الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 68
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)
قولُهُ ـ تَعَالى جَدُّهُ: {قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} أَي: إِنَّ هؤلاءِ الذينَ جِئْتُم تُريدونَ الإساءةَ إِلَيْهِمْ بفعلِ الفاحَشَةِ بهم هُمْ ضَيْفِي، وَحُقَّ عَلَى الرَّجُلِ إِكْرامُ ضَيْفِهِ، لا إِهانتُهُ. و "ضيفي" يعني ضُيوفي، و "الضيفُ" مصدرٌ وُصِفَ بِهِ، فهو يَقَعُ للواحدِ والجمْعِ، والمذكَّرِ والمؤنَّثِ، ويَبْدوا أَنَّ إِكرامَ الضَّيفَ كانَ منَ الأخلاقِ الحميدةِ قبلَ الإسلامِ، والتي جاءُ نبيُّنا ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، مُكَرِّسًا لها ومتمِّمًا، لما جاءَ فِي الْحَدِيثِ الشريفِ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ)) أو ((حَسَنَ الأخلاقِ))، أو ((صالِحَ الأخلاق)) أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ في مُسندِهِ: (2/381، برقم: 8939)، وَالحاكِمُ في مُسْتَدْركِهِ: (2/670، برقم: 4221) وقال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ: (10/191، برقم: 20571)، الدَّيْلَمِيُّ: (2/12، برقم: 2098)، وابْنُ سَعْدٍ: (1/192)، والخرائطيُّ، مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ومِنْ هَذِهِ الأَخَلاقِ الحَسَنةِ التي بُعِثَ ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، لإتمامِها إكرامُ الضَّيفِ، فقدَ أَخْرَجَ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ: (4/31، برقم: 16417)، البُخَارِيُّ في الرِّقاقِ، بابِ حِفْظِ اللِّسانِ: (11/308)، ومُسْلِمٌ في الإيمانِ، بابِ الحَثِّ عَلَى إِكْرامِ الجارِ: (1/68 ـ بِرَقم: 47) والبَغَوِيُّ في شَرْحِ السُّنَّةِ: (14/312)، وَغَيْرُهمْ كَثيرٌ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ}. وللحديثِ رِواياتٌ أُخْرَى عَنْ أَبى هُرَيرَةَ، وعبدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، وأُمِّ المؤمنينَ السيِّدةِ عائشةَ، وفاطمَةِ الزَّهْراءِ، وعبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، وعبد اللهِ ابْنِ مَسْعودٍ، وعبدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما وعنهم أَجْمَعينِ).
قولُهُ: {فَلَا تَفْضَحُونِ} فإنَّ مَنْ أُسِيءَ إِلَى ضَيْفِهِ فَقَدْ أُسِيءَ إِلَيْهِ، والْفَضْحُ وَالْفَضِيحَةُ: شُهْرَةُ حَالٍ شَنِيعَةٍ. وَكَانُوا يَتَعَيَّرُونَ بِإِهَانَةِ الضَّيْفِ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مَذَلَّةً للضيفِ ومسبَّةٌ لِمُضِيفِهِ.
قولُهُ تعالى: {قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} قَالَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى لُوطٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، و "إِنَّ" حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مشبَّهٌ بالفِعْلِ، و "هَؤُلَاءِ" الهاءُ: للتنبيهِ، و "أُلَاءِ" اسْمُ إِشارةِ مَبْنيٌّ على الكَسْرِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمًا لـ "إِنَّ"، و "ضَيْفِي" خبَرُ "إِنَّ" مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المقدَّرةُ على آخِرِهِ، لثِقَلِها على الياءِ، وجُمْلَةُ "إِنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قَالَ".
قولُهُ: {فَلَا تَفْضَحُونِ} الفاءُ: هي حَرْفٌ للعَطْفِ والتَفريعِ، و "لا" هي الناهيَةُ الجازِمَةُ، "تَفْضَحُونِ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجزومٌ بِـ "لا" الناهيَةِ، وعلامةُ جَزْمِهِ حذفُ النُّونِ منْ آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ: واوُ الجَمَاعةِ، ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ، مَبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والنُّونُ: هي نونُ الوِقايةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةُ (بحسَبِ قِراءَةِ الجُمْهورِ) اجْتِزاءً عَنْها بِكَسْرَةِ النُّونِ، ضميرٌ متَّصلٌ بِه في محلِّ النصْبِ على المفعوليَّةِ، والجُملة الفِعْليَّةُ هذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا على جملةِ "إِنَّ".