذَلِكَ قولُهُ مِنْ سُورَةِ الأَعْرافِ: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} الآيةَ: 105، وقالَ مِنْ سورةِ الشعراء: {فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الآيةَ: 154، وقالَ أَيْضًا فِي الآيَةِ: 30، مِنْهَا: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ}.
قَوْلُهُ: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} السَّلَامُ: ليسَ المُرادُ هُنا أَنْ يَقُولَاهُ عَلَى سَبيلِ التَّحِيَّةِ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ، ومَعْنَى التَّحِيَّةِ بـ "السَّلام": أَيْ أَنْتَ ومالُكَ وعِرضُكَ مِنِّي في أَمَانٍ وَسَلامٍ، ولا يكونُ هذا العهدُ إِلَّا لمُسْلِمٍ، أَمَّا غيرُ المُسْلِمِ فَتحيَّتُهُ: (السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى). وَذَلِكَ لِما أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي المُصَنَّفِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمانِ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: التَّسْلِيمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِم بُيُوتَهُمْ أَنْ تَقُولَ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَيْضًا، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِما، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنْ أَبي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمَ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
إِذًا إنَّما أَرادَ هُنَا السَّلامَ بِمَعْنَى السَّلامَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَذَابِهِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاءٍ ولا خِطَابٍ. فَـ "السَّلامُ" وَ "السَّلَامَةُ" بِمَعْنًى، كَ "رَضَاع" و "رَضاعَة".
وَحَرْفَا الجَرِّ "عَلَى" هُنَا وَ "لِـ" بِمَعْنًى أَيْضًا، فَكَأَنَّهُ قالَ: والسَّلامُ لِمَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، كَمَا هُوَ في قَولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الرَّعْدِ: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} الآيَةَ: 25، فإنَّ المَعْنَى: عَلَيْهِمْ اللَّعنةُ ولهم سُوءُ الدارِ، وَكَمَا قَالَ مِنْ سُورةِ فُصِّلَتْ: {مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} الآيةَ: 46، وَمِنْهُ قولُهُ فِي سورةِ الإسراءِ: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها} الْآيَةَ: 7، فإِنَّ المَعْنَى: "فَعَلَيْهَا". وَمِثْلُهُ كثيرٌ في كَلامِ العَرَبِ، فكَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُما مكانَ الآخَرِ. قالَ الْفَرَّاءُ: "السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى" وَلِمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاءٌ.
وهَذا الكلامُ هُوَ مِنْ قَوْلِ الله تَعَالَى لَهُمَا، عِنْدَ بَعْضِهِم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ، وَقُولَا لَهُ: وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّ كَلَامَ اللهِ تَعَالَى قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: "قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ"، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: "وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى"، وَعْدٌ مِنْ قِبَلِهِمَا بِالسَّلَامَةِ لَهُ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِمَنْ آمَنَ بِنُبُوءَتِهِمَا وَصَدَّقَ رِسالَتَهُما.
قوْلُهُ تَعَالَى: {فَأْتِيَاهُ} فَأْتِيَاهُ: تَقَدَّمَ في مَبْحَثِ التَفْسيرِ اعْتِبَارُ الفَاءِ فَصِيحَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ عاطِفَةً، وَ "أْتِياهُ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وأَلِفُ الإِثْنَيْنِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على الفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُوليَّةِ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ "لَا تَخَافَا" عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِـ "قَالَ".
قولُهُ: {فَقُولَا} فَقُولَا: الفاءُ: عَاطِفَةٌ، وَ "قَوْلا" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، وأَلِفُ الإِثْنَيْنِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ على الفاعِلِيَّةِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أْتِيَاهُ" في محلِّ النَّصْبِ.
قولُهُ: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} إِنَّا: هيَ "إنَّ" حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمِينَ يعودُ على موسَى وهارونَ ـ عليْهِما السَّلامُ، وهوَ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إنَّ". و "رَسُولَا" خَبَرُها مرفوعٌ بها وعلامةٌ رَفْعِهِ الألِفُ لأنَّهُ مُثنَّى، وهو مُضافٌ. و "رَبِّكَ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، ومُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قُولَا".
قَوْلُهُ: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فَأَرْسِلْ: الفَاءُ: حَرْفٌ للعَطْفِ والتَّفْريعِ، و "أَرْسِلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى "فِرْعَوْنَ". و "مَعَنَا" منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الاعتباريةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَرْسِلْ"، وهوَ مُضافٌ، و "نَا" ضميرُ جماعَةِ المُتكلِّمينَ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، وَ "بَنِي" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ لأَنَّهُ مِنَ الأسْماءِ الخمسةِ، وهوَ مُضَافٌ، و "إِسْرَائِيلَ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جَرِّهِ الفتحةُ نيابةً عنِ الكَسْرةِ لأنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ" على كونِها في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ مُفَرَّعَةٌ عَلَيْها.
قولُهُ: {وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} الواوُ: للعطْفِ، و "لَا" ناهية جازمَةٌ. وَ و "تُعَذِّبْهُمْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِـ "لا" النَّاهِيَةِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى "فِرْعَوْنَ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ على المَفْعوليَّةِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَرْسِلْ" على كونِِها في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ.
قَوْلُهُ: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ} قَدْ: حَرْفٌ للتَّحْقيقِ، و "جِئْنَاكَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتحرِّكِ هو "نا" جماعةِ المُتَكَلِّمِينَ، و "نا" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ. و "بِآيَةٍ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "جِئْنَاكَ"، و "آيةٍ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بِـ صِفَةٍ لِـ "آيَةٍ" تقديرُها: كائنةٍ مِنْ رَبِّكَ، و "رَبِّكَ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنِ اسْمِ "إنَّ" فِي قَوْلِهِ "إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ"، جَرَتْ مُجْرَى التَفْسيرِ وَالبَيَانِ لِجُمْلَةِ "إِنَّ" لِأَنَّ دَعْوَى الرِّسالَةِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا مَدْعُومَةً بِالآياتِ وَالدَّلائِلِ الظَّاهِرَةِ والبراهينِ القاطعةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "السَّلامُ" مَرفوعٌ بالابْتِدَاءِ. و "عَلَى" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرِ المبتَدَأِ. و "مَنِ" اسْمٌ مَوصولٌ بمعنى "الذي" مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "اتَّبَعَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ على "مِنْ". و "الْهُدَى" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعَذُّرِ ظُهُرِها على الألِفِ. وَجُمْلَةُ "اتَّبَّعَ" الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "مَنْ" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ مَأْمُورًا بِقَوْلِ "وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهَدَى" فَيَكُونَ مَحَلَّها النَّصْبُ بالقولِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَقُولَا أَيْضًا: "وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى".