الموسوعة القرآنية فَيْضُ العَليمِ ... سورة الحِجر، الآية: 44
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} سَبعةُ أبوابٍ: أَيْ: سبْعُ طَبَقَاتٍ يَنْزِلُونَها بِحَسَبِ مَرَاتِبِهمْ فِي الغِوَايَةِ والمُتَابَعَةِ، والظَّاهِرُ أَنَّ جَهَنَّمَ هِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ. وَقِيلَ: أَبْوَابُ النَّارِ أَطْبَاقُهَا وَأَدْرَاكُهَا، فَأَعْلَاهَا لِلْمُوَحِّدِينَ، وَالثَّانِي لِلْيَهُودِ، وَالثَّالِثُ لِلنَّصَارَى، وَالرَّابِعُ للصائبين، وَالْخَامِسُ لِلْمَجُوسِ، وَالسَّادِسُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالسَّابِعُ لِلْمُنَافِقِينَ. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ، وأَخْرَجَ أَحْمَدُ في (الزُّهْدِ) مِنْ مُسْنَدِهِ، والبَيْهَقِيُّ فِي (البَعث والنُّشور). وغَيْرُهُما مِنْ طُرُقٍ عَنْ أميرِ المؤمنينَ عَلِيٍّ ـ كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، أَنَّهُ قَالَ: (أَبْوابُ جَهَنَّمَ سَبْعَة، بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ فيُمْلَأُ الأَوَّلُ ثُمَّ الثاني ثُمَّ الثالثُ حَتَّى تُمْلَأَ كُلُّها). وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُما، أَنَّها جَهَنَّمُ، والسَّعيرُ، ولَظَى، والحُطَمَةُ، وسَقَر، والجَحيم، والهاوِيَةُ، وَهِيَ أَسْفَلُها، وجاءَ في تَرْتِيبِها عَنِ الأَعْمَشِ، وابْنِ جُرَيْجٍ، وغَيْرِهِما غيرُ ذَلِكَ، وذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ في كِتَابِ الإِعْلامِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الرَّقائقِ أَسْمَاءَ هَذِهِ الأَبْوابِ، وَلَمْ تَرِدْ فِي أَثَرٍ صَحِيحٍ، وظَاهِرُ القُرْآنِ والحَديثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْها مَا هوَ مِنْ أَوْصافِ النَّارِ، نَحْوَ السَّعِير، والجَحيم، والحُطَمَة، والهاوِيَة، ومِنْها مَا هوَ عَلَمٌ للنَّارِ كُلِّهَا نحو: جَهَنَّم، وسَقَر، ولَظَى. وأَقْرَبُ الآثارِ إِلَى الصِّحَّةِ هو مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لِكَثْرَةِ مُخَرِّجِيهِ، والمُرادُ أَنَّ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوابٍ يَدْخُلُونَها لِكَثْرَتِهمْ والإِسْراعِ بِتَعْذِيبِهم. وقالَ بَعْضُهم: جَهَنَّمُ اسْمٌ عامٌّ يَقَعُ عَلى الأَدْراكِ كُلِّها، والأَوَّلُ أَصَحُّ، إِنَّ جَهَنَّمَ اسْمٌ لا يَقَعُ عَلَى الأَدْراكِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وقِيلَ: أَبْوابُ النَّارِ أَطْبَاقُها وأَدْراكُها، فأَعْلاها للمُوحِّدينَ، والثاني لليَهودِ، والثالثُ للنَّصَارَى، والرابعُ للصَّابئينَ، والخامسُ للمَجُوسِ، والسَّادِسُ للمُشْرِكينَ، والسَّابِعُ للمُنَافِقينَ. وَقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ" أَي: أَطْبَاقٌ، أَوَّلُها جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعيرُ، ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ الجَحيمُ، ثُمَّ الهاوِيَةُ، والجَحيمُ: فيها أَبو جَهْلٍ. قالَ الرَّبيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَمَّا الهاوِيَةُ فَلا يَخْرُجُ مِنْها شِيْءٌ دَخَلَها أَبَدًا، إِنَّما تَهْوي بِهِ أَبَدًا، هِيَ دَارُ آلِ فِرْعَوْنَ، والكُفَّارِ، وكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
قوْلُهُ: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} أَيْ: لِكُلِّ مَنْزِلٍ صَنْفٌ مِمَّنْ يُعَذَّبُ مِنَ الكُفَّارِ، عَلَى قَدْرِ مَنْزِلَتِهِ مِنَ الذَنْبِ، نَصيبٌ مَعْروفٌ، "جُزْء مَّقْسُومٌ" حِزْبٌ مُعَيَّنٌ مُفْرَزٌ مِنْ غَيْرِهِ حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ اسْتِعْدادُهُ، فَأَعْلاها للمُوَحِّدينَ، والثانِيَةُ لليَهُودِ، والثالثَةُ للنَّصَارَى، والرَّابِعَةُ للصَّابِئِينَ، والخَامِسَةُ للمَجُوسِ، والسَّادِسَةُ للمُشْرِكِينَ، والسَّابِعَةُ للمُنَافِقِينَ. قَالَ تَعَالَى في سُورَة النِّسَاءِ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} الآية: 145. أَسْفَلُها: هَاوِيَةٌ وَهِيَ لآلِ فِرْعَوْنَ، ولأَصْحابِ المائدَةِ الذينَ كَفَرُوا بِعِيسى، وللمُنَافِقِينَ، والزَنادِقَةِ، والثانيَةُ: لَظَى وهِيَ مِنْزِلَةُ المَجُوسِ، والثَنَوِيَّةُ الذينَ قالُوا بِإِلَهَيْنِ. والثالثةُ: سَقَر، وهيَ مَنْزِلَةُ المُشْرِكِينَ، وعَبَدَةِ الأَوْثانِ. والرابعة: الجَحيم، وهيَ مَنْزِلَةُ اليَهُودِ الذينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، وَقَتَلُوا أَنْبِياءَ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. والخَامِسَةُ: الحُطَمَةُ وَهِيَ مَنْزِلَةُ النَّصَارَى الذينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقالُوا قَوْلًا عَظِيمًا. والسّادِسَةُ: السَّعِيرُ، وهِيَ مَنْزِلَةُ الصَّابِئِينَ، ومِنْ أَعْرَضَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وخَرَجَ مِنْهُ. والسابعة: جَهَنَّمُ، وهِيَ أَعْلَى المَنَازِلِ، وَعَلَيْها مَمَرُّ الخَلْقِ كُلِّهم، وهِيَ مَنْزِلُ أَهْلِ الكَبَائرِ مِنَ المُسْلِمينَ. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، في رِوَايَةِ أَبي صَالِحٍ، البابُ الأَوَّلُ، جَهَنَّمُ، والثاني السَّعيرُ، والثالث سَقَر، والرابعُ الجَحيم، والخامِسُ لَظَى، والسادسُ الحُطَمَةُ، والسَّابِعُ الهاوِيَةُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما: إِنَّ جَهَنَّمَ لِمَنِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، ولَظَى لِعَبَدَةِ النَّارِ، والحُطَمَةُ لِعَبَدَةِ الأَصْنَامِ، وسَقَرُ لليَهُودِ، والسَّعيرُ للنَصارى، والجَحيمُ للصّابِئِينَ، والهاوِيَةُ للمُوَحِّدِينَ، ولَعَلَّ حَصْرَهَا في السَّبْعِ لانْحِصارِ المُهْلِكاتِ فِي المَحْسوساتِ بالحَواسِّ الخَمْسِ ومُقْتَضَياتِ القُوَّةِ الشَهَوِيَّةِ والغَضَبِيَّةِ. ولَعَلَّ تَخْصيصَ العَدَدِ بالسَّبْعَةِ، لانْحِصارِ مَجامِعِ المُهْلِكاتِ فِي الرُّكونِ إِلَى المَحْسُوساتِ، ومُتَابَعَةِ القُوَّةِ الشَهَوِيَةِ والغَضَبِيَّةِ. فالقُوَّةُ الشَهَوِيَّةُ مَحَلُّها سِتٌّ، وهِيَ: السَّمْعُ، والبَصَرُ، والشَمُّ، واللِّسَانُ، والبَطْنُ، والفَرْجُ. والقُوَّةُ الغَضَبِيَّةُ فِي البَطْشِ باليَدِ والرِّجْلِ، فالمَعَاصِي المُهْلِكاتُ جُلُّها مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ، ومَلِكُها القَلْبُ، إِذا صَلُحَ صَلُحَتْ، وإِذا فَسَدَ فَسَدَتْ. كَمَا في الحَديثِ. وقالَ القاضي البَيْضاوي: أَوْ لأَنَّ أَهْلَها فِرَقُ سَبْعٌ. يَعْنِي: الفِرَقَ التي تَقَدَّمَتْ للطَبَقاتِ، قالَ تَعَالى: "لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ" أَيْ: مِنَ الأَتْباعِ "جُزْءٌ مَقْسُومٌ" أُفْرِدَ لَهُ، لا يَدْخُلَ إِلَّا مِنْهُ، ولا يَسْكُنُ إِلَّا في طَبَقَتِهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ أَهْلُ كُلُّ طَبَقَةٍ، مِنْ عُصَاةِ المُوَحِّدينَ إِلَى المُنَافِقينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْبَعْث والنُّشُور) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فَالْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَالنَّاسُ كَلَمْعِ الْبَرْقِ، وَكَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَأَجَاوِدِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالرِّكَابِ، وَشَدًّا عَلَى الْأَقْدَامِ، فَنَاجٍ مُسْلِمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَطْرُوحٌ فِيهَا، وَلَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)). و "لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم". البَعْثُ والنُّشُورُ للبَيْهَقِيُّ: (ص: 267) وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: "لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُم جُزْءٌ مَقْسُومٌ" قَالَ: ((إِنَّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِلَى حِقْوَيْهِ وَإِلَى تَرْقُوَتِه)) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ: (5/10، 254). ومُسْلِمٌ فِي (الجَنَّةِ) حَديث (32، 33)، ومُسْنَدُ الشامِيِّينَ للطَبَراني: (7/233، برقم: 6970)، والحاكِمُ (4/629، برقم: 8740) وقالَ: صَحيحُ الإسْنادِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: (عَلى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ سُرادِقٍ مِنْ نَارٍ، فِي كُلِّ سُرادِقٍ سَبْعُونَ أَلْفَ قبَّةٍ مِنْ نَارٍ، فِي كُلِّ قُبَّةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ تَنَّورٍ مِنْ نَارٍ، لِكُلِّ تَنُّورٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ كُوَّةٍ مِنْ نَارٍ، فِي كُلِّ كُوَّةٍ سَبْعُونَ أَلْف صَخْرَةٍ مِنْ نَارٍ، عَلَى كُلِّ صَخْرَةٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف حِجْرٍ مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ حِجْرٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ عَقْرَبٍ مِنَ النَّارِ، لَكُلِّ عَقْرَبٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ ذَنَبٍ مِنْ نَارٍ، لِكُلِّ ذَنَبٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ فقارَةٍ مِنْ نَارٍ، فِي كل فقارة مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف قِلَّةٍ مِنْ سُمٍّ، وَسَبْعُونَ أَلْفَ مَوْقِدٍ مِنْ نَارٍ، يُوقِدون تِلْكَ النَّار. وَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَجَدُوا عَلَى الْبَابِ أَرْبَعمِئَةِ أَلْفٍ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ، سُودٌ وُجُوهُهم، كالِحَةٌ أَنْيابُهم، قَدْ نَزَعَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِن قُلُوبهم، لَيْسَ فِي قَلْبٍ مِنْهُم مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الرَّحْمَة). وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ لَتُسَعَّرُ كُلَّ يَوْمٍ، وتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ أَبْوَابُهَا وَلَا تُسَعَّرُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مَسْرُوقٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا اسْتُعيذَ مِنْ جَهَنَّمَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ يزِيدَ بْنِ أَبي مَالِكٍ ـ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جَهَنَّمُ سَبْعَةُ نِيرانٍ، لَيْسَ مِنْهَا نَارٌ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى النَّارِ الَّتِي تَحْتَهَا، تَخَافُ أَنْ تَأْكُلَها. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ سَجْنًا لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا شَرُّ الأَشْرارِ، قرارُهُ نَارٌ، وسَقْفُهُ نَارٌ، وجُدْرانُهُ نَارٌ، وتَلْفَحُ فِيهِ النَّارُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، والحَكيمُ التِّرْمِذِيُّ، فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، عَنْ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: للشَّهيدِ نُورٌ وَلِمَنْ قَاتَلَ الحَرُورِيَّةَ عَشْرَةُ أَنْوارٍ، وَكَانَ يَقُولُ: لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَابٍ بَابٌ مِنْهَا للحَرُورِيَّةِ. قَالَ: وَلَقَدْ خَرَجُوا فِي زَمَانِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والخَطِيبُ البَغدْادِيُّ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُم جُزْءٌ مَقْسومٌ" قَالَ: جُزْءٌ أَشْرَكوا بِاللهِ، وجُزْءٌ شَكُّوا فِي اللهِ، وجُزْءٌ غَفَلُوا عَنِ اللهِ.
قولُهُ تَعَالَى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} لَهَا: اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، وَالهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفَ الجَرِّ. و "سَبْعَةُ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وهو مُضافٌ، و "أَبْوَابٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرٌ ثانٍ لِـ "إِنَّ". وقالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: يَجُوزُ في هَذِهِ الجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً وَهُوَ الظَاهِرُ، ويَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا ثانيًا، ولا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ "جهنَّم" لأَنَّ "إنَّ" لا تَعْمَلُ في الحالِ، وَقِياسُ مَا ذَكَرُوهُ في لَيْتَ وَكَأَنَّ ولَعَلَّ مِنْ أَخَواتِها، مِنْ عَمَلِها في الحالِ، لأَنَّها بِمَعْنَى تَمَنَّيْتُ وشَبَّهْتُ وترجَّيْتُ: أَنْ تَعْمَلَ فِيها "إنَّ" أَيْضًا؛ لأَنَّها بِمَعْنَى أَكَّدْتُ، ولِذلِكَ عَمِلَتْ عَمَلَ الفِعْلِ، وَهِيَ أَصْلُ البابِ.
قَوْلُهُ: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} لِكُلِّ" اللامُ حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، و "كلِّ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، و "بَابٍ" مَجْرورٌ بالإضافَةِ إليْهِ. و "مِنْهُمْ" مِنْ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "جُزْءٌ" لأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْها، أَوْ يتعلَّقُ بِحالٍ مِنَ الضَمِيرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمَجْرورِ الواقِعِ خَبَرًا مُقَدَّمًا أيْ قوْلِهِ: "لِكُلِّ بَابٍ"، ولا يَجُوزُ أَنْ تَكونَ حالًا مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ فِي "مَقْسُوم" لأَنَّ الصِفَةَ لا تَعْمَلُ فِيما قَبْل المَوْصوفِ. ولا يَجُوزُ أَنْ تَكونَ صِفَةً لـ "بابٍ" لأَنَّ البابَ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّر. و "جُزْءٌ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، و "مَقْسُومٌ" صِفَةُ لِـ "جُزْءٌ" مرفوعةٌ مثله، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ حَالٌ مَنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمَجْرورِ مِنْ قَوْلِهِ: "لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ"، تقديرُهُ: سَبْعَةُ أَبوابٍ كائِنَةٌ هِيَ لَهَا حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ بابٍ مِنْها لَهُ جُزْءٌ مَقْسُومٌ مِنْهم.
وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ: جَزَّ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَذَفَ الْهَمْزَةَ وَأَلْقَى حَرَكَتَهَا عَلَى الزَّايِ، ثُمَّ وَقَفَ بِالتَّشْدِيدِ نَحْوَ: هَذَا فَرْجٌ، ثُمَّ أَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ. وَاخْتُلِفَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ ابْنُ شِهَابٍ بِضَمِّ الزَّايِ، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ مِنَ النَّاسِخِ، لِأَنِّي وَجَدْتُ فِي التَّحْرِيرِ: وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ بِضَمِّهَا مَهْمُوزًا فِيهِمَا. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ دُونَ هَمْزٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ الْقَعْقَاعِ. وَأَنَّ فِرْقَةً قَرَأَتْ بِالتَّشْدِيدِ مِنْهُمُ: ابْنُ الْقَعْقَاعِ. وَفِي كِتَابِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَكِتَابِ اللَّوَامِحِ: أَنَّهُ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ، وَفِي اللَّوَامِحِ هُوَ وأَبُو جَعْفَر.