روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28 I_icon_minitimeالسبت أغسطس 03, 2019 7:28 am

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)


قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أَمْرٌ مِنَ اللهُ ـ تعَالى، لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ليلَ نَهَار مُخْلِصةً لَهُ قلوبُهم، لَا يُرِيدُونَ بِدُعَائِهِمْ إِلَّا رِضَاهُ ـ جَلَّ جَلَالُهُ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا، وَكَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ. وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} الآيَةَ: 52، وَذَلِكَ أَنَّ أَكَابِرَ قُرَيْشٍ ووجهاءَها اجْتَمَعُوا بِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا لَهَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ فَاطْرُدْ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ مِنْ عِنْدِكَ، يَعْنُونَ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ، كَ "عَمَّار بْنِ ياسِرٍ"، وَ "صُهَيْبٍ الروميِّ"، وَ "بِلَالٍ الحَبَشِيِّ"، وَ "عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ" وَغيرِهِمْ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، فَإِذَا حَضَرْنَا لَمْ يَحْضُرُوا، وَتُعَيِّنُ لَهُمْ وَقْتًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ عِنْدَكَ، وكادتْ تَمِيلُ نفسُهُ ـ عليْهِ صلَواتُ ربِّي وسَلامُهُ إِلى هَذَا العَرْضِ رَغْبَةً مِنْهُ بإيْمانِهم، وَطَمَعًا في أَنْ يكفَّ هؤلاءِ السَّادَةُ عَنْ حربِهم التي يَشْنُونَها على ضُعَفاءِ المُسلمينَ لا سيما العبيد منهم، فينتشرَ الإسلامُ، ويُعِزَّ اللهُ تَعَالَى الدِّينَ بهؤلاءِ الزُّعماءِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، يُبَيِّنُ اللهُ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَرْدُهُمْ، بَلْ تُجَالِسُهُمْ وَتُوَافِقُهُمْ وَتُعَظِّمُ شَأْنَهُمْ، وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ، وَلَا تُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا سَوَاءٌ غَابُوا أَوْ حَضَرُوا. فقَدْ نُهِيَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُنَاكَ عَنْ طَرْدِهِمْ، وَأُمِرَ هُنَا بِمُجَالَسَتِهِمْ وَالْمُصَابَرَةِ مَعَهُمْ. وعُوتِبَ في أَحَدِهم، وهوَ (عَمْرُو) أَوْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بقولِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ (عَبَسَ): {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّها تَذْكِرةٌ} الآياتِ: (1 ـ 11)، فَكَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرَحِّبُ بِهِ بَعْدَهَا قائِلًا: ((مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي)). وَيَبْسُطُ لَهُ رِداءَهُ حَفَاوَةً بِهِ وتَكْريمًا.
وهَكَذَا كانَ دَيْدَنُ المُسْتَكْبِرينَ مِنَ الأُممِ السابقةِ، يأْنَفُونَ أنْ يُجَالِسُوا الفقراءَ والضعفاءَ، فها همْ المُسْتَكْبِرُونَ مِنْ قومِ نبيِّ اللهِ نوحٍ ـ عليْهِ السَّلامُ، يَطْلُبُونَ الأمرَ ذاتَهُ منْ نَبِيِّهم كَما قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} الآيةَ: 27، مِنْ سُورةِ هودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَقَالَ عنْهُمْ أَيْضًا: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الآيةَ: 111، مِنْ سُورَةِ الشُعَراءِ. وَقَالَ عَنْ نُوحٍ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ طَرْدِهِمْ: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} الآيتان: (29 ـ 30) منْ سورةِ هودَ، وقالَ مِنْ سُورةِ الشُعراءِ {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} الآيَة: 114.
والصَّبْرُ أَصْلُهُ الْحَبْسُ، وَمِنْهُ نَهْيُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمَصْبُورَةِ، وَهِيَ الدَّابَّةُ تُشَدُّ لِتُجْعَلَ غَرَضًا لِلرَّمْيِ. فقد روى الترمذِيُّ وغيرُهُ مِنْ حديثِ أبي الدرداءِ ـ رَضِي َ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ. سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ: (5/411). وَقَالَ فِي الَّذِي يُمْسِكُ غَيْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ: ((اصْبِرُوا الصَّابِرَ، واقْتُلُوا الْقَاتِلَ)). ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ في غَريبِ الحَديثِ: (1/254)، أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ: (8/50، رقم: 15809)، مِنْ حَديثِ إِسْماعيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مُرسَلًا، وللحَديثِ أَطْرافٌ أُخْرَى. أَيْ: احْبِسُوا المُمْسِكَ حَتَّى يَمُوتَ كَفِعْلِهِ بِغَيْرِهِ، وَاقْتُلُوا الْمُبَاشِرَ بالقَتْلِ. وَاليَمينُ المَصْبُورَةُ، هِيَ اليَمِينُ الغَمُوسُ لأَنَّهَا لازِمَةٌ لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الحُكْمِ، فَيُصْبَرُ مِنْ أَجْلِهَا، أَيْ يُحْبَسُ. وَهيَ يَمينُ الصَّبْرِ، والصَّائِمُ صَابِرٌ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنِ الطَّعامِ والشَّرابِ. والصَّابِرُ على المُصيبَةِ مَنْ حَبَسَ نفسَهُ عنِ الجزَعِ. وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ شَيْئًا فَقَدْ صَبَرَهُ. فَأَصْلُ الصَبْرِ: الحَبْسُ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: قُتِلَ فُلانٌ صَبْرًا، والصَّبْرُ المَأْمُورُ بِهِ هنا هوَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ. وَلِتَضْمِينِ فِعْلِ "اصْبِرْ" مَعْنَى الْمُلَازِمَةِ عُلِّقَ بِهِ الظَرْفُ "مَعَ". وفي قولِهِ تَعَالَى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ"، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَادَّةَ الصَّبْرِ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا لِلْمَفْعُولِ، وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَليِّ:
فَصَبَرَتْ عَارِفَةً بِذَلِكَ حُرَّةً ............... تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
ونُسِبَ هَذَا البيتُ لِعَنْتَرَةَ أَيْضًا. وَالْغَدَاةُ: أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالْعَشِيُّ: آخِرُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
قوْلُهُ: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أَيْ: هُمْ مُوَاظِبِونَ عَلَى الذِّكْرِ والدُّعاءِ كُلَّ أَوْقَاتِهم. وقيَلَ الْمُرَادُ "بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ" صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، فهمْ محافظونَ عَلَيْهِمَا. وقيلَ: "الْغَدَاة" هوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْتَقِلُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الْيَقَظَةِ، وَهَذَا الِانْتِقَالُ شَبِيهٌ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، وَ "الْعَشِيّ" هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْتَقِلُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنَ الْيَقَظَةِ إِلَى النَّوْمِ، وَمِنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ، وَالْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ يَكُونُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَثِيرَ الذِّكْرِ للهِ عَظِيمَ الشُّكْرِ لِآلَاءِ اللهِ وَنِعَمِهِ.
قولُهُ: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} لا تَجْعَلْ عَيْنَيْكَ تَنْتَقِلُ عِنْ هؤلاءِ الفقراءِ زُهْدًا بهِم، ورَغْبَةً بِأُولئكَ الكُبَراءِ، ولا تَلْتَفِتْ عنهم إلى غيرِهِم. يُقَالُ عَدَاهُ إِذَا جَاوَزَهُ، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِـ "عَنْ" لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمُبَاعَدَةَ، فَنَهَى تَعَالَى عَنْ تِلْكَ الْمُبَاعَدَةِ. وأَنْ يَزْدَرِيَ فُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَنْ تَنْبُوَ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ رَغْبَةً فِي مُجَالَسَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَحُسْنِ صُورَتِهِمْ، لاسْتِمَالَةِ قلوبِهِمْ إلى الإيمانِ واتِّباعِ دينِ الإسلامِ.
قولُهُ: {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يَعْنِي أَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ إِقْدَامُكَ عَلَيْهِ إِلَّا لِرَغْبَتِكَ فِي زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. ومِثْلُهُ قولُهُ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الحِجْرِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الْآيَةَ: 87، وَقَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ (طه) ـ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآيتان: (130 ـ 131).
قولُهُ: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} فِيهِ دَليلٌّ عَلَى أَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى، هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ الْغَفْلَةَ فِي قُلُوبِ الْغَافلينَ. وهوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ. وقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" أَنَّا وَجَدْنَا قَلْبَهُ غَافِلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَلْقَ الْغَفْلَةِ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ الزَّبِيدِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي سُلَيْمٍ: قَاتَلْنَاكُمْ فَمَا أَجَبْنَاكُمْ، وَسَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ، وَهَجَوْنَاكُمْ فَمَا أَفْحَمْنَاكُمْ، أَيْ مَا وَجَدْنَاكُمْ جُبَنَاءَ، وَلَا وَجَدْناكم بُخَلَاءَ، وَلَا وَجَدْناكم مُفْحَمِينَ. ثُمَّ نَقُولُ: حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
أَوَّلُ هذِهِ الوُجُوهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ لَمَا اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى.
ثَانِيها: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} وَلَوْ كَانَ تَعَالَى خَلَقَ الْغَفْلَةَ فِي قَلْبِهِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ.
ثَالِثُها: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ قَلْبَهُ غَافِلًا لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا فَاتَّبَعَ هَوَاهُ. لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُطَاوَعَةِ، وَهِيَ إِنَّمَا تُعْطَفُ بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ، وَيُقَالُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ وَدَفَعْتُهُ فَانْدَفَعَ وَلَا يُقَالُ: وَانْكَسَرَ وَانْدَفَعَ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" وَلَوْ كَانَ تَعَالَى أَغْفَلَ فِي الْحَقِيقَةِ قَلْبَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِهِ هَوَاهُ.
وَقد أَجَابَ الإمامُ الرَّازِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى، عَنْ إِشْكالاتِهمْ هَذِهِ قالَ في تفسيرِهِ الكَبِيرِ فقالَ:
إِنَّ قَوْلَهُم: (الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" أَيْ: وَجَدْنَا قلبَهُ غَافِلًا عنْ ذِكْرِنا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْصِيلَ الْغَفْلَةِ فِيهِ). جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ وَزْنَ الْأَفْعَالِ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا، مَجَازٌ فِي الْآخَرِ، وَجَعْلُهُم حَقِيقَةً فِي التَّكْوِينِ، مَجَازًا فِي الْوِجْدَانِ، أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَبَيَانُ ذلكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَجِيءَ بِنَاءِ الْأَفْعَالِ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ أَكْثَرُ مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَى الْوِجْدَانِ، وَالْكَثْرَةُ دَلِيلُ الرُّجْحَانِ.
ثَانِيهَا: أَنَّ مُبَادَرَةَ الْفَهْمِ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ إِلَى التَّكْوِينِ أَكْثَرُ مِنْ مُبَادَرَتِهِ إِلَى الْوِجْدَانِ، وَمُبَادَرَةُ الْفَهْمِ دَلِيلُ الرُّجْحَانِ.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ إِنْ جَعَلْنَاهُ حَقِيقَةً فِي التَّكْوِينِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا فِي الْوِجْدَانِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ تَابِعٌ لِحُصُولِ الْمَعْلُومِ، فَجَعْلُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي الْمَتْبُوعِ وَمَجَازًا فِي التَّبَعِ مُوَافِقٌ لِلْمَعْقُولِ، أَمَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ حَقِيقَةً فِي الْوِجْدَانِ مَجَازًا فِي الْإِيجَادِ لَزِمَ جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي التَّبَعِ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ وَأَنَّهُ عَكْسُ الْمَعْقُولِ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَصْلَ جَعْلُ هَذَا الْبِنَاءِ حَقِيقَةً فِي الْإِيجَادِ لَا فِي الْوِجْدَانِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: نَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ: إِنَّا نُسَلِّمُ كَوْنَ اللَّفْظِ مُشْتَرِكًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيجَادِ وَإِلَى الْوِجْدَانِ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ: أَغْفَلْنا عَلَى إِيجَادِ الْغَفْلَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْعَبْدِ مُوجِدًا لِلْغَفْلَةِ فِي نَفْسِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا حَاوَلَ إِيجَادَ الْغَفْلَةِ، فَإِمَّا أَنْ يُحَاوِلَ إِيجَادَ مُطْلَقِ الْغَفْلَةِ، أَوْ يُحَاوِلَ إِيجَادَ الْغَفْلَةِ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بِأَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الشَّيْءِ أَوْلَى بِأَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، لِأَنَّ الطَّبِيعَةَ الْمُشْتَرَكَ فِيهَا بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الْكَثِيرَةِ تَكُونُ نِسْبَتُهَا إِلَى كُلِّ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ عَلَى السَّوِيَّةِ، أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ كَذَا عِبَارَةٌ عَنْ غَفْلَةٍ لَا تَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ أَقْسَامِ الْغَفَلَاتِ إِلَّا بِكَوْنِهَا مُنْتَسِبَةً إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ بِعَيْنِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى إِيجَادِ الْغَفْلَةِ عَنْ كَذَا إِلَّا إِذَا تَصَوَّرَ أَنَّ تِلْكَ الْغَفْلَةَ غَفْلَةٌ عَنْ كَذَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَوَّرَ كَوْنَ تِلْكَ الْغَفْلَةِ غَفْلَةً عَنْ كَذَا إِلَّا إِذَا تَصَوَّرَ كَذَا، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِنِسْبَةِ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ مَشْرُوطٌ بِتَصَوُّرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ. فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَصْدُ إِلَى إِيجَادِ الْغَفْلَةِ عَنْ كَذَا إِلَّا مَعَ الشُّعُورِ بِكَذَا، لَكِنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ كَذَا ضِدُّ الشُّعُورِ بِكَذَا، فَثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُهُ إِيجَادُ هَذِهِ الْغَفْلَةِ إِلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إِيجَادِ الْغَفْلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَالِقُ الْغَفَلَاتِ وَمُوجِدُهَا فِي الْعِبَادِ هُوَ اللهَ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ قَاطِعَةٌ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ" هُوَ إِيجَادُ الْغَفْلَةِ لَا وِجْدَانُهَا، أَمَّا حَدِيثُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فَقَدْ عَارَضْنَاهُ مِرَارًا وَأَطْوَارًا بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} الآيةَ: 29، مِنْ هَذِهِ السُّورةِ، فَالْبَحْثُ عَنْهُ سَيَأْتِي ـ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. أَمَّا قَوْلُهُ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ إِيجَادَ الْغَفْلَةِ لَوَجَبَ ذِكْرُ الْفَاءِ، لَا ذِكْرُ الْوَاوِ، فَنَقُولُ: هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ خَلْقُ الْغَفْلَةِ فِي الْقَلْبِ مِنْ لَوَازِمِهِ حُصُولُ اتِّبَاعِ الْهَوَى، كَمَا أَنَّ الْكَسْرَ مِنْ لَوَازِمِهِ حُصُولُ الِانْكِسَارِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْغَفْلَةِ عَنِ اللهِ حُصُولُ مُتَابَعَةِ الْهَوَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِ اللهِ ـ تَعَالى، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى بَلْ يَبْقَى مُتَوَقِّفًا لَا يُنَافِي مَقَامَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْكُلِّ، فَسَقَطَ هَذَا السُّؤَالُ، وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وُجُوهًا أُخْرَى.
فَأَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا صَبَّ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا صَبًّا، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى رُسُوخِ الْغَفْلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ، صَحَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى حَصَّلَ الْغَفْلَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِرارًا} الآيةَ: 6، مِنْ سُورةِ نُوحٍ.
وَثَانِيها: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "أَغْفَلْنا" أَيْ: تَرَكْنَاهُ غَافِلًا، فَلَمْ نَسِمْهُ بِسِمَةِ أَهْلِ الطَّهَارَةِ وَالتَّقْوَى، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعِيرٌ غُفْلٌ، أَيْ لَا سِمَةَ عَلَيْهِ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ أَيْ خَلَّاهُ مَعَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَمْنَعِ الشَّيْطَانَ مِنْهُ، فَيُقَالُ فِي: الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ فَتْحَ بَابِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ الْغَفْلَةِ فِي قَلْبِهِ أَوْ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِنْ أَثَّرَ كَانَ أَثَرُ إِيصَالِ اللَّذَّاتِ إِلَيْهِ سَبَبًا لِحُصُولِ الْغَفْلَةِ فِي قَلْبِهِ. وَذَلِكَ عَيْنُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَ مَا يُوجِبُ حُصُولَ الْغَفْلَةِ فِي قَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْغَفْلَةِ بَطَلَ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي: الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ سَوَّدْنَا قَلْبَهُ وَبَيَّضْنَا وَجْهَهُ وَلَا يُفِيدُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُقَالُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنْ كَانَ لِتِلْكَ التَّخْلِيَةِ أَثَرٌ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْغَفْلَةِ فَقَدْ صَحَّ قَوْلُنَا، وَإِلَّا بَطَلَ اسْنَادُ تِلْكَ الْغَفْلَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
وتَدُلُّ جُملةُ "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" عَلَى أَنَّ شَرَّ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ خَالِيًا عَنْ ذِكْرِ الْحَقِّ، وَيَكُونَ مَمْلُوءً مِنَ الْهَوَى الدَّاعِي إِلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّ ذِكْرَ اللهِ نُورٌ، وَذِكْرَ غَيْرِهِ ظُلْمَةٌ، لِأَنَّ الْوُجُودَ طَبِيعَةُ النُّورِ وَالْعَدَمَ مَنْبَعُ الظُّلْمَةِ، وَالْحَقَّ تَعَالَى وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، فَكَانَ النُّورُ الْحَقُّ هُوَ اللهَ، وَمَا سِوَى اللهِ فَهُوَ مُمْكِنُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ. وَالْإِمْكَانُ طَبِيعَةٌ عَدَمِيَّةٌ فَكَانَ مَنْبَعَ الظُّلْمَةِ، فَالْقَلْبُ إِذَا أَشْرَقَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ، فَقَدْ حَصَلَ فِيهِ النُّورُ وَالضَّوْءُ وَالْإِشْرَاقُ، وَإِذَا تَوَجَّهَ الْقَلْبُ إِلَى الْخَلْقِ فَقَدْ حَصَلَ فِيهِ الظُّلْمُ وَالظُّلْمَةُ، بَلِ الظُّلُمَاتُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ إِذَا أَعْرَضَ الْقَلْبُ عَنِ الْحَقِّ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْخَلْقِ، فَهُوَ الظُّلْمَةُ الْخَالِصَةُ التَّامَّةُ، فَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْحَقِّ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْخَلْقِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ.
قولُهُ: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قولِهِ تَعَالى: "فُرُطًا" أَيْ: مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ، وهوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسٌ فُرُطٌ، إِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا الْخَيْلَ في مِضْمارِ السَّبَقِ. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ـ عليهِ رَحْمَةُ اللهُ تَعَالى: الْفُرُطُ: هو الْأَمْرُ الَّذِي يُفْرَطُ فِيهِ، يُقَالُ كُلُّ أَمْرِ فُلَانٍ فُرُطٌ، وَأَنْشَدَ على ذلكَ شِعْرًا بحرِ مِنَ الهَزَجِ:
لَقَدْ كَلَّفَنِي شَطَطَا ................................... وَأَمْرًا خَائِبًا فُرُطَا
أَيْ: خائبًا مُضَيَّعًا، فَقَوْلُهُ تَعَالى: "وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ، وَالِاهْتِمَامُ بِهِ، وَهُوَ أَمْرُ دِينِهِ، يَكُونُ عندَهُ مَخْصُوصًا بِالتَّفْرِيطِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ صِفَةُ مَنْ لَا يَنْظُرُ لِدِينِهِ البتَّةَ، وَإِنَّمَا عَمَلُهُ لِدُنْيَاهُ فَقَطْ. فَبَيَّنَ ـ تَعَالَى، مِنْ حَالِ التَّابِعِينَ لِهَوَاهُمْ، الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ مولاهُمْ، أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي مُهِمَّاتِهِمْ، مُعْرِضُونَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّدَبُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ، وَالاضطِّلاعِ بِمُهِمَّاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ أُولَئِكَ الْفُقَرَاءَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذِكْرِ اللهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ، فَقَالَ: "مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" وَوَصَفَ هَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِهِ، وَذلكَ بقَوْلُهُ: "أَغْفَلْنا قَلْبَهُ" وَ "واتَّبَعَ هَواهُ" ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، بِمُجَالَسَةِ أُولَئِكَ، وَالْابْتِعادِ عَنْ هَؤُلَاءِ.
