الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(28)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الكَافِرِينَ، الذِينَ يَسْتَحِقُونَ العَذَابَ، هُمُ الذِينَ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى أَنْ جَاءَتْهُمْ مَلاَئِكَةُ المَوْتِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، وقد ظَلَمَ هَؤُلاَءِ أَنْفُسَهُمْ بِتَعْرِيضِهَا لِلْعَذَابِ المُخَلَّدِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، فَصِيغَةَ الْمُضَارِعِ "تَتَوَفَّاهُمُ" صَّرِيحةٌ فِي أَنَّ هَذَا مَحْكِيٌّ فِي حَالِ حُصُولِ والوفاةِ، وَلَيْسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حيثُ تَكونُ الوَفَاةُ قَدْ مَضَتْ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ.
قولُهُ: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} أَلْقَوُاْ السَّلَمَ: أَيْ أَظْهَرُوا الخُضُوعَ والاسْتِسْلاَمَ للهِ تَعَالَى حِينَ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ لِقَبْضِ أَرْواحِهِمْ، وعايَنُوا المَوْتَ. وَالسَّلَمُ (بِفَتْحِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ): الِاسْتِسْلَامُ. فَقَدْ أَقَرُّوا للهِ تعالى بِالرُّبُوبِيَّةِ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: "مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ" أَيْ مَا كُنَّا نُشْرِكُ بِرَبِّنَا أَحَدًا، ولا كُنَّا نَرْتَكِبُ المَعَاصِي، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا. وكَذَلِكَ فإنَّهم يَقُولُونَ يَوْمَ الْمَعَادِ: {وَاللهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} الآيةَ: 23، مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وفي الآيةِ: 18، مِنْ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ}.
قولُهُ: {بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يُكَذِّبُهُمْ اللهُ تَعَالَى فِيمَا يَقُولُونَ، وَيَقُولُ لَهُمْ: بَلْ كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَتُشْرِكُونَ، وَتَرْتَكِبُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ، فَلاَ فَائِدَةَ لَكُمْ مِنَ الإِنْكَارِ اليَوْمَ، فإنَّ اللهَ مُجَازِيكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ، وَقِيلَ هوَ مِنْ قَوْلِ المَلائكَةِ لَهْم عِنْدَ قبضِها أَرْواحَهم، تُكَذِّبُهُمْ فيما يدَّعونَهُ، مِنْ عدَمِ إشراكهم باللهِ تعالى وعَدَمِ مَعْصِيَتِهمْ لَهُ.
وفي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْمَدِينَةِ فِي قَوْمٍ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، فَأَخْرَجَتْهُمْ قُرَيْشٌ إِلَى بَدْرٍ كَرْهًا، فَقُتِلُوا بِهَا، فَقَالَ: "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ" بِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، "ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ" فِي مُقَامِهِمْ بِمَكَّةَ وَتَرْكِهِمُ الْهِجْرَةَ، "فَأَلْقَوُا السَّلَمَ" يَعْنِي فِي خُرُوجِهِمْ مَعَهُمْ. وَفِيهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: أَنَّهُ الصُلْحُ، قالَهُ الأَخْفَشُ. الثاني: الاسْتِسْلامُ، قالُهُ قُطْرُبٌ. الثَّالِثُ: الْخُضُوعُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. و "مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ" يَعْنِي مِنْ كُفْرٍ. و "بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" يَعْنِي أَنَّ أَعْمَالَهُمْ أَعْمَالُ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُؤْمِنِينَ، رَجَعُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْرُجُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَنْقَادَ وَيَسْتَسْلِمَ، وَيَخْضَعَ وَيَذِلَّ، وَلَا تَنْفَعَهُمْ حِينَئِذٍ تَوْبَةٌ وَلَا إِيمَانٌ، كَمَا قَالَ تعالى مِنْ سورةِ غافر: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا} الآية: 85.
قولُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الَّذِينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ الجَرِّ نَعْتًا لِـ "الكافرينَ"، أَوْ بَدَلًا مِنْهُ، أَوْ بَيَانًا لَهُ، ويجوزُ أَنْ يَكونَ مَنْصُوبًا عَلَى الذَّمِّ، أَوْ مَرْفُوعًا عَلَيْهِ، أَوْ مَرْفُوعًا بالابْتِداءِ، والخَبَرُ قَوْلُهُ "فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ". وَ "تَتَوَفَّاهُمُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ عَلى آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظُهُورِها على الأَلِفِ. وَالهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذكَّرِ. ويَجوزُ أَنْ يَكونَ "تَتَوَفَّاهم" مُسْتَقْبَلًا عَلَى بابِهِ، إِنْ كانَ القَوْلُ واقِعًا في الدُنْيا، ويجوزُ أَنْ يَكونَ مَاضِيًا عَلَى حِكايةِ الحالِ، إِنْ كانَ وَاقِعَا يَوْمَ القِيامَةِ. و " الْمَلَائِكَةُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. و "ظَالِمِي" منْصوبٌ على الحالِ مِنْ ضَميرِ الغائبينَ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السالِمُ، وهو مُضافٌ ولذلك فقدْ حُذِفَتْ نونُهُ، و "أَنْفُسِهِمْ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ أيضًا، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. والجملةُ الفعليَّةُ هذهِ صِلَةُ المَوْصولِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} فَأَلْقَوُا: الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَعْقيبٍ، أَوْ حَرْفُ اسْتِئْنافٍ، و "أَلْقَوا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّةِ المُقدَّرَةِ عَلَى الأَلِفِ المَحْذوفَةِ لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ، والواوُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرفْعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتَّفْريقِ. و "السَلَمَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِأَنَّ الفاءَ مَزيدَةٌ هُنَا فِي الخَبَرِ، وَهَذَا لا يَجيْءُ إِلَّا عَلَى رَأْيِ الأَخْفَشِ فِي إِجازَتِهِ زِيادَةَ الفَاءِ فِي الخَبَرِ مُطْلَقًا، نَحْوَ قولِكَ: (زيدٌ فَقامَ)، أَيْ: قامَ. ولا يُتَوَهَّم أَنَّ هَذِهِ الفَاءَ هِيَ التي تَدْخُلُ مَعَ المَوْصُولِ المُتَضَمِّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لأَنَّهُ لَوْ صُرِّحَ بِهَذَا الفِعْلِ مَعَ أَدَاةِ الشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ دُخُولُ الفاءِ عَلَيْهِ، فَمَا ضُمِّنَ مَعْنَاهُ أَوْلَى بِالمَنْعِ، كَذَا، قالَهُ الشَّيْخُ أبو حيَّان الأندلُسيُّ، وَهُوَ ظاهِرٌ. وَعَلى الأَقْوالِ المُتَقَدِّمَةِ خَلَا القولِ الأَخِيرِ، يَكونُ الاسْمُ الموْصولُ "الذينَ" وَصِلَتُهُ داخِلًا في المَقُولِ، وعَلَى القَوْلِ الأَخِيرِ لا يَكونُ دَاخَلًا فِيهِ. وقولُهُ: "فَأَلْقَوا" يَجُوزُ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُها: أَنَّهُ خَبَرُ المَوْصُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُهُ. وثانيها: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى {قَالَ الذينَ}. وثالثُها: أَنْ يَكونَ مُسْتَأْنَفًا، والكلامُ قدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ "أَنْفُسِهم"، ثُمَّ عادَ بِقَوْلِهِ "فألْقَوا" إِلَى حِكايَةِ كَلامِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ القِيامَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكونُ قَوْلُهُ {قَالَ الذينَ أُوتُواْ العِلْمَ} إِلى قَوْلِهِ "أَنْفُسهم" جُمْلَةَ اعْتِراضٍ. والرابع: أَنْ يَكونَ مَعْطُوفًا عَلَى "تَتَوفَّاهم" قالَهُ العكْبُريُّ، وَهَذَا إِنَّما يَتَمَشَّى عَلَى أَنَّ "تَتَوفَّاهم" بِمَعْنَى المُضِيِّ، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ أَبُو البَقاءِ العُكْبُريُّ في "تَتَوفَّاهم" سِوَاهُ.
قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} مَا: نَافِيَةٌ عَمَلَ لَهَا. وَ "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رَفعٍ متحرِّكٌ هو "نا" الجماعةِ، و "نا" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيُّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ رفعٍ اسْمُ "كان". و "نَعْمَلُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى المُشركينَ، وَ "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ زائدٌ. وَ "سُوءٍ" مَجْرُورٌ لَفْظًا بِحَرْفِ الجَرِّ الزَّائدِ، مَنْصوبٌ محلًّا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "كان"، وَجُمْلَةُ "كانَ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولٌ لِقَوْلٍ مَحْذوفٍ هوَ حالٌ مِنْ فاعِلِ "أَلْقَوْا"؛ والتقديرُ: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ قَائلينَ: "مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ"، وَ "بَلى" جَوَابٌ لـ "مَا كُنَّا" فَهُوَ إِيجابٌ لَهُ. وَجَوَّزَ فِيهِ أَبو البَقاءِ العُكْبُرِيُّ وَجْهًا آخرُ وهو أَنْ يَكونَ تَفْسيرًا لـ "السَّلَمِ" الذي أَلْقوهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى القَوْلِ بِدَليلِ الآيَةِ: 86، مِنْ هَذِهِ السُورَةِ المُبارَكَةِ: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القَوْلَ}، وَلَوْ أَنَّ العُكْبُريَّ قالَ: (يَحْكي مَا هُوَ بِمَعْنَى القَوْلِ) بَدَلًا مِنْ قولِهِ: (لِأَنَّهُ بِمَعْنَى القَوْلِ) كانَ أَوْفَقَ لِمَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ.
قولُهُ: {بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بَلَى: حَرْفُ جَوابٍ لإثْباتِ مَا بَعْدَ حَرْفِ النَّفْيِ، قائِمَةٌ مَقَامَ الجَوابِ المَحْذوفِ، والتقديرُ: بَلَى كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَقْبَحَ الشِّرْكِ وأَشَدَّ الآثامِ، والجُمْلَةُ الجَوابِيَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "إِنَّ" حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، وَلفظُ الجَلالَةِ "اللهَ" اسْمُهُ مَنْصوبٌ بِهِ. و "عَلِيمٌ" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ الجَوابِ المَحْذوفِ. و "بِمَا" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بالخَبَرِ "عَلِيمٌ"، و "ما" مَوْصُولَةٌ أوْ نَكِرةٌ مَوصوفةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكونِ في مَحلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هوَ تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الرفعِ اسْمُ "كان"، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، و "تَعْمَلُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. والجملةُ خَبَرُ "كانَ" في محلِّ النَّصْبِ، وجُمْلَةُ "كانَ" صَلَةٌ لِـ "ما" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ الجرِّ إِنْ أُعْرِبَتْ نَكِرةً مقصودةً، والعائدُ أَوِ الرَّابِطُ مَحْذوفٌ والتقديرُ: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ.
قرَأَ العامَّةُ: {تَتَوَفَّاهُمْ} بالتَاءِ مِنْ فَوْقِ فِي المَوْضِعَيْنِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ "يَتَوَفَّاهُمْ" فِي المَوْضِعَيْنِ بالياءِ مِنْ تَحْتِ، وَالقِراءتانِ واضِحَتَانِ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قوْلِهِ مِنْ سُورَةِ آلِ عُمْرانَ: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ} الآيَةَ: 39، "فَنَادَاهُ". وقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "تَوَفَّاهُمُ" بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَاءَيْنِ في الأُخْرَى، وهي كَذلِكَ في مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "تَوَفَّاهُمُ"، بِتَاءٍ واحِدَةٍ، وهِيَ مُحْتَمِلَةٌ للقِراءَةِ بالتَشْديدِ عَلَى الإِدْغامِ، وبِالتَخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَاءَيْنِ.