قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا
(37)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أَيْ: رَدُّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ المُؤْمِنُ في مَعرضِ الجِدَالِ بَيْنَهُمَا والتَحَاوُرِ مُبيِّنًا لَهُ وَجْهَ الصَّوابِ، بَعْدَ أَنْ ادَّعَى أَنَّ جَنَّتَهُ باقيةٌ على حالِها مِنَ نَضْرَةٍ وَخِصْبِ، وأَنَّ ثَمَرَها لَنْ يَعْتَريها تغيُّرٌ ولا نُقصانٌ، وأَنَّ ادِّعاءَ البعثِ مِنْ بعدِ الموتِ، والعَوْدِ إلى الحَيَاةِ مَرَّةً ثانِيَةً للحِسَابِ والجَزاءِ، هُوَ دَعْوَى لا سَنَدَ لَهَا، ولا بُرْهانَ عَلَيْها، وَقَدْ أَفْضَى بِهِ جهلُهُ وغرورُهُ إلى التهَكُّمِ بِصاحِبِهِ المُؤْمِنِ مُدَّعيًا بأَنَّهُ لوْ صَحَّتْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَعَادَ إِلَى رَبِّهِ ثانِيَةً، فَإِنَّهُ سَيْجِدُ عِنْدَهُ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِهِ هَذِهِ. وَقدْ جَاءَ كَلَامُهُ دُونِ عَطْفٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمُحَاوَرَةِ.
قولُهُ: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّب وَالْإِنْكَارِ، وَلَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لِأَنَّ الصَّاحِبَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُشْرِكٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَهُ بعدَها: {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}. فَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْإِشْرَاكُ الَّذِي مِنْ جُمْلَةِ مُعْتَقَدَاتِهِ إِنْكَارُ الْبَعْثِ. وَبِهِ يُذَكِّرُ المُؤْمِنُ صاحِبَهُ الكافِرَ بِأَصْلِ خَلْقِهِ قائِلًا: أَتَكْفُرُ بِالذي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ، وتَنْسَىَ أُصْلَ خَلْقِكَ، مِمَّا خُلِقتَ وإِلى أَيِّ شَيْءٍ صِرْتَ؟. فَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْإِشْرَاكُ الَّذِي مِنْ جُمْلَةِ مُعْتَقَدَاتِهِ إِنْكَارُ الْبَعْثِ، ومِنْ شَأْنِ الْعِلْمَ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أَنْ يَصْرِفَ الْإِنْسَانَ عَنْ إِنْكَارِ الْخَلْقِ الثَّانِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى في الآيَةِ: 15، مِنْ سورةِ (ق): {أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الرومِ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الآية: 27، وَقَالَ في آخِرَ سُورَةِ (يس): {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} الآيات: (77 ـ 79). ونَظيرُها كَثِيرٌ في كتابِ اللهِ الكَريمِ، وَقُرْآنِهِ العَظيمِ.
وقدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مَرَاحِلَ خَلْقِ الإِنْسانِ الأَوَّلِ فَقَالَ في الآيَةِ: 59، مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب}، وقالَ في سُورَة الحِجْرِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} الآية: 26، وقالَ مِنْ سُورةِ الرُّوم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآيةَ: 20، وقالَ مِنْ سورةِ السَّجدةِ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} الآيتانِ: (7 و ، وقالَ في الآيةِ: 14، مِنْ سُورةِ الرَّحْمَن: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار}. والحقيقةُ أَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ المُخْتَلِفَةَ التي ذكَرَ اللهُ تعالى أَنَّهُ خَلْقَ منها الإنْسانَ، هِيَ في الحقيقةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ولكنْ لَهُ مَرَاحِلُ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنْ أُضِيفَ المَاءُ للتُّرابِ صَارَ طِينًا، فإِذا اخْتَلَطَ الطِّيْنُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ صَارَ حَمَأً مَسْنُونًا، فإِذَا تُرِكَ حَتَّى يَتَمَاسَكَ، ويَجِفَّ، صَارَ صَلْصَالًا.
والإِشَارَةُ بقولِهِ: "مِنْ تُرابٍ" إِلَى الْأَجْزَاءِ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْهَا النُّطْفَةُ، وَهِيَ أَجْزَاءُ الْأَغْذِيَةِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يُريدُ أَنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ. ثُمَّ وَلَدُهُ مِنْ نُطْفَةٍ، وَإِذا كانَ أَبُوهُ مِنْ تُرابٍ، فهُوَ مِنْ تُرابٍ.
