َفيض العليم .... سورة يوسف، الآية: 6
كَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: "وَكَذلِكَ" إِلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا مِنَ الْعِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ، أَيْ: كَمَا اخْتَاركَ ربُّكَ لِهَذِهِ الرُّؤْيا الدَّالَّةِ عَلى شرفِكَ وعِزِّكَ وعُلُوِّ شَأْنِكَ، وَأَرَاكَ هذِهِ الكَواكِبَ سَاجِدَةً مَعَ الشَّمْسِ والقَمَرِ يَخْتَارُكَ ـ سُبْحانَهُ، بالنُّبُوَّةِ بالرِّسالَةِ، ويَصْطَفيكَ بالمُلْكِ. والِاجْتِبَاءُ مُشْتَقٌّ مِنْ جَبَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا خَلَّصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَمِنْهُ جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، إذا جعلتُهُ فيه. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الِاجْتِبَاءِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ بِالنُّبُوَّةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ مِنْهُ إِعْلَاءُ الدَّرَجَةِ وَتَعْظِيمُ الْمَرْتَبَةِ.
قولُهُ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} يَعْنِي يُعَلِّمُكَ تَأْوِيلَ أَحَادِيثِ النَّاسِ فِيمَا يَرَوْنَهُ فِي مَنَامِهِمْ. أيْ: يعلِّمُكَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا، وسَمِّيَ تَأْوِيلًا لأنَّ أَمْرَ الرائي يَؤولُ إِلَى مَا رَآهُ فِي مَنَامِهِ، قَالُوا: إِنَّ يوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ غَايَةً. فقد أَخرجَ ابْنُ جَريرٍ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" قَالَ: تَأْوِيلِ الْعِلْمِ والحِلْمِ، قَالَ: وَكَانَ يَوْمئِذٍ أَعْبَرَ النَّاسِ. وَيجوزُ أنْ يكونَ المُرادُ تَأْوِيلَ الْأَحَادِيثِ فِي كُتُبِ اللهِ تَعَالَى، وَالْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا يَشْتَغِلُ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلِهِ، وَتَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والْأَحَادِيثُ جَمْعُ حَدِيثٍ، وَالْحَدِيثُ هُوَ الْحَادِثُ، وَتَأْوِيلُهَا مَآلُهَا، وَمَآلُ الْحَوَادِثِ إِلَى قُدْرَةِ الله تَعَالَى وَتَكْوِينِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَعليهِ فالْمُرَادُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ عَلَى قُدْرَةِ الله تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ.
قولُهُ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ هُوَ إِعْطَاؤُهُ أَفْضَلَ النِّعَمِ وَهِي نِعْمَةُ النُّبُوَّةِ، أَوْ هُوَ ضَمُّ الْمُلِكِ إِلَى النُّبوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ إِتْمَامُ نِعْمَةِ الِاجْتِبَاءِ الْأُخْرَوِيِّ بِنِعْمَةِ الْمَجْدِ الدُّنْيَوِيِّ، وإِتْمامُ النِّعْمَةِ ههُنَا بِسَعَادَاتِ الدُّنْيَا وَسَعَادَاتِ الْآخِرَةِ. أَمَّا سَعَادَاتُ الدُّنْيَا فَالْإِكْثَارُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْخَدَمِ وَالْأَتْبَاعِ وَالتَّوَسُّعُ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْحَشَمِ وَإِجْلَالُهُ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ وَالْحَمْدِ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ. وَأَمَّا سَعَادَاتُ الْآخِرَةِ: فَالْعُلُومُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي مَعْرِفَةِ الله تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ الِاجْتِبَاءَ بِنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، فَهَهُنَا يُفَسِّرُ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ بِالنُّبُوَّةِ وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِأَنَّ إِتْمَامَ النِّعْمَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا بِهِ تَصِيرُ النِّعْمَةُ تَامَّةً كَامِلَةً خَالِيَةً عَنْ النُّقْصَانِ. وَمَا ذَاكَ فِي حَقِّ الْبَشَرِ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنَاصِبِ الْخَلْقِ دُونَ مَنْصِبِ الرِّسَالَةِ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ النُّبُوَّةِ، فَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ، وَالتَّمَامُ الْمُطْلَقُ فِي حَقِّ الْبَشَرِ لَيْسَ إِلَّا النُّبُوَّةُ.
قولُهُ: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ" قَالَ: فنِعْمَتُه على إِبْرَاهِيم أنْ نَجَّاهُ مِنَ النَّارِ، وعَلى إِسْحَقَ أَنْ نَجَّاهُ مِنَ الذَّبْحِ. ومَعْلُومٌ أَنَّ النِّعْمَةَ التَّامَّةَ الَّتِي بِهَا حَصَلَ امْتِيَازُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ عَنْ سَائِرِ الْبَشَرِ هي النُّبُوَّةُ لَيْسَ إِلَّا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ هُوَ النُّبُوَّةَ. وَإذا فَسَّرْنَا إتمامَ النِّعْمَةِ بِالنُّبُوَّةِ لَزِمَ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَوْلَادَ يَعْقُوبَ كُلَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، لِقَولِهِ ـ سبحانَهُ: "وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ: الأَمْرُ الذي يَقْتَضِي حُصُولَ تَمَامِ النِّعْمَةِ لِآلِ يَعْقُوبَ، فَإذا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ هُوَ النُّبُوَّةَ، كما قرَّرْنا آنِفًا، لَزِمَ حُصُولُهَا لِآلِ يَعْقُوبَ، يُؤيِّدُ ذلك رؤيا يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَكَانَ تَأْوِيلُهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا لَهُمْ فَضْلٌ وَكَمَالٌ وَيَسْتَضِيءُ أَهْلُ الْأَرْضِ بِعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَضْوَأُ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَبِهَا يُهْتَدَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ أَنْبِيَاءَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ وَقَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ فِي حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قُلْنَا: ذَاكَ وَقَعَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَعِنْدَنَا الْعِصْمَةُ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي وَقْتِ النُّبُوَّةِ لَا قَبْلَهَا.
قولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} عَلَيْمٌ بِمَا خَلَقَ ومِنْهم هؤلاءِ الأَنْبِياءُ الذينَ ذَكَرَهم مِنْ آلِ يَعْقوبَ، وهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، "حَكِيمٌ" فلَا يَضَعُ النُّبُوَّةَ إِلَّا فِي نَفْسٍ قُدُسِيَّةٍ وَجَوْهَرَةٍ مُشْرِقَةٍ عُلْوِيَّةٍ نقيَّةٍ، لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَهٌ عَنِ الْعَبَثِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} الواوُ: عاطفة. و "كذلك" الكافُ: حَرْفُ جَرٍّ وتَشْبيهٍ مُتَعَلِقٌ بِصِفةٍ لِمَصْدَرٍ محذوفٍ، أَوِ اسْمٌ بِمَعنى "مثل" في محلِّ نَصْبِ مَفعولٍ مُطْلَقٍ نائبٍ عَنِ المَصْدَرِ فهوَ صِفَتُهُ. أو في محلِّ نصبٍ عَلى الحالِ مِنْ ضَمير المَصْدرِ المُقَدَّرِ، أو أنَّه في محلِّ الرفعِ على خَبَرِ ابتداءٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: الأَمْرُ كَذَلِكَ. و "ذلك" اسْمُ إشارةٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالكافِ، مُتَعلِّقٌ بمَحذوفِ مَفعولٍ مُطْلَقٍ عامِلُهُ يَجْتَبيك. و (اللامُ) للبُعْدِ، و (الكافُ) للخِطابِ، و "يَجْتَبِيكَ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصب والجازم، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المقدَّرةُ على آخرِهِ، لِثِقَلِ ظُهورِها على الياءِ. وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ نصبِ مفعولٍ بهِ، و "ربُّك" فاعلٌ مرفوعٌ مضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ الجرِّ بإضافةِ "ربُّ" إليه، وهذه الجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ على جُمْلةِ النداءِ السابقِ عَلى كونِها مَقولَ "قَالَ".
قولُهُ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} وَيُعَلِّمُكَ: الواوُ استئنافيَّةٌ، و "يُعَلِّمُك" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ نصبِ مَفْعولٍ به أَوّل، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى "الله" تَعالى. والجملةُ مَسْتَأْنَفَةٌ غيرُ داخلَةٍ في حَيِّزِ التَّشْبيهِ، والتقديرُ: وَهوَ يُعَلِّمُكَ. و "مِنْ تَأْوِيلِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مضافٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ ثانٍ ل "يُعَلِّمُ" و "الأحاديثِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ وهوَ جَمْعُ تَكْسيرٍ، فقيل: لواحدٍ ملفوظٍ بِهِ وهوَ "حديث" ولكنَّهُ شَذَّ جَمْعُهُ عَلى أَحاديثَ، ولَهُ أَخَواتٌ في الشُّذوذِ، ك "أباطيل" في باطل، و "أقاطيع" في قطيع، و "أَعَاريضَ" في عَرُوضٍ. وزَعَمَ بَعضُهم أَنَّ لَها واحدًا مُقَدَّرًا وهو "أُحْدُوثَةٌ" ونحوُهُ، ولَيْسَ باسْمِ جَمْعٍ؛ لأَنَّ هذِهِ الصِيغَةَ مُخْتَصَّةٌ بالتَكْسيرِ، وإذا كانوا قدِ الْتَزَموا ذَلكَ فيما لَمْ يُصَرَّحْ لَهُ بِمُفْرَدٍ مِنْ لَفْظِهِ نحوَ: "عَباديد" و "شماطيط" و "أَبابيل" ففي "أحاديث" أَوْلى، ولهذا رُدَّ عَلَى الزَمَخْشَرِيُّ قولُهُ: وهيَ اسْمُ جَمْعٍ للحَديثِ ولَيْسَ بِجَمْعِ أُحْدوثةٍ، ولكنَّ قولَهُ "ليسَ بِجمْعِ أُحْدوثة" صَحيحٌ؛ لأَنَّ مَذْهَبَ الجُمْهورِ خِلافُهُ، عَلى أَنَّ كلامَهُ قدْ يُريدُ بِهِ غَيْرَ ظاهرِهِ مِنْ قولِهِ اسْمَ جَمْعٍ.
قولُهُ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} وَيُتِمُّ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ على اللهِ ـ سبحانَهُ وتعالى، و "نِعْمَتَهُ" مفعولٌ بهِ منصوبٌ وهو مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والجملة معطوفة على جملة "يُعَلِّمُكَ". و "عَلَيْكَ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُتِمُ" أَوْ بِـ "نِعْمَتَهُ". و "عَلَى آلِ يَعْقُوبَ" جارٌّ ومَجْرورٌ مضافٌ مَعْطوفٌ عَلى "عليك" وكَرَّرَ "على" لِيُمْكِنَ العَطْفُ عَلَى الضَّميرِ المَجرورِ كَمَا هوَ مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ.
قولُهُ: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} كَمَا: الكاف: حَرْفُ جَرٍّ وتشبيهٍ. و "ما" مَصْدَرِيَّةٌ. و "أَتَمَّهَا" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ بهِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى اللهِ تعالى. والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ مَنْ "ما" وما بعدَها في محلِّ الجرِّ بالكافِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفِ مَفعولٍ مُطْلَقٍ عامِلُهُ "يُتِمُّ" أي: يُتِمُّ نِعْمَتَهُ إِتْمامًا كإتمامِها عَلى أَبَوَيْكَ. و "عَلَى أَبَوَيْكَ" جارٌّ ومجرورٌ مضافٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جَرِّ مضافٍ إليهِ. و "مِن قَبْلُ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعلق ب "أتمَّ"، و "قبلُ" مَجْرورٌ مَقْطُوعٌ عَنِ الإضافَةِ مبنيٌّ على الضَمِّ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. "إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ" يَجوزُ أَنْ يَكونَا بَدَلًا مِنْ أَبَوَيْكَ، أوْ عَطْفَ بَيَانٍ له في محلِّ الجَرِّ، أَوْ هوَ نَصْبٌ عَلَى الاختصاص بإضمارِ "أَخُصُّ" أو "أَعْنِي"، وهذه الجملةُ الفِعْلِيَّةُ صِلَةُ "ما" المَصْدَرِيَّةِ، و "ما" مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بالكافٍ، والتقديرُ: كإتمامِها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قبلُ، والجارُّ والمَجْرورُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، والتَقديرُ: ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ إِتْمامًا مِثَلَ إِتْمامِهِ إيَّاها عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ.
قولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} إِنَّ: حرفٌ ناصبٌ ناسِخٌ جازمٌ مشبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيدِ، و "رَبَّكَ" اسْمُهُ منصوبٌ، وهوَ مُضافٌ. وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جَرِّ مضافٍ إليهِ. و "عَلِيمٌ" خَبَرُهُ الأوَّلُ مرفوعٌ. و "حَكِيمٌ" خَبَرُهُ الثاني ، وجملةُ "إنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ ما قبلَها عَلى كونِها مَقولَ "قَالَ".