طه (1)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {طَهَ} لِلْعَلَمَاءِ فِي تَفْسيرِ هَذِهِ الكَلِمَةِ أَقْوَال كثيرةٌ نُلَخِّصُها بالآتي:
أَوَّلُها: أَنَّهُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ الطَّاءَ وَالْهَاءَ جَاءَتَا فِي فواتِحِ سُوَرٍ أُخْرى مِنَ القرآنِ الكريمِ فقدِ افتتحتْ سُورَتا "الشُّعَرَاء" و "القَصص" بـ: {طَسم}، وَافْتُحَتْ سُورةُ النَّمْلِ بـ: {طس}. وَأَمَّا الْهَاءُ فَقَدْ جاءتْ في افَتِتاحِ سورةِ مَرْيَمَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَهَيَعَص}. واللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهَذِهِ الحُرُوفِ المُقَطَّعةِ، وَهَذَا خَيْرُ مَا تُفَسَّرُ بِهِ، وَهوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيها.
ثانيها: بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الطَّاءُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ طَاهِرٌ وَطَيِّبٌ وَالْهَاءُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ هَادِي. وَقِيلَ" طَاءٌ" يَا طَامِعَ الشَّفَاعَةِ لِلْأُمَّةِ" هَاءٌ" يَا هَادِيَ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ. فقد رُوِيَ عَنْهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لِي عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ ..)). فَذَكَرَ أَنَّ مِنْها "طه" و "يس". قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: حَفِظْتُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً: مُحَمَّدُ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، والفاتِحُ، والخاتِمُ، والماحِي، وَالْعَاقِبُ، والحاشِرُ.
ثالِثُها: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ـ تَعَالى، وَقَسَمٌ أَقْسَمَ بِهِ، ورَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَقَالَ القُرَظِيُّ: أَقْسَمَ اللهُ بِطَوْلِهِ وَهِدايَتِهِ؛ وَهوَ قَريبٌ مِنَ المَعْنَى الذي قَبْلَهُ.
رابعُها: أَنَّ مَعْنَاهُ يَا رَجُلُ. قَالُوا: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَبَنِي طَيِّئٍ، وَبَنِي عُكْلٍ، قَالُوا: لَوْ قُلْتَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَكِّ: يَا رَجُلُ، لَمْ يَفْهَمْ أَنَّكَ تُنَادِيهِ حَتَّى تَقُولَ طه، وَمِنْهُ قَوْلُ مُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيِّ:
دَعَوْتُ بِطه فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ ........ فَخِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُوَائِلًا
وَيُرْوَى مُزَايِلًا، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: مَعْنَى "طَهَ" بِلُغَةِ (عَكٍّ) يَا حَبِيبِي، ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ بِلُغَةِ قبيلةِ طَيِّئٍ، وَأَنْشَدَ عَلِيْهِ بيتَ الشَّاعِرِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلْهِلِ:
إِنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ فِي شَمَائِلِكُمْ ........... لَا بَارَكَ اللهُ فِي الْقَوْمِ الْمَلَاعِينِ
وَيُرْوَى أَيْضًا:
إِنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ مِنْ خَلَائِقِكُمْ .............. لَا قَدَّسَ اللهُ أَرْوَاحَ الْمَلَاعِينِ
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى "طَهَ" يَا رَجُلُ، ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالْحَسَنُ البَصْريُّ، والسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، والكَلْبِيُّ، وَابْنُ أَبْزَى، وَغَيْرُهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
خامسُها: أَنَّ مَعْناهُ: طَإِ الأَرْضَ بِقَدَمِكَ، وَلَا تَقُمْ عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْكَ يَعْنِي فِي الصَّلاةِ، حَكَاهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ ـ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كانَ يُراوِحُ بَيْنَ رجليهِ في صَلاتِهِ، فَيَعْتَمِدُ عَلَى اليُمْنَى تَارَةً، وعَلَى اليُسْرَى تَارَةً أُخْرَىَ، وَذَلِكَ لِطُولِ قِيامِهِ اللَّيْلَ، حَتَّى تَوَرَّمَتْ قدماهُ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، وَذلكَ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ المُزَّمِّلِ: {يا أَيُّها المُزَّمِّلُ قُمِ الليْلَ إلَّا قليلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قليلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ورَتِّلِ القرآنَ ترتيلًا} الآياتِ: (1 ـ 3). أَخْرَجَهُ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ حديثِ أميرِ المُؤمنينَ عَلِيٍّ ـ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، فِي كتابهِ: (الشِّفَاءِ في حقوقِ المُصْطفَى)، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الْأُخْرَى، فَأَنْزَلَ اللهُ "طه" يَعْنِي طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْهَاءُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ، وَالْهَمْزَةُ خُفِّفَتْ بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا كَقَوْلٍ فِي الْفَرَزْدَقِ:
رَاحَتْ بِمُسْلِمَةِ الْبِغَالِ عَشِيَّةً .............. فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكَ الْمَرْتَعُ
ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ التَّعَسُّفِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الظَّاهِرِ.
