روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107   فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107 I_icon_minitimeالسبت مارس 05, 2016 10:57 am

فيض العليم .... سورة هود، الآية: 107


خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)


قولُهُ ـ تَعَالى جَدُّهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي: هم باقُونَ فِي النَّارِ، ماكِثُونَ فيها مُكْثَ بَقَاءٍ وخُلُودٍ لا يَبْرَحونَها ولا يَتَحَوَّلونَ عَنْها، وهوَ في مَعْنَى قولِهِ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} فالمَقْصودُ مِنْ هَذا التَعْبيرِ التَأْبيدُ ونَفْيُ الانْقِطاعِ، والعَرَبُ تقولُ: لا أَفْعلُ كذا، ما لاحَ كَوكَبٌ، وما أَضاءَ فجَرٌ، وما اخْتَلَفَ الليلُ والنَّهارُ، وغيرَ ذَلِكَ منْ عباراتٍ يسوقونَها كِنَايَةً عَنِ التَأْبيدِ.
فليسَ المَقْصودَ مِنْ هذِهِ العِبَارَةِ تَعْليقُ قرارِهم فيها بِدَوامِ هَذِهِ السَمواتِ والأَرْضِ، لأَنَّ النُّصوصَ الواضحةَ مِنَ الكِتابِ والسُنَّةِ المُطَهَّرَةِ دالَّةٌ عَلى تَأْبيدِ قرارِهم فِيها.
ويجوزُ أَنْ يُرادَ بقولُهِ: "السَّمواتُ والأَرْضُ"، سَمَوَاتِ الآخِرَةِ وأَرْضَها، المذكورتان بقولِهِ في سورة إبراهيم: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار} الآية: 48، وهُمَا دائمَتَانِ أَبَدًا، فإنَّ الكَفَرَةَ دائمونَ مُخَلَّدين في نارِ جهنَّمَ مَا دَامَتْ هُنَاكَ سَمَاوَاتٌ تُظِلُّ المَخْلُوقَاتِ، وَأَرْضٌ يَقِفُونَ عَلَيها. أَيْ في الآخِرَةِ.
قولُهُ: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ، إِذْ يُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ العُصَاةَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ يَمْتَنُّ عَلَى الآخَرِينَ فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. فقد أخرجَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما: ((يَدْخُلُ النَّارَ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى إِذَا كَانُوا حُمَمًا أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيُقَالُ هُمْ الْجَهَنَّمِيُّونَ)). مُسْنَدُ الإمامِ أَحمدٍ: (24/356)، وفي صحيحِ البخاري: (22/459) قَالَ: ((لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنْ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً ثُمَّ يُدْخِلُهُمْ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ يُقَالُ لَهُمْ الْجَهَنَّمِيُّونَ)). وفي سُنَنِ التِّرمِذِيِّ: (9/176) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ـ رضي اللهُ عنه، عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَتِي يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيُّونَ)) قَالَ أَبُو عِيسَى الترمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقيلَ: بأَنَّ أَهْلَ النَّارِ لا يُخَلَّدِونَ في عَذَابِها وَحْدَهُ، بَلْ يُعَذَّبونَ بأَلوانٍ أخرى منَ العذابِ كالزَّمْهريرِ، وبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْه، وهوَ سُخْطُ اللهِ عَلَيْهم، كما أنَّهُ لأَهْلِ الجّنَّةِ مَعَ نعيمِها ما هوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وهو رِضوانُهُ ـ جلَّ ثناؤهُ، قال تعالى في سورة التوبةِ: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ} الآية: 72.
وللعُلماءِ في المَقْصودَ بهذِهِ العِبَارَةِ أَقْولٌ كثيرةٌ أَشْهَرُها: أَنَّ هذا الاسْتِثناءَ في مَعْنَى الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، يقولُ: خالدينَ فيها خُلودًا أَبَدِيًّا إِنْ شاءَ رَبُّكَ ذَلِكَ إذْ كُلُّ شيْءٍ خاضِعٌ لِمَشيئَةِ رَبِّكَ وإرادَتِهِ، فيَكونُ المَقْصودُ مِنْ هذا الاسْتِثْناءِ وَأَمْثالِهِ إِرْشادَ العِبَادِ إِلَى وُجوبِ تَفْويضِ الأُمُورِ كلِّها إِلَيْهِ ـ سُبْحانَهُ، إِذِ الأمورُ كلُّها بيديهِ وأمرُها كلِّها صائرٌ إليه، فكُلَّ شَيْءٍ خاضِعٌ لإرادتِهِ ومَشيئَتِهِ. فكما أَنَّ التَّعليقَ بِدَوامِ السَّمَواتِ والأَرْضِ غيرُ مُرادٍ في الظاهِرِ، كذلك الاسْتِثْناءُ، فلا يَشاءُ اللهُ قَطْعَ الخُلُودِ لأَحَدٍ إنْ كانَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ أو من أهلِ النارِ، وسَوْقَهُ هَكَذا معلَّقاً بالمشيئةِ أَدَلُّ عَلَى القُدْرَةِ وأَعْظَمُ في تَقْليدِ المِنَّةِ. ويجوزُ أَنْ يُرَادَ ب "إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ" فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا عُصَاةُ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ التَّائِبِينَ فِي الْعَذَابِ إِلَى أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ بِدُونِ شَفَاعَةٍ، أَوْ بِشَفَاعَةٍ كَمَا تقدَّمَ فِي الصَّحِيحِ.
وقد ذَكَرَ السَّمينُ الحَلَبِيُّ في تفسيرِهِ المُسمَّى: الدُّرِّ المَصونِ في عُلومِ الكِتابِ المَكْنُونِ: (6/391 ـ 394) أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لَخّصها ممَّا قالَهُ العلماءُ في هذا الاسْتِثْناءِ، فقالَ:
أَحَدها: وهو الذي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، فإنَّهُ قالَ: فإنْ قلتَ: ما مَعْنَى الاسْتِثْناءِ في قولِهِ: "إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ" وقدْ ثَبَتَ خُلودُ أَهْلِ الجَنَّةِ والنَّارِ في الأَبَدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ؟ قلتُ: هوَ اسْتِثْناءٌ مِنَ الخُلودِ في عَذَابِ النَّارِ، ومِنَ الخلودِ في نعيم أهل الجنَّة، وذلك أنَّ أهلَ النّارِ لا يُخَلَّدون في عذابِها وحدَهُ، بَلْ يُعَذَّبون بالزَّمْهَريرِ، وبِأَنْواعٍ أُخَرَ مِنَ العَذابِ، وبِما هوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وهوَ سُخْطُ الله عَلَيْهم، وكَذَا أَهْلُ الجَنَّةِ لهمْ مَعَ نَعيمِ الجَنَّةِ ما هوَ أَكْبرُ مِنْهُ كَقَوْلَهَ: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} التوبة: 72، والدَّليلُ عَلَيْهِ قولُهُ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} هود: 108، وفي مقابِلِهِ {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}، أيْ: يَفْعل بهم ما يُريدُ مِنَ العذابِ، كَما يُعطي أَهْلَ الجَنَّةِ ما لا انْقِطاعَ لَهُ. قال الشيخُ (أبو حيّان الأندلُسيُّ): ما ذكرَهُ في أهلِ النارِ قدْ يَتَمَشَّى لأنَّهم يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ إلى الزَّمْهريرِ فَيَصِحُّ الاسْتِثْناءُ، وأَمَّا أَهْلُ الجَنَّةِ فلا يَخْرجونَ مِنَ الجَنَّةِ، فلا يَصِحُّ فيهِمُ الاسْتِثْناءُ. قلتُ: الظاهرُ أَنَّهُ لا يَصِحُّ فيهِما؛ لأَنَّ أَهْلَ النَّارِ مَعَ كَوْنِهم يُعَذَّبونَ بالزَّمْهَريرِ همْ في النَّارِ أَيْضًا.
الثاني: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الزَّمانِ الدالِّ عَلَيْهِ قولُهُ "خالدينَ فيها مَا دَامَتِ السَماواتُ والأَرْضُ" والمعنى: إلَّا الزمانَ الذي شاءَهُ اللهُ فلا يُخَلَّدونَ فيها.
الثالث: أَنَّهُ مِنْ قولِهِ: "ففي النَّارِ" و "ففي الجَنَّةِ"، أَيْ: إلَّا الزَّمانَ الذي شاءَهُ اللهُ، فلا يَكونُ في النَّارِ ولا في الجَنَّةِ، ويُمْكِنُ أَنْ يَكونَ هذَا الزَّمانُ المُسْتَثْنَى هوَ الزَّمانُ الذي يَفْصِلُ اللهُ فيهِ بَيْنَ الخَلْقِ يَوْمَ القِيامَةِ إذا كان الاسْتِثْنَاءُ مِنَ الكَوْنِ في النَّارِ أَوْ في الجَنَّةِ، لأَنَّهُ زَمَانٌ يَخْلُو فيهِ الشَّقِيُّ والسَّعيدُ مِنْ دُخُولِ النَّارِ والجَنَّةِ، وأَمَّا إِنْ كانَ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ الخُلودِ يُمْكِنُ ذَلِكَ بالنِّسْبَةِ إِلى أَهْلِ النَّارِ، ويَكونُ الزَّمانُ المُسْتَثْنى هُوَ الزَّمانُ الذي فاتَ أَهْلَ النَّارِ العُصَاةَ مِنَ المُؤْمنينَ الذي يَخْرُجونَ مِنَ النَّارِ ويَدْخُلونَ الجَنَّةَ فَلَيْسُوا خالِدينَ في النَّارِ، إذْ قَدْ أُخْرِجوا مِنْها وصاروا إلى الجَنَّةِ. وهذا المَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنْ قَتَادَةَ والضَّحَّاكِ وغيرِهِما، والذينَ شَقُوا ـ على هذا، شامِلٌ للكُفَّارِ والعُصاةِ، وهَذا في طَرَفِ الأَشْقِياءِ العُصاةِ مُمكنٌ، وأَمَّا حَقُّ الطَّرَفِ الآخَرِ فلا يَتَأَتَّى هذا التَأْويلُ فيهِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْهمْ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ثمَّ لا يُخَلَّدُ فِيها.
قالَ الشَّيْخُ: يُمْكِنُ ذَلِكَ باعْتِبارِ أَنْ يَكونَ أُريدَ الزَّمانُ الذي فاتَ أهلَ النَّارِ العُصاةَ مِنَ المُؤمِنينَ، أَوِ الذي فاتَ أَصْحابَ الأَعْرافِ، فإنَّهُ بِفَواتِ تِلكَ المُدَّةِ التي دَخَلَ المُؤْمِنونَ فيها الجَنَّةَ وخُلِّدُوا فيها صَدَقَ عَلَى العُصاةِ المُؤمنينَ وأَصْحابِ الأَعْرافِ أَنَّهم ما خُلِّدوا في الجَنَّةِ تَخْليدَ مَنْ دَخَلَها لأَوِّلِ وَهْلَةٍ.
الرابعُ: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الضَّميرِ المُسْتَتِرِ في الجارِّ والمَجْرورِ، وهوَ قولُه: "ففي النَّارِ" و "ففي الجَنَّةِ"؛ لأنَّهُ لَمَّا وَقَعَ خَبَرًا تَحَمَّلَ ضَميرَ المُبْتَدَأِ.
الخامسُ: أَنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنَ الضَّميرِ المُسْتَتِرِ في الحالِ، وهوَ "خالدين"، وعَلَى هذيْنِ القَوْلَيْنِ تَكونُ "ما" واقعَةً عَلَى مَنْ يَعْقِلُ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى أَنْواعٍ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساءِ} النِّساء: 3، والمُرادُ ب "ما" حينَئِذٍ العُصَاةُ مِنَ المُؤْمِنينَ في طَرَفِ أَهْلِ النَّارِ، وأَمَّا في طَرَفِ أَهْلِ الجَنَّةِ فيَجوزُ أَنْ يَكونوا هُمْ أَوْ أَصْحابُ الأَعْرافِ، لأنَّهم لم يَدْخُلوا الجَنَّةَ لأَوَّلِ وَهْلَةٍ ولا خُلِّدوا فيها خُلودَ مَنْ دَخَلَها أَوَّلًا.
السادسُ: قالَ ابْنُ عَطِيَّة: قيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلى طَريقِ الاسْتِثْناءِ الذي نَدَبَ الشارعُ إلى اسْتِعْمالِهِ في كُل ِّكَلامٍ، فهوَ كَقَوْلِهِ: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحرامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ} الفَتْح: 27، اسْتِثْناءٌ في واجِبٍ، وهذا الاسْتِثْناءُ هوَ في حُكْمِ الشَّرْطِ، كأَنَّهُ قالَ: إنْ شاءَ اللهُ، فليس يَحتاجُ أَنْ يُوْصَفَ بِمُتَّصِلٍ ولا مُنْقَطِعٍ.
السابع: هو اسْتِثْناءٌ مِنْ طُولِ المُدَّةِ، ويُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ وغيرِهِ، أَنَّ جَهَنَّمَ تَخْلو مِنَ النَّاسِ وتَخْفِقُ أَبْوابُها فذَلِكَ قوْلُهُ: "إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ". وهَذا مَرْدودٌ بِظَواهِرِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وما ذَكَرْتُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ فَتَأْويلُهُ أَنَّ جَهَنَّمَ هِيَ الدَّرَكُ الأَعْلَى، وهيَ تَخْلُو مِنَ العُصاةِ المُؤْمِنينَ، هَذا عَلَى تَقْديرِ صِحَّةِ ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسعودٍ ـ رضيَ اللهُ عنْهُ.
الثامن: أَنَّ "إِلَّا" حرفُ عَطْفٍ بِمَعْنَى الواوِ، فمَعْنَى الآيَةِ: وما شاءَ ربُّكَ زائدًا عَلَى ذَلِكَ.
التاسع: أَنَّ الاسْتِثْناءَ مُنْقَطِعٌ، فيُقَدَّرُ بِ "لكن" أوْ ب "سِوَى"، ونَظَّرُوهُ بِقَوْلِكَ: لي عَلَيْكَ أَلْفا دِرْهَمٍ، إِلَّا الأَلْفَ التي كُنْتُ أَسْلَفْتُكَ، بِمَعْنَى سِوَى تِلْكَ، فكأَنَّهُ قِيلَ: "خالدينَ فيها ما دامَتِ السَمَاواتُ والأَرْضُ سِوَى ما شاءَ رَبُّكَ زائدًا على ذَلِكَ. وقيلَ: سِوَى ما أُعِدَّ لَهم مِنْ عذابٍ غَيْرِ عَذابِ النَّارِ كالزَّمْهريرِ ونَحْوِهِ.
العاشِرُ: أَنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنْ مُدَّةِ السَماواتِ والأَرْضِ التي فَرَطَتْ لَهم في الحياةِ الدُنْيا.
الحادي عَشَرَ: أَنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنَ التَدَرُّجِ الذي بَيْنَ الدُنيا والآخِرَةِ.
الثاني عَشَرَ: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ المَسافاتِ التي بَيْنَهم في دُخُولِ النَّارِ، إذْ دُخولُهم إنَّما هوَ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرٍ.
الثالث عَشَرَ: أَنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنْ قولِهِ: "ففي النَّارِ" كأَنَّهُ قالَ: إِلَّا مَا شاءَ ربُّكَ مِنْ تَأَخُّرِ قَوْمٍ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذا القَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبي سَعيدٍ الخدْرِيِّ وجابِرٍ ـ رضي اللهُ عنهما.
الرابع عشر: أنَّ "إلَّا ما شاءَ" بمَنْزِلَةِ: كما شاءَ، قيلَ: كَقَوْلِهِ: {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} النِّساء: 22، أَيْ: كَمَا قَدْ سَلَفَ.
وقالَ الإمامُ السيوطِيُّ في كتابِهِ: (البُدورُ السَّافِرةُ في أُمورِ الآخِرَة): إنَّهُ ليس باسْتِثْناءٍ، وإنَّما "إلَّا" هنا بمَعنْى "سِوى"، كما تَقُولُ: لي عليكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَّا أَلْفانِ، التي لِي عَلَيْكَ، أَيْ: سِوَى الأَلْفَيْنِ، والمَعْنى: خالدين فيها قدْرَ مُدَّةِ السَمَواتِ والأَرْضِ في الدُّنْيا سِوَى ما شاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِيادَةِ عَلَيْها، فلا مُنْتَهى لَهُ. وذَلِكَ عِبارَةً عَنِ الخُلودِ. وهذا قولُ الفَرَّاءِ، فإنَّه يُقَدِّرُ الاسْتِثْناءَ المُنْقَطِعَ ب "سوى"، وسيبوَيْهِ يقدِّرُهُ ب "لكن". وَأَخْرَجَ عبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنْعانيُّ، وَابْنُ الضُّرَّيْسِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَاتِ، عَن أَبي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَوْ عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ" قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ قاضِيَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ، يَقُولُ: حَيْثُ كَانَ فِي الْقُرْآنِ "خَالِدينَ فِيهَا" تَأتي عَلَيْهِ.
والنُّكْتَةُ في تقديمِ ذِكْرِ مُدَّةِ السَمواتِ والأَرْضِ: التَّقْريبُ إلى الأَذْهانِ بِذِكْرِ المَعْهودِ أَوَّلًا، ثمَّ أَرْدَفَهُ بِما لا إِحاطَةَ للدَّهْرِ بِهِ.
قولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فَهُوَ ـ سبحانَهُ، القَادِرُ على كلِّ شيءٍ، الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ. وهوَ الفَاعِلُ المُخْتارُ الذي لا يَجِبُ عَلَيْهِ شيءٌ وليسَ لأَحَدٍ عندَهُ شيءٌ. وَأَخرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ قَالَ: يَنْتَهِي الْقُرْآن كُلُّهُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: "إِنَّ رَبَّكَ فعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ".
قولُهُ تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} خَالِدِينَ: منصوبٌ على الحالِ مِنَ الضَّميرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمَجْرورِ، أَعْني قَولَهُ في الآيةِ قبلَها: {فَفِي النَّارِ}، وعلامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المذَكَّرِ السالمِ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. و "فِيهَا" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "خَالِدِينَ". و "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ. و "دَامَتِ" فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ وتاءُ تأنيث الفاعلِ، و "السَّمَاوَاتُ" فاعلُهُ مرفوعٌ بهِ؛ لأَنَّ دام هُنَا تامَّةٌ بِمَعْنَى بَقِيَتْ. و "الْأَرْضُ" مَعْطوفٌ عَليْهِ، وهذه الجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" المَصْدَرِيَّةِ. و "ما" مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بإضافَةِ الظَّرْفِ المُقَدَّرِ إِلَيْهِ، تَقديرُهُ: مُدَّةَ دَوامِ السَمَواتِ والأَرْضِ، والظَّرْفُ المُقَدَّرُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "خَالِدِينَ".
قولُهُ: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إِلَّا: أَداةُ اسْتِثْناءٍ بِمَعْنَى "غير". و "مَا" مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصوفَةٌ مبنيَةٌ على السكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الاسْتِثْناءِ. و "شَاءَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "رَبُّكَ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بهِ وهو مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" أَوْ صِفَةٌ لَهَا، والعائدُ، أَوِ الرَّابِطُ محذوفٌ تَقْديرُهُ: إلَّا ما شاءَهُ رَبُّكَ.
قولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} إِنَّ: حرفٌ ناسخٌ ناصِبٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيد، و "رَبَّكَ" اسْمُهُ منصوبٌ بهِ وهو مضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه. و "فَعَّالٌ" خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ به، وجملةُ "إِنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ ما قَبَلَها. و "لِمَا" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِ "فعَّالٌ"، وقيلَ: اللامُ: زائدَةٌ في مَفْعولِ الصِّفَةِ تَقْوِيَةً للعامِلِ. و "يُرِيدُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنِ الناصِبِ والجازمِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ عَلى "رَبَّكَ"، والجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" أَوْ صِفَةٌ لَها، والعائدُ أَوِ الرّابِطُ مَحْذوفٌ تَقْديرُهُ: لِمَا يُريدُهُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 107
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 16
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 30
» فيض العليم ... سورة هود الآية: 61
» فيض العليم ... سورة هود الآية: 82
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 98

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: