في العليم ... سورة يوسُف ، الآية: 50
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ
(50)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} لمَّا ذكرَ الساقي للملكِ تعبيرَ رؤياهُ، وأَنَّ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمِ، هو المُعبِّرُ لها، عَرَفَ فَضْلَ وَعِلْمَهُ وَحُسْنَ اطِّلاَعِهِ عَلَى رُؤْيَاهُ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ أَخْرِجُوهُ مِنَ السِّجْنِ، وَأَحْضِرُوهُ إِليَّ، وَذَلِكَ لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَيَتَحَقَّقَ مِنْ صِدْقِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ عِلْمَهُ سَبَبًا لِخَلَاصِهِ مِنَ الْمِحْنَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ سَبَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْمِحَنِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
قولُهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} أَيْ: لَمَّا عادَ رَئيسُ السُّقاةِ إِلى المَلِكِ وَأَخْبَرَهُ بِتَأْويلِ رُؤْياهُ، سُرَّ المَلِكُ بِذَلِكَ، وعَلِمَ أَنَّهُ تَأْويلٌ مُنَاسِبٌ للرُّؤْيا فقالَ: ائْتُوني بِيُوسُفَ، فلَمَّا جاؤوا لِيُوسُفَ وطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ وقالَ لهُ السَّاقي أَجِبِ الْمَلِكَ، أَبَى حَتَّى تُعْرَفَ حقيقَةُ أَمْرِهِ، وامْتَنَعَ مِنَ الخُرُوجِ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ المَلِكُ، وَمَنْ حَوْلَهُ، مِنْ بَرَاءَتِهِ وَنَزَاهَةِ عِرْضِهِ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ امْرَأَةِ العَزِيزِ، وَتَزُولَ التُّهْمَةُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ. وَعَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَكَرَمِهِ وَصَبْرِهِ والله يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْبَقَرَاتِ الْعِجَافِ وَالسِّمَانِ وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَمَا أَخْبَرْتُهُمْ حَتَّى اشْتَرَطْتُ أَنْ يخرجوا لي وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ وَلَبِثْتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ لأَسْرَعْتُ الإجابَةَ وَبَادَرْتُهُمْ إِلَى الْبَابِ وَلَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ)). أخرجه الشيخان مِنْ حديثِ أبي هريرةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. التَوْضِيحُ لِشَرْحِ الجامِعِ الصَّحيحِ: (32/154) وانْظُرْ: 3372 ـ مُسْلِمٍ: 151 ـ فَتْحُ: (12/381). أَخرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِم وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، قَالَ: تَلا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الْآيَةَ: "فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيهنَّ" فَقَالَ: ((لَو كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الإجابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ يُوسُفَ إِنْ كَانَ لَذَا أَنَاةٍ حَلِيمًا، لَو كُنْتُ أَنَا الْمَحْبُوسَ ثُمَّ أُرْسِلَ إليَّ لَخَرَجْتُ سَرِيعًا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، مِنْ طُرِقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبْتُ لِصَبْرِ أَخِي يُوسُفَ وَكَرَمِهِ ـ وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، حَيْثُ أُرْسِلَ إِلَيْهِ لِيُسْتَفْتَى فِي الرُّؤْيَا، وَإِنْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَفْعَلْ حَتَّى أَخْرُجَ. وَعَجِبْتُ مِنْ صَبْرِهِ وَكَرَمِهِ ـ وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، أَتَى لِيَخْرُجَ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى أَخْبَرَهُم بِعُذْرِهِ، وَلَو كُنْتُ أَنَا لَبَادَرْتُ الْبَابَ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَكونَ لَهُ الْعُذْرُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَحِمَ اللهُ أَخِي يُوسُفَ، لَوْ أَنَّا أَتَانِيَ الرَّسُولُ بَعْدَ طُولِ الْحَبْسِ لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةِ حِينَ قَالَ: "ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَةِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" قَالَ: أَرَادَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الْعُذْرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ، وَمَا فَعَلَهُ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّوَقُّفِ إِلَى أَنْ تَفَحَّصَ الْمَلِكُ عَنْ حَالِهِ هُوَ اللَّائِقُ بِالْحَزْمِ وَالْعَقْلِ، فلَوْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي الْحَالِ فلرُبَّمَا كَانَ يَبْقَى فِي قَلْبِ الْمَلِكِ أَثَرٌ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ، وقد يَظَّنُّ النَّاسُ أَنَّهُ إِنَّما خَرَجَ بِعَفْوٍ خاصٍ مِنَ المَلِكِ، لكنَّهُ لَمَّا الْتَمَسَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَتَفَحَّصَ عَنْ حَالِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ، لأَلَّا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُلَطِّخَ سُمْعَتَهُ بِتِلْكَ الرَّذِيلَةِ وَأَنْ يَتَوَسَّلَ بِهَا إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ. فإنَّ الَّذِي بَقِيَ فِي السِّجْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِذَا طَلَبَهُ الْمَلِكُ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ يُبَادِرُ بالخُروجِ، لكنَّ عدَمَ خُرُجِهِ إلى أَنَّ تَظْهَرَ بَراءَتُهُ وتَنْجَلِيَ حَقيقَةُ الأَمْرِ، أَظْهَرَ كَوْنَهُ فِي مُنْتَهى الْعَقْلِ وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَذَلِكَ يَصِيرُ سَبَبًا لِأَنْ يُعْتَقَدَ فِيهِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التُّهَمِ، وَلِأَنْ يُحْكُمَ بِأَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِيهِ كَانَ كَذِبًا وَبُهْتَانًا. ثُمَّ إنَّ الْتِمَاسَهُ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَتَفَحَّصَ عَنْ حَالِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْوَةِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى شِدَّةِ طَهَارَتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ مُلَوَّثًا بِوَجْهٍ مَا، لَكَانَ خَائِفًا أَنْ يَذْكُرَ مَا سَبَقَ. والذي يَجِبُ التَنْويهُ بِهِ وَلَفْتُ النَّظَرِ إِلَيْهِ، أَنَّهُ حِينَ قَالَ لِلساقِي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (أَيْ المَلِكِ) لَمْ يُقِمْ لِطَلَبِ هذا المَلِكِ وَزْنًا حينَ طَلَبَهُ للخروجِ مِنَ السِّجْنِ ولِقائِهِ، بَلِ اشْتَغَلَ بِإِظْهَارِ بَرَاءَتِهِ مِنَ التُّهْمَةِ، وَلَعَلَّ غَرَضَهُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ الْتِفَاتٌ إِلَى رَدِّ الْمَلِكِ وَقَبُولِهِ، وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ جَارِيًا مَجْرَى التَّلَافِي لِمَا صَدَرَ مِنَ التَّوَسُّلِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ ربك}.
قولُه: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فَقَالَ يُوسُفُ لِرَسُولِ المَلِكِ: قُلْ لِلْمَلِكِ لِيَسْأَلِ النِّسْوَةَ اللاتي قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حِينَمَا كُنَّ عِنْدَ امْرَأَةِ العَزِيزِ، لِمَاذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ في أَنْفُسِهِنَّ.
قولُه: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} أَمَّا رَبِّي فَإِنَّهُ عَلِيمٌ بِكَيْدِهِنَّ وَاحْتِيَالِهِنَّ. والمَقْصُودُ بِ "ربِّي" إِمَّا يكونَ اللهُ تَعَالَى، لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِخَفِايا الْأُمُورِ. وَإِمَّا أَنْ يكونَ الْمَلِكُ، وَقد جَعَلَهُ رَبًّا لِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُرَبِّيًا لَهُ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَلِكِ عَالِمًا بِكَيْدِهِنَّ وَمَكْرِهِنَّ. وَكَيْدُهُنَّ فِي حَقِّهِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبَّمَا طَمِعَتْ فِيهِ، فَلَمَّا لَمْ تَجِدِ الْمَطْلُوبَ أَخَذَتْ تَطْعَنُ فِيهِ وَتَنْسُبُهُ إِلَى الْقَبِيحِ. وَلَعَلَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَالَغَتْ فِي تَرْغِيبِهِ فِي مُوَافَقَةِ سَيِّدَتِهِ عَلَى مُرَادِهَا، وَيُوسُفُ عَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ الْمُنْعِمِ لَا تَجُوزُ، فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: "إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ" إِلَى مُبَالَغَتِهِنَّ فِي التَّرْغِيبِ فِي تِلْكَ الْخِيَانَةِ.
وفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعٌ مِنَ اللَّطَائِفِ: مِنْهَا: أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: فَسَلِ المَلِكَ أَنْ يَسْأَلَ مَا شَأْنُ تِلْكَ النِّسْوَةِ وَمَا حَالُهُنَّ لِيَعْلَمَ بَرَاءَتِي عَنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ، إِلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ الْمَلِكَ عَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِئَلَّا يَشْتَمِلَ اللَّفْظُ عَلَى مَا يَجْرِي مَجْرَى أَمْرِ الْمَلِكِ بِعَمَلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَيِّدَتَهُ مَعَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي سَعَتْ فِي إِلْقَائِهِ فِي السِّجْنِ الطَّوِيلِ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ سَائِرِ النِّسْوَةِ. وَالظاهرُ أَنَّ أُولئكَ النِّسْوَةَ نسبته إِلَى عَمَلٍ قَبِيحٍ وَفِعْلٍ شَنِيعٍ عِنْدَ الْمَلِكِ، فَاقْتَصَرَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِ: مَا بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَمَا شَكَا مِنْهُنَّ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ وَالتَّفْصِيلِ. وَمِنْها: أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ مِنْهُنَّ وُجُوهًا مِنَ الْمَكْرِ وَالْحِيَلَ فِي تَقْبِيحِ صُورَةِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ الْمَلِكِ فَكَانَ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} الوَاوُ: اسْتِئنافيَّةٌ، و "قَالَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، و "الْمَلِكُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجملةُ معطوفةٌ على مَحذوفٍ تَقديرُهُ: فَلَمَّا رَجَعَ السَّاقي إِلَى المَلِكِ، وأَخْبَرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ يُوسُفُ، اسْتَحْسَنَهُ المَلِكُ، وقالَ: ائْتُوني بِهِ، كَمَا مَرَّ في التَّفْسيرِ. و "ائْتُونِي" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّ مُضارِعَهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ رَفْعِ فاعِلِه، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضَميرٌ متَّصلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعولِهِ، والنونُ للوقايةِ. و "بِهِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِ "قَالَ".
قولُهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} فَلَمَّا، الفاءُ: عاطفَةٌ. "لَمَّا" حَرْفُ شَرْطٍ غَيْرُ جازِمٍ. و "جَاءَهُ" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعُولِهِ، و "الرَّسُولُ" فاعِلٌ، والجُمْلَةُ فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "لَمَّا".
قولُهُ: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} قَالَ: فعلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا يَعودُ عَلى يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، والجُمْلَةُ جَوابُ "لَمَّا"، وجُمْلَةُ "لَمَّا" مَعْطوفَةٌ عَلى مَحْذوفٍ، والتَقديرُ: فَرَجَعَ الرَّسولُ إِلَى يُوسُفَ مِنْ عِنْدِ المَلِكِ لِيُخْرِجَهُ مِنَ السِّجْنِ، فلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ، قالَ يُوسُفُ: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ. و "ارْجِعْ" فعلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه وُجوبًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلَى رَسُولِ المَلِكِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِ "قَالَ". و "إِلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "رَبِّكَ" مجرورٌ بحرف الجَرِّ مضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ.
قولُهُ: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} الفاءُ: عاطِفَةٌ. و "اسْأَلْهُ" فعل أَمْرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مستتِرٌ فيه وُجوبًا تقديرُهُ "أنت" يعودُ على رسولِ الملكِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصبِ مفعولِهِ الأوَّل، والجُمْلَةُ في مَحْلِّ النَّصْبِ عطفًا على جُمْلَةِ "ارْجِعْ". و "مَا" اسْمُ اسْتِفْهامٍ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. و "بَالُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ وهو مُضافٌ، و "النِّسْوَةِ" مُضَافٍ إِلَيْهِ مجرورٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ سادَّةً مَسَدَّ المَفعولِ الثاني لِـ "اسْأَلْهُ".
قولُهُ: {اللَّاتِي قطَّعْنَ أيديَهُنَّ} اسمٌ موصولٌ لِجَمَاعَةِ النِّساءِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ صِفَةً لـِ "النِّسْوَةِ". و "قَطَّعْنَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضميرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ نُونُ النِّسْوَةِ، ونُونُ النِّسْوَةِ ضَميرٌ مُتَّصلٌ بِهِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، و "أَيْدِيَهُنَّ" مَفْعولٌ به منصوبٌ وهو مضافٌ، وضميرُ الغائباتِ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصولِ.
قولُهُ: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، و "رَبِّي" اسْمُهُ منصوبٌ به وعلامَةُ النَّصْبِ الفَتْحَةُ المُقَدَّرَةُ عَلى ما قبلِ ياءِ المتكلِّم لانشغالِ المحلِّ بالحركة المناسبةِ للياءِ. و "ربِّ" مضافٌ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. و "بِكَيْدِهِنَّ" الباءُ حرفُ جَرٍّ متعلق بـ "عَلِيمٌ" و "كيدِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ، و "هِنَّ" ضميرُ جماعةِ النساء الغائباتِ في محلِّ جرٍّ بالإِضافةِ إلَيْهِ. و "عَلِيمٌ" خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ، وجُمْلَةُ "إنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولُ "قَالَ" عَلى كونِها مَسُوقَةً لِتَعْلَيل ما قبلها.
قرأَ العامَّةُ: {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتي} بَكَسْرِ نُونِ "النِّسْوَةِ"، وقرأَ عَاصِمٌ ب ضَمِّها في روايةِ أَبي بَكْرٍ عَنْهُ، ولَيْسَتْ هذه القراءةُ بالمَشْهورَةِ، وقرأها كذلِكَ أَبو حَيَوَةَ. وقُرِئَ "ما بالُ النِّسوةِ اللائي" وكِلاهُما جَمْعٌ لِ "التي".