سادِسُها: أَنْ يَكونَ مَعْناهُ "طَهِّرْ"، وَيَحْتَمِلُ مَا أَمَرَهُ بِتَطْهِيرِهِ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: طَهِّرْ قَلْبَكَ مِنَ الخَوْفِ. والثاني: طَهِّرْ أُمَّتَكَ مِنَ الشِّرْكِ. أوْ: أَنَّ الطَّاءَ مِنَ الطَّهَارَةِ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: يَا طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْهَاءَ مِنَ الْهِدَايَةِ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: يَا هَادِيَ الْخَلْقِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ. وَقِيلَ: الطَّاءُ مِنَ الطَّهَارَةِ وَالْهَاءُ مِنَ الْهِدَايَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَا طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ يَا هَادِيَ الْخَلْقِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ. فالطاءُ إِشَارَةٌ إِلَى قَلْبِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والهاءُ إِشارَةٌ إِلى اهْتِداءِ قَلْبِهِ إِلَى اللهِ. وَقِيلَ طَأْ بِسرِّكَ بِساطَ القُرْبَةِ فَأَنْتَ لَا تَهْتَدِي إِلَى غَيْرِنَا. وَيُقالُ طَوَيْنا عَنْ سِرِّكَ ذِكْرَ غَيْرِنَا، وَهَدَيْنَاكَ إِلَيْنَا. وَيُقَالُ طُوبَى لِمَنِ اهْتَدَى بِكَ. ويُقالُ طابَ عَيْشُ مَنْ اهْتَدَى بِكَ.
سابعُها: أَنَّهُما حَرْفانِ مَقْطوعٌ أَحَدُهما عَنِ الآخَرِ يَدُلُّ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُما عَلَى مَعْنَى.
ثامِنُها: أَنَّ مَعْنَاهُما: طُوبَى لِمَنِ اهْتَدَى، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بِنِ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدينَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما.
تَاسِعُها: أَنَّهُ اخْتِصَارٌ مِنْ كَلَامٍ خَصَّ اللهُ رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، بِعِلْمِهِ.
العاشِرُ: قِيلَ الطَّاءُ طُبُولُ الْغُزَاةِ وَالْهَاءُ هَيْبَتُهُمْ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ. بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورةِ آل عُمْران: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} الآيةَ: 151، وقولُهُ منْ سورةِ الأحزابِ: {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} الآيةَ: 26، وَقَوْلُهُ في الآيةِ: 2، مِنْ سورةِ الحَشْر: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخربونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهم وأيدي المُؤْمِنينَ}.
الحادي عشَرَ: أَنَّ الطاءَ في حِسَابِ الجُمَّلِ تِسْعَةٌ، والهاءُ خَمْسَةٌ، فَيَكونُ مجموعُهُما أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وهي ليلةُ اكتمالِ القمرِ بَدْرًا مِنْ الأَشْهُرِ القَمَرِيَّةِ، فيكونُ المَعْنَى: يَا أَيُّها البَدْرُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى، والخِطابُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قالهُ الثَّعْلَبِيُّ.
الثاني عَشَرَ: قِيلَ: الطَّاءُ طَرَبُ أَهْلِ الجَنَّةِ فِي الجَنَّةِ، والهاءُ هُوَ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ.
الثالث عَشَرَ: أَنَّ الطاءَ مِنْ طابَةَ، وَهِيَ مَدينَةُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والهاءُ مِنْ مَكَّةَ، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِي.
والرابع عَشَرَ: أَنَّهُ اسْمُ السُّورَةِ وَمِفْتاحُها.
وفي سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ وَرَدَ أَنَّ قُرَيْشًا لمَّا نَظَرَتْ إِلَى عَيْشِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَظَفِهِ، وَكَثْرَةِ عِبَادَتِهِ؛ قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا فِي شَقَاءٍ مَعَ رَبِّهِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ؛ رَدًّا عَلَيْهِمْ. وَقد أَسْنَدَ القاضِيِ عِيَاضٌ فِي (الشِّفا) مِنْ طَريقِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قالَ: كانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى، قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الأُخْرَى، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: "طَهَ" يَعْني: طَإ الأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ.
وقال مُقاتِلٌ: بِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ، والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، والمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَتَشْقَى بِتَرْكِ دِينِنا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالى: {طَهَ} إِنْ قُلْنَا إِنَّ الحُروفَ المُقَطَّعَةَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِعِلْمِهَا، فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ، أَيْ: لَا تُوصَفُ بِإِعْرابٍ وَلَا بِنَاءٍ؛ لِأَنَّ الحُكْمَ بِالإِعْرَابِ وَالبِنَاءِ، عَلَى الكَلِمَةِ، فَرْعٌ عَنْ إِدْراكِ مَعْنَاهَا، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّها اسْمٌ للسُّورَةِ، فَهُوَ إِمَّا: خَبَرٌ لِمُبْتَدَأِ مَحْذوفٍ؛ أَيْ: هَذِهْ سُورَةُ طَهَ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: سُورَةُ طَهَ، هَذَا مَحَلُّهُ، وَقِيلَ: "طَا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وَأَصْلُهُ "طَأْ" بِالْهَمْزِ، وَلَكِنْ أَبْدَلَ مِنَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا، وفاعِهٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمَ، وَ "هَا" ضَمِيرُ الْأَرْضِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلَّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ، وَقِيلَ بِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ، كَمَا أُبْدِلَتْ فِي "أَرَقْتُ"، فَقِيلَ: "هَرَقْتُ". وَقِيل: بِأَنَّهُ أُبْدِلَ مِنَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا، ثُمَّ حُذِفِتْ لِلْبِنَاءِ، وَأُلْحِقَتْ هَاءُ السَّكْتِ. وَهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا نَحْوِيًّا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ.
وفي "طَهَ" قِرَاءَاتٌ كثيرةٌ. فقد قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ: "طَهَ" بِفَتْحِ الطَّاءِ والهَاءِ.
وَقَرَأَ الأَخَوَانِ (حَمْزَةُ وَالكِسَائيُّ)، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: "طِهِ" بِكَسْرِ الطّاءِ والهاءِ معًا.
وَقَرَأَهما نَافِعٌ بَيْنَ الفَتْحِ والكَسْرِ، وَهُوَ إِلى الفَتْحِ أَقْرَبُ؛ كَذَلِكَ قَالَ خَلَفٌ عَنِ المُسَيَّبيِّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ (طَهِ) بِفَتْحِ الطَاءِ وَكَسْرِ الهَاءِ، وَرَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ أَنَّهُ قَرَأَ بِمِثْلِ قِراءَةِ حَمْزَةَ.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأَبُو رَزينٍ العُقَيْلِيِّ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيّبِ، وَأَبُو العَالِيَةَ "طِهَ" بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الهَاءُ.
وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وعِكْرِمَةُ، وَوَرْشٌ: "طَهْ" بِفَتْحِ الطاءِ وَسُكونِ الهاءِ.
وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ، وَمُوَرِّقٌ "طِهْ" بِكَسْرِ الطاءِ وَسُكُونِ الهَاءِ.
وَأَمَالَ الحَرْفَيْنِ حَمْزَةُ، وَالكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ؛ وَلَعَلَّ إِمَالَةِ الطَّاءِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الاسْتِعْلاءِ، والاسْتِعْلاءُ يَمْنَعُ الإِمالَةَ لِأَنَّها تَسْفُلُ لِقَصْدِ التَجَانُسِ، وَهِيَ مِنَ الفَوَاتِحِ الَّتي تُصَدَّرُ بِهَا السُّوَرُ الكَرِيمَةُ عَلَى إِحْدَى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ مُجاهِدٍ، بَلْ قِيلَ: هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ المُتْقِنِينَ.
وَفَخَّمَهَا عَلَى الأَصْلِ ابْنُ كَثيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ، وَيَعْقُوبٌ، وهيَ إِحْدَى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ قَالُونٍ، وَوَرْشٍ، والثّانِيَةُ أَنَّهُما فَخَّمَا الطَّاءَ وَأَمَالَا الهَاءَ، وَهُوَ المَرْوِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بْنِ العلاءِ أَيْضًا.