وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
(36)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} بَعَثْنَا: أَيْ أَحْيَيْنا شَيْئًا كانَ مَوْجودًا سَابِقًا بَعْدَ أَنِ انْدَثَرَ، فبَعَثْناهُ مِنْ جَديدٍ. ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَدْ عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى الأَسْمَاءَ كُلَّها، ثُمَّ أَمَرَهُ بالهُبوطِ مِنَ الجَنَّةِ إِلى الأَرْضِ، وَقَالَ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الآية: 38، مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ. وقالَ في الآيَةِ: 123، مِنْ سورةِ طَهَ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى}. إذًا: فإنَّ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مَفْرُوضٌ عليْهِ أَنْ يعمَلَ بِهَذَا المِنْهَجِ وأَنْ يُبَلِّغَهُ لِأَبْنائِهِ، والمَفْروضُ في أَبْنائِهِ أَنْ يُبَلِّغُوا هَذَا المِنْهَجَ لأَبْنَائِهِم، وهَكَذَا، إِلَّا أَنْ الغَفْلَةَ قَدْ تَسْتَحْوذُ عَلَيْهِم، ولِذَلِكَ فإِنَّ اللهَ يُرسِلُ مِنْ عبادِهِ كلَّ فترةٍ مِنَ الزَمَنِ مَنْ يَبْعَثُ هَذَا الأَمْرَ مِنْ جَديدٍ. و "في" هُنَا ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ: فِي الأُمَّةِ كُلِّها، وتُفيدُ التَغَلْغُلَ في جَميعِ الأُمَّةِ، فَيَعمُّ بَلاغُهُ الجماعةَ، ويَصِلُ إلى الجَميعِ لا جَمَاعَةً دُونَ أُخْرَى، لأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ عُمومِ البَلاغِ جَميعَ الأُمَّةِ. وَقالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ} الآيَةِ: 84، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، أَيْ: مِنْ أَنْفُسِ كُلِّ الأُمَّةِ، فقدْ خَرَجَ منْ بَيْنِهم واحدًا مِنْهم، بَيْنَهُمْ تَرَبَّى ودَرَجَ، يَعْرِفونَهُ ويقدرونَ مَكانَتَهُ فِيهم، فقَدْ خَبَرُوا خِصَالَهُ، وَجرَّبوا صِدْقَهُ وفِعالَهُ.
فالرِّسَالاتُ إِذًا بَعْثٌ لِمِنْهَجِ إِلَهِيٍّ يَجِبُ أَنْ يَظَلَّ عَلَى ذِكْرٍ مِنَ النَّاسِ، يَتَنَاقَلُهُ الأَبْنَاءُ عَنِ الآباءِ، إِلَّا أَنَّ الغَفْلَةَ قَدْ تُصِيبُ المُبَلِّغَ فَلَا يُبَلِّغُ، وَقَدْ تُصِيبُ المُبَلَّغَ فَلَا يَلْتَزِمُ بِالبَلاغِ؛ لِذَلِكَ يُجِدِّدُ اللهُ الرُّسُلُ.
قولُهُ: {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} هوَ مَضْمُونُ الرِّسالاتِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّها ومِنْهَجُها: عِبَادَةُ اللهِ تَعَالى وتكونُ بِتَرْكِ كلِّ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ، وفِعْلِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، والتَقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ والإِكْثارِ مِنْ ذِكْرِهِ. واجْتِنَابُ الطاغُوتِ والابْتِعادُ عنْهُ. أَيِ اتْرُكُوا كُلَّ مَعْبُودٍ دُونَ اللهِ تَعَالى، مِنْ شَيْطَانٍ وَصَنَمٍ وكَاهِنٍ، وَكُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالٍ. والطاغوتُ مُبَالَغَةٌ مِنَ الطُغْيَانِ، الذي هوَ تجاوُزُ الحَدِّ في الأَمْرِ، قالَ تعالى متحدِّثًا عَنْ طُوفانِ نُوحٍ ـ عليهِ السَّلامُ: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} الآيةَ: 11، مِنْ سُورَةِ الحاقة، أَيْ تجاوزَ كلَّ حدٍّ بحيثُ عمَّ الأرضَ وغطَّى كلَّ شَيءٍ، فالطاغيةُ إذًا مَنْ وَصَلَ الذِّرْوَةَ فِي الطُغْيانِ وَزَادَ فِيهِ. والطاغوتُ هوَ الذي يَزيدُهُ الخُضُوعُ لِبَاطِلِهِ طُغْيانًا عَلَى باطِلٍ أَعْظم، وكلَّما خَضَعَ النَّاسُ لِظُلْمِهِ ازْدَادَ ظُلْمًا. وَهَذِهِ الصِّفَةُ واحِدَةٌ في المذكَّرِ والمُؤنَّثِ والمُفردِ والمثنّى والجمعِ فتقولُ: رَجُلٌ طاغوتٌ، وامْرَأَةٌ طاغُوتٌ، ورَجُلانِ طاغُوتٌ، وامْرَأَتانِ طاغوتٌ، ورِجالٌ طاغُوتٌ، ونِساءٌ طاغوتٌ، فقدَ طَغَى لَفْظُهُ عَلى جَميعِ الصَّيَغِ. وَقَدْ يَذْكُرُونَهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَيُقَالُ: طَوَاغِيتُ.
قولُهُ: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ} قيلَ "هَدَى اللهُ" هُنَا أَيْ: أَرْشَدَهُ إِلَى دِينِهِ، وعِبادَتِهِ، هِدَايَةَ إِيمانٍ ومَعُونَةٍ، بِأَنْ مَكَّنَ المِنْهَجَ فِي نَفْسِهِ، وَيَسَّرَهُ لَهُ، وَشَرَحَ بِهِ صَدْرَهُ. أَيْ فَبَلَّغَ الرُسُلُ ـ عليهِمُ السَّلامَ، مَا بُعِثُوا بِهِ مِنَ الأَمْرِ بِعِبادَةِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، واجْتِنَابِ الطَّاغُوتِ، فَتَفَرَّقُوا، فَمِنْهُمْ "مَّنْ هَدَى اللهُ" إِلَى الحَقِّ الذي هُوَ عِبَادَتُهُ ـ جلَّ، واجْتِنابُ الطاغُوتِ، وذلكَ بَعْدَ صَرْفِ قُدْرَتِهمْ واخْتِيارِهِمُ الجُزْئِيِّ إِلَى تَحْصِيلِهِ.
وَقَدْ أُسْنِدَتْ هِدَايَةُ فريقٍ منهمْ إِلَى اللهِ تعالى مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِالْهُدَى تَنْبِيهًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى إِزَالَةِ شُبْهَتِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} الآية: 35، السابقةِ، بِأَنَّ اللهَ بَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى، فَاهْتِدَاءُ الْمُهْتَدِينَ بِسَبَبِ بَيَانِهِ، فَهُوَ الْهَادِي لَهُمْ.
قولُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} أَيْ: وفَريقٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَجَبَتْ لَهُ الضَّلالَةُ، وأَصْبَحَتْ لَهُ حَقًّا، وذَلِكَ بِمَا قَدَّمَ مِنْ سَيِّءِ الأَعْمالِ وفاسِدِها، فَلَا يَسْتَحِقُّ مَعَهَا إِلَّا الضَّلالَةَ، فَمَا حقَّتْ عَلَيْهِمْ، وَمَا وَجَبَتْ لَهُمْ إِلَّا بَمَا قدَّموا مِنْ عَمَلٍ. كَمَا قالَ تَعَالى في الآيَةِ: 144، مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ}، فَقَدْ تَقَدَّمَ الظُّلْمُ مِنْهُمْ، فَحُرِمُوا الهِدَايَةَ. وَفي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، الذينَ يَزَعُمونَ أَنَّ اللهَ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، هَدَى النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَوَفَّقَهُمْ لِلْهُدَى جَميعَهم. وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ هُنَا: "فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ" وكَمَا تَرَى فإنَّ فيهِ نَقْضًا لِمُعْتَقَدِهِمُ الباطِلِ ذَاكَ، واللهُ أَعْلَمُ.
وَفي التَّعْبِيرِ عَنِ الضَّلَالَةِ بِـ "حَقَّتْ عَلَيْهِمْ" دُونَ إِسْنَادِ الْإِضْلَالِ إِلَى اللهِ تعالى إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا كانَ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ، نَهَاهُمْ عَنِ الضَّلَالَةِ، فَقَدْ كَانَ تَصْمِيمُهُمْ عَلَيْهَا إِبْقَاءً لِضَلَالَتِهِمُ السَّابِقَةِ التي قَضَى اللهُ تعالى بها عليهم في سابقِ عِلمِهِ، "فَحَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ"، أَيْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَرْتَفِعْ عَنْهُمْ. وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ بَقَاءَ الضَّلَالَةِ هو مِنْ كَسْبِ أَنْفُسِهِمْ، وَقدْ وَرَدَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّ اللهَ تعالى هو الذي يُضِلُّ الضَّالِّينَ، فقَال مِنْ سُورَة الْأَنْعَام: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} الآيةَ: 125، وَكَذلكَ قَولُهُ التالي في الآيةِ: 37، مِنْ هَذِهِ السُورةِ المُبارَكَةِ: {فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}، بِحَسَبِ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، فيَتحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ ما تَقدَّمَ أَنَّ اللهَ تعالى كَوَّنَ أَسْبَابًا عَدِيدَةً، بَعْضُهَا جَاءَ مِنْ تَوَالُدِ الْعُقُولِ وَالْأَمْزِجَةِ، وَاقْتِبَاسِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهَا تَأَثَّرَ بالدَّعَوَاتِ الضَّالَّةِ، بِحَيْثُ تَهَيَّأَتْ مِنَ اجْتِمَاعِ أُمُورٍ شَتَّى ـ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تعالى، أَسْبَابٌ تَامَّةٌ تَحُولُ بَيْنَ الضَّالِّ وَبَيْنَ الْهُدَى. إِذًا فَلَا جَرَمَ كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَابُ هِيَ سَبَبُ حَقِّ الضَّلَالَةِ عَلَيْهِمْ، فَبِاعْتِبَارِ الْأَسْبَابِ الْمُبَاشِرَةِ، كَانَ ضَلالُهم مِنْ حالاتِ أَنْفُسِهم، وَبِاعْتِبَارِ الْأَسْبَابِ الْعَالِيَةِ المُتَوالِدَةِ، كَانَ ضَلَالُهُمْ مِنْ لَدُنْ خَالِقِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَخَالِقِ نَوَامِيسِهَا فِي مُتَقَادِمِ الْعُصُورِ ـ جلَّ جلالُهُ العظيمُ.
قولُهُ: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أَيْ: سَيْرَ نَظَرٍ وتَفَكُّرٍ وتَدَبُّرٍ واعْتِبارٍ، لا سَيْرَ لَهْوٍ وتَسْلِيَةٍ وفَسَادٍ، غافِلِينَ عَمَّا فيهِ منْ آياتٍ دالَّةٍ عَلَى وحدانيَّتِهِ تَعَالى وعَظَمَتِهِ، واقِفينَ عَلى آثارِ الأُمَمِ البائدةِ التي أَهْلَكَهَا اللهُ بكُفْرِهَا بِهِ ـ سُبْحانَهَ وتَعَالى، كَيْفَ صَارَ آخِرُ أَمْرِهِمْ إِلَى العذابِ والهَلاكِ الخَرابِ، كَعَادٍ وثَمُودَ ومَنْ سَارَ سَيْرَهُمْ واتقَفَّى آثارهمْ فحَقَّتْ عِلَيْهِ الضَّلالَةُ، لعلَكمْ تَعْتَبِرونَ حِينَ تُشَاهِدونَ فِي مَنَازِلِهمْ ودِيارِهم آثارَ هَلاكهم والعَذابِ الذي حلَّ بِهِمْ. فقدْ فَرَّعَ عَلَى ما تَقَدَّمَ الْأَمْرَ بالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ لِيَنْظُرُوا آثَارَ الْأُمَمِ فَيَرَوْا مِنْهَا آثَارَ اسْتِئْصَالٍ مُخَالِفٍ لِأَحْوَالِ الْفَنَاءِ الْمُعْتَادِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا مُتَوَقِّفًا عَلَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْفَنَاءِ لَأَمَرَهُمْ بِمُشَاهَدَةِ الْمَقَابِرِ، وَذِكْرِ السَّلَفِ الْأَوَائِلِ. وتَرْتيبُ الأَمْرِ بالسَيْرِ عَلَى مُجَرَّدِ الإِخْبارِ بِثُبوتِ الضَلالَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِخْبَارٍ بِحُلولِ العَذَابِ للإيذانِ بِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ البَيَانِ، وأَنْ لَيْسَ الخَبَرُ كالمُعايَنَةِ، وتَرْتِيبُ النَّظَرِ على السَّيْرِ لِمَا أَنَّهُ بَعْدَهُ وأَنَّ مَلاكَ الأَمْرِ فِي تِلْكَ العاقِبَةِ هوَ التَكْذيبُ والتَعَلُّلُ بِأَنَّهُ لَوْ شاءَ اللهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} وَلَقَدْ: الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "لَقَدْ"، اللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، لِقَسَمٍ مُقدَّرٍ، و "قد" حَرْفٌ للتَحْقيقِ. و "بَعَثْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" التَعْظيمِ. و "نا" المُعظِّمِ نَفسَهُ ـ سبحانَهُ وتَعَالَى، ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "بَعَثَ"، و " كُلِّ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "أُمَّةٍ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "رَسُولًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ جوابُ القَسَمِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ أَيْضًا.
قولُهُ: {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ} أَنْ: مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: بَعَثْناهُ بَأَنِ اعْبُدُوا. أَوْ تَفْسِيريَّةٌ لِجُمْلَةِ "بَعَثْنَا" لِأَنَّ الْبَعْثَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْقَوْلِ، إِذْ هُوَ بَعْثٌ لِلتَّبْلِيغِ. و "اعْبُدُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّ مُضارِعَهَ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والألفُ فارقةٌ. ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" مَنصوبٌ بالفاعليَّةِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مِعَ "أَنِ" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: بِعِبادَةِ اللهِ، الجَارُّ والمَجْرورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "بَعَثْنَا".
قولُهُ: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} الواوُ: للعطْفِ، و "اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" مثلُ "اعْبُدُوا اللهَ" مَعْطوفةٌ عَلَيها.
قولُهُ: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ} الفَاءُ: الفَصيحَةُ، أَفْصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ تَقْديرُهُ: إِذا عَرَفْتَ بَعْثَنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا، وَأَرَدْتَ بَيانَ حالِ أُمَمِهم، فَأَقولُ: مِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ. و "مِنْهُمْ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "مَنْ" مَوْصُولَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكونِ في محَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. و "هَدَى" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ. ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ صِلَةٌ للاسْمِ الموصولِ "مَنْ" لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ، أَوْ صفةٌ لَهَا فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ إِنْ أُعْرِبَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، والعائدُ، أَوِ الرَّابطُ مَحْذُوفٌ والتَقْديرُ: مَنْ هَداهُمُ اللهُ. والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لِجَوابِ "إذا" المُقَدَّرَةِ، وجُمْلَةُ إِذَا المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرَابِ.
قولُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} وَمِنْهُمْ: الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "منهم مَنْ" تقدَّمَ إعرابهُ آنِفًا، معطوفٌ عَلَيْهِ. والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الجُمْلَةِ التي قَبْلَها. و "حَقَّتْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، والتاءُ: لِتَأْنيثِ الفاعِلِ. و "عَلَيْهِ" على: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "حقَّ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ مبنيٌّ على الكَسْرِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ: للجمعِ المُذكَّرِ. و "الضَّلَالَةُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا كما تَقَدَّمَ في التي قبلَها.
قولُهُ: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} فَسِيرُوا: الفاءُ: الفصيحةُ أَفْصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرْ بـ: إِذَا عَرَفْتُمُ التَفْريقَ المَذْكُورَ، وَأَرَدْتُمْ مَعْرِفَةَ حالِ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، فَأَقولُ لَكمْ: سِيْروا. و "سيروا" مِثْلُ "اجْتَنِبُوا"، و "فِي" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "سِيروا"، و "الْأَرْضِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولٌ لِجَوابِ "إذا" المُقَدَّرَةِ، وَجُمْلَةُ "إذا" المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فَانْظُرُوا: الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَعْقِيبٍ. و "انْظُرُوا" مِثْلُ "سِيرُوا" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. و "كَيْفَ" اسْمُ اسْتِفْهامٍ مبنيٍّ على الفتحِ في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "كَانَ" مُقَدَّمٌ عَلَيْها، وَهِيَ مُعَلِّقَةٌ لِـ "انْظُرُوا" عَنِ العَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ. و "كَانَ" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مبنيٌّ على الفتحِ. و "عَاقِبَةُ" اسْمُهُ مرفوعٌ بِهِ، مُضافٌ، و "الْمُكَذِّبِينَ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. وَجُمْلَةُ "كَانَ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ لـ "انْظُرُوا".