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتُرُ بَعْضًا مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((مَاذَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟)) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ وَاحِدٌ يَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْتَمِعُ، فَقَالَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ)) ثُمَّ جَلَسَ وَسَطَنَا، وَقَالَ: ((أَبْشِرُوا يَا صَعَالِيكَ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُمِئَةِ سَنةٍ". وفي روايةٍ ((بِمِقْدَارِ خَمْسينَ أَلْف سَنَة)) أَخْرَجَهُ أَبُو داودَ في سُنَنِهِ برقم: (3666)، والتِرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ بِرَقَم: (2351). وأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ في سُنَنِهِ برقم: (4122). وهُوَ صَحِيحٌ بشَواهِدِهِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "اصْبِرْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ، وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَ "نَفْسَكَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِليْهِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: و "اتْلُ" على كونِها جملةً مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} مَعَ: منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "اصْبِرْ" وهوَ مُضافٌ. وَ "الذينَ" اسمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتْحِ في مَحلِّ الجَرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ. و "يَدْعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "رَبَّهُمْ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ صِلَةٌ للمَوْصُولِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. و "بِالْغَداةِ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَدْعُونَ"، و "الْغَداةِ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ. و "الْعَشِيِّ" مَعْطُوفٌ عَلَى "الغَداةِ" لَهُ مِثْلُ إِعرابِه.
قولُهُ: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يُرِيدُونَ: فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "وَجْهَهُ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنَ المَوْصُولِ، أَوْ مِنْ فاعِلِ "يَدْعُونَ".
قوْلُهُ: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "لا" ناهيةٌ جازِمةٌ، و "تَعْدُ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزُومٌ بها، وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ حَرْفِ العِلَّةِ مِنْ آخِرِهِ، و "عَيْناكَ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الأَلِفُ لأنَّهُ مثنّى، وهو مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. ومَفعولَهُ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ النَّظَرَ. وقيلَ: بِأَنَّ هذا الفعلَ قدْ ضُمِّنَ مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى بـ "عَنْ". قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّما عُدِّيَ بـ "عَنْ" لِتَضْمِينِ "عَدَا" مَعْنَى "نَبَا" و "عَلا" فِي قَوْلِكَ: نَبَتْ عَنْهُ عَيْنُهُ، وَعَلَتْ عَنْهُ عَيْنُهُ، إِذَا اقْتَحَمَتْهُ وَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ. فإِنْ قُلْتَ: أَيُّ غَرَضٍ فِي هَذَا التَّضْمينِ؟ وَهَلَّا قِيلَ: وَلَا تَعْدُهُمْ عَيْنَاكَ، أَوْ: وَلَا تَعْلُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ؟ قُلْتُ: الغَرَضُ فِيهِ إِعْطاءُ مَجْمُوعِ مَعْنَيَيْنِ، وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ إِعْطاءِ مَعْنَى فَذّ. أَلَا تَرَى كَيْفَ رَجَعَ المَعْنَى إِلَى قَوْلِكَ: وَلَا تَقْتَحِمْهُمْ عَيْنَاكَ مُتَجَاوِزَتَيْنِ إِلَى غَيْرِهِمْ. وَنَحْوَهُ قولُهُ مِنْ سُورَةِ النِّساءِ: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} الآيةَ: 2، أَيْ: وَلَا تَضُمُّوها إِلَيْهَا آكِلِينَ لَهَا. وقد رَدَّهُ الشيخُ أَبو حيَّانَ: بِأَنَّ مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ أَنَّ التَضْمينَ لا يَنْقاسُ، وَإِنَّما يُصارُ إِلَيْهِ عِنْدَ الضَّرورَةِ. فإِذَا أَمْكَنَ الخُرُوجُ عَنْهُ فَلَا يُصارُ إِلَيْهِ. وَ "عَنْهُمْ" عنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَعْدُ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذكَّرِ. وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ"، عَلى كَوْنِها جُمْلَةً معطوفةً على جملةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تُرِيدُ: فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ الفاعِلُ ضَميرَ العَيْنَيْنِ، وَإِنَّما وُحِّد لأَنَّهُما مُتَلازِمانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُما خَبَرُ الوَاحِدِ. ومِنْ ذلكَ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
لِمَنْ زُحْلُوقَةٌ زُلَّ .................................... بِهَا العَيْنانِ تَنْهَلُّ
وَقولُ الشاعِرُ عَلْباءُ بْنُ أَرْقم:
وكأَنَّ في العَيْنَيْنِ حَبَّ قَرَنْفُلٍ ............. أَوْ سُنْبُلًا كُحِلَتْ بِهِ فَانْهَلَّتِ
وَنِسْبَةُ الإِرادةِ إِلى العَيْنَيْنِ مِنَ المَجَازِ. وَ "زينةَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، وهو مُضافٌ، و "الحياةِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "الدُّنْيا" صِفَةٌ لِـ "الْحَياةِ" مَجْرُورةٌ مِثْلُهَا، وعلامةُ جَرِّها الكَسْرةُ المُقدَّرةُ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنْ ضَميرِ المُخَاطَبِ فِي "عَيْناكَ" لِأَنَّ المُضافَ جُزْءٌ مِنَ المُضافِ إِلَيْهِ. قالَ الشَّيْخُ أَبو حيَّان الأندلسيُّ: وصَاحِبُ الحَالِ إِنْ قُدِّرَ "عَيْناك" فَكانَ يَكونُ التَرْكيبُ: تُريدانٍ. قال السَّمينُ: غَفَلَ عَنِ القاعِدَةِ التي ذَكَرْتُها: مِنْ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ المُتَلازِمِينِ يَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُمَا إِخْبَار الواحدِ. ثُمَّ قالَ: وَإِنْ قَدَّرَ الكافَ فَمَجِيءُ الحالِ مِنَ المَجْرُورِ بِالإِضافةِ مِثْلَ هَذَا فِيهِ إِشْكالٌ، لاخْتِلافِ العامِلِ في الحَالِ وصاحبِهِ. وَقَدْ أَجازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ المُضافُ جُزْءً أَوْ كالجُزْءِ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ المَقْصُودَ نَهْيُهُ هوَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وَإِنَّما جِيْءَ بِقَوْلِهِ: "عَيْنَاكَ" والمَقْصُودُ هوَ لأَنَّهُ بِهِمَا تَكونُ المُراعاةُ للشَّخْصِ وَالْتَلَفُّتُ لَهُ.
قال السَّمينُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَ غَيْرِي ذَكَرَهُ: وَهُوَ أَنْ يَكونَ "تَعْدُ" مُسْنَدًا لِضَميرِ المُخَاطَبِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، و "عَيْنَاكَ" بَدَلٌ مِنَ الضَّميرِ بَدَل بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. و "تُرِيدُ" عَلَى وَجْهَيْها: مِنْ كَوْنِها حَالًا مِنْ "عَيْنَاكَ" أَوْ مِنَ الضَّميرِ فِي "تَعُدْ". إِلَّا أَنَّ فِي جَعْلِها حالًا مِنَ الضَّميرِ في "ولا تَعْدُ" ضَعْفًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُراعاةَ المُبْدَلِ مِنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ البَدَلِ قَليلٌ جِدًّا، تَقُولُ: الجاريةُ حُسْنُها فَاتِنٌ. وَلا يَجوزُ "فاتِنَةٌ" إِلَّا قَلِيلًا، كما هو قولُ الأَعْشَى يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا شَبَّهَ بِهِ بَعِيرَهُ فِي حِدَّتِهِ وَنَشَاطِهِ:
فَكَأَنَّهُ لِهِقُ السَّرَاةِ كَأَنَّهُ ........................ مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيَّنٌ بِسَوادِ
وقيلَ هو لأَبي حَيوةَ النّميريِّ. واللِّهِقُ: الأَبْيَضُ، والسَّرَاةُ: أَعْلَى الظَّهْرِ. والمُعَيَّنُ: الثَّوْرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَوادٌ، وَالشَّاهِدُ فِي "حاجِبَيْهِ" أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الهاءِ فِي "كَأَنَّهُ" مَعَ زِيادَةِ "ما" فقد قالَ: "مُعَيَّنٌ" مُراعاةً للهاءِ في "كَأَنَّهُ"، وكان الفصيحُ أَنْ يَقُولَ: "مُعَيَّنان" مُرَاعَاةً لِـ "حَاجِبَيْهِ" الذي هوَ البَدَلُ هنا.
قوْلُهُ: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} الواوُ: عاطفة، و "لا" ناهيةٌ جازمَةٌ. و "تُطِعْ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزُوم بِها، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِ الوُجودِ رَسُلِ اللهِ مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، وليسَ لهذِهِ الجُمْلَةِ محلٌّ مِنَ الإعرابِ لأَنَّها معطوفةٌ عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "وَلا تَعْدُ عَيْناكَ". و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ بمعنى "الذي" مَبْنيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُوليَّةِ. و "أَغْفَلْنا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ متحرِّكٍ هو ضميرُ المعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و هوَ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعليَّةِ. و "قَلْبَهُ" مَنْصوبٌ بالمفعوليَّةِ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ. و "عَنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَغْفَلْنا"، و "ذِكْرِنا" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "نا" التعظيمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ الموصولِ "مَنْ" لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الواوُ: عاطِفةٌ، وَ "اتَّبَعَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "مَنْ"؛ و هَواهُ: مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَغْفَلْنَا" عَلَى كَوْنِهَا صِلَةً لِـ "مَنْ" المَوْصُولَةِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الوَاوُ: عاطفةٌ، و "كانَ" فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. وَ "أَمْرُهُ" مرفوعٌ بِها، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "فُرُطًا" خبرُها مَنْصُوبٌ بها، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَغْفَلْنا" عَلَى كَوْنِهَا صِلَةً لِـ "مَنْ" المَوْصُولَةِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {وَلَا تُعْدُ عيناكَ} وقدْ تقدَّمَ توجيهُها في مَبْحَثِ الإعرابِ، وَقَرَأَ الحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "وَلَا تُعْدِ عَيْنَيْكَ" مِنْ "أَعْدى" الرُّباعِيِّ. وَقَرَأَ هُوَ وَعِيسَى وَالأَعْمَشُ "وَلَا تُعَدِّ" بِالتَّشْديدِ مِنْ "عَدَّى، يُعَدَّي" مُضَعَّفًا، فعَدَّاهُ فِي الأُولَى بِالْهَمْزَةِ، وَفِي الثانِيَةِ بالتَثْقِيلِ، ومثلُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيانيِّ:
فَعَدَّ عَمَّا تَرَى إِذْ لَا ارْتِجاعَ لَهُ ............ وَانْمِ القُتُوْدَ عَلَى عَيْرانَةٍ أُجُدِ
كَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وأَبو الفَضْلِ. وَرَدَّ عَلَيْهِما أبو حَيَّان الأَنْدَلُسِيُّ: بِأَنَّهُ لَوْ كانَ تَعْدِّيهِ فِي هَاتَيْنِ القِرَاءَتَيْنِ بِالهَمْزَةِ أَوِ التَّضْعيفِ، لَتَعَدَّى لاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَعَدٍّ لِوَاحِدٍ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ أَقَرَّ الزَّمَخْشَرِيُّ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: يُقَالُ: عَدَاهُ، إِذَا جَاوَزَهُ، وإِنَّمَا عُدِّيَ بِـ "عَنْ" لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى "عَلا" و "نَبَا"، فَحِينَئِذٍ يَكونُ "أَفْعَلَ" وَ "فَعَّلَ" مِمَّا وَافَقَا المُجَرَّدَ. وَهُوَ اعْتِراضٌ حَسَنٌ.
وَقَرَأَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ قائِدٍ، ومُوسَى الأَسْوارِيُّ، بِفَتْحِ اللامِ وَرَفْعِ "قَلْبُهُ" أَسْنَدُوا الإِغْفَالَ إِلَى القَلْبِ. وَفِيهِ أَوْجُهٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: مَنْ ظَنَّنَا غافِلينَ عَنْهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَنْ حَسِبْنَا قَلْبُهُ غَافِلِينَ، مِنْ "أَغْفَلْتُهُ" إِذَا وَجَدْتَهُ غافِلًا. وَقالَ أَبُو البَقَاءِ: فيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: وَجَدْنَا قَلْبهُ مُعْرِضِينَ عَنْهُ. والثاني: أَهْمَلَ أَمْرَنَا عَنْ تَذَكُّرِنا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 28
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 2
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 19
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 37
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 52
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 67

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: