وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
(97)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} هوَ كَقَوْلِهِ تعالى منْ سُورةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون} الآية: 33، وقولِهِ مِنْ سورةِ هُود: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الآية: 12. وهِيَ تَسْلِيَةٌ أُخْرَى لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتأْنيسٌ لَهُ: فَلَا يَضِيقُ صَدْرُكَ يا رَسُولَ اللهِ بِمُقْتَضَى الجِبِلَّةِ البَشَرِيَّةِ والمِزاجِ الإِنْسَانِيِّ، لِمَا يَسْتَهْزِؤونَ، ومَا يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ مِنْ كَذِبٍ وافْتِراءٍ وَبُهْتَانٍ عَظِيمٍ مُتَضَمِّنٍ الطَّعْنَ عَلَيْكَ بالسِّحْرِ والكَذِبِ والكَهانَةِ وَالجُنَونِ. وإِنَّما يَكُونُ ضِيقُ صَدْرِ الإنْسانِ وانْقِباضُهُ مِنِ امْتِلائِهِ غَيْظًا بِما يَكْرَهُ. وَهوَ مَجَازٌ عَنْ كَدَرِ النَّفْسِ. وَلَيْسَ الْنَّبِيُّ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهُ وسَلامُهُ، مِمَّنْ يُدَاخِلُهُ الشَّكُّ فِي خَبَرِ اللهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ بِـ "لقد" كِنَايَةٌ عَنْ الِاهْتِمَامِ بِالْمُخْبَرِ، وَأَنَّهُ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ مِنْ رَبِّهِ ـ سُبْحانَهُ، فَالْآيَةُ إِذًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى آيَةِ: {إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} الآيةَ: 95، مِنْ هَذِهِ السُورَةِ الْمباركَةِ، أَوْ حَالٌ مِنْهَا.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} الواوُ: اسْتِئنافيَّةٌ. واللامُ: هي المُوَطِّئَةُ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ. وَ "قَدْ" حَرْفٌ للتَحْقيقِ، وَإِنَّ كلامَ اللهِ تَعَالَى مُحَقَّقٌ كُلُّهُ. وَ "نَعْلَمُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحن) يَعُودُ عَلَى اللهِ تعَالَى، والجُمْلَةُ جَوابُ القَسَمِ المَحْذوفِ. و "أَنَّكَ" حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتوكيدِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "يَضِيقُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "صَدْرُكَ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضَافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ، في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضَافَةِ إلَيْهِ. والجملَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ على أَنَّها خَبَرُ "أَنَّ". وَجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "عَلِمَ". و "بِمَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَضِيقُ"، و "ما" موصولةٌ مبنيَّةٌ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفةٌ. و "يَقُولُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ، وواوُ الجَماعةِ، ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. والجُمْلةُ صِلَةٌ لِـ "ما" الموصولةِ فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ الجَرِّ إِنْ كانتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، والعائدُ أَوِ الرَّابِطُ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: بِمَا يَقُولُونَهُ.