وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
(79)
قولُهُ ـ تعالى جّدُّهُ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} فقد أَسْنَدَ الفعلَ إليْهِ وَحْدَهُ، لأنَّ الأمْرَ مِنْ وظائفِ فِرْعَوْنَ، أيْ قالَ لملَئِهِ يَأْمُرُهم "ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ" بفُنونِ السِحْرِ حاذِقٍ ماهرٍ فيه. وقَالَ لَهُمْ ذلك: لأنَّه ادَّعى تكبُّراً وعِنَاداً وَعُتُوّاً أَمَامَهم، أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى هُوَ سِحْرٌ، وأنَّه سَيَرُدُّ عَلَى سِحْرِ مُوسَى بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، وَلذلك فقد أَمَرَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ مَلَئِهِ أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ كُلَّ سَاحِرٍ عَالِمٍ مُتَعَمِّقٍ فِي فُنُونِ السِّحْرِ، لِيُزِيلَ مِنْ نُفُوسِهِمْ أَثَرَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ المُعْجِزَاتِ وَالآيَاتِ. وقد وعدَهُمُ التقريبَ منه والعطاءَ الجزيلَ على ذلك، فرُوِيَ أَنَّهم أَتَوْهُ بِسَحَرَةِ "الفرما" وغيرِها مِنْ بِلادِ مِصْرَ.
قولُهُ تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي } فعلٌ وفاعلُهُ والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ فالواوُ للاستئناف، أو أنَّها عاطفةٌ والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ: {قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} الآية: 76، السابقة، فهذِه الجملةُ في حُكْمِ جَوابٍ ثانٍ لحرْفِ {لمّا}. و "ائْتُونِي" فعلٌ وفاعِلٌ ومفعولُهُ الياءُ ضميرُ المتكلِّم والنونُ للوقاية. و "بِكُلِّ" جارٌّ ومجرورٌ مضافٌ مُتَعَلِّقٌ بِالفِعْلِ: "ائتوني". و "سَاحِرٍ" مضافٌ إليه. و "عَلِيمٍ" صِفَةٌ ل "سَاحِرٍ" والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في محَلِّ النَّصْبِ بِ "قَالَ".
قرأ الجمهورُ: {بِكُلِّ سَاحِرٍ}، وقرأَ الأَخَوانِ (حمزةُ والكِسائيُّ): "سَحَّار" مبالغةً من ساحرٍ، وهيَ قراءةُ طلحةَ ابْنِ مُصَرِّفٍ، ويحيى ابْنِ وثَّابٍ، وعيسى بْنِ عُمَرَ.