الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 46
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} الْأَخْذُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِهْلَاكِ، وهو كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} الآيةَ: 44، وَكما قَالَ في سُورَةِ الحاقَّة: {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} الآيةَ: 10. وَالتَّقَلُّبُ: السَّعْي فِي شُؤُونِ الْحَيَاةِ، مِنْ مُتَاجَرَةٍ، وَمُعَامَلَةٍ، وَسَفَرٍ، وَمُحَادَثَةٍ، وَمُزَاحَمَةٍ. وَأَصْلُهُ: الْحَرَكَةُ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وَالْمَعْنَى: أَنْ يُهْلِكَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَشْعُرُونَ بِمَجِيءِ الْعَذَابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أَو يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهم" قَالَ: فِي اخْتلَافهمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ يَأْخُذهُمْ فِي تَقَلُّبِهمْ" قَالَ: إِنْ شِئْتُ أَخَذَتُهُ فِي سَفَرِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ" قَالَ: فِي أَسْفَارِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ" يَعْنِي عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا، بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقِيلَ أَيْ: "فِي تَقَلُّبِهِمْ" عَلَى فِرَاشِهِمْ أَيْنَمَا كَانُوا.
قولُهُ: {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِمُعْجِزِينَ: أَيْ ما همْ بِمُمْتَنِعِينَ، وَلَا فَائِتِينَ اللهَ تَعَالى بِالْهَرَبِ والفِرارِ، عَلى مَا يُوهِمُهُ حالُ التَقَلُّبِ والسَّيْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: يُريدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لا يُعْجِزُهُ شَيْءٍ أَرادَهُ. وَهَذَا تَفْرِيعُ على ما تَقَدَّمَ، واعْتِرَاضٌ، أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَقَلُّبِهِمْ شَيْءٌ، إِذْ لَا يُعْجِزُهُ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَاوُنُهُمْ. و "فِي" حرْفُ جَرٍّ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، أَيِ الْمُلَابَسَةِ، وَهِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي "يَأْخُذَهُمْ".
قولُهُ تَعَالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} أَوْ: للعَطْفِ. وَ "يَأْخُذَهُمْ" فِعْلٌ مضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" عَطْفًا عَلَى "يَخْسِفَ"، أَوْ عَلى "يَأْتِيهِمْ"، والهاءُ: ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، والميمُ: علامةُ جمعِ المُذكَّرِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، إذا عطفنا الفعلَ على "يَخْسِفَ"، وإذا عَطَفْنَاهُ عَلَى "يَأْتِيهِمْ" فإنَّ ضميرَ الفاعِلِ يعودُ على "العذاب". و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ ضَميرِ المَفْعُولِ بِهِ؛ أَيْ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَقَلِّبينَ فِي أَسْفَارِهِمْ، وَ "تَقَلُّبِهِمْ" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه، والميمُ للجمْعِ المُذكَّرِ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "يَخْسِفَ" عَلَى كَوْنِها صِلَةَ المَوْصُولِ الحَرْفِيِّ "أَنْ"، فَلَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ: {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} فَمَا: الفاءُ: وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ تقديرُهُ: فإِذا أَخَذَهُمْ بِالعُقُوبَةِ بِأَيِّ سَبَبٍ، و "ما" حِجازِيَّةٌ، و "هُم" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبنيٌّ في محلِّ الرَّفْعِ اسْمُهَا. و "بِمُعْجِزِينَ" الباءُ: حرفُ جرٍّ زائدٌ، و "مُعْجِزِينَ" اسمٌ مجرورٌ لَفْظًا منْصوبٌ محلًا على أَنَّهُ خَبَرُ "مَا" الحجازيةِ، وعلامةُ الجرِّ الياءُ لأَنَّهُ جمع المذكَّر السالم والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ، والجُمْلَة الاسْمِيَّةُ جَوابُ "إِذَا" المُقَدَّرَةِ، وَجْمْلَةُ "إذا" المُقَدَّرَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعرابِ.