فيضُ العليم ... سورةُ يوسُفَ، الآية: 96
قولُهُ: {ِإنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} إنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مشبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ نَصبِ اسْمِهِ. و "لَفِي" اللامُ: هي المزحلقةُ للتوكيدِ، حرفُ ابْتِداءٍ. و "في" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بخبَرِ "إنَّ" المحذوفِ، و "ضَلالِكَ" مَجرورٌ بهِ، مضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على الفتحِ في الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. و "الْقَدِيمِ" صِفَةٌ لـِ "ضَلَالِ" مجرورةٌ مثله، وجُمْلَةُ "إنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولَ القولِ لِـ "قَالُوا" عَلَى كَوْنِها جَوابَ القَسَمِ.
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ
(96)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} أَيْ: المُبَشِّرُ عَنْ يُوسُفَ، والتَّبْشِيرُ: الْمُبَادَرَةُ بِإِبْلَاغِ الْخَبَرِ الْمُسِرِّ بِقَصْدِ إِدْخَالِ السُّرُورِ. وَالْبَشِيرُ: أَيِ الْمُبَشِّرُ، على وَزْنِ (فَعِيلٌ) بِمَعْنَى (مُفَعِّلٍ)، مِثْلَ السَّمِيعِ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزبيديِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَتَشَوَّقُ أُخْتَهُ رَيْحانةَ، وكانَ أَسَرَها الصّمَّةُ أَبو دُرَيْدِ بْنِ الصّمَّةِ:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ................. يُؤَرِّقُني وأَصْحابي هُجُوعُ
قالَ عبدُ اللهِ بْنُ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: جاءَ البَشيرُ بَيْنَ يَدَيِ العِيرِ. وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ والضَّحَّاكُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: "الْبَشِيرُ" أَيْ: البَريدُ. قالَ ابْنُ عباسٍ: حَمَلَهُ يَهوذا وخَرَجَ حافيًا حاسِرًا يَعْدو ومَعَهُ سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَكْلَها حَتَّى أَتى أَبَاهُ، وكانَتِ المَسافَةُ ثَمانينَ فَرْسَخًا. وقالَ مُجاهدٌ والسُّدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كانَ البَشيرُ يَهُوذا بْنُ يَعْقوبَ. وَأَخرَجَ ابْنُ جريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَلَمَّا أَن جَاءَ البشيرُ" قَالَ: البَشيرُ يَهوذا بْنُ يَعْقُوبَ. وَأَخرَجَ ابْنُ جريرٍ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَان ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قَالَ: البشيرُ هُوَ يَهُوذا. وقيلَ: كان البَشيرَ مالِكُ بْنَ ذعر، رُوِيَ ذَلِكَ أيضًا عَنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما لكنَّ الروايةَ الأُولى عَنْهُ أَشْهَرُ، واللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} أيْ: فألقى يَهوذا القميصَ على وجهِ أبيهِ فرجَعَ إِلى حَالَتِهِ الأُوْلى مِنَ الإبْصارِ وسَلامَةِ البَصَرِ. أَيْ: رَدَّ اللهُ إِلَيْهِ قُوَّةَ بَصَرِهِ كَرَامَةً لَهُ وَلِيُوسُفَ ـ عَلَيْهِمَا السّلامُ، وهو أَمرٌ معجِزٌ خارقٌ لِلْعَادَةِ. وَقيلَ: إَنَّ رجوعَهُ ـ عليهِ السَلامُ، بَصيرًا بإلقاءِ القميصِ عَلَى وَجْهِهِ ليسَ مِنْ بابِ خَرْقِ العادَةِ فقد انْتَعشَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، حتَّى قَوِيَ قَلْبُهُ فَوَصَلَ نُورُهُ إِلى الدِّماغ فَأَبْصَرَ، ومِنْ هَذَا البابِ اسْتِشْفاءُ العُشَّاقِ بِما يَهُبُّ عَلَيْهم مِنْ جِهَةِ أَرْضِ مَعشوقهم، قلتُ:
وإذا تهادتْ منْ حماها نَسْمَةٌ .............. أهفو فيذكو بالنسيمِ تَضَرُّمي
وقال شاعرٌ:
وَإِنِّي لَأَسْتَشْفِي بِكُلِّ غَمَامَةٍ ............. يَهُبُّ بِهَا مِنْ نَحْوِ أَرْضِكِ رِيحُ
وقالَ آخرُ:
أَلَا يَا نَسيمَ الصُّبْحِ مَالَكَ كلَّما ............. تَقَرَّبْتَ مِنَّا فاحَ نَشْرُكَ طِيبَا
كأنَّ سُلَيْمَى نُبِّئَتْ بِسِقامِنَا ................ فَأَعْطَتْكَ رَيَّاها فَجِئْتَ طَبيبَا
قالَ السُّدِّيُّ: والذي جاءَ بالقَميصِ هوَ يَهوذا، وإِنَّما جاءَ بِهِ لأَنَّهُ هُوَ الذي جاءَ بالقَميصِ الأولِ وهوَ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ كَذِبٍ، فأرادَ أَن ْيَغْسِلَ ذلِكَ بِهَذَا، فجاءَ بالقميصِ فأَلْقاهُ على وَجْهِ أَبِيهِ، فَرَجَعَ بَصيرًا. انظرْ تفسير الطَبَرِيَّ: (16/ 259). وَتفسيرَ ابْنِ أَبي حَاتِمٍ.
وقيلَ: إنَّ يَعْقوبَ ـ عَلَيْهِ السّلامُ، هو الذي أَلْقَى القَميصَ عَلى وَجْهِ نَفْسِهِ، فقد أَخَذَهُ فَشَمَّهُ ثمَّ وَضَعَهُ عَلَى بَصَرِهِ فارْتَدَّ بَصِيرًا، نَسَبوا ذَلِكَ إلى (فَرْقَد)، وهوَ الأَنْسَبُ بالأَدَبِ، والأَوَّلُ أَوْفَقُ بِقَوْلِ يوسُفَ في الآيةِ: 93: {فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبي}، والظاهِرُ أَنَّهُ أُريدَ بالوَجْهِ كُلُّ الوجْهِ، وقدْ جَرَتِ العادَةُ أَنَّ الإنسانَ إذا وَجَدَ شَيْئًا يَعْتَقِدُ فيهِ البَرَكةَ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ، وقيلَ: عَبَرَ بالوَجْهِ عَنِ العَيْنَيْنِ لأَنَّهُما فِيهِ، فعبَّرَ بالكُلِّ وأَرادَ الجُزْءَ.
وزَعَمَ بعضُهم أَنَّ في الكلامِ ما يُشْعِرُ بِأَنَّ بَصَرَهُ صارَ أَقْوَى مِمَّا كانَ عَلَيْهِ لأَنَّ (فَعيلًا) مِنْ صِيَغِ المُبالَغةِ، وتُعُقِّبَ بِأَنَّ (فعيلًا) هُنَا لَيْسَتْ للمُبالَغَةِ إِذْ مَا يَكونُ منها للمبالغةِ هُوَ المَعْدولُ عَنْ (فاعلٍ)، وأَمَّا هُنَا فهوَ اسْمُ فاعِلٍ مِنْ قولِكَ: بَصُرَ بالشَّيْءِ، فهوَ جارٍ عَلى قياسِ (فَعَلَ) نَحْوَ قولِكَ: ظَرُفَ فهُو ظَريفٌ، ولوْ كانَ بِمَعْنَى: (مُبْصِرٍ) ـ كَمَا زَعَموا، لمْ يَكُنْ للمُبَالَغَةِ أيضًا، لأنَّ صيغةَ (فعيلًا) بِمَعْنَى (مُفْعِل) لَيْسَتْ للمُبالَغَةِ نَحْوَ: (أَليم) و (سَميع).
وجاءَ في بعضِ الأَخْبَارِ أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، سَأَلَ البَشيرَ: كَيفَ يوسُفَ؟ قالَ: مَلَكَ مِصْرَ. فقالَ: مَا أَصْنَعُ بالمُلْكِ، عَلى أَيِّ دِينٍ تَرَكْتَهُ؟. قالَ: عَلَى الإِسْلامِ. قالَ: الآنَ تَمَّتِ النِّعْمَةُ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أبي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَنْ جَاءَ البَشيرُ إِلَى يَعْقُوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَألْقى عَلَيْهِ الْقَمِيصَ قَالَ: عَلى أَيِّ دِينٍ خَلَّفْتَ عَلَيْهِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: عَلَى الإِسْلامِ. قَالَ: الْآنَ تَمَّتِ النِّعْمَةُ.
قولُهُ: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} بَيَّنَ لَهُمْ مُجْمَلَ كَلَامِهِ الَّذِي أَجَابَهُمْ بِهِ حِينَ قَالُوا: {تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} الآية: 85 السابقة. أَيْ: قالَ عند ذلك لِبَنيهِ القادمينَ: إنّي أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ سَيَرُدُّهُ إِلَيَّ، وَقدْ قُلْتُ لَكم: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ}. أَوْ {لا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} وهوَ الأَنْسَبُ، فإنَّ مَدارَ النّهْيِ العِلْمُ الذي أُوتيهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنْ جِهَةِ اللهِ سُبْحانَهُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ الخِطَابُ لِمَنْ كانَ عِنْدَهُ مِنْ قَبْلُ. وأَخْرَجَ أَبو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ البَصْريِّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قالَ: لمَّا جاءَ البَشيرُ إِلَيْهِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ: مَا وَجَدْتُ عِنْدَنَا شَيْئًا، وما اخْتَبَزْنَا مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، ولكنْ هَوَّنَ اللهُ تَعالى عَلَيْكَ سَكَراتِ المَوْتِ. وَأخرج عبدُ اللهِ بْنُ أَحْمدَ بْنِ حنبلٍ فِي زَوَائِد الزُّهْدِ عَنْ لُقْمَانَ الْحَنَفِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَتَاهُ البَشيرُ قَالَ لَهُ: ما أَدْري ما أُثيبُكَ اليَوْمَ ثمَّ دَعَا لَهُ بِذَلِكَ.
قولُهُ تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} الفاء: استئنافيَّةٌ. و "لمَّا" شَرْطِيَّةٌ. و "أَنْ" زائدة هنا فلا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، وهي تُزادُ مَعَ لمَّا توكيدًا على جِهَةِ الصِلَةِ، قال أبو بكرِ بْنُ الأنباريِّ: دُخولُها لِتَوْكيدِ مُضِيِّ الفِعْلِ ولا مَوْضِعَ لَهَا، وسُقوطُها للاسْتِغْناءِ عَنْها كما في قولِهِ تعالى من سورة هود: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} الآية: 74، والمذهبان جميعًا موجودان في أشعار العرب. وقالَ البَصْرِيُّونَ: مَوْضِعُ (أَنْ) رَفْعٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَلْخيصُهُ: فلَمَّا ظَهَرَ أَنْ جاءَ البَشيرُ، أَيْ: ظَهَرَ مَجيءُ البَشيرِ، فأُضْمِرَ الرافِعُ. و "جَاءَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "الْبَشِيرُ" فاعلُهُ مرفوعٌ، والجملةُ فعلُ شَرْطِ "لمّا".
قولُهُ: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} أَلْقَاهُ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المقدَّر على الألفِ لتعذُّرِ ظهورِهِ عليها، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ عَلى "الْبَشِيرُ" وقيلَ على يَعقوبَ كما تقدَّمَ بيانُهُ في التَفسيرِ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في مَحَلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ. و "عَلَى" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِالفعلِ "أَلْقَى"، و "وَجْهِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ، والجُمْلةُ جَوابُ شرطٍ لـ "لمَّا"، وَجملةُ "لمّا" مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ:{فَارْتَدَّ بَصِيرًا} الفاءُ: للعطفِ. و "ارتدَّ" فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مِنْ أَخَواتِ (صارَ)، مبنيٌّ على الفتحِ، واسْمُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى يَعقوبَ ـ عليهِ السلامُ. و "بَصِيرًا" خَبَرُهُ منصوبٌ بهِ، والجُمْلَةُ معطوفةٌ على جُمْلَةِ "أَلْقَاهُ". وصَحَّحَ أَبو حيَّانٍ الأَندلسيُّ أَنَّها لَيْسَتْ فعلًا ناقصًا مِنْ أَخَواتِ صارَ، بلْ هو فعلٌ ماضٍ تامٌّ، وعَلَيْهِ فَـ "بصيرًا" مَنْصوبٌ عَلى الحالِ، وهوَ مِنْ بَصُرَ بالشَّيْءِ، كَ (ظَريف) مِنْ (ظَرُف). وقيلَ: هوَ مِثَالُ مُبَالَغَةٍ ك "عليم". وفيهِ دَلالةٌ على أَنَّ يعقوبَ ـ عليه السلامُ، لَمْ يَذْهَبْ بَصَرُهُ بالكُلِّيَّةِ.
قولُهُ: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} قَالَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى يَعْقوبَ ـ عليهِ السلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ. و "أَلَمْ" الهمزةُ للاسْتِفهامِ التَّقريريِّ. و "لم" حرفٌ جَازِمٌ. و "أَقُلْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجزومٌ بِـ "لم" وفاعلُهُ ضَميرٌ مُستترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنا) يعودُ عَلى يَعقوبَ ـ عليه السلامُ. و "لَكُمْ" اللامُ حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِه، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمع المذكَّرِ، والجُملةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على أنَّها مقولٌ لِـ "قَالَ".
قولُهُ: {إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تعلمونَ} إِنِّي: حرفٌ ناصِبٌ ناسخٌ مشبَّهٌ بالفعلِ، وياءُ المتكلمِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصبِ اسمُها. و "أَعْلَمُ" فعلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ منَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أنا) يَعودُ عَلى يَعْقوبَ ـ عليه السلامُ. و "مِن" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِهِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بهِ، والجملةُ الفعليَّةُ هذه في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ "إنَّ" وجملةُ "إنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لـ "أَقُلْ". و "مَا" اسمٌ موصولٌ، أو نَكِرةٌ موصوفةٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصبِ، مفعولٌ بِهِ لـ "أَعْلَمُ"، و "لا" نافيةٌ لا عملَ لها، و "تعلمونَ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخرِهِ لأنَّهُ منَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعلُهُ، والجُمَلةُ صلةٌ لِـ "مَا"، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ النَّصبِ إنْ أُعْرِبَتْ نَكِرةً مَوْصوفَةً، والعائدُ، أَوِ الرَّابِطُ مَحْذوفٌ والتَقديرُ: مَا لا تَعْلَمونَهُ.
قرأ الجمهورُ: { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ}، وقرَأَ عبدُ اللهِ بْنُ مَسْعودٍ ـ رضيَ اللهُ عنهُ: {وَجَاءَ البَشيرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ العِيرُ}، وقد عُدَّتْ هذه القراءةُ تفسيرًا.