فيض العليم .... سورة التوبة، الآية: 22
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
(22)
قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وَسَيَكُونُ هَؤُلاَءِ الكِرَامُ مُخَلَّدِينَ فِي الجَنَّةِ أَبَداً وَهَذا جَزَاءٌ لَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ، وقد أَكَّدَ سبحانَهُ، الخلودَ بالتَأْبيدِ؛ لأنَّ الخلودَ قدْ يُطْلَقُ على طُولِ المُكْثِ، لذلك أَتْبَعَهُ بِ "أَبَداً" دَفْعاً للبْسِ.
وقولُهُ: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} أي: ‘نَّ اللهَ تَعَالَى قدْ أعدَّ لِمَنْ آمَنَ به وَجَاهَدَ، وَقَامَ بِمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ الإِسْلاَمُ، أَجْراً عَظِيماً يُسْتَحْقَرُ دُونَه مَشاقُّ الأَعْمالِ المُسْتَوْجِبَةِ لَهُ، ويهونُ من أجله نَعيمُ الدُنيا؛ إذْ لا قَدْرَ لَهُ ولا وزنَ في جانِبِ نِعَمِ الآخِرَةِ ونعيمِها المُقيم.
قالوا: لما وَصَفَ سبحانه، المؤمنين بثلاثِ صِفات: الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة: الرَحمةِ. والرُضْوان. والجَنَّة. وبَدَأَ سُبْحانَهُ بالرَّحمةِ في مُقابَلَةِ الإيمانِ لِتَوَقُّفِها عليه ولأنها أَعَمُّ النِعَمِ وأَسْبَقُها، كما أَنَّ الإيمانَ هُوَ السابِقُ. وثَنَّى تَعالى بالرُضْوانِ الذي هُوَ نهايةُ الإحْسانِ في مُقابَلَةِ الجِهادِ الذي فيهِ بَذْلُ الأَنْفُسِ والأَمْوالِ. وثلَّثَ ـ عزَّ وَجَلَّ، بالجِنانِ في مُقابَلَةِ الهِجْرَةِ وتَرْكِ الأَوْطانِ إِشارَةً إلى أَنَّهم لمّا آثَروا تَرْكَها بِدَّلَهم بِدارِ الكُفْرِ الجِنانَ الدارَ التي هِيَ في جِوارِهِ.
قولُهُ تَعالى: {خالِدينَ فيها أَبَداً} خالدين: حالٌ مِنَ الضَميرِ في "لهم". مِنْ قولِهِ في الآيَةِ السابِقَةِ {لهم فيها نعيمٌ مقيم}. و "فيها"، جارٌ ومجرورٌ متعلِّقٌ بالحالِ "خالدين". وكذلك الظَرْفُ: "أبدًا" هو أيضاً متعلِّقٌ بالحالِ "خالدين".
وقولُهُ: {إنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عظيمٌ} إنَّ: حرف مشبَّهٌ بالفعل، ولفظ الجلالةِ اسمُها، "عندَه أجرٌ" في محلِّ رَفْعِِ خَبرِ "إنَّ".