روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81   فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81 I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 05, 2015 5:55 pm

فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
(81)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {فَلَمَّا أَلْقَوْا} فَلَمَّا أَلْقُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَبْوَابِ السِّحْرِ وَفُنُونِهِ، منْ حِبالٍ وعِصِيٍّ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ، وَأَخَافُوهُمْ حتى أنَّ نبيَّ الله موسى ـ عليه السلامُ كاد يتسرَّبُ اليأسُ إلى نفسِه لولا أنَّ اللهَ وعدّه بإبطالِ كلِّ ما فعلوا من سِحْرٍ ووعدَه بالنصر عليهم وثبَّتَ قلبه، فقد جَاءَ السحرةُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ هَيْمَنَ على أبصار الناسِ وعقولهم فخشيَ أَنَّهم لم يعودوا قادرين على إبصارِ عَصَاهُ، معجزتِهِ.
قولُهُ: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} قالَ لهم ذَلِكَ على سَبيلِ التَوْبيخِ والاسْتِخْفافِ والسُخْريَةِ واستحقارِ ما صَنَعوا، لأنّهُ في حقيقته لا شيءَ، فهم لم يغيِّروا شيئاً في حقائق الموجوداتِ، وإنَّما أثروا على أبصار الناس وأحاسيسهم فرأوا الأشياءَ على غير حقيقتها. وهذا هو كلُّ ما يستطيعُ الشاعرُ فعلَه. ومعنى "جِئْتُمْ بِهِ" هنا أَظْهَرْتُموهُ، فقد اسْتَعْمَل المجيءُ مجازاً في الإظْهارِ، لأنَّ معنى يَجيءُ هنا يُظْهِرُ، فالمُلازَمَةُ عُرْفِيَّةٌ. وليسَ المُرادُ أَنهم جاؤوا بِهِ مِنْ بِقاعٍ أُخْرى، وإِنْ كانَ كَثيرٌ مِنْهم، أَوْ كُلُّهم قدْ جاؤوا مِنْ مُدُنَ عَديدَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذلكَ التقديرَ لا يَطَّرِدُ في كلِّ ما يُعَبَّرُ فيهِ بِنَحْوِ: جاءَ بِكَذا، فإنَّهُ وإنِ اسْتَقامَ في نحو قولِهِ تعالى في سورة يوسف: {وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} الآية: 18. لا يَسْتَقيمُ في نحوِ قولِهِ في سُورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالأِفْكِ} الآية: 11.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ} أيْ: سَيَمْحَقُهُ فلا يُبْقِي لَهُ أَثرًا. وسيُظْهِرُ بُطْلانَ ما جئتم بِهِ مِنْ سِحْرٍ بما سَيُظْهِرُ على يَدَيَّ، مِنَ الآياتِ الخارقة المُعْجِزَةِ الواضحةِ، حتى يَظْهَرَ للنَّاسِ أَنَّ ما فعلتم صِناعةٌ خَدَّاعَةٌ لا آيةٌ خارِقَةٌ للعادَةِ، وليسَ حُجَّةً واضِحَةً على بُطْلانِ حُجَّتي. وهذِهِ ثقَةٌ مِنْهُ ـ عليْهِ السَّلامُ، بِحقيَّةِ رِسالتِهِ وصِدْقِ وَعْدِ اللهِ لَهُ، وإيمانٌ منه بِنَصْرِ الله لَهُ، وتَثْبيتٌ مِنَ اللهِ لِقَلْبِهِ، وتكذيبٌ لما ألقوهُ على الأرضِ مِنْ السِحْرِ.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} أَيْ: إِنَّ اللهَ تعالى لا يجعلُ عَمْلَ المُفْسِدينَ، جميع المُفْسِدينَ، صالحًا للبَقَاءِ ثابتًا، وكيف سَيَنْتُجُ صلاحٌ مِنْ فَسادٍ؟ بَلْ إنَّ اللهَ سيُزيلُهُ ويَذْهَبُ بِهِ، فلا يَبْقى لِباطِلِ هؤلاءِ السَحَرَةِ المُفْسِدينَ أَثرًا. لأَنَّ اللهَ لاَ يَنْصُرُ المُفْسِدِينَ الذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ. سيَّما وأَنَّ خصمَهم نبيٌّ مرسَلٌ مِنْهُ تَعالى، لهِدايَةِ البَشَرِ، مؤيّدٌ بآياتٍ معجِزةٍ دليلاً على صِدْقِهِ فيما يبلِّغُ عن ربِّه.
قولُهُ تَعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى} الفاءُ: عاطِفَةٌ عَلى محْذُوفٍ؛ تَقْديرُهُ: فَأَلْقى السَّحَرَةُ ما عِنْدَهم، و "لمّا" حَرْفُ شَرْطٍ. و "أَلْقَوْا" فِعْلٌ ماضٍ، وواوُ الجماعةِ فاعلُهُ، والجُمْلَةُ فِعْلُ الشَرْطِ. و "قَالَ مُوسَى" فعلٌ وفاعلُهُ وهذه الجملَةُ جوابُ الشرطِ. وجملَةُ "لما" مَعْطوفَةٌ عَلى تِلْكَ الجُمْلَةِ المحذوفَةِ التي قدرناها قبلاً.
قولُه: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ} مَا: اسْمٌ مَوْصُولٌ في محَلِّ رَفْعِ مُبْتَدَأٍ. و "جِئْتُمْ" فِعْلٌ وفاعِلُهُ، و "بِهِ" الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ ب "جئتم"، وهذه الجُمْلَةُ صِلَةُ "ما" المَوْصولَةِ، و "السِّحْرُ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسمِيَّةُ في محلِّ النَصْبِ ب "قَالَ"، وفي المَقامِ أَوْجُهٌ أُخَرُ مِنَ الإعْرابِ، سَنُبَيِّنُها في القِرآتِ. و "إِنَّ اللهَ". ناصِبٌ ناسخٌ واسمُهُ، و "سَيُبْطِلُهُ} فِعْلٌ مضارعٌ والسينُ لما يُستقبَلُ مِنَ الزَمَنِ، والهاءُ ومفعولُهُ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ تقديرُهُ "هو" يَعودُ على "اللهَ" تعالى، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذه في محلِّ رَفْعِ خَبرِ الناسِخِ "إِنَّ" وجملةُ "إِنَّ" في محَلِّ النَصْبِ بِ "قَالَ".
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} ناصِبٌ ناسِخٌ واسمُهُ. و "لا" نافيةٌ، و "يُصْلِحُ عَمَلَ" فِعْلٌ وفاعلُهُ ضَميرٌ يَعودُ عَلى "اللهَ" تعالى، و "عملَ" مفعولُهُ وهو مضافٌ، و "المُفْسِدينَ" مضافٌ إليهِ، وجملَةُ "إِنَّ" هذه في محلِّ النَصْبِ بالقولِ لِ "قَالَ" مَسوقَةٌ لِتَعْليلِ ما قَبْلَها. و "المفسدين" مِنْ وُقوعِ الظاهِرِ مَوْقِعَ ضَميرِ المُخاطَبِ إِذِ الأَصْلُ: لا يُصْلِحُ عَمَلَكم، فأَبْرَزَهُم في هَذِهِ الصِفَةِ الذَّميمَةِ "مفسدين" شَهادَةً مِنْهُ سبحانَهُ عَليهِم بها.
قَرَأَ العامَّةُ: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ} بهمزةِ وَصْلٍ تَسْقطُ في الدَّرْجِ، وفيها أَوْجُهٌ:
أَوَّلها: أَنْ تَكونَ "ما" بمَعْنى الذي في محَلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، و "جئتم به" صِلَةٌ وعائِدُه، و "السحرُ" خبرُهُ، والتقديرُ: الذي جئتم بِهِ السِحرُ، ويُؤيِّدُ هذا التَقْديرَ قِراءَةُ أُبَيٍّ، وما في مُصْحَفِهِ: {ما أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ} وقراءةُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مسعودٍ والأَعْمَشِ ـ رضي اللهُ عنهم: {مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْرُ}. وأَخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ هرونَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: في حرفِ أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رضي اللهُ عنه: "ما أتيتم به سِحْرٌ" وفي حَرْفِ ابْنِ مَسْعود ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "ما جِئْتُمْ بِهِ سِحْرِ".
ثانيها: أَنْ تَكونَ "ما" اسْتِفْهامِيَّةً في محلِّ نَصْبٍ بإضْمارِ فِعْلٍ على ما تَقَرَّرَ، و "السحر" خبرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ مُضْمَرُ الخَبَرِ.
