اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} اشْدُدْ: قَوِّ، فَالشَّدُّ: هو الْإِمْسَاكُ بِقُوَّةٍ. وَ "أَزْرِي" ظَهْرِي، قَالَ مُجَاهِدٌ: "اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي" ظَهْرِي. والأَزرُ: الظَّهْرُ، أَوْ هوَ مَوْضِعُ الإزارِ مِنَ الحَقْوَيْنِ، مُثَنَّى "حَقْوٍ"، والحَقْوُ: هوَ مَعْقِدُ الإِزارِ. فإنَّهُ لَمَّا كَانَ الظَّهْرُ مَجْمَعَ حَرَكَةِ الْجِسْمِ وَقِوَامَ اسْتِقَامَتِهِ أُطْلِقَ اسْمُهُ عَلَى الْقُوَّةِ إِطْلَاقًا شَائِعًا يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ. وَ "الأَزْرُ" أَيْضًا" القُوَّةُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: آزَرْتُ فُلانًا عَلَى الأَمْرِ، إِذَا قَوَّيْتَهُ وَأَعَنْتَهُ عَلَيْهِ، وَالْأَزْرُ: الْقُوَّةُ، وَالمَعْنى: قَوِّ بِهِ نَفْسِي، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي طالِبِ، عَمِّ النَّبِيِّ ـ عَلَيْهِ وَآلِهِ وصَحْبِهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ:
أَلَيْسَ أَبونَا هَاشِمٌ شَدَّ أَزْرَهُ .............. وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ
وقَالَ الْبَعِيثُ:
شَدَدْتُ لَهُ أَزْرِي بِمِرَّةِ حَازِمٍ ................ عَلَى مَوْقِعٍ مِنْ أَمْرِهِ مُتَفَاقِمِ
وَجَاءَ في اللِّسَانِ: الأَزْرُ القُوَّةُ، والأَزْرُ الظَّهْرُ، والأَزْرُ الضَّعْفُ، والإِزْرُ ـ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، الأَصْلُ، قَالَ: فَمَنْ جَعْلِ الأَزْرَ القُوَّةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، أَيْ: اشْدُدْ بِهِ قُوَّتي، وَمَنْ جَعَلَهُ الظَّهْرَ قَالَ شُدَّ بِهِ ظَهْرِي، وَمَنْ جَعَلَهُ الضَّعْفَ قَالَ: شُدَّ بِهِ ضَعْفِي، وَقَوِّ بِهِ ضَعْفِي، وَأَزَرَ الزَّرْعُ، وَتَأَزَّرَ: قَوَّى بَعْضُهُ بَعْضًا، فَالْتَفَّ وَتَلَاحَقَ وَاشْتَدَّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَأَزَّرَ فِيهِ النَّبْتُ حَتَّى تَخايَلَتْ ........... رُباهُ، وحَتَّى ما تُرى الشَّاءَ نُوَّما
يَتحدَّثُ الشَّاعِرُ عَنْ كَثْرَةِ النَّبَاتِ والتِفافِهِ، وَتَشَابُكِهِ فَيَشُدُّ بعضُهُ أَزرَ بعضٍ، فتختالُ بِهِ الرُّبى، حتَّى أَنَّ الشَّاءَ تَنَامُ فِيهِ فَلَا تُرَى. وقالَ آخَرُ:
شددت به أزري وأيقنت أنه ... أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه
فَقَدْ سَأَلَ سَيِّدُنا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، رَبَّهُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَخِيهِ "هَارُونَ" عَلَى مَا كَلَّفَهُ بِحَمْلِهِ مِنْ أمْرِ الرِّسالةِ، وَيُقَوِيَهُ بِهِ فِيمَا حَمَّلَهُ، وَأَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا قَلَّدَهُ مِنَ الرِّسالةِ وَالقِيامِ بها حَقَّ القيامِ، فَأَجَابَهُ الله إِلى ما سَأَلَ، فقالَ مِنْ سورةِ القَصَصِ: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} الآيةَ: 35. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} اشْدُدْ: فِعْلُ دُعَاءٍ ورجاءٍ وَطَلَبٍ، مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَ "بِهِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "اشْدُدْ"، والهاء: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أَزْرِي" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ وعلامةُ نَصْبِهِ فتْحَةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِ ظهورِها على الياءِ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطَوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ {اشْرَحْ} بِعَاطِفٍ مُقَدَّرِ، عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَ"، أَوْ اسْتِئْنافًا بَيَانِيًّا لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قرأَ العامَّةُ: {اشْدُدْ} فعلَ طَلَبٍ والهمزةُ همرةُ وَصْلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "أَشْدُدْ" بِجَزْمِ الفِعْلِ جَوَابًا لِلطَلَبِ بِهَمْزَةٍ مفتوحةٍ للمُضَارَعَةِ. وَقَرَأَ الحَسَنُ "أُشَدِّدُ" مُضَارِعَ شَدَّدَ بِالتَّشْديدِ.