ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ثُمَّ: لِلتَّرْتِيبِ الرُّتَبِيِّ، لِأَنَّ إِلْهَامَ النَّحْلِ لِيأْكُلَ مِنَ الثَّمَرَاتِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَكَوُّنُ الْعَسَلِ فِي بُطُونِهَا، وَهُوَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ اتِّخَاذِهَا الْبُيُوتَ، لِاخْتِصَاصِ النَّحْلةِ بِالْعَسَلِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَبْنِي الْبُيُوتَ، وَلِأَنَّ عَسَلَها أَعْظَمُ فَائِدَةً لِلْإِنْسَانِ، كما أَنَّ قُوتَهَا الَّذِي بِهِ بَقَاؤُهَا مِنْهُ. وإِنَّمَا تَرتَشِفُ النُّوَّارَ مِنَ أَزْهارِ الْأَشْجَار، وَقد سُمِّيَ امْتِصَاصُهَا هذا أَكْلًا لِأَنَّهُ قوتُها الذي تَقْتَاتُهُ. و "الثَّمَراتِ" جَمْعُ ثَمَرَةٍ. وَأَصْلُ الثَّمَرَةِ مَا تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ مِنْ غَلَّةٍ، مِثْلُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَالنَّحْلُ يَمْتَصُّ الرحيقَ مِنَ الْأَزْهَارِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ ثَمَرَاتٍ، فَإطْلاقُ "الثَّمَراتِ" فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَزْهَارِ إنَّما هوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ بِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ.
قولُهُ: {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} مَا أَكَلْتِ مِنْهَا "سُبُلَ رَبّكِ" أَيْ مَسَالِكَهُ التي بَرَأَهَا بِحَيْثُ يُحِيلُ فِيها النَّوَرَ المُرَّ عَسَلًا مِنْ أَجْوافِكِ بِقُدْرَتِهِ القَاهِرَةِ، أَوْ فَاسْلُكِي الطُرُقَ التي أَلْهَمَكِ فِي عَمَلِ العَسَلِ، أَوْ فَاسْلُكي رَاجِعَةً إِلَى بُيُوتِكِ سُبُلَ رَبِّكِ لا تَتَوَعَّرُ عَلَيْكِ وَلَا تَتَعسَّرُ ولا تَلْتَبِسُ عَلَيْكِ فتَضِلِّنَ سبيلَ العودةِ. وَالسُّلُوكُ: الْمُرُورُ وَسَطَ الشَّيْءِ مِنْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ. وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأَكْثَرِ مُتَعَدِّيًا كَمَا فِي آيَةِ الْحِجْرِ بِمَعْنَى أَسْلُكُهُ، وَقَاصِرًا بِمَعْنَى مَرَّ كَمَا هُنَا، لِأَنَّ السُّبُلَ لَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ مَفْعُولَ (سَلَكَ) الْمُتَعَدِّي، فَانْتِصَابُ سُبُلَ هُنَا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ تَوَسُّعًا. وَإِضَافَةُ السُّبُلِ إِلَى رَبِّكِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ النَّحْلَ مُسَخَّرَةٌ لِسُلُوكِ تِلْكَ السُّبُلِ لَا يَعْدِلُهَا عَنْهَا شَيْءٌ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَسْلُكْهَا لَاخْتَلَّ نِظَامُ إِفْرَازِ الْعَسَلِ مِنْهَا. و "ذُلُلًا" جَمْعُ ذَلُولٍ، أَيْ مُذَلَّلَةٌ مُسَخَّرَةٌ لِذَلِكَ السُّلُوكِ. وَقَال فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ} الآية: 71. و "ذُلُلًا" أَيْ: مُنْقَادَةً مُطِيعَةً مُسَخَّرَةً. وَهُوَ حَالٌ مِنَ السُبُلِ، أَيْ: مُذَلَّلَةً غَيْرَ مُتَوَعِّرَةٍ، فقد ذَلَّلَها اللهُ ـ سُبْحَانَهُ وتَعَالى، وَسَهَّلَها لَكِ، أَوْ هي حالٌ مِنَ الضَمِيرِ فِي "اسْلُكي" أَيْ: اسْلُكِي مُنْقَادَةً لِمَا أُمِرْتِ بِهِ. وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ فَاسْلُكِي بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اللهَ أَوْدَعَ فِي طَبْعِ النَّحْلِ عِنْدَ الرَّعْيِ التَّنَقُّلَ مِنْ زَهْرَةٍ إِلَى زَهْرَةٍ وَمِنْ رَوْضَةٍ إِلَى رَوْضَةٍ، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ زَهْرَةً أَبْعَدَتْ الِانْتِجَاعَ ثُمَّ إِذَا شَبِعَتْ قَصَدَتِ الْمُبَادَرَةَ بِالطَّيَرَانِ عَقِبَ الشِّبَعِ لِتَرْجِعَ إِلَى بُيُوتِهَا فَتَقْذِفُ مِنْ بُطُونِهَا الْعَسَلَ الَّذِي يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهَا، فَذَلِكَ السُّلُوكُ مُفَرَّعٌ عَلَى طَبِيعَةِ أَكْلِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" قَالَ: طُرُقًا لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" قَالَ: مُطِيعَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا"، قَالَ: ذَليلَةً لِذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ، قَالَ: الذَّلُولُ الَّذِي يُقَادُ وَيُذْهَبُ بِهِ حَيْثُ أَرَادَ صَاحِبُهُ، قَالَ: فَهُمْ يَخْرُجُونَ بِالنَّحْلِ، وَيَنْتِجِعُونَ بِهَا، ويَذْهَبُونَ، وَهِي تَتَبَعُهُمْ. وَقَرَأَ {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكونَ * وذَلَّلْناها لَهُم فمنْها رَكُوبُهُمْ ومِنْهَا يَأْكُلونَ} الآيَتانِ: 71 و 72، مِنْ سُورةِ: (يس).
وَالسُّبُلُ: الطُّرُقُ، أَيِ ادْخُلِي طُرُقَ رَبِّكِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ فِي الْجِبَالِ وَخِلَالِ الشَّجَرِ، أَيْ تَنْقَادُ وَتَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ صَاحِبُهَا، لِأَنَّهَا تَتْبَعُ أَصْحَابَهَا حَيْثُ ذَهَبُوا، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "ذُلُلًا" السُّبُلِ. وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِي الله عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" قَالَ: ذَلِيلَةً لِذَلِكَ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" قَالَ: هَذَا الْعَسَلُ، و "فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاسِ" يَقُول: فِيهِ شِفَاءُ الأَوْجاعِ الَّتِي شِفَاؤها فِيهِ. وَقد أَضَافَهَا ـ تَعَالى، إِلَى ذاتِهِ العليَّةِ لِأَنَّهُ خَالِقُهَا. وَالْيَعْسُوبُ سَيِّدُ النَّحْلِ، إِذَا وَقَفَ وَقَفَتْ وَإِذَا سَارَ سَارَتْ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْأَزْهَارِ وَلِلثِّمَارِ غُدَدًا دَقِيقَةً تَفْرِزُ سَائِلًا سُكَّرِيًّا تَمْتَصُّهُ النَّحْلُ وَتَمْلَأُ بِهِ مَا هُوَ كَالْحَوَاصِلِ فِي بُطُونِهَا وَهُوَ يَزْدَادُ حَلَاوَةً فِي بُطُونِ النَّحْلِ بِاخْتِلَاطِهِ بِمَوَادٍّ كِيمْيَائِيَّةٍ مُودَعَةٍ فِي بُطُونِ النَّحْلِ، فَإِذَا رَاحَتْ مِنْ مَرْعَاهَا إِلَى بُيُوتِهَا أَخْرَجَتْ مِنْ أَفْوَاهِهَا مَا حَصَلَ فِي بُطُونِهَا بَعْدَ أَنْ أَخَذَ مِنْهُ جِسْمُهَا مَا يَحْتَاجُهُ لِقُوتِهِ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ اجْتِرَارَ الْحَيَوَانِ الْمُجْتَرِّ. فَذَلِكَ هُوَ الْعَسَلُ. وَحِينَ الْقَذْفِ بِهِ فِي خَلَايَا الشَّهْدِ يَكُونُ الْعَسَلُ مَائِعًا رَقِيقًا، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي جَفَافِ مَا فِيهِ مِنْ رُطُوبَةِ مِيَاهِ الْأَزْهَارِ بِسَبَبِ حَرَارَةِ الشَّمْعِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُ الشَّهْدُ وَحَرَارَةِ بَيْتِ النَّحْلِ حَتَّى يَصِيرَ خائرًا، وَيَكُونُ أَبْيَضَ فِي الرَّبِيعِ وَأَسْمَرَ فِي الصَّيْفِ.
قولُهُ: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، عُدِلَ بِهِ عَنْ خِطابِ النَّحْلِ لِبَيانِ مَا يَظْهَرُ مِنْها مِنْ عَجيبِ صُنْعِهِ تَعالى، الذي هوَ مَوْضِعُ العِبْرَةِ، وذَلِكَ بَعْدَ مَا أَمَرَها بِمَا أَمَرَها بِه، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ إِلْهَامِ النَّحْلِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ يُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْغَايَةِ مِنْ هَذَا التَّكْوِينِ الْعَجِيبِ، فَيَكُونُ مَضْمُونُ جُمْلَةِ "يَخْرُجُ مِن بطونها شَرابٌ" بَيَانًا لِمَا سَأَلَ عَنْهُ. وَهُوَ أَيْضًا مَوْضِعُ الْمِنَّةِ كَمَا كَانَ تَمَامَ الْعِبْرَةِ. وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ الْخُرُوجِ وَتَكَرُّرِهِ. فقد رَجَعَ الْخِطَابُ إِلَى الْخَبَرِ عَلَى جِهَةِ تَعْدِيدِ النِّعْمَةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْعِبْرَةِ فَقَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ" يَعْنِي الْعَسَلَ. وَجُمْهُورُ العُلَماءِ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِ النَّحْلِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جريرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاسِ" يَعْنِي الْعَسَلَ. وَوَرَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَحْقِيرِهِ لِلدُّنْيَا: أَشْرَفُ لِبَاسِ ابْنِ آدَمَ فِيهَا لُعَابُ دُودَةٍ، وَأَشْرَفُ شَرَابِهِ رَجِيعُ نَحْلَةٍ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَلَا يُدْرَى مِنْ فِيهَا أَوْ أَسْفَلَهَا، وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ صَلَاحُهُ إِلَّا بِحَمِيِّ أَنْفَاسِهَا. وَقَدْ صَنَعَ أَرِسْطَاطَالِيسُ يومًا بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ لِيَنْظُرَ إِلَى كَيْفِيَّةِ مَا تَصْنَعُ، فَأَبَتْ أَنْ تَعْمَلَ حَتَّى لَطَّخَتْ بَاطِنَ الزَّجَّاجِ بِالطِّينِ. وَقَالَ تعالى: "مِنْ بُطُونِها" لِأَنَّ تَحَوُّلَ الْأَطْعِمَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْبَطْنِ. وَ "مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ" باخْتِلافِ مَرْعاهُ، فمِنَهُ الْأَحْمَرُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالْأَصْفَرُ، والأَسْوَدُ، وَمِنْهُ الأَقْرَبُ إِلى الْجَامِدِ، وَمِنْهُ الأَكْثَرُ سُيُولَةً، وَالْأُمَّ وَاحِدَةٌ، وَالْأَوْلَادُ مُخْتَلِفُونَ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الإلهيَّةَ نَوَّعَتْهُ بِحَسَبِ تَنْوِيعِ غِذَائِهِ، كَمَا يَخْتَلِفُ طَعْمُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مَرَاعِيهِ، وَوَصْفُهُ بِـ "مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ" لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الْعِبْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى منْ سُورَة الرَّعْد: {تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} الآيةَ: 4. فَذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَدَقِيقِ الْحِكْمَةِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ زَيْنَبَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ)، وذلك حِينَ شَبَّهَتْ رائحَتَهُ بِرائِحَةِ المَغَافِيرِ. فقد أخرجَ الإمامُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَنْعانيُّ في تَفْسيرِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ دَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ امْرَأَةً امْرَأَةً، فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، وَكَانَتْ السيِّدةُ حَفْصَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنها، قَدْ أُهْدِي لَهَا عَسَلٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا جَعَلَتْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَسَلِ فَسَقَتْهُ مِنْهُ، فَيَجْلِسُ عِنْدَهَا، فَغَارَتْ السيِّدةُ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَجَمَعَتْهُنَّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُنَّ جميعًا، فَقَالَتْ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امْرَأَةً امْرَأَةً إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُهَا مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَأَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ عَسَلًا، فَقُولِي: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قَالَتْ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ خَوْفًا مِنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ قُلْتُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُهَا مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَأَكَلَتْ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: ((لَا، وَلَكِنْ سَقَتْنِي حَفْصَةُ عَسَلًا)) فَقُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ امْرَأَةً امْرَأَةً وَهُنَّ يَقُلْنَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ أَيْضًا ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَسَقَتْهُ فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَهُ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الآية: 1، مِنْ سورةِ التحريم. وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: (6/59). وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (1489). والبُخَارِيُّ (7/100)، و (7/44 و57). ومُسْلِمٌ: (4/185). وأبو داود: (3715). وابْنُ مَاجَةَ: (3323). والتِّرمِذيُّ: (1831). والنَّسائيُّ: في سُننِهِ الكُبْرَى (تُحْفَةُ الأَشْرافِ): (12/16796 و 16793). والدارِميُّ: (2081). والجَرْسُ: الأَكْلُ. والعُرفُطُ (بالضَمِّ): شَجَرُ الطَّلْحِ، وَلَهُ صَمْغٌ حُلْوُ الطَّعْمِ كَريهُ الرائحةِ. وَتَنْكِيرُ "شِفاءٌ" فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، كَمَا أَنَّ مُفَادَ "فِي" مِنَ الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَحْوَالِ. وَعُمُومُ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ "لِلنَّاسِ" لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ الشُّمُولِيَّ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بَلْ عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ.
قولُهُ: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} أَيْ: فِي الْعَسَلِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ. إِمَّا بِنَفْسِهِ ـ كَمَا في الأَمْرَاضِ البَلْغَمِيَّةِ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ـ كَمَا في سائرِ الأَمْراضِ، إِذْ قَلَّمَا يَكونُ مَعْجُونٌ لا يَدخُلُ العَسَلُ في تركيبِهِ، معَ أَنَّ التَنْكيرَ فِيهِ مُشْعِرٌ بالتَبَعِيَّةِ، ويَجوزُ أَنْ يَكونَ التنكيرُ للتَفْخِيمِ، ورُوِيَ عَنْ أبي سَعيدٍ الخِدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا جاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: إِنَّ أَخِي يَشْتَكي بَطْنَهُ. فَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اسْقِهِ العَسَلَ)). فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقال: قَدْ سَقَيْتُهُ فَمَا نَفَعَ. فقالَ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ: ((اذْهَبْ فاسْقِهِ عَسَلًا، فَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ)). فَسَقَاهُ فَبَرِئَ كَأَنَّما أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ. أَخرَجَهُ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ: (3/19، 11163). و (3/92(11893). و (3/92(11894). وعَبدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (938). والبُخَارِيُّ: (7/165(5716). ومسْلِمٌ: (7/26(5823). والتِّرْمِذِيُّ: (2082). والنَّسائيُّ في السُنَنِ الكُبْرَى: (6672 و 7517 و 7518). والبَغَوِيُّ في شَرْحِ السُنَّةِ: (12/147). إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ الشِّفَاءَ الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُ بِوُجُودِهِ فِي الْعَسَلِ ثَابِتٌ، وَأَنَّ مِزَاجَ أَخِي السَّائِلِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُعَارِضُ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ أَنْ يَسْقِيَهُ الْعَسَلَ، فَإِنَّ خَبَرَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْعَسَلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَاقٍ عَلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْفَرَّاءِ وَابْنِ كَيْسَانَ: أنَّ الضَّمِيرَ عائدٌ لِلْقُرْآنِ الكريمِ، أَيْ فِي الْقُرْآنِ شِفَاءٌ. قالَ أبو جعفرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، ويجوزُ أَنْ المُرادَ: إنَّ فِيمَا قَصَصْنَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ شِفَاءً لِلنَّاسِ. وَقِيلَ: الْعَسَلُ فِيهِ شِفَاءٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَيِّنٌ أَيْضًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَشْرِبَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ الَّتِي يُتَعَالَجُ بِهَا أَصْلُهَا مِنَ الْعَسَلِ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ القاضي أَبو بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ الْقُرْآنُ بَعِيدٌ مَا أَرَاهُ يَصِحُّ عَنْهُمْ، وَلَوْ صَحَّ نَقْلًا لَمْ يَصِحَّ عَقْلًا، فَإِنَّ مَسَاقَ الْكَلَامِ كُلُّهُ لِلْعَسَلِ، لَيْسَ لِلْقُرْآنِ فِيهِ ذِكْرٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ يُرَادُ بِهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَبَنُو هَاشِمٍ، وَأَنَّهُمُ النَّحْلُ، وَأَنَّ الشَّرَابَ الْقُرْآنُ وَالْحِكْمَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسِ الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَبَّاسِيِّ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ: جَعَلَ اللهُ طَعَامَكَ وَشَرَابَكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَضْحَكَ الْحَاضِرِينَ وَبُهِتَ الْآخَرُ وَظَهَرَتْ سَخَافَةُ قَوْلِهِ.
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ" هَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَمْ لَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ حَالٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْكُو قُرْحَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ عَسَلًا، حَتَّى الدُّمَّلَ إِذَا خَرَجَ عَلَيْهِ طَلَى عَلَيْهِ عَسَلًا. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ أَبِي وَجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْعَسَلِ وَيَسْتَمْشِي بِالْعَسَلِ وَيَتَدَاوَى بِالْعَسَلِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ مَرِضَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا نُعَالِجُكَ؟ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالْمَاءِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكًا} الآية: 50، مِنْ سورةِ (ق). ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِعَسَلٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: "فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ"، وَائْتُونِي بِزَيْتٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتونَةٍ} الآيةَ: 35، مِنْ سُورةِ النُّور، فَجَاءُوهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَخَلَطَهُ جَمِيعًا ثُمَّ شَرِبَهُ فَبَرِئَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ إِذَا خُلِطَ بِالْخَلِّ وَيُطْبَخُ فَيَأْتِي شَرَابًا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ عِلَّةٍ وَفِي كُلِّ إِنْسَانٍ، بَلْ إِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ يَشْفِي كَمَا يَشْفِي غَيْرُهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ فِي بَعْضٍ وَعَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَفَائِدَةُ الْآيَةِ إِخْبَارٌ مِنْهُ فِي أَنَّهُ دَوَاءٌ لَمَّا كَثُرَ الشِّفَاءُ بِهِ وَصَارَ خَلِيطًا وَمُعِينًا لِلْأَدْوِيَةِ فِي الْأَشْرِبَةِ وَالْمَعَاجِينِ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ لَفْظٍ خُصِّصَ، فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، وَلُغَةُ الْعَرَبِ يَأْتِي فِيهَا الْعَامُّ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْخَاصِّ، وَالْخَاصُّ بِمَعْنَى الْعَامِّ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ أَنَّ "شِفاءٌ" نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَلَا عُمُومَ فِيهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَمُحَقِّقِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُخْتَلِفِي أَهْلِ الْأُصُولِ. لَكِنْ قَدْ حَمَلَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْعُمُومِ. فَكَانُوا يَسْتَشْفُونَ بِالْعَسَلِ مِنْ كُلِّ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ، وَكَانُوا يُشْفَوْنَ مِنْ عِلَلِهِمْ بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ وَبِصِحَّةِ التَّصْدِيقِ وَالْإِيقَانِ. قالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُ، وَغَلَبَتْهُ عَلَى الدِّينِ عَادَتُهُ، أَخَذَهُ مَفْهُومًا عَلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَالْكُلُّ مِنْ حِكَمِ الْفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ. فإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَنْفَعُهُ الْعَسَلُ وَمَنْ يَضُرُّهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ شِفَاءً لِلنَّاسِ؟ أُجيبَ: الْمَاءُ حياةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَقْتُلُهُ الْمَاءُ إِذَا أَخَذَهُ عَلَى مَا يُضَادُّهُ مِنْ عِلَّةٍ فِي الْبَدَنِ، وَقَدْ رَأَيْنَا شِفَاءَ الْعَسَلِ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ، وقَالَ الزَّجَّاجُ ما هو في مَعْنَاهُ. عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ حَسَمَ دَاءَ الْإِشْكَالِ وَأَزَاحَ وَجْهَ الِاحْتِمَالِ حِينَ أَمَرَ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَخُوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا أَمَرَهُ بِعَوْدِ الشَّرَابِ لَهُ فَبَرِئَ، وَقَالَ: ((صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ)) وقد تقدَّمَ. وقد اعْتَرَضَ بَعْضُ زَنَادِقَةِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: قَدْ أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ يُسْهِلُ فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ الْإِسْهَالُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ التَّصْدِيقُ بِنَبِيِّهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ، فَيَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَرَهُ بِعَقْدِ نِيَّةٍ وَحُسْنِ طَوِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَرَى مَنْفَعَتَهُ وَيُدْرِكُ بَرَكَتَهُ، كَمَا قَدِ اتَّفَقَ لِصَاحِبِ هَذَا الْعَسَلِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ مِنَ الْإِجْمَاعِ فَدَلِيلٌ عَلَى جَهْلِهِ بِالنَّقْلِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ وَأَطْلَقَ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْمَازِرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِسْهَالَ يَعْرِضُ مِنْ ضُرُوبٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا الإسْهالُ الْحَادِثُ عَنِ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ، وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهُ بِأَنْ يُتْرَكَ لِلطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا، وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُعِينٍ عَلَى الْإِسْهَالِ أُعِينَتْ مَا دَامَتِ الْقُوَّةُ بَاقِيَةٌ، فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ، فَإِذَا وَضَحَ هَذَا قُلْنَا: فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَصَابَهُ الْإِسْهَالُ عَنِ امْتِلَاءٍ وَهَيْضَةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَزَادَهُ إِلَى أَنْ فَنِيَتِ الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ، فَوَافَقَهُ شُرْبُ الْعَسَلِ. فَإِذَا خَرَجَ هَذَا عَنْ صِنَاعَةِ الطِّبِّ أَذِنَ ذَلِكَ بِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ بِتِلْكَ الصِّنَاعَةِ. قَالَ: وَلَسْنَا نَسْتَظْهِرُ عَلَى قَوْلِ نَبِيِّنَا بِأَنْ يُصَدِّقَهُ الْأَطِبَّاءُ بَلْ لَوْ كَذَّبُوهُ لَكَذَّبْنَاهُمْ وَلَكَفَّرْنَاهُمْ وَصَدَّقْنَاهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَوْجَدُونَا بِالْمُشَاهَدَةِ صِحَّةَ مَا قَالُوهُ فَنَفْتَقِرُ حِينَئِذٍ إِلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخْرِيجِهِ عَلَى مَا يَصِحُّ إِذْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ. وفِي قَوْلِهِ: "فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ" دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّعَالُجِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا مَعْنَى لِإنْكارِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فقد رُوِيَ في الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ)). وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ: ((أَلَا نَتَدَاوَى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ. يَا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شفاءً، أَوْ دواءً إِلَّا داءً واحِدًا)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ((الْهَرَمُ)). واللَّفْظُ للتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ورُوِيَ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟ قَالَ: ((هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ)). قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِأَبِي خُزَامَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنْ كانَ في شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ)). أَخرجَهُ أَحْمَدُ: (6/401، برقم: 27798). والبُخَارِيُّ: (3/1112، برقم: 2890)، ومُسْلِمٌ: (4/2244، برقم: 2930)، والتِرْمِذِيُّ: (4/519، بِرقم: 2249) والنَّسَائِي، فِي الكُبْرَى: (7559). وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ التَدَاوِي والاسْتِرْقَاءِ. ورُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَةِ، وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْقِي وَلَدَهُ التِّرْيَاقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ بِالْمَوْسِمِ أَيَّامَ الْحَجِّ، فَأَعْجَبَنِي كَثْرَةُ أُمَّتِي، قَدْ مَلَؤُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَضِيتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، قَالَ: فَإِنَّ مَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعِينَ أَلْفًا، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَهُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))، قَالَ عُكَّاشَةُ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ))، فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: ادْعُ اللهَ يَجْعَلُنِي مِنْهُمْ، قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: (1/403، برقم: 3819)، والبُخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ: (برقم: 911). ومُسْلِمٌ: (1/137، برقم: 445). قَالُوا: فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ اعْتِصَامًا بِاللهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَثِقَةً بِهِ وَانْقِطَاعًا إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَيَّامَ الْمَرَضِ وَأَيَّامَ الصِّحَّةِ فَلَوْ حَرَصَ الْخَلْقُ عَلَى تَقْلِيلِ ذَلِكَ أَوْ زِيَادَتِهِ مَا قَدَرُوا، قَالَ اللهُ تَعَالَى في الآية: 22، منْ سُورةِ الحَديدِ: {مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها}. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْأَثَرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ: أَلَا أَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: مَرِضَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَعَادُوهُ وَقَالُوا: أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَضْجَعَنِي. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الرَّبيعُ بْنُ خَيْثَم. وَكَرِهَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الرُّقَى. وَكَانَ الْحَسَنُ البَصْريُّ يَكْرَهُ شُرْبَ الْأَدْوِيَةِ كُلِّهَا إِلَّا اللَّبَنَ وَالْعَسَلَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْكَيِّ مَكْرُوهٍ بِدَلِيلِ كَيِّ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُبَيًّا يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ لَمَّا رُمِيَ. وَقَالَ: ((الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ)) كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى الرُّقَى بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} الآية: 82، مِنْ سورةِ الإسراء. وَرَقَى أَصْحَابَهُ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّقْيَةِ. وذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا مُقْتَاتًا. وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالَذَي قَطَعَ بِهِ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْعَسَلِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، لِأَنَّ النِّصَابَ عِنْدَهُ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا شيءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانِيَةَ أَفْرَاقٍ، وَالْفَرْقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ الْعِرَاقِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ، مُتَمَسِّكًا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ)). قَالَ أَبُو عِيسَى التِرْمِذِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هذا البابِ شِيءٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العلم: ليسَ في العَسَلِ شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِي الله عَنهُ، فِي قَوْلِهِ: "شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاسِ" قَالَ: هُوَ الْعَسَلُ فِيهِ الشِّفَاءُ وَفِي الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ الْعَسَلَ فِيهِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ. وَأَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا ـ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَلُ وَالْقُرْآنُ. وَأَخْرَجَ عنْهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَةَ وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي شُعَبِ الإِيمانِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَل وَالْقُرْآن)). وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ، فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَو كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ السنِّيِّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الإيمانِ) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَعَقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غُدواتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنَ الْبلَاءِ)). وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الإيمانِ) عَن عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: بَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ وَعَكٍ كَانَ بِي أَلْتَمِسُ مِنْهُ دَوَاءً وشِفاءً، فَبَعَثَ إِلَيَّ بِعُكَّةٍ مِنْ عَسَلٍ. وَأَخْرَجَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجوَيْهِ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَانَ لَا يَشْكُو قُرْحَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ عَسَلًا حَتَّى الدُّمَّل، إِذا كَانَ بِهِ طَلاهُ عَسَلًا فَقُلْنَا لَهُ: تُداوِي الدُمَّلَّ بالعَسَلِ؟. فَقَالَ أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالى: "فِيهِ شِفَاء للنَّاسِ". وَأَخْرَجَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَديجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ شِفَاءٌ فَفِي شَرْطَةٍ مِنْ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَو كَيَّة بِنَارٍ تُصيبُ أَلَمًا، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ حَشْرَمٍ المُجْمِرِ: أَنَّ مُلاعِبَ الأَسِنَّةِ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُهُ الدَّوَاءَ والشِّفَاءَ مِنْ دَاءٍ نَزَلَ بِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعَسَلٍ أَوْ بِعُكَّةٍ مِنْ عَسَلٍ.