ثالثُها: أَنْ تَكونَ "ما" في محَلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، و "السِحْر" على ما تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً أَوْ خَبَراً، والجملةُ خَبَرُ "ما" الاسْتِفْهامِيَّةِ. قالَ أبو حيَّان الأندلُسِيُّ بعدما ذَكَرَ الوَجْهَ الأَوَّلَ: ويجوزُ عِنْدي أَنْ تَكونَ في هذا الوَجْهِ اسْتِفْهامِيَّةً في مَْوضِعِ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، أَوْ في مَوْضِعِ نَصْبٍ على الاشْتِغالِ، وهوَ اسْتَفْهامٌ عَلى سَبيلِ التَحْقيرِ والتَقْليلِ لِما جاؤوا بِهِ، و "السِحْرُ" خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محْذوفٍ، أَيْ: هوَ السِّحْرُ.
قال السمينُ الحلبيُّ: ظاهِرُ عِبارَتِهِ أَنَّهُ لمْ يَرَهُ غَيرُهُ، حيْثُ قالَ "عندي"، وهذا قَدْ جوَّزَهُ أَبو البَقاءِ ومَكِيٌّ. قالَ أَبو البَقاءِ: لمَّا ذَكَرَ قِراءَةَ غيرِ أَبي عَمْرٍو "ويُقْرَأُ بِلَفْظِ الخَبَرِ، وفيهِ وجْهانِ"، ثمَّ قال: "ويجوزُ أَنْ تَكونَ "ما" اسْتِفْهاماً، و "السِحْرُ" خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ. وقالَ مَكِّيٌّ في قراءةِ غَيْرِ أَبي عَمْرٍو، بعدَ ذِكْرِهِ كَوْنَ "ما" بمَعنى الذي: "ويجوزُ أَنْ تكونَ "ما" رَفْعاً بالابْتِداءِ وهيَ اسْتِفْهامٌ، و "جِئْتُمْ بِهِ" الخَبَرُ، و "السحرُ" خبرُ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ، أَيْ: هوَ السِّحْرُ، ويجوزُ أَنْ تَكونَ "ما" في مَوْضِعِ نَصْبٍ على إضمارِ فِعْلٍ بَعْدَ "ما" تَقديرُهُ: أَيُّ شَيْءٍ جِئْتُمْ بِهِ، و "السحرُ" خَبَرُ ابْتِداءٍ محذوفٍ.
رابِعُها: أَنْ تَكونَ هَذِهِ القِراءَةُ كَقِراءَةِ أَبي عَمْرٍو في المعنى، أي: إِنها عَلى نِيَّةِ الاسْتِفْهامِ، ولكنْ حُذِفَتْ أَداتُهُ للعِلْمِ بها، قالَ أَبو البَقاءِ: "ويُقْرَأُ بِلَفْظِ الخَبَرِ، وفيهِ وجْهان، أَحَدُهما: أَنَّهُ اسْتِفْهامٌ في المعنى أَيْضاً: وحُذِفَتِ الهَمْزَةُ للعِلْمِ بها"، وعلى هذا الذي ذَكَرَهُ يَكونُ الإِعْرابُ على ما تَقَدَّمَ. وإذا جَعَلْتَ "ما" موصُولَةً بمَعْنى "الذي" امْتَنَعَ نَصْبُها بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍٍ عَلى الاشْتِغالِ. قالَ مَكِيٌّ: "ولا يَجُوزُ أَنْ تَكونَ "ما" التي بمعنى "الذي" في مَوْضعِ نَصْبٍ لأنَّ ما بَعْدَها صِلَتُها، والصِلَةُ لا تَعْمَلُ في المَوْصولِ، ولا يَكونُ تَفْسيراً للعامِلِ في المَوْصُولِ"، وهَو كَلامٌ صَحيحٌ لا غبارَ عليه، فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذا أَنَّها إذا كانَتْ اسْتِفْهامِيَّةً جازَ أَنْ تَكونَ في محلِّ رَفْعٍ أَوْ نَصْبٍ، وإذا