قولُهُ: {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يَذْكُرُ اللهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، عَلَى لِسَانِ المُحاورِ المُؤْمِنِ بعضَ مَرَاحِلِ خَلْقِ الإِنْسَانِ، فإنَّهُ بَعْدَ خَلْقِ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنَ التُّرابِ، خَلَقَ ذُرِّيَّتَهُ مِنَ النُّطَفِ، التي يقذِفُها الرِّجالُ في أَرْحامِ النِّساءِ.
وَالنُّطْفَةُ: مَاءُ الرَّجُلِ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّطْفِ وَهُوَ السَّيَلَانُ، أَوِ القَطْرُ. وَالنُّطْفَةُ: في الأَصْلِ القَطْرَةُ مِنَ المَاءِ الصَّافي، يُقَالُ: نَطَفَ يَنْطِفُ، أَيْ: قَطَرَ يَقْطُرُ، أَوْ سَالَ يَسيلُ. وَجاءَ فِيما أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحمدُ، ومُسْلِمٌ، وغيرُهما، مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مَقَامَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ مَكَانَكُمْ، فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَنْطُفُ الْمَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ: يَقْطُرُ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلى المَنِيِّ "نُطْفَةٌ" تَشْبِيهًا لَهُ بِذَلِكَ. وَلَا فِعْلَ للنُّطْفَةِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ الهَرَوِيُّ في كتابِهِ المُسَمَّى بِـ "تهذيبُ اللُّغَةِ": (وَالعَرَبُ تَقُولُ للمَاءِ القَلِيلِ والكَثيرِ: نُطْفَة)، تَهْذيبُ اللُّغَةِ": (4/3601). وَسَمَّى اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، المَنِيَّ نُطْفَةً فقالَ في الآيةِ: 37، مِنْ سُورَةِ القَيامَةِ: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى}.
قولُهُ: {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} أَيْ: أَكَفَرْتَ بربِّكَ وَأَنْكَرْتَ قُدْرَتَهُ عَلَى البَعْثِ والإِعادَةِ، وَهُوَ الذي خَلَقَ أَصْلَكَ مِنْ تُرابٍ، وَخَلَقَ نَفْسَكَ مِنْ نُطْفَةٍ، فَأَنْتَ إِذَا مِتَّ وَهَلَكْتَ صِرْتَ إِلى تُرابٍ وَ مَاءٍ، فإِذَا كانَ قَدِرَ عَلَى خَلْقِ أَصْلِكَ مِنْ تُرَابٍ، وَخَلْقِ نَفْسَكَ مِنْ مَاءٍ، فإِنَّهُ لَقَادِرٌ عَلَى بعثِكَ وإِعَادَتِكَ وَقَدْ صِرْتَ تُرَابًا وَماءً. قالَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ إِنْكارِهِ البَعْثَ.
وَقَدْ تَكونُ هَذِهِ المُحَاجَّةُ بِسَبَبِ إِنْكارِهِ حِكْمَةَ اللهِ؛ فَقالَ لَهُ: خَلَقَ أَصْلَكَ مِنْ تُرابٍ، وَخَلَقَ نَفْسَكَ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا وَصَحَّحَكَ؛ فإِنْ لَمْ يَبْعَثْكَ وَيُعِدْكَ كانَ خَلْقُكَ، وَخَلْقُ أَصْلِكَ بِمَا ذُكِرَ عَبَثًا غَيْرَ حَكيمٍ؛ إِذْ مَنْ بَنَى بِنَاءً ثُمَّ نَقَضَهُ عَلَى غَيْرِ قَصْدِ الانْتِفَاعِ بِهِ كانَ فِي بِنَائِهِ عَابِثًا فِي الابْتِداءِ، تَائهًا سَفِيهًا غَيْرَ حَكيمٍ. فَعَلَى ذَلِكَ: فإنَّ خَلْقَكَ، وَخَلْقَ أَصْلِكَ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ مِنْ بَعْدُ، يَكونُ سَفَهًا بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، قَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} الآيَتَانِ: (115 و 116) مِنْ سُورَةِ المُؤْمِنُون. فقَدِ اعْتَبَرَ ـ تَعَالَى، خَلْقَهُمْ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَيْهِ ضَرْبًا مِنَ العَبَثِ.
وَقَدْ تَكونُ مُحاجَّةُ صاحِبِهِ لَهُ، وَتَسْفِيهُهُ إِيَّاهُ بِسَبَبِ عِبَادَتِهِ غَيْرَ الله ـ تَعالى، فإنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَكَفَرْتَ نِعْمَةَ الذي خَلَقَ أَصْلَكَ مِنْ تُرَابٍ، وَخَلَقَ نَفْسَكَ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ سَوَّاكَ صَحِيحًا، فَصَرَفْتَ شُكْرَ نِعَمِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وعَبَدْتَ غَيْرَهُ عَلَى هَذِهِ الوُجُوهِ الثَّلاثَةِ.
و "سَوَّاكَ" أَيْ: عَدَلَ خَلْقَكَ، أَيْ: جَعَلَكَ ذَكَرًا صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، مُتَنَاسِبًا فِي الشَّكْلِ وَالْعَمَلِ. وتَسْوِيَةُ الشَّيْءِ: إِعْدادُهُ إِعْدادًا يُنَاسِبُ مُهِمَّتَهُ فِي الحَيَاةِ التي بها كُلِّفَ، ولأَجْلِها خُلِقَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَبو إسْحاق في (مَعانِي القُرْآنِ وإعرابُهُ) لَهُ: "ثمَّ سَوَّاكَ": ثمَّ أَكْمَلَكَ. مَعانِي القُرْآنِ وَإِعْرَابُهُ: (3/286). والعَرَبُ تَقُولُ للغُلامِ إِذَا تَمَّ شَبَابُهُ، وصَلُبُ عودُهُ: (قَدِ اسْتَوى)، وَيُقالُ أَيْضًا: سَوَّاهُ اللهُ رَجُلًا فَاسْتَوَى، أَيْ: اكْتَمَلَ. وَمِنْ ذَلِكَ قوْلُهُ تَعَالَى في الآيةَ: 14، مِنْ سُورَةِ القَصَصِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}، أَيْ: تَمَّ شَبَابُهُ وَاجْتَمَعَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "لَهُ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والهاء: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ. و "صاحِبُهُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرَابِ.
قوْلُهُ: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، و "هُوَ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في محلِّ الرَّفعِ بالابتداءِ، و "يُحاوِرُهُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِهُ مُسْتترٌ فيهِ جوزًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على المؤمنِ منهما، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ. والجُمْلَةُ في محلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا للمبتدأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ صَاحِبِهِ المُؤمِنِ.
قوْلُهُ: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} أَكَفَرْتَ: الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإنكاريِّ التَوْبِيخِيِّ، و "كَفَرْتَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِليَّةِ. و "بِالَّذِي" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "كَفَرْتَ"، و "الَّذِي" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرْفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قالَ". و "خَلَقَكَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفَتْحِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ المَوْصولِ، وكافُ الخِطابِ ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصِبِ بالمَفْعُولِيَّةِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "تُرابٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ.
قوْلُهُ: {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَرَاخٍ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مَعْطُوفٌ عَلَى الجَارِّ قَبْلَهُ، و "نُطْفَةٍ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "ثُمَّ" تقدَّمَ إِعْرابُهُ. و "سَوَّاكَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيِهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ المَوْصُولِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ بالمَفْعوليَّةِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الصِّلَةِ. و "رَجُلًا" منصوبٌ عَلَى الحالِ مِنْ كافِ الخِطَابِ، ولَكِنَّهُ جَامِدٌ مُؤَوَّلٌ بِمُشْتَقٍّ، والتقديرُ: كَامِلًا، إِذْ كانَ مِنَ الجائِزِ أَنْ يُسَوِّيَهُ غَيْرَ رَجُلٍ، فهُوَ كَقَوْلِ الشاعِرِ زيد بْنِ كثوةَ العَنْبَرِيِّ:
فَجاءَتْ بِه سَبْطَ العِظاَمِ كَأَنَّمَا ................ عِمامَتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لَوَاءُ
وكَقَوْلِهم: "خَلَقَ اللهُ الزَّرافةَ يَدَيْها أَطْوَلَ مِنْ رِجْلَيْها". ووَيَجُوزُ أَنْ يُعْرَبَ مَفْعُولًا ثَانيًا لِـ "سَوَّاكَ" لتَضَمُّنِهِ معنى "صيَّرَ" و "جَعَلَ".