إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
(77)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، أَيْ: لَعِبْرَةً للمُصَدِّقِينَ، يُريدُ أَنَّ أَصْحابَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، اعْتَبَرُوا وَصَدَّقُوا. وَهوَ قَوْلُ مُقاتِلٍ أَيْضًا في: (1/198) مِنْ تفسيرِهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لأَنَّ المُؤْمنينَ همُ المُنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ، وهُمُ الذين يَعْرِفونَ أَنَّ مَا حاقَ بِأُولئكَ الظالمينَ مِنَ العَذابِ الذي تَرَكَ دِيَارَهم بِلاقِعَ إِنَّما حَاقَ بِهِمْ لِسُوءِ صَنِيعِهِمْ، ومعصِيَتِهم لرَبِّهم، وأَصْحابُ رَسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، هم أَوَّلُ المُؤْمنينَ. والمعنى: إِنَّ في صَنيعِنا بِقَوْمِ لُوطٍ مَا صَنَعْنَا بِهِمْ، لَعَلامَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَدَلالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى انْتِقامِنا مِنْ أَهْلِ الكُفْرِ والفَسَادِ، وإنقاذِنا للمُؤمنينَ مِنَ العَذابِ إِذَا مَا نَزَلَ بِأَهْلِ الشِرْكِ مِنْ أَقوامِهم.
أَخرجَ الطبريُّ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، في قولِهِ تَعَالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً" قَالَ: هوَ كالرَّجُلِ يَقُولُ لأَهْلِهِ: عَلامَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنكم أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ خاتَمي، أَوْ آيَةَ كَذا وكَذا. وأَخْرَجَ أَيضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، قريبًا مِنْهُ.
قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعْلِ للتوكيدِ. وَ "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ "إِنَّ" المُقَدَّمِ، و "ذَلِكَ" ذا: اسْمُ إشارةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجرِّ، واللامً: للبُعدِ، والكافُ للخِطابِ. و "لَآيَةً" اللامُ: للتوكيدِ (حَرْفُ ابْتِداءٍ)، و "آيَةً" اسْمُ "إنَّ" المُؤَخَّرِ، منصوبٌ بها. و "لِلْمُؤْمِنِينَ" اللامُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "آيَةً"، و "المؤمنينَ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المفردِ. وجُمْلَةُ "إِنَّ" هذه مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.