كانَتْ مَوْصُولَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكونَ مَحَلُّها الرَّفْعُ بالابْتِداءِ. وأَجازَ الفَرَّاءُ نَصْبَ "السحر"، تُجْعَلُ "ما" شَرْطاً، وتَنْصِبُ "السحرَ" على المَصْدَرِ، وتُضْمِرُ الفاءَ مَعَ "إنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ"، وتَجْعَلُ الأَلِفَ واللامَ في "السحر" زَائدَتَيْنِ، وذَلِكَ كُلُّهُ بَعيدٌ، وقدْ أَجَازَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمانَ، حَذْفَ الفَاءِ مِنْ جَوابِ الشَرْطِ في الكَلامِ، واسْتَدَلَّ على ذلكَ بِقَوْلِهِ تَعالى في سورةِ الشورى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الآية: 30، ولمْ يُجِزْه غيرُهُ إلاَّ في ضَرورةِ شِعْرٍ. قال السمينُ: وإذا مَشَيْنا مَعَ الفَرَّاءِ فَتَكونُ "ما" شَرْطاً يُرادُ بها المَصْدَرُ، تقديرُه: أَيَّ سِحْرٍ جِئْتُمْ بِهِ فإنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ، ويُبَيِّنُ أَنَّ "ما" يُرادُ بها السِحْرَ قولُهُ: "السحر، ولكنْ يَقْلَقُ قولُه: "إِنَّ نَصْبَ "السِحْر" على المَصْدَرِيَّةِ"، فيَكونُ تَأْويلُهُ أَنَّهُ مَنْصوبٌ على المَصْدَرِ الواقعِ مَوْقِعَ الحالِ، ولذلك قدَّره بالنَكِرَةِ، وجَعَلَ "أل" مَزيدةً منه. وقد نُقِلَ عَنِ الفَرّاءِ أَنَّ هذهِ الأَلِفُ واللام للتَعْريفِ، وهو تَعْريفُ العَهْدِ، قالَ: وإنما قالَ "السحر" بالألف واللام لأنَّ النَكِرَةَ إذا أُعيدَتْ، أُعيدَتْ بالأَلِفِ واللامِ. يَعْني أَنَّ النَكِرَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ في قولِهِ قبلَ ذلك في الآية: 76: {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ}، وبهذا شَرَحَه ابْنُ عَطِيَّةَ. فقالَ: والتَعْريفُ هُنا في "السحر" أَرْتَبُ لأنَّهُ قدْ تَقَدَّمَ مُنَكَّراً في قولهم: {إنَّ هذا لسِحْر}، فجاءَ هُنا بِلامِ العَهْدِ، كما يُقالُ أَوَّلَ الرِسالَةِ: سلامٌ عليك. قالَ أبو حيّان: وما ذَكَرَهُ هُنا في "السحر" لَيْسَ مِنْ تَقَدُّمِ النَكِرَةِ، ثمَّ أَخْبَرَ عَنْها بَعْدَ ذَلِك، لأَنَّ شَرْطَ هذا أَنْ يَكونَ المُعَرَّفُ بِ "أل" هُوَ المُنُكَّرَ المُتَقَدِّمَ، ولا يكونُ غيرُهُ، فهو كَقولِهِ تَعالى في سُورَةِ المُزَّمِلِ: {كَمَا أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فعصى فِرْعَوْنُ الرّسُولَ} الآيتان: 15 و 16، وتَقولُ: "زارني رَجُلٌ فَأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ" لَمَّا كان إيَّاهُ جازَ أَنْ يُؤْتى بِضَميرِهِ بَدَلَهُ، فتَقولُ: فأَكْرَمْتُه، و "السِحْر" هُنا لَيْسَ هوَ السِحْرَ الذي في قولهم: {إنَّ هذا لَسِحْرٌ} لأنَّ الذي أَخْبَروا