قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
(10)
قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} فَقَالَ أَحَدُهُمْ، لاَ تَبْلُغُوا فِي كُرْهِكُمْ يُوسُفَ حَدَّ القَتْلِ، وَهَذَا الْقَائِلُ أَحَدُ الْإِخْوَةِ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِأَنَّهُ مِنْهُمْ. وَالْعُدُولُ عَنِ اسْمِهِ الْصريحِ إِلَى التَّنْكِيرِ وَالْوَصْفِ سببُهُ عَدَمُ الْجَدْوَى مِنْ مَعْرِفَةِ شَخْصِهِ، وَإِنَّمَا الْمُهِمُّ أَنَّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ. وَتَجَنُّبًا لِمَا فِي اسْمِهِ الْعَلَمِ مِنَ الثِّقَلِ اللَّفْظِيِّ الَّذِي لَا دَاعِيَ إِليهِ. فقِيلَ: إِنَّهُ (يَهُوذَا) وكانَ أَحْسَنَهم فيِهِ رَأْيًا، وهوَ الذي قالَ بعدَ ذلك: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} الآية: 80، من هذه السورة. وكذلكَ قالَ الواحِدِيُّ في تفسيرِهِ الوَجيزِ: (ص: 540) أنَّهُ يهوذا.
وَقِيلَ: هو (شَمْعُونَ) وَقِيلَ (رُوبِينَ)، وَالَّذِي ِي الْإِصْحَاحِ 37. مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ أَنَّهُ (رَاوبِينُ) هو الذي صَدَّهُمْ عَنْ قَتْلِهِ، وَأَنَّ يَهُوذَا هو الذي دَلَّ عَلَيْهِ السَّيَّارَةَ.
وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ: أَسْمَاءُ إِخْوَةِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَهُوذَا ورُوبيل، وشمعُون، ولاوي، وربالون، ويشجر، وأُمُّهم: ليا بنتُ لِيان، وهي ابْنَةُ خالِ يَعْقُوبَ، وَوُلَدَ لَهُ مِنْ سَريَّتَيْنِ تُسَمَّى إِحْداهُما زَلفة والأُخْرى بَلهة أربعةُ أَوْلادٍ: دان، ونفتالي، وجاد وآشر، فلما توفيتْ "لِيا" تَزَوَّجَ يَعْقُوبُ أُخْتَها راحيلَ، فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُفَ وبِنْيَامِينَ. الكشَّافُ: (2/445).
وَقد جَرَتْ عَادَةُ الْقُرْآنِ الكريمِ أَنْ لَا يُشيرَ إِلَّا إلى اسْمَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقِصَّةِ دُونَ الآخَرينَ الَّذِينَ شَملَتْهُمْ، كقَوْلِهِ تعالى في الآية: 28، مِنْ سُورَة غَافِر: {وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}.
وأخرج عبد الرَّزَّاق بسندٍ صحيحٍ، وَابْنُ جرير، وَابْنُ الْمُنْذرِ، وَابْنُ أبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة ـ رَضِي الله عَنهُ، فِي قَوْله: "قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف" قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّه "روبيل" وَهُوَ أكبر إخْوَته وَهُوَ ابْن خَالَة يُوسُف. تَفْسِيرُ الطَبَرِيِّ: (15/564)، وتفسيرُ ابْنِ أَبي حاتمٍ: (7/2106).
وأخرجَ الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحاقَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "اقتلوا يوسف"، إلى قوله: "إنْ كُنْتُمْ فاعِلينَ"، قالَ: ذُكِرَ لِي ـ واللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الذي قالَ ذلِكَ مِنْهم هو: "روبيل"، وهو الأَكْبَرُ مِنْ بَني يَعقوبَ، وكانَ أَقْصَدَهُم فِيهِ رَأْيًا. تَفْسيرُ الطَبَرِيِّ: (15/565).
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ أيضًا، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخ، عَن مُجَاهِد ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف" قَالَ: هُوَ شَمْعُون. تَفْسيرُ الطَبَرِيِّ: (15/565).
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ان عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف وألقوه فِي غيابة الْجب} قَالَ: قَالَه كَبِيرهمْ الَّذِي تَخَلَّفَ.
وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ مَا كَانُوا أَنْبِيَاءَ لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُدَبِّرُونَ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ، بَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَارْتَكَبُوا كَبِيرةً ثُمَّ تَابُوا. وَقِيلَ: كَانُوا أَنْبِيَاءَ، وَلَا يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ زَلَّةُ نَبِيٍّ، فَكَانَتْ هَذِهِ زَلَّةٌ مِنْهُمْ، وَيَرُدُّ هذا القولَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَقِيلَ: مَا كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْبِيَاءَ ثُمَّ نَبَّأَهُمُ اللهُ من بَعْدُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} الْإِلْقَاءُ: الرَّمْيُ. وَالْغَيَابَتُ: مَا غَابَ عَنِ الْبَصَرِ مِنْ شَيْءٍ. فَيُقَالُ: غَيَابَةُ الْجُبِّ وَغَيَابَةُ الْقَبْرِ وَالْمُرَادُ قَعْرُ الْجُبِّ. وَالْجُبُّ: الْبِئْرُ الَّتِي تُحْفَرُ وَلَا تُطْوَى.
وَقُرِئ: "غَيَابَاتِ" بِالْجَمْعِ. وَمَعْنَاهُ جِهَاتُ تِلْكَ الْغَيَابَةِ، أَوْ يَجْعَلُ الْجَمْعَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي مَاهِيَّةِ الِاسْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى في سُورَة النُّور: {أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} الآيَةَ: 40. وقال الهَرَويُّ: الغَيَابَةُ شِبْهُ لَجَفٍ أوْ طاقٍ في البِئْرِ فُوَيْقَ الماءِ يَغيبُ ما فِيهِ عَنِ العُيُونِ. وقال الكَلْبِيُّ: الغَيَابةُ تَكونُ في قَعْرِ الجُبِّ؛ لانَّ أَسْفَلَهُ واسِعٌ ورَأْسَهُ ضِيِّقٌ فلَا يَكادُ النَّاظِرُ يَرَى مَا في جَوَانِبِهِ. وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ: هيَ غَوْرُهُ وما غَابَ مِنْهُ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ، وأَظْلَمَ مِنْ أَسْفَلِهِ، قالَ المُنَخِّلُ اليشكريُّ:
فإنْ أنا يَوْمًا غَيَّبَتْني غَيابتي ......... فسِيْروا بسَيْري في العَشيرةِ والأَهْلِ
أَرادَ المُنَخِّلُ: غَيابَةَ حُفْرَتِهِ التي سَيُدْفَنُ فِيها. والجُبُّ: البِئْرُ التي لَمْ تُطْوَ، وتَسْمِيتُهُ بِذَلِكَ: إِمَّا لِكَوْنِهِ مَحْفُورًا في جَبُوبِ الأَرْضِ، أَيْ: ما غَلُظَ مِنْهَا، وإِمَّا لأَنَّهُ قُطِعُ في الأَرْضِ قَطْعًا، وَجَمْعُ الْجُبِّ جِبَبَةٌ وَجِبَابٌ وَأَجْبَابٌ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْغَيَابَةِ وَالْجُبِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَلْقَوْهُ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ مِنَ الْجُبِّ حَتَّى لا يَلْحَقَهُ نَظَرُ النَّاظِرينَ، ومِنْهُ الجَبُّ في الذَّكَر وهو الخِتَانُ. وقالَ الأَعْشَى:
لَئِنْ كُنْتَ في جُبٍّ ثَمانينَ قامَةً .......... ورُمِّيْتَ أَسْبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ
وَأخرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "وأَلْقوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} يَعْنِي الرَّكِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْجُبُّ الْبِئْرُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصنعانيُّ بسَنَدٍ صَحيحٍ، وَابْنُ جريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخ، عَنْ قَتَادَةَ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ" قَالَ: هِيَ بِئْرٌ بِبَيْتِ الْمُقَدِّسِ، يَقُولُ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْجُبُّ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِحِذاءِ طَبَرِيَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَمْيَالٌ.
قولُهُ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} الِالْتِقَاطُ: تَنَاوُلُ شَيْءٍ مَطْروحٍ على الْأَرْضِ أَوِ الطَّرِيقِ، و "يَلْتَقِطْهُ" يَأْخُذْهُ عَلَى وَجْهِ الصِيَانَةِ عَنِ الضَيَاعِ والتَلَفِ، فإنَّ الالْتِقَاطَ أَخْذُ شَيْءٍ مُشْرِفٍ عَلى الضَّيَاعِ، وَقد اسْتُعِيرَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مُضَاعٍ. ومِنْهُ: "اللُّقَطَةُ" واللَّقِيطُ. وقالَ الراجِزُ نقادةُ الأسَديُّ يَصِفُ القَطَا والحَمَامَ:
ومَنْهَلٍ ورَدْتُهُ الْتِقَاطا ........................... لم أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُه فُرَّاطا
إِلَّا الحَمامَ الوُرْقَ والغَطَاطا ..................... فهُنّ يُلْغِطْن به إِلْغاطا
أَيْ: عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ وطَلَبٍ، ومِنْهُ الحَديثُ: "أَنَّ فُلانًا الْتَقَطَ شَبَكَةً"، رواه أبو إسحاق البغدادي الحربي، عنِ النَّضرِ بْن شُمَيْل عَن الهِرْماس بْنِ حَبيبٍ عَن أَبِيه عَنْ جَدِّهِ أَنَّه الْتقط شبكةً بقُلَّةِ الحَزْنِ أَيَّام عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ ـ رضي اللهُ عنهما، فَأَتى عُمَرَ. وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: أَسْقِنِي شبَكةً بقُلَّةِ الحَزْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَن تركْتَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّارِبَةِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الزُبَيْرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّك يَا أَخا تَمِيم تَسْأَل خَيْرًا قَلِيلًا. فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَلْ خَيْرٌ كَثيرٌ، قِرْبتَانِ، قِرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ، وقِرْبَةٌ مِنْ لَبَنٍ يُغادِيانِ أَهلَ بَيْتٍ مِنْ مُضَرَ بِقِلَّةِ الحَزْنِ، قدَ أَسْقَاكَهُ اللهُ. العُبابُ الزاخِرُ: (1/313). والشَبَكَةُ: الآبارُ القَريبَةُ الماءِ.
والمُرادُ من قولِهِ: "تلتقطْهُ" فَتَمُرُّ قَافِلَةٌ مِنَ المُسَافِرِينَ، مِمَّنْ أَلِفُوا الاسْتِقَاءَ مِنْ هذِهِ البِئْرِ، فَتَلْتَقِطُهُ، وَتَأْخُذُهُ بَعِيدًا، فَتَرْتَاحُونَ مِنْهُ دُون ارْتِكَابِ جَرِيمَةِ قَتْلِ أَخِيكُمْ. وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَهِدُوا جِبَابًا كَائِنَةً عَلَى أَبْعَادٍ مُتَنَاسِبَةٍ فِي طُرُقِ أَسْفَارِهِمْ يَأْوُونَ إِلَى قُرْبِهَا فِي مَرَاحِلِهِمْ لِسَقْيِ رَوَاحِلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ، وَقَدْ تَوَخَّوْا أَنْ تَكُونَ طَرَائِقُهُمْ عَلَيْهَا، ممَّا كَانَت مِياهُ السُيُولِ تَنْصَبُّ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بَعِيدَةَ الْقَعْرِ حَيْثُ عَلِمُوا أَنَّ إِلْقَاءَهُ فِي الْجُبِّ لَا يُهَشِّمُ عِظَامَهُ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَيُغْرِقُهُ. والجُبُّ الذي أُلْقِيَ فيهِ يُوسُفُ ـ عليهِ السلامُ، هوَ بِئْرٌ بِالشَّامِ. وقالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هو في الأردنِّ. وقد الْتَقَطَهُ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَاب، فَإِنَّ الْتِقَاطَ السَّيَّارَةِ إِيَّاهُ أَبْقَى لَهُ وَأَدْخَلُ فِي الْغَرَضِ مِنَ الْمَقْصُودِ لَهُمْ وَهُوَ إِبْعَادُهُ عَنْ أَبيهِ، لِأَنَّهُ إِذَا الْتَقَطَهُ السَّيَّارَةُ أَخَذُوهُ عِنْدَهُمْ أَوْ بَاعُوهُ، فَزَادَ بذلك بُعْدًا على بُعدٍ.
وقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: طُرِحَ يُوسُفُ فِي الْجُبِّ وَهُوَ غُلَامٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ" وَلَا يُلْتَقَطُ إِلَّا الصَّغِيرُ. والسَّيَّارَةُ المُسَافِرِونَ. وَوهمُ الْجَمَاعَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِحَالَةِ السَّيْرِ وَكَثْرَتِهِ، فَتَأْنِيثُهُ لِتَأْوِيلِهِ بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي تَسِيرُ مِثْلَ الْفَلَّاحَةِ وَالْبَحَّارَةِ. وهو جمع "سَيَّار"، مُبَالغةٌ مِنْ سَارَ يَسيرُ فهوَ سائرٌ، والمبالغةُ منه سَيَّارٌ، والجمعُ سَيَّارَةٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اللَّقِيطِ، فَقِيلَ: أَصْلُهُ الْحُرِّيَّةُ لِغَلَبَةِ الْأَحْرَارِ عَلَى الْعَبِيدِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ، وَتَلَا {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} سورة يوسف، الآية: 20، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ صَاحِبُ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٌ رضي اللهُ عنهم جميعًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنْ نَوَى رِقَّهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ نَوَى الْحِسْبَةَ فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ، في حديثِ أمِّ المؤمنينَ السيدةِ عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها: ((وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)). روى الحديثَ مالكٌ، البُخاريُّ، والنَّسائيُّ، والبيهقيُّ، وابْنُ حِبَّان، وغيرُهُم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خالتِهِ السيِّدةِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ. فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)). فَفَعَلَتْ السيِّدةُ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)). موطأ الإمامِ مالك: (5/128)، وصحيح البخاري: (7/386)، و سُنَن النَّسائيِّ: (14/251)، وغيرُهم. قَالَ: فَنَفَى الْوَلَاءَ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ. وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا عَلَى أَنَّ اللَّقِيطَ لَا يُوَالِي أَحَدًا، وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ بِالْوَلَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ: اللقيطُ يُوالي مَنْ شاءَ، فمن والاهُ فَهُوَ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ حَيْثُ شَاءَ، مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ الَّذِي وَالَاهُ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ أَبَدًا. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْمَنْبُوذُ حُرٌّ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالَاهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالَاهُ، وَنَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ حُرٌّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا كَانَ أَصْلُ اللَّقِيطِ الْحُرِّيَّةَ لِغَلَبَةِ الْأَحْرَارِ عَلَى الْعَبِيدِ، فَقَضَى بِالْغَالِبِ، كَمَا حَكَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَخْذًا بِالْغَالِبِ، فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ فِيهَا نَصَارَى وَمُسْلِمُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحْكَمُ بِالْأَغْلَبِ، فَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيُّ الْيَهُودِ فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيُّ النَّصَارَى فَهُوَ نَصْرَانِيُّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْلِمٌ، إِلَّا أَنْ يَكونَ أَكْثَرُ أَهْلِ القَريةِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ قُضِيَ لِلَّقِيطِ بِالْإِسْلَامِ، وذلكَ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلُ أَشْهَبَ، قَالَ أَشْهَبُ: هُوَ مُسْلِمٌ أَبَدًا، لِأَنِّي أَجْعَلُهُ مُسْلِمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَمَا أَجْعَلُهُ حُرًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَنْبُوذِ تَدُلُّ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ لِقَوْلِ عُمَرَ: هُوَ حُرٌّ، وَمَنْ قُضِيَ بِحُرِّيَّتِهِ لَمْ تُقْبَلِ الْبَيِّنَةُ فِي أَنَّهُ عَبْدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ. وقَالَ مَالِكٌ فِي اللَّقِيطِ: إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ إِنْ كَانَ طَرَحَهُ مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَحَهُ ولكنَّهُ ضَلَّ مِنْهُ فلا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ، وَالْمُلْتَقِطُ مُتَطَوِّعٌ بِالنَّفَقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّقِيطِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كُلُّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّقِيطِ مَالٌ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَسْتَقْرِضُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ. وَالثَّانِي: يُقَسِّطُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
وَأَمَّا اللُّقَطَةُ وَالضَّوَالُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِمَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: اللُّقَطَةُ وَالضَّوَالُّ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّ الضَّالَّةَ لا تكون إلَّا في الحيوانِ واللَّقْطَةُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ هَذَا غَلَطٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ لِلْمُسْلِمِينَ: ((إِنَّ أُمَّكُمْ ضَلَّتْ قِلَادَتَهَا)) التَمْهيدُ لِمَا فِي المُوَطَّأِ مِنَ المَعاني والأَسانِيدِ (3/112). لأَبي عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ القُرطُبيِّ، فَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى الْقِلَادَةِ.
وقد أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اللُّقَطَةَ مَا لَمْ تَكُنْ تَافِهًا يَسِيرًا أَوْ شَيْئًا لَا بَقَاءَ لَهَا فَإِنَّهَا تُعَرَّفُ حَوْلًا كَامِلًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ صَاحِبَهَا إِنْ جَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ مُلْتَقِطِهَا إِذَا ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُلْتَقِطَهَا إِنْ أَكَلَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَأَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَصَاحِبُهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَجْرِهَا، فأَيُّ ذَلِكَ تَخَيَّرَ كانَ ذَلِكَ لَهُ بِإِجْمَاعٍ، وَلَا تَنْطَلِقُ يَدُ مُلْتَقِطِهَا عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ، وَلَا تَصَرُّفَ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ الْمَخُوفِ عَلَيْهَا لَهُ أَكْلُهَا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ تَرْكِهَا أَوْ أَخْذِهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى إِبَاحَةِ الْتِقَاطِ اللُّقَطَةِ وَأَخْذِ الضَّالَّةِ مَا لَمْ تَكُنْ إِبِلًا. وَقَالَ فِي الشَّاةِ: "لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ" يَحُضُّهُ عَلَى أَخْذِها، ولم يَقُلْ في شَيْءٍ دَعُوهُ حَتَّى يَضِيعَ أَوْ يَأْتِيَهُ رَبُّهُ. وَلَوْ كَانَ تَرْكُ اللُّقَطَةِ أَفْضَلَ لَأَمَرَ بِهِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَجُمْلَةُ مَذْهَبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ فِي سَعَةٍ، إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا، هَذَا قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ـ رَحِمَهُ اللهُ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ اللُّقَطَةِ إِنْ وَجَدَهَا إِذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا، قَالَ: وَسَوَاءٌ قَلِيلُ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرُهَا.
رَوَى الْأَئِمَّةُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: ((اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا)). قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:" لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ" قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ:" مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ قَالَ:" احْفَظْ عَدَدَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ عِفَاصَ اللُّقَطَةِ وَوِكَاءَهَا مِنْ إِحْدَى عَلَامَاتِهَا وَأَدَلِّهَا عَلَيْهَا، فَإِذَا أَتَى صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهَا دُفِعَتْ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا، فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ يَسْتَحِقُّهَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لَمْ يَضْمَنِ الْمُلْتَقِطُ شَيْئًا، وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الْأَوْصَافِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِأَشْهَبَ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا تَلْزَمُهُ بَيِّنَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُدْفَعُ لَهُ إِلَّا إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، وهو بخلاف نص الحديث، وَلَوْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ شَرْطًا فِي الدَّفْعِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَالْعَدَدِ مَعْنًى، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا جَازَ سُكُوتُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. فقد نَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَبَيَّنَ حُكْمَهُمَا، وَسَكَتَ عَمَّا عَدَاهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ المَالكيَّةِ فِي الْبَقَرِ هَلْ تَلْحَقُ بِالْإِبِلِ أَوْ بِالْغَنَمِ؟ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفوا فِي الْتِقَاطِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُلْتَقَطُ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ كِنَانَةَ: لَا تُلْتَقَطُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((احْفَظْ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ ضَالَّتَهُ)).
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الضَّوَالِّ، فَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا بِالنَّفَقَةِ، وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ بِالنَّفَقَةِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ أَحَقُّ بِهِ كَالرَّهْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَنْفَقَ عَلَى الضَّوَالِّ مَنْ أَخَذَهَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، حَكَاهُ عَنْهُ الرَّبِيعُ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ: إِذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ كَانَتْ دَيْنًا، وَمَا ادَّعَى قُبِلَ مِنْهُ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ قَصْدًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ وَالْإِبِلِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا إِذَا جَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا إِذَا حَضَرَ صَاحِبُهَا، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوُهَا، حَتَّى يَأْمُرَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ. ولَيْسَ فِي قَوْلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي اللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ: "فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" أَوْ "فَشَأْنُكَ بِهَا" أَوْ "فَهِيَ لَكَ" أَوْ "فَاسْتَنْفِقْهَا" أَوْ "ثُمَّ كُلْهَا" أَوْ "فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ، وَسُقُوطِ الضَّمَانِ عَنِ الْمُلْتَقِطِ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَإِنْ لَمْ تعرف فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" فِي رِوَايَةٍ" ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا مَتَى جَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، لِتِلْكَ الظَّوَاهِرِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِهِ، لِمُخَالَفَةِ النَّاسِ، وَلِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((فأَدِّها إِلَيْهِ)).
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: إنْ كُنْتُمْ آخذينَ بِمَشُورتي، هَذَا إِنْ كُنْتُمْ مُصِرِّينَ عَلَى أَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لتُبعِدوهُ عَنْ أَبيهِ لا مَحَالَةَ. أو كنتم لا بُدَّ مبعدوه عن أبيه فلا تقتلوهُ وألقوهُ في غيابة الجبِّ تُحقِّقوا مُرادَكم، وتصلوا إلى بُغيتكم، ولم يَبُتَّ القَوْلَ عَلَيْهم بَلْ إِنَّما عَرَضَ ذلك عَليهم تَأْليفًا لِقَلْبِهم، وَبِمَا أَنَّ مَشِيئَةَ اللهِ قَضَتْ بِأَنْ يَكُونَ يُوسُفُ ذَا شَأْنٍ عَظِيمٍ فَقَدْ قَبِلَ الآخَرُونَ الاقْتِرَاحَ، لِيَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ. وَفِي هَذَا الرَّأْيِ عِبْرَةٌ فِي الِاقْتِصَادِ مِنَ الِانْتِقَامِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ دُونَ إِفْراطٍ.
قولُهُ ـ تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} قَالَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهرِ على آخرِهِ، و "قَائِلٌ" فاعلُهُ مرفوعٌ. و "مِنْهُمْ" جارٌّ ومجرورٌ في محلِّ رفعِ صفةٍ ل "قائلٌ"، وهذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "لَا" ناهيةٌ جازمةٌ، و "تَقْتُلُوا" فِعْلٌ مضارعٌ مجزومٌ ب "لا" الناهيةِ، وعلامةُ جزمِهِ حذفُ النونِ مِنْ آخِرِهِ، لأنَّهُ منِ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والألفُ الفارقةُ، و "يُوسُفَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ ولم يُنَوَّنْ لأنَّهُ ممنوعٌ مِنَ الصَّرْفِ بالعلَميَّةِ والعُجْمَةِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَصْبِ مقولَ "قَالُوا".
قولُهُ: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} الواوُ: للعطفِ، و "أَلْقُوهُ" فعْلُ أَمْرٍ مبني على خذفِ النونِ من آخرِهِ لأنَّ مُضارعَهُ من الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ: وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ نصبِ مفعولِهِ، الجملةُ في محلِّ النَّصبِ بالقولِ عطْفًا عَلى جُمْلَةِ: "لَا تَقْتُلُوا". و "فِي" حرفُ جَرٍّ متعلق ب "ألقوه"، و "غَيَابَتِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ، و "الْجُبِّ" مجرورٌ بالإضافةِ إليه. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْجُبِّ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أَيْ: فِي غَيَابَةِ جُبٍّ مِنَ الْجِبَابِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِمْ: ادْخُلِ السُّوقَ. وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ.
قولُهُ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} يَلْتَقِطْهُ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بالطلبِ السابِقِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصبِ مفعولِهِ، و "بَعْضُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وهوَ مضافٌ، و "السَّيَّارَةِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ، وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الطَّرِيقَ لَا تَخْلُو مِنْ قَوَافِلَ بَيْنَ الشَّامِ وَمِصْرَ لِلتِّجَارَةِ وَالْمِيرَةِ. وجُمْلَةُ: "يَلْتَقِطْهُ" جوابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ غَيْرُ مُقْتَرِنَةٍ بالفاءِ، أَيْ: إِنْ تُلقوهُ يَلْتَقْطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ.
قولُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} إِنْ: شَرْطِيَّةٌ جازمةٌ، و كنتمْ فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعلِ، في محلِّ الجَزْمِ بِـ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ كَونَهُ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وتاءُ الفاعلِ ضميرُ رفعٍ متحرِّكٌ مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ رفعِ اسمِ "كان" والميمُ علامةُ المُذكَّرِ، و "فاعِلينَ" خبرُ "كان" منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المذكَّرِ السالِمِ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفرَدِ، وجوابُ الشَّرْطِ مَحْذوفٌ تَقْديرُهُ: إِنْ كُنْتُمْ فاعِلينَ فافْعَلُوا هَذَا القَدْرَ في: إلقاءِهِ في البِئْرِ، وجُمْلَةُ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ ل "قالَ".
قرأ الجُمهورُ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَهْلُ الكوفة: {فِي غَيَابَتِ الجُبِّ} بالإِفراد وهو واضحٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّهُ عَلَى مَوْضِعٍ واحِدٌ أَلْقُوهُ فِيهِ، وأَنْكَرَ الجَمعَ لِهَذَا. وقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا تَضْيِيقٌ فِي اللُّغَةِ. وقرأَ نافعٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ "فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ" بالجَمْعِ في الحَرْفَيْنِ مِنْ هَذِهِ السُّورةِ، فجُعِل ذلكَ المكانُ أجزاءً، وسُمِّي كلُّ جزءٍ غَيَابَة، وقرأَ ابْنُ هرمز. كَنَافِعٍ إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ الياءَ. والأَظْهَرُ في هذِهِ القِراءَةِ أَنْ يَكونَ سُمِّيَ باسْمِ الفاعِلِ الذي للمُبَالَغَةِ فهوَ وَصْفٌ في الأَصْلِ. وأَلْحَقَهُ الفارِسِيُّ بالاسْمِ الآتي عَلى "فَعَّال" نَحْوَ ما ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ. قالَ ابْنُ جِنِّي: ووَجَدْتُ مِنْ ذَلِكَ "الفَخَّار" الخَزَف. وقيلَ يَجوزُ أَنْ يكون عَلَى فَعَّالات كَحَمَّاماتٍ، ويَجوزُ أَنْ يَكونَ عَلى "فَيْعالات"، ك "شَيْطانات" جَمْعَ شَيْطانَةٍ، وكُلٌّ للمُبالَغَةِ. وقرأَ الحَسَنُ "غَيَبَة" بِفَتْحِ الياءِ، وفيها احْتِمَالانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكونَ في الأَصْلِ مَصْدَرًا ك "الغَلَبة". والثاني: أَنْ يَكونَ جَمْعَ غائبٍ نَحْوَ: صَانِعٍ وصَنَعَةٍ. قال أبو حيّان: وفي حرفِ أُبَيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "غَيْبَة" بِسُكون الياءِ، وهيَ ظُلْمَةُ الرَّكِيَّةِ. وقُالْ السَّمِينُ: والضَبْطُ أَمْرٌ حادِثٌ فَكَيْفَ يُعْرَفُ ذَلِكَ في المُصْحَفِ؟.
وقرأ العامَّةُ: {يَلْتَقِطْهُ} بالياءِ وهوَ الأَصْلُ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: "تَلْتَقِطْهُ" بِالتَّاءِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ بَعْضَ السَّيَّارَةِ سَيَّارَةٌ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: سَقَطَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ، وَأَنْشَدَ لأَعْشَى بَني قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
وَتَشْرَقَ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتَهُ ....... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وَلَمْ يَقُلْ شَرِقَ وَلَا أَخَذَتْ. وَقَالَ جَرير:
أَرَى مَرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي ............... كَمَا أَخَذَ السَّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ
والسَّرارُ: بِفَتْحِ السِّينِ وكَسْرِها: الليلة التي يَسْتَسِرُّ فيها القَمَرُ آخِرَ الشَّهْرِ.