يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قالَ: "يَرِثُني" وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يَرِثُ، فَقَدْ يَهَبُ لَهُ وَلِيًّا لَا يَرِثُ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَهُ مَثَلًا، أَوْ قَدْ لَا يَكونُ صالِحًا لِخِلافَةِ النُّبُوَّةِ، فقد قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، في رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهُ: (يَرْثُ النُّبُوَّةَ). التَفْسيرُ الكَبِيرُ للإمامِ الفخرِ الرازي: (11/184). وقَالَ أَبو صَالِحٍ: (يَكونُ نَبْيًّا كَمَا كَانَتْ آباؤُهُ أَنْبِيَاءَ): جامِعُ البَيَانِ للطَبريِّ: (16/47). وَالدُّرُّ المَنْثُورُ للإمامِ السُّيوطيُّ: (4/467). وَقالَ مُجاهِدٌ وَالسُّدِّيُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: (يَرِثُ العِلْمَ والنُّبُوَّةَ) جامِعُ البَيَانِ للطَّبَرِيِّ: (16/48). وَقَالَ الكَلْبِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: (يَرِثُ مَكانِي وَحُبُورَتِي)، رُوحُ المَعَاني للألوسِي: (16/62). وَذَكَرَهُ البَغَوِيُّ فِي تَفْسيرِهِ: (5/219)، وَالزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ: (2/405). وَقَالَ قَتَادَة ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: (نُبُوَّتِي وَعِلْمِي)، تَفْسيرُ القُرْآنِ للصَّنْعَانِيِّ: (2/5)، جامِعُ البَيَانِ للطَّبَرِيِّ: (16/48)، وتَفْسيرُ القُرْآنِ العَظيمِ لابْنِ كثيرٍ: (3/124). وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يَرِثُنِي الحُبُورَةِ، وَكَانَ زَكَرِيَّا حَبْرًا: "وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" المُلْكَ، تَفْسيرُ غريبُ القُرْآنِ لَهُ: (2/2). وأَكْثَرُ المُفسِّرينَ عَلَى أَنَّ يَعُقوبَ المَذْكورَ هنا هو يعقوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَكَانَ زَكَريَّا مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بْنِ يَعْقوبَ، انظُر: تَفْسيرَ الكشاف للزمخشريِّ: (2/405)، و "تَفْسير القرآن العظيم لابْنِ كثيرٍ: (3/124)، وتفسير "زاد المَسيرِ" لابنِ الجوزي: (5/209)، و "الجامع لأَحْكامِ القُرْآنِ" للقرطبي: (11/82). وقالَ الكَلْبِيُّ: (هوَ يَعْقُوبُ بْنُ مَاتان، أَحدُ رُؤوسِ بَني إِسْرائيلَ وبني مُلوكِهِمْ، وَكانَ آلُ يَعْقوبَ أَخْوَالَ ولَدِهِ؛ لِأَنَّ امْرَأَةَ زَكَرِيَّا هي "حَنَّةُ" أُخْتُ مَرْيَمَ بِنْتِ عُمْرانَ بْنِ ماتانَ). "النُكَتُ والعُيون" للماوردي: (3/356)، وَ "زادُ المَسير" لابنِ الجَوْزي: (5/209)، "الجَامِعُ لأَحْكامِ القُرْآنِ للإمامِ القُرْطُبِيِّ" (11/82)، و "رَوحُ المَعاني" للعلاَّمةِ الأَلُوسِيِّ: (16/62).
وَالظَّاهِرُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا يُوَرِّثُونَ المَالَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا فِي الآيَةِ: 16، مِنْ سُورَةِ النَّمَلِ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ} أَيْ: وَرِثَ سُلَيمانُ المُلْكَ مِنْ أَبِيهِ داودَ ـ عَلَيْهِما السَّلامُ، بِدَلِيلِ قولِهِ في الآيَةِ الَّتي تَلِيها: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} الآية: 17. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ في الحَدِيثِ الشَّريفِ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسُلَّمَ، فيما أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: ((يَرْحَمُ اللهُ زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وِرَاثَةِ مَالِهِ)). وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا مِثلُهُ. وَقالَ قوْمٌ: أَرادَ وِراثَةَ المَالِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، قالَ: (يَرِثُ مَالِي، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَةَ). وَهُوَ قَوْلُ الحَسَنِ وَسُفْيَانَ: "النُكَتُ والعُيُونُ": (3/356)، و "مَعَالِمُ التَنْزيلِ: (5/219)، و "زَادُ المَسِيرِ": (5/209)، و "الدُّرُّ المَنْثُورُ" للسُّيُوطِيِّ: (4/467). وهَذَا يَعْنِي أَنَّ المَوْرُوثَ المُتَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا في هذِهِ الآيةِ الكريمةِ هُوَ المَالُ، والمُلْكُ. ولا يَتَعارضُ هذا معَ مَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ مِنْ إِرْثِ النُّبُوَّةِ. كما لَا تَعَارُضَ بيْنَهُ وبَيْنَ قَوْلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِرَقَمِ: (6727) مِنْ حَديثِ السَّيِّدَةِ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها وأَرْضاهَا بِلَفْظِ: ((لَا نُوَرِّثْ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ)). فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ رَسُولُ اللهِ نَفْسَهُ، كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَميرُ المؤمنينَ عُمَرُ بْنُ الخطَّاب ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي حَدِيثِهِ مَعَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِذْ قَالَ عُمَرُ: (يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بِذَلِكَ نَفْسَهُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ: نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ الَّذِي تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِهِ، أَعَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّا لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ))؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وفي رِوَايَةٍ: عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)). وفي روايةٍ: عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَيضًا، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَانِ، وَسَعْدٍ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي قَامَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، سَمِعْتُمُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: (1/25(172). والبُخَارِيُّ: (4/96 رقم: 3094)، ومُسْلِمٌ: (5/151 برقم: 4598). وأَبو داوُدَ: (2963). والتِّرْمِذِيُّ: (1610). والنَّسائيُّ: في "السُّنَنِ الكُبْرَى": (6273). عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما. فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا سَابِقًا كَانَ مُرَادُ زَكَرِيَّا إِرْثَ آثَارِ النُّبُوَّةِ خَاصَّةً مِنَ الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ وَتَقَايِيدِهِ عَلَيْهَا.
والصَّحِيحُ القَوْلُ الأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ، وَتَشْهَدُ لَهُ الأَحادِيثُ الصَّحِيحَةُ. قالَ ابْنُ كَثيرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى، في تَفْسِيرِهِ: (3/124): إِنَّ النِّبِيُّ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً، وَأَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُشْفِقَ عَلَى حَالِهِ إِلَى مَا هَذَا حَدُّهُ، وَأَنْ يَأْنَفَ مِنْ وِراثَةِ عِصابَتِهِ لَهُ، وَيَسْأَلُ أَنْ يَكونَ لَهُ وَلَدٌ لِيَحُوزَ مِيراثَهُ دُونَهُمْ هَذَا وَجْهٌ.
قوْلُهُ: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} الرَّضِيُّ هنا: بِمَعْنَى المَرْضِيِّ، وقالَ ابْنُ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، يُريدُ: يَكونُ عَبْدًا مَرْضِيَّا فِي الصَّلاحِ والعَفافِ، والنُّبُوَّةِ. وذَكَرَتْ نحوَ ذلكَ كُتُبُ التَفْسيرِ بِدونِ نِسْبَةٍ. انْظُرْ: "الكشْفُ والبَيانُ": (3/2) أ، و "المُحَرَّرُ الوَجِيزُ": (9/430)، "مَعَالِمُ التَنْزيلِ": (5/219)، و "التَفْسيرُ الكَبيرُ": (21/185).
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يَرِثُنِي: فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وَفَاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ يعودُ عَلى {وَلِيًّا}، وَياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ، أَمَّا الثاني فمَحْذوفٌ. تَقْديرُهُ: النُّبُوَّةَ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ صِفَةً لِـ {وَلِيًّا}، و "وَيَرِثُ" الواوُ: حَرْفُ عطْفٍ، وَ "يَرِثُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ عطْفًا على "يَرِثُ" الأَوَّلُ ولَهُ مِثلُ إعرابِهِ، و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بـ "يرثُ"، وَ "آلِ" مجرورٌ بحرْفِ الجرِّ مُضافٌ، و "يَعْقُوبَ" مَجْرُورٌ بالإضافةِ إليهِ، وعلامةُ جرِّهِ الفتحةُ نيابةً عَنِ الكَسْرَةِ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، والجُمْلةُ الفِعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "يَرِثُنِي".
قوْلُهُ: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} وَاجْعَلْهُ: الواوُ: للعطْفِ، و "اجعلْهُ" فِعْلُ طَلَبٍّ دُعائيٍّ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ. و "رَبِّ" مُنَادَى مُضَافٌ حُذِفَتْ مِنْهُ أَدَاةُ النِّداءِ، مَنْصوبٌ وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ يَاءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةِ تَخْفيفًا لاشْتِغَالِ المَكَانِ بِالْحَرَكَةِ المُناسِبَةِ لِيَاءِ المُتَكَلِّمِ، وهوَ مُضافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحلِّ الجرِّ بالإِضافَةِ إِليْهِ. و "رَضِيًّا" مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ لِـ "جَعَلَ" منصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ {هَبْ لِي} مِنَ الجملةِ التي قبلها.
قرأَ العامَّةُ: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ} بِرَفْعِ الثَّاءِ فيهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا صِفَةٌ لـ {وَلِيًّا} مِنَ الآيةِ التي قَبْلَهَا. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَالكَسَائِيُّ، "يَرِثْنِي وَيَرِثْ" بِجَزْمِ الفِعْلَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا جَوَابٌ لِلْأَمْرِ، إِذِ التقديرُ: إِنْ يَهَبْ يَرِثْ. وَقَرَأَ أَميرُ المُؤْمِنِينَ عليٌّ، وعبدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، والحَسَنُ، ويَحْيَى بْنُ يَعْمَر، والجَحْدَرِيُّ، وَقتَادَةُ فِي آخَرِينَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ: "يَرِثُني" بِياءِ الغَيْبَةِ وَالرَّفْعِ، و "أَرِثُ" مُسْنَدًا لِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ، وَفي الكلامِ تَقْديمٌ وتَأْخِيرٌ. تَقديرُهُ: يَرِثُ نُبُوَّتِي إنْ مِتُّ قَبْلَهُ، وَأَرِثُ مَالَهُ إِنْ مَاتَ قَبْلِي. ونُقِل هَذَا عَنِ الحَسَنِ البَصْريِّ أَيْضًا ـ رَضِيَ اللهُ تعالىَ عَنْهُ. وَقَرَأَ أَيْضًا عَلِيٌّ، وابْنُ عَبَّاسٍ، والجَحْدَرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالىَ عَنْهُم: "يَرِثُني وَارِثٌ" فجَعَلوهُ اسْمَ فاعِلٍ، أَيْ: يَرِثُني بِهِ وَارِثٌ، وَيُسَمَّى هَذَا فِي عِلْمِ البَيَانِ بـ (التَجْريدَ). وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ "أُوَيْرِثٌ"، وَهُوَ تَصْغِيرُ "وارِث"، وَالأَصْلُ "وُوَيْرِث" بِوَاوَيْنِ. فَوَجَبَ قَلْبُ أُولاهُمَا هَمْزَةً لاجْتِمَاعِهِمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ أَوَّلَ الكَلِمَةِ، ونَحُوُ ذلكَ "أُوُيْصِل"، تَصْغِيرَ "وَاصِلٍ". وَالواوُ الثانيَةُ بَدَلٌ عَنْ أَلِفِ "فاعِلٍ". وَ "أُوَيْرِثٌ" مَصْروفٌ، لِأَنَّ فِيهِ عِلَّتَيْنِ: الوَصْفِيَّةَ وَوَزْنَ الفِعْلِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ "وِارِث" بِكَسْرِ الوَاوِ، عَلَى الإِمالةَ.