مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} بَيَّنَ اللهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ أولئكَ المُفْترينَ مِنْ نَعِيمِ الدُنْيا ومتاعِها هو متاعٌ قليلٌ زَائلٌ عَنْهم عَمَّا قَريبٍ. قالَ أَبو اسحق الزَجَّاجُ في مَعاني القُرآنِ وإِعْرابُهُ: (3/222): المَعْنَى: مَتَاعُهمْ مَتَاعٌ قَليلٌ. أَيْ: يَتَمتَّعُونَ بِهِ قَلِيلًا، وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يَريدُ مَتَاعَ الدُنْيا قَلَيلٌ. تَفْسيرُ الطَبَرِي: (7/658)، وتفسير هُودٍ الهَواري: (2/393)، وتفسيرُ الثَعْلَبي: (2/165) ب، وتفسيرُ البَغَوِيِّ: (5/50). والمُرادُ أَنَّ مَنْفَعَتَهُمُ التي أَرادوها بافتِرائهمُ ذلكَ الذي تحدَّثتْ عنهُ الآيةُ: 116، السابقةُ، مَنْفَعَةٌ قَليلةٌ مُنْقَطِعَةٌ عمَّا قَريبٍ. فَالمَنَافِعُ التِي يَحْصُلُ عَلَيْهَا هؤُلاَءِ الذين يُحَلِّلُونَ وَيُحَرِّمُونَ عَلى هَواهُمْ، مِنْ هَذا التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ الذِي لاَ مُسْتَنَدَ شَرْعِيًّا لَهُ، تَافِهَةٌ، لاَ يَعْتَدُّ عَاقِلٌ بِهَا.
قولُهُ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَسَتَكُونُ عَظِيمَةَ الضَّرَرِ عَلَيْهِم فِي الآخِرَةِ ، إِذْ سَتُدْخِلُهم نَارَ جَهَنَّمَ، لِيَنَالَهم فِيهَا عَذَابًا أَلِيمًا أَعَدَهُ اللهُ لَهُمْ فيها جَزَاءَ افْتِرائهم عَليْهِ. فالآيةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ فِي صُورَةِ جَوَابٍ عَمَّا قد يَجِيشُ بِخَاطِرِ سَائِلٍ مُسْتَفْسِرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ الآيَةِ التي قَبْلَها {لَا يُفْلِحِونَ} مَعَ أَنَّ الكَثِيرَ مِنْهُمْ يُرَوْنَ فِي حَالَةٍ مِنَ الْنجاحِ في الحياةِ الدنيا، فَأُجِابَتِ الآيةُ عَنْ هذا السُّؤالِ وردَتْ على ذاك الاستفسارِ بِأَنَّ ذَلِكَ النجاحَ وما قد يكونونَ فيهِ مِنْ سَعَةٍ في العيشِ هو مَتَاعٌ، أَيْ نَفْعٌ مُؤَقَّتٌ زَائِلٌ، وَلَهُمْ بَعْدَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
قولُهُ تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} مَتَاعٌ: خبَرٌ لمُبْتَدَأٍ محذوفٍ تقديرُهُ: مَنْفَعَتُهم أَوْ متاعُهم في هَذِهِ الحياةِ الدُنْيا مَتَاعٌ قَلِيلٌ. و "قَليلٌ" صِفَتُهُ مرفوعةٌ مثلهُ. وقيلَ "مَتَاعٌ" مُبْتَدَأٌ، و "قليلٌ" خَبَرُهُ، وفِيهِ نَظَرٌ للابْتِداءِ بِنَكِرَةٍ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ. فإنْ ادُّعِي إِضافَتُهُ نَحْوَ: مَتَاعُهُمْ قَليلٌ، فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. والجُمْلَةُ الاسْميَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الواوُ: حرفُ عطفٍ، و "لَهُمْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بخبرٍ مُقَدَّمٍ. والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والمِيمُ للجَمْعِ المُذكَّر. و "عذابٌ" مَرْفُوعٌ بِالابتِداءِ مُؤَخَّرٌ. و "أليمٌ" صِفَتُهُ مرفوعةٌ مثلهُ. والجملةُ الاسميَّةُ هَذِهِ معطوفةٌ على الجملةِ الاسْمِيَّةِ قبلَها على كونِها مُسْتَأْنَفةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.