ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
(103)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا، مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ وعَذابٍ، وَنُهْلِكَ المُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ. وهذه الجملةُ تَذْييلٌ لما قبلَها مُقَرِّرٌ لِمَضْمونِهِ والمُرادُ بالمؤمنين إِمّا الجِنْسُ المُتَناوِلُ للرُسُلِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وإمَّا الأَتْباعُ فَقَطْ، وإنَّما لمْ يَذْكُرْ إِنجاءَ الرُسُلِ إِيذاناً بِعَدَمِ الحاجَةِ إِلِيْهِ. وأَيّاً ما كانَ فَفيهِ تَنْبيهٌ عَلى أَنَّ مَدارَ النَّجاةِ هوَ الإيمانُ. وأخرجَ ابْنُ جَريرٍ وأَبو الشَيْخِ، عَنِ الرّبيعِ في قولِهِ: {فهل يَنْتَظِرونَ إلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوا مِنْ قبلِهم، قُلْ فانْتَظِروا، إني مَعَكمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ} قال: خوَّفَهم اللهُ عذابَهُ ونقْمَتَهُ وعُقوبَتَه، ثمَّ أَخبرَهم أَنَّه إذا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ نَجّى اللهُ رُسُلَهُ والذين آمنوا فقال: "ثمَّ نُنَجّي رُسُلُنا والذينَ آمَنُوا".
قولُهُ: {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} وَإِنْجَاءُ الرُّسُلِ وَالمُؤْمِنِينَ مِنَ العَذَابِ وَالهَلاَكِ، الذِي يُنْزِلُهُ اللهُ بِالكَافِرِينَ المُكَذِّبِينَ، حَقٌّ أَوْجَبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ، وَهَذِهِ هِيَ سُنَّتُهُ في خلْقِهِ.
قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمنوا} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ. و "نُنَجِّي" فِعْلٌ وفاعلُه "نحن" يعود الذاتِ المقدَّسة، و "رُسُلَنَا" مفعولُهُ وهو مضافٌ، و "نا" مٌضافٌ إِلَيْهِ. و "وَالَّذِينَ" حرفُ عطفٍ ومعطوفٌ على "رُسُلَنَا". وقيلَ هوَ معطوفٌ على كلامٍ محذوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قولُه: {إلاَّ مِثْلَ أَيامِ الذين خَلَوا مِنْ قَبْلِهم}. كأنَّهً قِيلَ: نُهْلِكُ الأُمَمَ ثمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا، مَعطوفٌ على حكايةِ الأَحْوالِ الماضِيَةِ. وجملة "آمَنُوا" صِلَةُ المَوْصولِ وجملةِ {نُنَجِّي} معطوفةٌ على محذوفٍ تقديرُه: نُهْلِكُ الأمَمَ المُكَذِّبَةَ لِرُسُلِنا "ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا".
قوله: {كَذَلِكَ} الأظهرُ في هذه الكافِ أنها في محلِّ نصبٍ صِفةً لمصدرٍ محذوفٍ والعاملُ فيهِ نُنَجِّ؛ أَيْ: إنجاءً مثلَ ذَلكَ الإنجاءِ نُنَجِّ المؤمنينَ. أَو أَنَّها في محلِّ رَفْعٍ على خَبَرِ ابْتداءٍ مُضْمَرٍ، تقديره: الأمر كذلك.
قوله: "حَقّاً" فيهِ أَوْجُهٌ، أحدها: أن يكون منصوباً بفعل مقدر أي: حَقَّ ذلك حقاً. والثاني: أن يكون بدلاً من المحذوف النائب عنه الكافُ تقديره: إنجاءً مثل ذلك حقاً، والثالث: أن يكونَ "كذلك" و "حقاً" منصوبين ب "نُنْجِ" الذي بعدهما. والرابع: أنْ يكونَ "كذلك" منصوباً ب "نُنَجِّي" الأولى، و "حقاً" ب "نُنْج" الثانية. و "حَقّاً علينا" اعتراض، بين العامل والمعمول أي: حُقَّ ذلك حقّاً، وقيلَ: بَدَلٌ مِنَ المحذوفِ الذي نابَ عَنْهُ كذلك أيْ إنجاءً مثلَ ذلك حقاً.
قرَأَ العامَّةُ: {نُنَجِّي} مُشَدَّدَةَ الجيمِ، وقرأ الكسائيُّ، وحَفْصٌ عن عاصم: "نُنْجي" مخفَّفاً مِنْ أنجى، يقالُ: أَنْجى ونَجَّى ك أَبْدَلَ وبَدَّل، وجمهورُ القراء لم ينقلوا الخلافَ إلا في هذا دون قوله: {فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} سورة يونس: 92. ودونَ قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا}. وقد نقل أبو علي الأهوازي الخلافَ فيهما أيضاً، ورُسِم في المصاحف "نُنْجِ" بجيمٍ دون ياء.