وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
قَوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} وَهِيَ تَتَغَيَّظُ حَنَقًا عَلَيْهِمْ وتلَهُّفًا لالْتِهامهم. فَقِيلَ: يُؤتَى بِنَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيامَةِ تُقادُ بِسَبْعينَ أَلْفِ زِمامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلَف مَلَكٍ، فيَرَها المُجْرِمونَ بِأَبْصارِهمْ، ويُشَاهِدُونَا معاينةً. إذًا فَالرُّؤيةُ هَهُنَا بَصَرِيَّةٌ، ولِذَلِكَ تَعَدَّتْ لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقدْ عَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَأْكِيدِ الْوُقُوعِ وَتَحَقُّقِهِ بِالْفِعْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ بِيانُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ هَذَا السِّفْرِ المُبَارَكِ. والمُرادُ بـ "المجرمونُ" الكافرونَ، وجاءَ الإِظْهَارُ في مَقَامِ الإضْمارِ هنا بَيَانًا لإجْرَامِهِمْ وتصريحًا بِهِ، وذَمًا لَهُمْ. وَكَذَلِكَ قالَ "النَّارَ" فأَظْهَرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْمَوْبِقِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمَوْبِقَ هُوَ النَّارُ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِعَطْفِ الْبَيَانِ.
قولُهُ: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، لِأَنَّهُمْ إنَّما يُبْصَرُونَهَا حَقيقَةً وَيُشَاهَدُونَها وَاقِعًا وعيانًا. وَمِنْ مجيءِ الظَّنِّ بِمَعنَى الْيَقِينِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سَورَةِ البَقَرَةِ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} الآيتَانِ: (45 و 46)، أَيْ: يُوقِنُونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ، وَكذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهَا في الآيَةِ: 249: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} أَيْ: المُوقِنُونَ بِلِقاءِ اللهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ مِنْ سُورَةِ الحاقَّةِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} الآيتانِ: (19 و 20)، أَيْ: إِنِّي أَيْقَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ، وَكثيرً ما تُطْلِقُ الْعَرَبُ الظَّنَّ عَلَى الْيَقِينِ، وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ............ سَرَاتُهُمْ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ
وَقَوْلُ عَمِيرَةَ بْنِ طَارِقٍ:
بِأَنْ تَغْتَزُوا قَوْمِي وَأَقْعُدُ فِيكُمُ ........... وَأَجْعَلُ مِنِّي الظَّنَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا
وكذَلِكُ هُوَ هُنَا فِي هَذِهِ الآيَةِ، أَيْ: فَلَمَّا تَحَقَّقُوا أَنَّهم داخِلوهَا لَا مَحَالَةَ، وَهوَ مِنْ بابِ تَعْجيلِ الحُزْنِ لَهُمْ، ومُحَاصَرَتِهِمْ بالهَمِّ، فإِنَّ تَوَقُّعَ العَذَابِ وَالخَوْفَ مِنْهُ قَبْلَ وُقوعِهِ، أَشَدُّ مِنْ مُبَاشَرةِ العَذابِ النَّاجِزِ وَمُقارَفَتِهِ وتَجُرُّعِهِ.
وَقِيلَ: الظَّنُّ هُنَا عَلَى بابِهِ ومَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ على الآخَرِ. وَكَوْنُهُمْ لَمْ يَجْزِمُوا بِدُخُولِهَا، لأَنَّ لَهُم رَجَاءً فِي كَرَمِ اللهِ تَعَالَى ورَحْمَتِهِ، وَطَمَعًا فِي عفوِهِ ومَغْفِرتِهِ. واللهُ أَعْلَمُ.
و "مُوَاقِعوهَا": مُلابِسُوها مُلابَسَةً تَقَعُ بِهِمْ وَتَشْتَدُّ عَلَيْهِم، وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَارِدُوها، وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَاخِلوهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مُقْتَحِمُوهُا. والمُوَاقَعَةُ لُغَةً: هي المُلابَسَةُ بِشِدَّةٍ، فهِيَ بوزْنِ "مُفَاعَلَة" مِنَ الْوُقُوعِ، وَهُوَ الْحُصُولُ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ وَاقِعُونَ فِيهَا وُقُوعَ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ فِي مَوْقِعٍ يَتَطَلَّبُهُ، فَكَأَنَّهُ يَقَعُ هُوَ فِيهِ. وِمِنْهُ: وَقائِعُ الحَرْبِ، والتَوَقُّعَ: تَرَقُّبُ وَقْعَةُ شَيْءٍ، وَمِنْهُ: الوِقَاعُ، أَي: الجِمَاعُ، لِأَنَّهُ مُلابَسَةٌ بِدَفْعٍ وَشِدَّةٍ. فيُقالُ: واقَعَهُ مُوَاقَعَةً، وَأَوْقَعَ بِهِ إِيْقاعًا، وَجاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّريف عَنْ أَبي سعيدٍ الخِدْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يُنْصَبُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ كَمَا لَمْ يَعْمَلْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَرَى جَهَنَّمَ وَيَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً)). أَخْرَجَهُ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في مُسْنَدِهِ، والنَّصُّ لَهُ: (3/75، بِرقم: 11732)، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِليُّ: (2/524، برقم: 1385)، وَابْنُ حِبَّانَ في صحيحِهِ: (16/349، برقم: 7352)، وَأَبو عبدِ اللهِ، الحاكِمُ النَيْسابوريُّ في مُسْتَدْرَكِهِ على البُخاريِّ ومُسْلمٍ: (4/639، برقم: 8766)، وَقالَ: هو صَحيحُ الإِسْنَادِ. وَأَخرجَهُ أَيْضًا ابْنُ جَريرٍ الطَبَرِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ـ جَلَّ جلَالُهُ العظيمُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُجْرِمِينَ يَرَوْنَ النَّارَ، بَيْنَمَا بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ العزيزِ أَنَّهَا هِيَ أَيْضًا تَرَاهُمْ، فَقَالَ مِنْ سُورةِ الفُرْقان: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} الآيتانِ: (11 و 12. فهم يرونَها، وهي تَرَاهُمْ لأنَّهُمْ وقودُها، وتَعْرِفُهُم تمامَ المعرفةِ كما تَعْرفُ السِّباعُ فَرِيسَتَها لأَنَّها غِذاؤها، والعياذُ بالله تعالى مِنْ غَضَبِهِ وأَليمِ عذابِهِ.
قولُهُمْ: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} الْمَصْرِفُ: هوَ مَكَانُ الصَّرْفِ، أَيِ التَّخَلُّصِ وَالْمُجَاوَزَةِ. وَفِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ، تَقْدِيرُهُ: وَحَاوَلُوا الِانْقِلَابَ أَوِ الِانْصِرَافَ فَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا، أَيْ: وَلَمْ يَجِدُوا مكانًا يَنْصَرِفونُ إِلَيْهِ عَنِ النَّارِ، وَيَعْدِلُونَ إِلَيْهِ، لِيَتَّخِذُوهُ مَلْجَأً لهم، وَمُعْتَصَمًا مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالى فَيَنْجُونَ بِهِ، لَأَنَّ النَّارَ قَدْ أَحاطَتْ بِهِم مِنْ كُلِّ جانِبٍ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَبَارَحَةِ أَمَاكِنِهمْ هَرَبًا مِنْها، وَفِرَارًا مِنْ عَذَابِها. فَقَدِ انْقَطَعَتْ آمَالُهم، وَتَبَدَّدَتْ أَحْلامُهُم، وتَلَاشَتْ أَوْهامُهم، واسْتَيْقَنُوا أَنَّ النِّيرانَ ـ لَا مَحَالةَ، سَتَلْتَهِمُهمْ. فَلَنْ يُسْمَعَ لَهُمْ عُذْرٌ، وَلَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَدْلٌ، وَلَنْ تَنْفَعَهم حِيلَةٌ، ولنْ تُقْبَلُ فيهِمْ شَفَاعَةٌ. فَاسْتَحْكَمَ فيهِمُ القُنُوطُ، وتمكَّنَتْ منهمُ الخَيْبَةُ، وَغَلَبَ عليهِمُ اليَأْسُ، وهَذا هوَ العَذابُ الأَكْبَرُ ـ والعياذُ باللهِ تَعَالى مِنْ غَضَبِهِ وعذابِهِ. وَمِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْرِفِ بِمَعْنَى مَكَانِ الِانْصِرَافِ عَلَى الْمَعْدِلِ لِلِاعْتِصَامِ بِه قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةَ مِنْ مَصْرِفِ ............. أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ
قَوْلُهُ تَعَالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "رَأى" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتْحِ المُقَدَّرِ على آخِرِهِ لتَعذُّرِ ظُهُورِهِ على الأَلِفِ. و "المُجْرِمونَ" فَاعِلُهُ مَرفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المذكَّرِ السَّالمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. و "النَّارَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، والجُمْلَةُ في محلِّ الجَرِّ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} مِنَ الآيةِ: 52، السَّابقةِ، أَيْ: جَعَلْنَا بينَهُمْ مَوْبِقًا وَرَآهُ الْمُجْرِمُونَ.
قوْلُهُ: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} الفاءُ: للعَطْفِ والتعقيبِ، و "ظنُّوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعليَّةِ، والأَلِفُ للتفريقِ. والجملةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلةِ "رَأَى" على كونِها في محلِّ الجَرِّ. و "أَنَّهُمْ" أَنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، و "مُواقِعُوها" خَبَرَهُ مرفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، وهو مُضافٌ، وَ "هَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ، وَجُمْلة "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ سادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ الظَنِّ.
قَوْلُهُمْ: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} الواوُ: عِاطِفَةٌ، و "لَمْ" حَرْفٌ للجَزْمِ والنَّفْيِ والقَلْبِ. و "يَجِدُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بـ "لَمْ" وعلامةُ جزْمِهِ حَذْفُ النَّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. و "عَنْها" عنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "مَصْرِفًا"، و "ها" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجَرِّ. وَ "مَصْرِفًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ لِـ "وَجَدَ" لِأَنَّهُ بِمَعْنَى "أَصَابَ"، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ في محلِّ الجَرِّ أيضًا عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "فَظَنُّوا".
قرأَ الجمهُورُ: {مُواقِعُوها}، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَابْنُ غَزْوَانَ عَنْ طَلْحَةَ: "مُلاقوها" وهيَ كَذلكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِمُخَالَفَةِ سَوَادِ الْمُصْحَفِ. وَروُيَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ "مُلَافُّوهَا" بِالْفَاءِ مُشَدَّدَةً مِنْ "لَفَفْتُ".
قرأ العامَّةُ" {مَصْرِفًا} بِكسْرِ الراءِ، وَأَجَازَ أَبُو مُعَاذٍ قراءتَها "مَصْرَفًا" بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فقد جَعَلَهُ مَصْدَرًا كَالْمَضْرَبِ لِأَنَّ مُضَارِعَهُ يَصْرِفُ عَلَى وزنِ "يَفْعِلُ".
وَيجُوزُ أَنْ يَكونَ اسْمَ مَكَانٍ أَوْ زمانٍ. وَقالَ أَبو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: مَصْرِفًا: أَي: انْصِرافًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ مَكانًا. قالَ السَّمينُ: وَهَذَا سَهْوٌ منهُ إذْ جَعَلَ "المَفْعِل" بِكَسْرِ العَيْنِ مَصْدَرًا لِما مُضَارِعُهُ "يَفْعِل" بالكَسْرِ مِنَ الصَّحيحِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلى أَنَّ اسْمَ مَصْدَرِ هَذَا النَّوعِ مَفْتُوحُ العَيْنِ، واسْمَ زَمَانِهِ وَمَكانِهِ مَكْسُوراهَا، نحْوَ: المَضْرَبِ، والمَضْرِبِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، "مَصْرَفًا" بِفَتْحِ الرَّاءِ، جَعَلَهُ مَصْدَرًا؛ لأَنَّه مَكْسُورُ العَيْنِ فِي المُضَارِعِ، فَهُوَ ك "المَضْرَبِ" بمَعْنَى الضَّرْبِ، وَلَيْتَ أَبَا البَقَاءِ ذَكَرَ هَذِهِ القِراءَةَ وَوَجَّهَها بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ.