فيض العليم ... سورة هود، الآية: 122

فيض العليم .... سورة هود، الآية: 122


وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)


قولُهُ ـ تعالى ذِكْرُه: {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} أي: انْتَظِرُوا ما يَعِدُكُمْ بِهِ الشَّيْطانُ مِنْ خُسْرٍ وخِزْلانٍ، فإِنَّا مُنْتَظِرُونَ ما يَعِدُنا به رَبُّنا مِنْ نَصْرٍ وإحسانٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: وَانْتَظِرُوا الْهَلَاكَ فَإِنَّا مُنْتَظِرُونَ لَكُمُ الْعَذَابَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رضي اللهُ عنْهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَانْتَظرُوا إِنَّا منتظرون" قَالَ: يَقُول: انْتَظِروا مَواعيدَ الشَّيْطَانِ إيَّاكُمْ على مَا يُزَيِّنُ لَكمْ.
وَفِي أَمْرِهِ ـ سبحانَهُ، لرَسُولِهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْمُؤْمِنِينَ شَهَادَةٌ لهم مِنَ اللهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ. وَفِيهِ التَّفْوِيضُ إِلَى رَأْسِ الْأُمَّةِ بِأَنْ يَقْطَعَ أَمْرًا عَنْ أُمَّتِهِ ثِقَةً بِأَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ فِعْلَهُ. كَمَا قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِهَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا تَائِبِينَ وَطَالِبِينَ رَدَّ سَبَايَاهُمْ وَغَنَائِمِهِمُ: ((اخْتَارُوا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ السَّبْيَ أَوِ الْأَمْوَالَ)). فَلَمَّا اخْتَارُوا السَّبْيَ رَجَعَ السَّبْيُ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَسْتَشِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِمَنْ يُطَيِّبُ ذَلِكَ لِهَوَازِنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِّهِ فِي أَوَّلِ مَا يَجِيءُ مِنَ السَّبيِ، فَقَالَ الْمُؤمنونَ: طَيَّبْنَا ذَلِكَ.
قولُهُ تعالى: {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} الواوُ: للعطفِ، و "انْتَظِرُوا" فِعْلُ أمرٍ مبنيٍّ على حذفِ النونِ من آخرِهِ لأنَّهُ من الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ، والألفُ هي الفارقةُ. والجملةُ معطوفَةٌ على جملةِ: "اعْمَلُوا"، على كونِها في محلِّ النَّصبِ ب "قل". و "إِنَّا" إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسخٌ مشبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيد و "نا" اسُمُهُ مُدْغَمٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ. و "مُنتظِرونَ" خَبَرُهُ، مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السالِمِ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المفردِ، والجُمْلَةُ معطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "إنَّا عاملون" على كونِها استئنافًا بيانيًّا، أو تعليليَّةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.