وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ} خَلَقَكُمْ: أَيْ: أَظْهَرَكُمْ مِنْ عَالَمِ الغَيْبِ إِلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ، فِي أَحْسَنِ تَرْكِيبٍ، وَأَمْلَحِ تَرْتِيبٍ، في الأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، في النُّورِ والضِياءِ، في الذَّكاءِ والفَهْمِ، ورَزَقَكمُ العَقْلَ وَالتَفَكُّرَ، والعِلْمَ والتَبَصُّرَ، وَفُنُونَ المَنَاقِبِ التي خَصَّكُمْ بِهَا، مِنَ رَأْيٍ وتَدْبيرِ. فَإِنَّ الله تَعَالى يُخْبِرُ عِبَادَهُ فِي هَذِهِ الآيةِ المُبارَكَةِ عَنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِم، وَأَنَّهُ هُوَ الذِي أَنْشَأَهَمُ مِنَ العَدَمِ، ثُمَّ هو الذي يَتَوفِّاهُمْ.
قولُهُ: {ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} حِينَ تَحِينُ آجَالُكُمْ، فَيَرُدُّكمْ ثانِيَةً إِلَى عَالَمِ الغَيْبِ عِنْدَ انْتِهاءِ آجالِكُمْ التي أجَّلَها لكم، فَإنَّهُ ـ سُبحانَهُ وتَعَالى، قَدْ وَقَّتَ لَهُمْ أَعْمَارَهُمْ بِآجَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَعْجَلُ وَفَاتُهُ، ومِنْهُ مَنْ أَخَّرَها لأَمْرٍ يُريدُهُ وحِكْمَةٍ يَعْلَمُها.
قولُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وَالْأَرْذَلُ: صيغةُ تَفْضِيلٍ فِي الرَّذَالَةِ، وَهِيَ الرَّدَاءَةُ فِي صِفَاتِ الِاسْتِيَاءِ. والْعُمُرِ: مُدَّةُ بَقَاءِ المخلوقِ فِي الْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُمُرِ، وَهُوَ شَغْلُ الْمَكَانِ، أَيْ عُمُرَ الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى في الآية: 9، مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: {وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها}. فَإِضَافَةُ أَرْذَلِ إِلَى الْعُمُرِ الَّتِي هِيَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْأَرْذَلِ حَقِيقَةً هُوَ حَالُ الْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ لَا نَفْسَ الْعُمُرِ. فَأَرْذَلُ الْعُمُرِ هُوَ حَالُ هَرَمِ الْبَدَنِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ، وَهُوَ حَالٌ فِي مُدَّةِ الْعُمُرِ. وَأَمَّا نَفْسُ مُدَّةِ الْعُمُرِ فَهِيَ هِيَ لَا تُوصَفُ بِرَذَالَةٍ وَلَا شَرَفٍ. و "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" أَيْ: وَمِنْكُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ وَفَاتُهُ، فيُدْرِكُهُ الهَرَمُ فَيَصِيرُ إِلَى أَرْذَلِ العُمْرِ، إِذْ يُصيبُهُ الوَهْنُ في قُوَّتِه، وَالضَعْفُ في ذَاكِرَتُهُ، فَيُصِيبَهُ الخَرَفُ، فَيَنْسَى مَا كَانَ يَحْفَظُ، وَتَخْتَلِطُ الأُمُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ضَعْفِ قُوَاهُ العَقْلِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ نَبِيهًا ذكيًّا فَهِيمًا، حاذقًا حافظًا عليمًا، يَرَى فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلَمًا جَدِيدًا. فَأَرْذَلُ العُمُرِ: أَخَسُّهُ لِمَا فيهِ مِنْ هَرَمٍ وَخَرَفٍ، حيثُ يعودُ إلى مَا يُشَابِهُ ما كانَ علَيْهِ في طُفُولَتِهِ مِنْ ضعفِ القُوَّةِ والعَقْلِ. لكنَّ حالَ الطُفُولَةِ محبَّبةٌ تَحْمِلُ مَعَها الرَّجاءَ، وهَذِهِ لا رَجَاءَ مَعَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ" الْآيَةَ: أَرْذَلُ الْعُمُرِ هُوَ الْخَوْفُ. فقيلَ إِنَّما يكونُ هذا في الخامِسَةِ والتِسْعِينَ، وَقِيلَ غَيرُ ذَلِكَ، فقد رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ أَرْذَلَ الْعُمُرِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ الطبرِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ: تِسْعُونَ سَنَةً. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ لَهُ بِالسِّنِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ تَفَاوُتِ حَالِ الْأَشْخَاصِ، فَقَدْ يَكُونُ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ أَضْعَفَ بَدَنًا وَعَقْلًا، وَأَشَدَّ خَرَفًا مِنْ آخَرَ ابْنِ تِسْعِينَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ زُهَيْرِ بْنِ أبي سُلمَى أَنَّ ابْنَ الثَّمَانِينَ بَالِغُ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِقَوْلِهِ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ......... ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أَبًا لَكَ يَسْأَمِ
وَيَدُلُّ لَهُ أيضًا قَوْلُ عَوْفِ بْنِ مُحَلَّمٍ الخُزاعِيِ:
إِنَّ الثَّمَانِينَ وَبُلِّغْتُهَا .................. قَدْ أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلَى تُرْجُمَانْ
والتَحْقيقُ أَنَّ هَذا غيرُ مُرْتَبِطٍ بِسِنٍّ مُعينَةٍ. وَالْهَرَمُ لَا يَنْضَبِطُ حُصُولُهُ بِعَدَدٍ مِنَ السِّنِينَ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ والبلدان وَالصِّحَّة والاعتدال عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْزِجَةِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَقد أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كَتابِهِ العزيزِ فقَالَ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} الآية: 5، وَقَالَ مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} الْآيَةَ: 54، وَقَال مِنْ سورةِ فاطر: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية: 11، وَقَال فِي الآيةِ: 67، مِنْ سُورَةِ غَافِر: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُم ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَّنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. وَالْهَرَمُ لَا يَنْضَبِطُ حُصُولُهُ بِعَدَدٍ مِنَ السِّنِينَ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ والبُلْدانِ، وَالصِّحَّة والاعْتِدالِ، عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْزِجَةِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَهَذِهِ الرَّذَالَةُ رَذَالَةٌ فِي الصِّحَّةِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِحَالَةِ النَّفْسِ، فَهِيَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَتُسَمَّى أَرْذَلَ الْعُمُرِ فِيهِمَا، وَهَذِهِ الرَّذَالَةُ رَذَالَةٌ فِي الصِّحَّةِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِحَالَةِ النَّفْسِ، فَهِيَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَتُسَمَّى أَرْذَلَ الْعُمُرِ فِيهِمَا، وَقَدِ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ. فَجاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (16/70)، عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ": عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَدْعُو فيقولُ في دُعائهِ: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ)). وأَخْرَجَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ مِرْدُوَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ دُعَاءُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَجِيعِ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ وَالْبُخْلِ والجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ أَيْضًا، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)).
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ لَا يَنَالُهُمْ هَذَا الْخَرَفُ وَضَيَاعُ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ مِنْ شِدَّةِ الْكِبَرِ، وَيُسْتَرْوَحُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ بَعْضِ تَفْسِيرَاتِ قَوْلِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ التِّينِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَتانِ: (5 و 6). وَقَدْ جاءَ في بَعْضِ الأَحَاديثِ مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ القَارِئِ للقُرْآنِ بِالمُتَّبِعِ لَهُ، وَأَنَّهُ الذي يُمَتِّعُهُ اللهُ بِعَقْلِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَهوَ الذي يَشْهَدُ لَهُ الحِسُّ، أَيْ: الوُجُودُ في الخارِجِ، بالصِّدْقِ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ـ رَضيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُقَال أَنَّ أَبْقَى النَّاسِ عُقُولًا قُرَّاءُ الْقُرْآنِ. وأَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، ثُمَّ قَرَأَ: "لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شيبَةَ عَنْ طَاوسٍ ـ رَضيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْعَالِمَ لَا يَخْرَفُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَوْلُودُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحِنْثَ مَا يَعْمَلُ مِنْ حَسَنَةٍ أُثْبِتَ لِوَالِدِهِ، أَوْ لوَالِدَيْهِ، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَلَا عَلى وَالِدَيْهِ، فَإِذا بَلَغَ الْحِنْثَ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، أُمِرَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ مَعَهُ فَحَفِظاهُ وسَدَّدَا، فَإِذا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْإِسْلَامِ، آمَنَهُ اللهُ مِنَ البَلايَا الثَّلَاثَةِ: مِنَ الْجُنُونِ والجُذامِ، والبَرَصِ، فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسينَ ضَاعَفَ اللهُ حَسَنَاتِهِ، فَإِذا بَلَغَ سِتِّينَ رَزَقَهُ اللهُ الإنَابَةَ إِلَيْهِ وبِمَا يُحِبُ، فَإِذا بَلَغَ سَبْعِينَ أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، فَإِذا بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً غَفَرَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَشَفَّعَهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَهُ أَسِيرُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، فَإِذا بَلَغَ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ "لكَي لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا" كَتَبَ اللهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ)). وَمُسْنَدُ أَبي يَعْلَى الموصِليّ: (6/352)، وكَنْزُ العُمَّالِ: (43011)، والحَكيمُ التِرْمِذِيُّ: (2/154). ولهُ أَطرافٌ أُخَرٌ عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ـ رُضْوانُ اللهِ عَليْهِم.
قولُهُ: {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} أَيْ: أَنَّهُ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلَ الْعُمُرِ، لِأَجْلِ أَنْ يَزُولَ مَا كَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْعِلْمِ أَيَّامَ الشَّبَابَ، وَيَبْقَى لَا يَدْرِي شَيْئًا، لِذَهَابِ إِدْرَاكِهِ بِسَبَبِ الْخَرَفِ. وَللهِ حِكْمَةٌ فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ المُرادُ نَفْيَ العِلْمِ عنهُ بالكُلِّيَّةِ، بَلْ هو عِبَارَةٌ عَنْ قِلَّةِ العِلْمِ؛ لِغَلَبَةِ النِسْيَانِ. وَقِيلَ: المَعْنَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ شيئًا زِيادَةً عَلَى عِلْمِهِ الذي كانَ قدْ حَصَّلَهَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِكَيْلَا يَعْمَلَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، فَعَبَّرَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْكِبَرِ فِي عَمَلِهِ أَبْلَغُ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي عِلْمِهِ. وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ الِاحْتِجَاجُ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ، أَيِ الَّذِي رَدَّهُ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمِيتَهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ.
ولَامُ التَّعْلِيلِ الدَّاخِلَةُ هُنَا عَلَى "كَيْ" الْمَصْدَرِيَّةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ تَشْبِيهًا لِلصَّيْرُورَةِ بِالْعِلَّةِ اسْتِعَارَةً تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا غَايَةَ لِلْمَرْءِ فِي ذَلِكَ التَّعْمِيرِ تَعْرِيضًا بِالنَّاسِ، إِذْ يَرْغَبُونَ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْإِقْصَارِ مِنْ تِلْكَ الرَّغْبَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِيَصِيرَ غَيْرَ قَابِلٍ لِعِلْمِ مَا لَمْ يُعلمهُ لِأَنَّهُ يُبَطِّئُ قَبُولَهُ لِلْعِلْمِ. وَرُبَّمَا لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَتَلَقَّاهُ ثُمَّ يُسْرِعُ إِلَيْهِ النِّسْيَانُ. وَالْإِنْسَانُ يَكْرَهُ حَالَةَ انْحِطَاطِ عِلْمِهِ وبِطْئِ فَهمِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِذْ ذَاكَ شَبِيهًا بِالْعَجْمَاوَاتِ. وَاسْتِعَارَةُ حَرْفِ الْعِلَّةِ إِلَى مَعْنَى الْعَاقِبَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ فِي مَقَامِ التَّوْبِيخِ أَوِ التَّخْطِئَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} أَيْ أَنَّ اللهَ تَعَالى عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيءٍ، فَيَعْلَمُ مَقاديرَ الأَشْيَاءِ وَأَوْقاتَها، قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فهوَ قادرٌ عَلَى إِيجادِ الأَشْيَاءِ وإِعْدامِها، عِنْدَ انْتِهَاءِ آجَالِهَا، فَيُمِيتُ الشَابَّ النَّشِطَ عِنْدَ تَمَامِ أَجَلِهِ الذي أَجَّلَهُ لَهُ، وَيُبْقِي الهَرِمَ الفاني إِلَى انْقِضاءِ أَجَلِهِ. وفي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَفَاوُتَ أَعْمَارِ الخلْقِ إنَّما هو بِتَقْديرِ قادرٍ حَكيمٍ عليمٍ، هو الذي رَكَّبَ أَبْنِيَتَهُمْ وأَمَدَّهُمْ بِالحَيَاةِ والقُوَّةِ، وَعَدَّلَ أَمْزِجَتَهُمْ، عَلَى قَدْرٍ مَعْلومٍ، ولَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى طَبَائِعِهم لَمْ يَقَعِ التَفَاوُتُ إِلى هَذَا المَبْلَغِ.
وهَذِهِ العبارةُ تَذْيِيلٌ لِمَا تقدَّمَ للتَنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْجُمْلَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَعِظَمِ عِلْمِهِ. وَقُدِّمَ وَصْفُ "الْعَلِيمِ" على "القديرِ" لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ إنَّمَا يكونُ عَلَى وفْقِ الْعِلْمِ، وَبِمِقْدَارِ سِعَةِ الْعِلْمِ يَكُونُ عِظَمُ الْقُدْرَةِ، فَضَعِيفُ الْقُدْرَةِ يَنَالُهُ تَعَبٌ مِنْ قُوَّةِ عِلْمِهِ لِأَنَّ هِمَّتَهُ تَدْعُوهُ إِلَى مَا لَيْسَ بِالنَّائِلِ، كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا ................... تَعِبَتْ فِي مرادها الْأَجْسَام
والآيةُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِدَقَائِقِ صُنْعِ اللهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْخَلْقِ التَّصَرُّفَ الْغَالِبَ لَهُمُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ، عَلَى انْفِرَادِهِ بِرُبُوبِيَّتِهِمْ، وَعَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ.
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَذْيِيلُهَا بِجُمْلَةِ: "إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" فَهُوَ خَلَقَهُمْ بِدُونِ اخْتِيَارٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُمْ كَرْهًا عَلَيْهِمْ، أَوْ يَرُدُّهُمْ إِلَى حَالَةٍ يَكْرَهُونَهَا، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ لِذَلِكَ كلِّهِ رَدًّا وَلَا خَلَاصًا، وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ بِأَوْضَحِ مَظْهَرٍ.
فَإنَّ في هَذا عِبْرَةٌ كَمَا فيهِ مِنَّةٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الْخَلْقَ ـ وَهُوَ الْإِيجَادُ، نِعْمَةٌ لِشَرَفِ الْوُجُودِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، وَالتَّوَفِّي أَيْضًا فِيهِ نِعَمٌ عَلَى الْمُتَوَفِّي لِأَنَّهُ بِهِ يَتَخلَّصُ المَخْلُوقُ مِنْ آلَامُ الْهَرَمِ، وَبمَوٍتِهِ نِعَمٌ عَلَى نَوْعِهِ أَيْضًا إِذْ بِهِ يَنْتَظِمُ حَالُ أَفْرَادِ النَّوْعِ الْبَاقِينَ بَعْدَ ذَهَابِ مَنْ قَبْلَهُمْ، هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ الْغَالِبِ فَرْدًا وَنَوْعًا، وَاللهُ يَخُصُّ بِنِعْمَتِهِ وَبِمِقْدَارِهَا مَنْ يَشَاءُ. وَلَمَّا قُوبِلَ "ثُمَّ تَوَفَّاكمْ" بِـ: "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى: ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ فِي إِبَّانِ الْوَفَاةِ، وَهُوَ السِّنُّ الْمُعْتَادَةُ الْغَالِبَةُ لِأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ نَادِرٌ.
قولُهُ تَعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} الوَاوُ: للاستِئنافِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ. و "خَلَقَكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "اللهُ" تعالى، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "ثُمَّ" حرفُ عَطْفٍ وترتيب، و "يَتَوَفَّاكُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ المُقدَّرِ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظُهورِهِ عَلَى الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "اللهُ" تعالى، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "خَلَقَكُمْ".
قولُهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} الوَاوُ: للعطفِ، و "مِنْكُمْ" من: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المذكَّرِ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَفْعِ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، و "يُرَدُّ" فعلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعِلِهِ ضَميرٌ مُستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مِنْ"، والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "مَنْ" و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُرَدُّ"، وَ "أَرْذَلِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجَرِّ، وهو مُضافٌ. وَ "الْعُمُرِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجملةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذوفَةٍ، والتقديرُ: فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْقَى عَلَى قَوَّةِ جَسَدِهِ وَعَقْلِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ .. .
قولُهُ: {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} لِكَيْ: اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ وتَعْليلٍ، و "كي" حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَرِيٌّ، و "لَا" نافِيَةٌ. و "يَعْلَمَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "كي"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازً تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "مَنْ"، و "بَعْدَ" منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ الزمانيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَعْلَمَ"، مُضافٌ. و "عِلْمٍ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "شَيْئًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ بـ "يَعْلَمَ"، أَوْ بالمَصْدَرِ عَلَى سَبِيلِ التَنَازُعِ، وجَازَ التَنَازُعُ فيهِ لأنَّهٌ تَقَدَمَهُ عامِلانِ "يَعْلَمَ" و "عِلْمٍ". فَعَلَى رَأْيِ البَصْرِيِّين ـ وَهُوَ المُخْتَارُ، يَكُونُ مَنْصُوبًا بِـ "عِلْمٍ"، وَعَلَى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ يَكونُ مَنْصُوبًا بـ "يَعْلَمَ". وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ إِذْ لَوْ كانَ الأمرُ كَذلكَ لأَضْمَرَ فِي الثاني، فَكانَ يُقالُ: لِكَيْلا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ إِيَّاهُ شَيْئًا. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعَ "كي" المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ باللامِ، تَقْديرُهُ: لِعَدَمِ عِلْمِهِ شَيْئًا، وهذا الجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُرَدُّ". وقالَ الحُوفِيُّ: إِنَّها لامُ "كَيْ"، وَ "كي" للتَأْكِيدِ. وفي قولِهِ هذا نَظَرٌ؛ لأَنَّ اللامَ للتَعْليلِ وَ "كي" مصدريةٌ لا إِشْعارَ لَهَا بالتَعْليلِ والحَالَةُ هَذِهِ، وأَيْضًا فإنَّ عِلْمَها مُخْتَلِفٌ. وقيلَ: إِنَّهَا لامُ الصَّيْرورَةِ، كما تقدَّمَ.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. وَلفظُ الجلالةِ "اللهَ" اسْمُها منصوبٌ بِها، وَ "عَلِيمٌ" خَبَرُها مرفوعٌ بها. و "قَدِيرٌ" خَبَرٌ ثانٍ لها. والجُملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ مَا قَبْلَهَا لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.