عَنْهُ بِأَنَّهُ سِحْرٌ هو ما ظَهَرَ عَلى يَدَيْ مُوسى ـ عليه السلامُ مِنْ مُعْجِزَةِ العَصا، و "السِحْر" الذي في قولِ مُوسَى، إنَّما هوَ سِحْرُهمُ الذي جاؤوا بِهِ، فقدِ اخْتَلَفَ المَدْلولانِ، إذْ قالوا هُمْ عَنْ مُعْجِزَةِ مُوسَى، وقال موسى عَمَّا جاؤوا بِهِ، ولذلك لا يجوزُ أَنْ يُؤْتى هُنا بالضَميرِ بَدَلَ السِحْرِ، فيكونَ عائداً على قولهم: {لسِحْر}. وإنَّما أَرادَ الفرَّاءُ وابْنُ عَطِيَّةَ السِحْرَ المُتَقَدِّمَ الذِّكْرِ في اللَّفْظِ، وإنْ كانَ الثاني غيرَ عَيْنِ الأَوَّلِ في المعنى، ولكنْ لمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِما لَفْظُ "السِحْرِ" جازَ أَنْ يُقالَ ذَلِكَ، ويَدُلُّ على هَذا أَنهم قالوا في قولِهِ تِعالى في سورة مريم: {والسَّلامُ عَلَيَّ} الآية: 33. إِنَّ الأَلِفَ واللامَ للعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ السَّلامِ في قولِهِ تَعالى: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ} الآية: 15، وإِنْ كانَ السَّلامُ الواقعُ عَلى عِيسى هوَ غَيرَ السَّلامِ الواقعِ عَلى يحيى، لاخْتِصاصِ كُلِّ سَلامٍ بِصاحِبِهِ مِنْ حَيْثُ اخْتِصاصُه بِهِ، وهذا النَقْلُ المذكورُ عَنِ الفَرَّاءِ في الألفِ واللامِ يُنافي ما نَقَلَهُ عَنْهُ مَكيٌّ فِيهِما، اللهُمَّ إلاَّ أَنْ يُقالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ لَهُ مَقالَتانِ، وليسَ بِبَعيدٍ فإنَّه كلَّما كَثُرَ العِلْمُ اتَّسَعَتْ وُجُهاتُ النَظَرِ. وقَرَأَ أَبو عَمْرٍو، ومجاهدٌ، وأَصْحابُه، وابْنُ القَعْقاعِ، وأَبو جَعْفَر: "آلسحرُ" بهمزَةِ الاسْتِفْهامِ، وبَعدَها أَلِفٌ محْضَةٌ، وهي بَدَلٌ عَنْ همزَةِ الوَصْلِ الداخِلَةِ على لامِ التَعْريفِ، ويجوزُ أَنْ تُسَهَّل بينَ بينَ، وقدْ تَقَدَّمَ تحقيقُ هذَيْنِ الوجْهينِ عند قولِهِ تعالى في سورةِ الأنعام: {ءَآلذَّكَرَيْنِ} الآية: 143. وهي قراءةُ مجاهدٍ وأَصْحابِهِ وأَبي جَعفَرٍ. فأمَّا قراءةُ أَبي عَمْرٍو ففيها أَوْجُهٌ:
أَوَّلُها: أَنَّ "ما" اسْتِفْهامِيَّةٌ في محلِّ رَفْعٍ بالابْتَداءِ، و "جِئْتُمْ به" الخبرُ، والتقديرُ: أيُّ شيءٍ جئتم، كأنَّه استفهامُ إِنْكارٍ وتَقليلٌ للشيءِ المُجَاءِ بِهِ. و "السِحْرُ" بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الاسْتِفْهام، ولذلك أُعِيدَ معَهُ أَداتُه لما قُرِّرَ في كُتُبِ النَحْوِ.
ثانيها: أَنْ يَكونَ "السِحْر" مُبْتَدَأً خبرُهُ محذوف، تقديرُهُ: أَهُو السِحْرُ؟.
ثالثُها: أَنْ يَكونَ مُبْتَدأً محذوفَ الخَبرِ تقديرُه: السحرُ هوَ. ذَكَرَ هذيْنِ الوَجْهين أَبو البَقاءِ، وذكرَ الثاني مَكِّيٌّ، وفيهما بُعد.
