وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ
(20)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أيْ: والآلهةُ التي يدعوها الكفارُ مِنْ دونِ اللهِ تَعَالى. وَهَذَا تَحْقيقٌ لكوْنِ الأَصْنَامِ التي يَعْبُدونَها منْ دونِ اللهِ، بِمَعْزِلٍ مِنِ اسْتِحْقاقِ العِبَادَةِ، وتَوْضِيحٌ لهَذِهِ الحقيقةِ بِحَيْثُ لا يَبْقَى شَائِبَةٌ ولا رَيْبٌ، وذَلِكَ بِتعْدادِ أَوْصافِها، وبَيَانِ أَحْوالِها المُنَافِيَةِ لِذَلِكَ، مُنَافاةً ظاهِرَةً، للتَنْبِيهِ عَلَى كَمَالِ حَمَاقَةِ عَبَدَتِها، وأَنَّهم لا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إِلَّا بالتَصْريحِ، وَإِنْ كانَتْ تِلْكَ الأَحْوالُ غَنِيَّةً عَنِ البَيَانِ لِكِلِّ ذِي عَقْلٍ سَليمٍ، وَفَهْمٍ صَحيحٍ. والْخِطَابَ هُنَا مُتَمَحِّضٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَهُمْ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ فِي الضَّمَائِرِ السَّابِقَةِ مِنَ الآياتِ التي قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ.
قولُهُ: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ التَّصْرِيحُ بِمَا اسْتُفِيدَ ضِمْنًا مِمَّا قَبْلَهَا وَهُوَ نَفْيُ الْخَالِقِيَّةِ عَنِ الْأَصْنَامِ، وَكذلك نَفْيُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ. وَقَدِ اسْتُفِيدَ هَذَا الْخَبَرُ " لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا"، مِنْ جُمْلَةِ قوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الآيَةِ: 17، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبارَكَةِ: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ}. ثُمَّ عَطْفَ عليها جُمْلَةَ "وَهُمْ يُخْلَقُونَ ارْتِقَاءً فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّتِهَا. وَأُسْنِدَ فعْلُ الخلقِ إِلَى نَائِبِ الفاعِلِ لِظُهُورِ الْفَاعِلِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ للهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ مِنَ الْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَلَا يُخْرِجُهَا نَحْتُ الْبَشَرِ إِيَّاهَا وإِبرازُهم لها عَلَى صُوَرٍ وَأَشْكَالٍ مُختلفةٍ عَنْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْلُوقًا للهِ تَعَالَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خليلِهِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} الآية: 96، مِنِ سُورَةِ الصَّافات.
قولُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} الوَاوُ: للاستِئنافِ. و "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ مَبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ. و "يَدْعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفْعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ الموْصولِ فَلا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الإِعْرابِ، العائدُ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: والذينَ يَدْعوُنَهُمْ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ فاعِلِ "يَدْعُونَ"؛ أَيْ: حالَةَ كَوْنِهِمْ مُتَجاوِزينَ اللهَ في دُعائهمْ إِلَى الأَصْنَامِ. و "دُونِ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ. ولَفْظُ الجَلالَةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ.
قولُهُ: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} لَا: نافيةٌ لا عَمَلَ لها. و "يَخْلُقُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفْعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وَ "شَيْئًا" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ في محلِّ الرَّفعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنَ المبتدأِ وخبرِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} الواوُ: حاليَّةٌ، و "هم" ضَميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، وَ {يُخْلَقُونَ} فِعْلٌ مُضارعٌ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفْعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ نائبًا عَنْ فاعِلِهِ، والجُمْلَةُ خَبَرُ المُبْتدَأِ. والجملةُ الاسْميَّةُ هذهِ في محلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنَ "الذينَ".
قَرَأَ الْعَامَّةِ: {تَدْعُونَ} بِالتَّاءِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ خِطَابٌ. ورَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَهُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ أَنَّهم قرؤوا: "يَدْعُونَ" بِالْيَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ. وقُرِئَ أَيضًا "يُدْعَوْن" مَبْنِيًّا للمجْهول.