رابِعُها: أَنْ تَكونَ "ما" مَوْصولةً بمعنى الذي، وجئتُم بِهِ صِلَتُها، والموصولُ في محلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، و "السِحْرُ" على وجهَيْهِ مِنَ كَونِهِ خَبرَ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ، أَوْ مُبْتَدأً محذوفِ الخبرِ، تقديرُهُ: الذي جِئْتُم به أَهُوَ السِحْرُ، أَوِ الذي جِئْتم بِهِ السِحْرُ هوَ، وهذا الضميرُ هوَ الرابطُ كقولِكَ: الذي جاءكَ أَزَيْدٌ هوَ، قالَهُ الشَيْخُ أبو حَيّانَ. وقدْ مَنَعَ مَكِّيٌ أَنْ تَكونَ "ما" مَوْصُولَةً على قِراءَةِ أَبي عَمْرٍو فقالَ: وقد قَرَأَ أَبو عَمْرٍو "آلسحرُ" بالمَدِّ، فعلى هذِهِ القِراءَةِ تَكونُ "ما" استِفْهاماً مُبْتَدَأً، و "جئتم به" الخَبَرَ، و "السحر" خَبرَ ابْتِداءٍ محذوفٍ، أي: أَهوَ السِحْرُ، ولا يجوزُ أَنْ تَكونَ "ما" بمعنى الذي على هذِهِ القِراءَةِ إذ لا خبرَ لها. قال السمينُ: ليسَ كما ذَكَرَ، بلْ خبرُها الجُمْلَةُ المُقدَّرُ أَحدُ جُزْأَيْها، وكذلك لم يُجِزِ الزَمخشريُّ وأَبو البَقاءِ كونَها مَوْصُولَةً إلاَّ في قراءَةِ غيرِ أَبي عَمْرٍو، لكنَّهما لم يَتَعَرَّضا لِعَدَمِ جوازِهِ.
والخامسُ والأخيرُ: أَنْ تكونَ "ما" اسْتِفْهامِيَّةً في محلِّ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ بعدَها لأَنَّ لها صَدْرَ الكلامِ، و "جئتم به" مُفَسِّرٌ لذلك الفِعْلِ المُقَدَّرِ، وتَكونُ المَسْأَلةُ حِينَئِذٍ مِنْ بابِ الاشْتِغالِ، والتقديرُ: أَيُّ شَيْءٍ أَتَيْتُمْ جئتُم بِهِ، و "السحر" على ما تَقَدَّمَ، ولو قُرِئَ بِنَصْبِ "السحر" على أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ "ما" بهذا التقديرِ لكانَ لَهُ وَجْهٌ.
وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
(82)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أَيْ: يُثَبِّتُهُ ويُقَوِّيهِ وهوَ عَطْفٌ على قولِهِ سُبْحانَهُ: {سَيُبْطِلُهُ} مِنَ الآيةِ التي قبلَها. وإظْهارُ الاسْمِ الجَليلِ في المَقامَينِ لإلْقاءِ الرَوْعةِ وتَرْبِيَةِ المَهابَةِ. و "بكلماتِهِ" أَيْ بِأَوامِرِهِ وقضائهِ، وعَنِ الحَسَنِ أَيْ: بِوَعْدِهِ النَّصرِ لمنْ جاءَ بِهِ وهوَ سُبْحانَهُ لا يخلِفُ ذَلكَ، وعَنِ الجِبائِيِّ أي: بما يُنْزِلُهُ مُبَيِّناً لمَعاني الآياتِ التي أَتَى بها نَبِيُّهُ ـ عليِهِ السَّلام. وفُسِّرَتِ الكلماتُ بالأوامِرِ جمعُ أَمْرٍ وأُريدَ مِنْها الجِنْسُ، ويحتَمَلُ أَنْ يُرادَ بها قوْلُ "كن"، وأَنْ يُرادَ بها الأَمْرُ واحدُ الأُمورِ ويُرادَ بالكَلِماتِ الأُمورُ والشُؤونُ. وقيلَ: بكلماتِهِ التَنْزيلِيَّةِ التي أَنْزَلها في كُتُبِهِ على أَنْبيائهِ، لاشْتِمالها على الحُجَجِ والبراهين، وبِكَلِماتِهِ التَكْوينِيَّةِ وقضاياهُ السابِقَةِ في وَعْدِه. وقال ابْنُ سَلامٍ، بِكَلِماتِه بقولِهِ في سورةِ طَهَ: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} الآية: 68. وهي مُقْتَضى إِرادَتِهِ التَشْريعِيَّةِ التي يُوحيها إلى رُسُلِهِ، ومِنْ ثمَّ سَيَنْصُرُ موسى على فرعونَ، ويُنْقِذُ قومَهُ مِنْ عُبودِيَّتِهِ.
والكلماتُ: مُسْتَعارَةٌ لِتَعَلُّقِ قُدْرَتِه تَعالى بالإيجادِ وهوَ التَعَلُّقُ المُعَبَّرُ عَنْهُ بالتَكْوينِ الجاري عَلى وِفْقِ إرادتِهِ وعلى وِفْق عِلْمِهِ. وهيَ اسْتِعارَةٌ رَشيقَةٌ، لأنَّ ذَلكَ التَعَلُّقِ يُشْبِهُ الكَلامَ في أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ إِدْراكُ مَعْنىً ويَدُل عَلى إِِرادَةِ المُتُكلِّمِ، وعلى عِلْمِهِ.
قولُهُ: {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} المُرادُ ب "المجرمون" كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بالإجْرامِ مِنَ السَحَرَةِ وغيرِهم. وقد أَراد بِ "المجرمين" فِرْعَوْنَ ومَلأَهُ فعَدَلَ عَنْ ضَميرِ الخِطابِ إلى الاسْمِ الظاهِرِ لما فِيهِ مِنْ وَصْفِهم بالإجْرامِ تعريضاً بهم. وإنَّما لم يُخاطِبْهم بِصِفَةِ الإجْرامِ بِأَنْ يَقولَ: وإنْ كَرِهْتُم "أَيَّها المجرمونَ" عُدولاً عنْ مُواجَهَتِهم بالذَمِّ، وُقوفاً عندَ أَمْرِ اللهِ تَعالى إذِ قالَ لَهُ في سُورَةِ طَهَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} الآية: 44. فأتى بالقَضِيَّةِ في صورةِ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ وهوَ يُريدُ أَنَّهم مِنْ جُزْئيَّاتها بِدونِ تَصْريحٍ بِذَلِكَ. وهذا بخِلافِ مَقامِ النَبيِّ محمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، إذْ قالَ اللهُ لَهُ في سُورةِ الزُمَرِ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} الآية: 64. لأنَّ ذلكَ كانَ بَعْدَ تَكريرِ دَعْوتِهم، وموسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كانَ في ابْتِداءِ الدَعْوةِ. ولأنَّ المُشركين كانوا محاوِلِينَ مِنَ النَبيِّ أَنْ يَعْبُدَ آلهتَهم، فكانَ في مَقامِ الإنْكارِ بِأَبْلَغِ الرَّدِّ عَليهم، وموسَى كانَ محاوِلاً فِرْعونُ وملأَهُ أَنْ يُؤمِنوا، فكانَ في مَقامِ التَرْغيبِ باللِّينِ.
قولُهُ تعالى: {وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بكلماتِه}: الواوُ: عاطفةٌ، و "يُحِقُّ" فعلٌ مضارعٍ، و "اللهُ" فاعلٌ مرفوعٌ، و "الحقَّ" مفعولُهُ، والجُملَةُ في محلِّ النَصْبِ بالقولِ ل "قَالَ" كونَها مَعْطوفَةً على قولِهِ {سَيُبْطِلُهُ}، و "بِكَلِمَاتِهِ" جارٌّ ومجرورٌ ومُضافٌ إليْهِ مُتَعَلِّقٌ بِ "يُحِقُّ".
قولُهُ: {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} الواوُ: عاطفةٌ عَلى محذوفٍ، تَقْديرُهُ: ويُحِقُّ اللهُ الحَقَّ لَو لمْ يَكْرَهِ المجرِمونَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ، و "لو" حَرْفُ شَرْطٍ، و"كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" فِعْلٌ وفاعِلٌ، والجملةُ فعلُ شَرْطٍ ل "لو" وجوابُ الشرط محذوفٌ، تقديرُهُ: وَلَوْ كَرِهَ المجرمونَ يُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ، وجملةُ "لو" الشَرْطِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ على تِلْكَ الجُمْلَةِ المحذوفَةِ.
قرأ العامّةُ: {بكلماتِهِ} بالجمع، وقرِِئَ: "بِكَلِمَتِهِ" على الإفراد، وقد تقدَّم تخريجُها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة يونس الآية: 81
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم .... سورة يونس الآية: 16
» فيض العليم .... سورة يونس الآية: 32
» فيض العليم ... سورة يونس، الآية: 48
» فيض العليم ... سورة يونس الآية: 64
» فيض العليم .... سورة يونس الآية: 79

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: