روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 02, 2015 5:07 am

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(25)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} بعد أنْ حذّر سبحانه، في الآية السابقة مِنْ أَنْ يُحالَ بَيْنَ المرءِ وبين قَلْبِهِ، يحذِّرُ هنا في هذه الآية، جميعَ المؤمنين مِنْ فِتْنَةٍ إنْ نَزَلَتْ لم تخصَّ الظَلَمَةَ فقَط، بَلْ ُتصيبُ الجميعَ الظالمَ منهم والبريء، وهذا تَأْويلُ الزُبيرِ بْنِ العَوَّامِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فإنَّه قالَ يَوْمَ وقعةِ الجَمَلِ: وما عَلِمْتُ أنَّا أُرِدْنا بهذه الآيةِ إلاَّ اليَومَ، وما كُنْتُ أَظُنُّها إلاَّ فيمَنْ خُوطِبَ بها ذلكَ الوَقْتَ، وكذلك تَأَوَّلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: فإنَّهُ قالَ: هذِهِ الآيةُ في عَلِيٍّ، وعَمَّار، وطلحةَ، والزُبيرِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وكَذَلِكَ تَأَوَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فإنَّهُ قالَ: أَمَرَ اللهُ المُؤمِنينَ في هذِهِ الآيةِ أَنْ لا يُقِرّوا المُنْكَرَ بَينَ أَظْهُرِهم فيَعُمُّهمُ العَذابُ، وبَيَّنَهُ القُتْبِيُّ فيما ذَكَرَ مَكِيٌّ عَنْهُ بَياناً شافياً. وأَخْرَجَ ابْنُ أبي حاتمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضاً، قولَه: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً"، أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَيَعُمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ. وكَذلِكَ تَأَوَّلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ والسُدِّيُّ وغَيرِهُما. قالَ السُدِّيُّ: نَزَلَتِ الآيةُ في أَهْلِ بَدْرٍ خاصَّةً؛ فَأَصابَتْهمُ الفِتْنَةُ يَوْمَ الجَمَلِ فاقْتَتَلوا. وعَنْ حُذيفةَ بْنُ اليَمانِ ـ رضي اللهُ عنه، قال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((يكونُ بينَ نَاسٍ مِنْ أَصْحابي فِتْنَةٌ يَغْفِرُها اللهُ لهُمْ بِصُحْبَتِهم إيَّايَ يَسْتَنُّ بِهِم فِيها ناسٌ بَعدَهم يُدْخِلُهُمُ اللهُ بِها النارَ)). وهذِهِ التَأْويلاتُ هِيَ التي تَعْضُدْها الأحاديثُ الصَحيحَةُ؛ ففي صَحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتٍ جَحْشٍ ـ رضي اللهُ عنها، أنَّها سَأَلَتْ رَسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فقالت له: يا رَسولَ اللهِ، أَنَهْلكُ وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كَثُرَ الخَبَثُ)). وفي صَحيحِ التِرْمِذِيِّ: ((إنَّ الناسَ إذا رَأَوُا الظالِمَ ولمْ يَأْخُذوا عَلى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهمُ اللهُ بِعِقابٍ مِنْ عِنْدِهِ)). وفي صَحيحِ البُخاريِّ والتِرْمِذِيِّ عَنِ النُعْمانِ بْنِ بَشيرٍ، عَنِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَثَلُ القائمِ على حُدودِ اللهِ والواقِعِ فِيها كَمَثَلِ قومٍ اسْتَهَمُوا على سَفينةٍ فأَصابَ بَعضُهم أَعلاها وبَعضُهم أَسْفَلَها فكان الذين في أَسْفَلِها إذا اسْتَقُوا مِنَ الماءِ مَرّوا عَلى مَنْ فَوقَهم، فقالوا: لو أَنَّا خَرَقْنا في نَصيبِنا خَرقاً ولم نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكوهم وما أَرادوا هَلَكوا جميعاً، وإنْ أَخَذوا على أَيْديهم نَجَوْا ونَجَوا جميعاً". ففي هذا الحديثِ تَعذيبُ العامَّةِ بِذُنوبِ الخاصَّةِ. وفيهِ اسْتِحقاقُ العُقوبَةِ بِتَرْكِ الأمرِ بالمعروفِ والنَهْيِ عَنِ المُنْكَرِ عندَ ظُهورِ المعاصي وانْتِشارِ المنكرات، وإذا لمْ تُغَيَّرَ وَجَبَ على المؤمنين المُنْكرينَ لها بِقُلوبهم هِجْرانُ تَلكَ البَلدةِ والهرَبُ منها. وهَكَذا كانَ الحُكْمُ فيمَنْ كان قَبْلَنا مِنَ الأُمَمِ؛ كما في مَرَّ معنا في قِصَّةِ السَّبْتِ حينَ هَجرَ اليهودُ العاصين منهم وقالوا لا نُساكِنُكم. وبهذا قال السَلَفُ الصالحُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم.
روى ابْنُ وَهْبٍ عنْ مالكٍ أَنَّه قالَ: تُهْجَرُ الأَرْضُ التي يُصنَعُ  فيها المُنْكَرُ جِهاراً ولا يُسْتَقَرُّ فيها. وروى البُخاريُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما، قال، قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذاباً أَصابَ العذابُ مَنْ كانَ فيهم، ثمَّ بُعِثوا عَلى أَعْمالهم)). ففيه دليلٌ على أَنَّ مِنَ الهلاكِ العامِّ ما يَكونُ طُهْرَةً للمُؤمنين ومِنْهُ ما يَكونُ نِقْمَةً للفاسِقين. وروى مُسْلِم عَنْ عبدِ اللهِ ابْنِ الزُبيرِ أَنَّ السيدةَ عائشةَ أمِّ المؤمنينَ ـ رضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: عَبَثَ رَسولُ اللهِ ـ صلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ في مَنامِهِ، فقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، صَنَعْتَ شَيْئاً في مَنامِكَ لمْ تَكُنْ تَفْعَلهُ؟ فقال: ((العَجَب، إنَّ ناساً مِنْ أُمَّتي يَؤمُّونَ هَذا البَيتَ بِرَجُلٍ مِنْ قُريشٍ قَدْ لجَأَ بالبَيْتِ حَتّى إذا كانوا بالبَيْداءِ خُسِفَ بهم)). فقُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ الطَريقَ قدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قال: ((نعم، فيهم المُسْتَبْصِرُ، والمحبورُ، وابْنُ السبيلِ، يَهْلِكونَ مَهْلكاً واحداً، ويَصْدُرونَ مَصادِرَ شَتّى يَبْعَثُهُمُ اللهُ تَعالى على نِيَّاتِهم)). فإنْ قِيلَ: فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى في سُورَةِ الأَنْعامِ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الآية: 164. وفي سُورَةِ المُدثِّرِ قالَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} الآية: 38. وقال في سورةِ البَقَرةِ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} الآية: 286. وهذا يُوجِبُ أَلاَّ يُؤخَذَ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ، وإنَّما تَتَعَلَّقُ العُقوبةُ بِصاحِبِ الذَنْبِ. فالجَوابُ أَنَّ الناسَ إذا تَظاهَروا بالمُنْكَرِ فَمِنَ الفَرْضِ عَلى كُلِّ مَنْ رَآهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ؛ فإذا سَكَتَ عَلَيْهِ فَكُلُّهم عاصٍ. هذا بِفِعْلِهِ وهَذا بِرِضاهُ. وقدْ جَعَلَ اللهُ في حُكْمِهِ وحِكْمَتِهِ الراضيَ بِمَنْزلةِ الفاعِلِ؛ فعُمَّ في العُقوبَةِ. وهُو مَضمونُ الأَحاديثِ الشريفةِ التي ذكرنا. والمَقْصودُ بالآيَةِ: واتَّقوا فِتْنَةً تَتَعَدَّى الظالمَ، فتُصِيبُ معه الصالح.
وقد جاءَ هذا التحذيرُ مِنْ فتنةٍ عمياءَ تَشْمَلُ عَقِبَ تحريضِ جميعِ المؤمنين على الاسْتِجابةِ، المُسْتَلْزِمِ تحذيرَهم مِنْ عدمِ الاستجابةِ بِتَحْذيرِ المُسْتَجيبينَ مِنْ إعْراضِ المُعْرِضين، لِيَعْلَموا أَنَّهم قدْ يَلْحَقُ بهم أَذًى مِنْ جرَّاءِ فِعْلِ البعضِ منهم إذا هُم لم يُقَوِّموا اعْوِجاجَ قومِهم، فلا يَحْسَبُوا أَنَّ امْتِثالهم كافٍ إذا عَصى دَهْماؤهم، فحَذَّرَهُم فِتْنَةً لا تغادرُ أحداً منهم. فإنَّ على المُسْلمين أنْ يكونوا كَلِمَةً واحدَةً وقلباً واحداً في الاسْتِجابَةِ للهِ وللرَسولِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإلاَّ دَبَّ بينَهمُ الاخْتِلافُ واضْطّربتْ أَحوالُهم واخْتَلَّ نِظامُ جماعَتِهم باخْتِلافِ الآراءِ وهذا هوَ المعبَّرُ عنْه بالفِتْنَةِ. وقد تقدَّمَ ذِكْرُ الفِتْنَةِ عندَ قولِهِ تعالى في سورة البقرة: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} الآية:91. فعلى عقلاءِ الأَقْوامِ وأَصْحابِ النهى منهم والأحْلامِ أنْ يُبادِروا إلى بَيانِ طريق الحقِّ والصوابِ إذا ما رأَوْا دَبيبَ الفَسَادِ في نفوسِ عامَّتِهم، وأَنْ يَكْشِفوا لهم عاقِبَتَهُ، ويمنعوهم مِنْهُ بما أُوتوهُ مِنْ مَوْعِظةٍ وسُلْطانٍ، ويَزْجُروا المُفْسِدين عَنْ فَسادهم ويَردُّوهم عنْ غيهم ويردعوهم، فانْ هُمْ تَرَكُوا ذلك، وتوانوا فيه سرى الفسادُ في النُفوس وانْتَقَلَ بالعَدْوى، حتى يَعُمَّ، فيَعْسُرُ اقْتِلاعُهُ مِنَ النُفوسِ، فيُفْسِِدُ على الصالحين صلاحَهُم واسْتِقامَتَهم، فإنَّ الفِتْنَةَ إذا حَلَّتْ بِقَوْمٍ لم تُصِبِ الظالمَ وحدَهُ بَلْ تعمُّ والصالحَ أيضاً، لذلك وَجَبَ اتِّقاؤها على الجميعِ لأنَّ ضَرَرَها يعمُّ الجميع.
قولُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} يَتَّضحُ بهذا أنَّ الفِتْنَةَ قدْ تَكونُ عِقاباً مِنَ اللهِ تَعالى في الدُنيا، فهي تَأْخُذُ حُكْمَ العُقوباتِ الدُنْيَوِيَّةِ التي تُصيبُ الأُمَمَ، فإنَّ مِنْ سُنَّتِها أَنْ لا تَخُصَّ المجرمين إذا كانَ الغالبَ على النَّاسِ الفسادُ، لأنَّ هذه العقوبات إنّما تكونُ في الغالبِ حوادِثَ كَوْنِيَّةً في نِظامِ العالم الذي وضعه الله تَعالى في خَلْقِ هَذا العالمِ فقد وَرَدَ في الصحيحِ: أَنَّ النَبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَثَلُ القائمِ على حدودِ اللهِ والواقِعِ فيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفينَةٍ فَأَصابَ بعضُهم أَعْلاها وبَعضُهم أَسْفَلَها، فكانَ الذينَ في أَسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا على مَنْ فَوْقَهم فَقالوا: لو أَنَّا خَرَقْنا في نَصيبِنا خَرْقاً ولم نُؤْذِ مَنْ فَوقَنا، فإنْ يَتْرُكوهُم وما أَرادوا هَلَكُوا جميعاً وإنْ أَخَذُوا عَلى أَيْديهِم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً)).
قوله تعالى: {لاَّ تُصِيبَنَّ} لا: ناهيةٌ، وعلى هذا فالجملةُ لا يجوز أن تكون صفةً ل "فتنة"؛ لأنَّ الجملة الطلبيةَ لا تقعُ صفةً، ويجوز أن تكون معمولة لقول، ذلك القولُ هو الصفةُ أي: فتنةً مقولاً فيها: "لا تصيبنَّ". والنهيُ في الصورة للمُصيبَةِ وفي المعنى للمُخاطَبين، وهو في المعنى كقولهم: لا أُرَيَنَّك هَهنا أَيْ: لا تَتَعاطوا أسباباً يُصيبُكم فيها مصيبةٌ لا تَخُصُّ ظالِمَكم. ونونُ التوكيد على هذا في محلِّها. ونظيرُ إضمارِ القولِ قولُ العجّاج:  
فحتى إذا جَنّ الظلامُ واختلط ...... جاؤوا بمَذْقٍ هل رأيتَ الذئبَ قَطْ
أيْ: مقولٌ فيه: هل رأيت. والثاني: أن "لا" نافية، والجملةُ صفةٌ ل "فتنة" وهذا واضحٌ من هذه الجهة، إلا أنه يُشْكل عليه توكيد المضارع في غير قسم ولا طلب ولا شرط، وفيه خلافٌ: هل يَجْري النفيُ ب "لا" مَجْرى النهي؟ من الناس من قال نعم، واستشهد بقوله:
فلا الجارةُ الدنيا لها تَلْحَيَنَّها ......... ولا الضيفُ منها إنْ أناخَ مُحَوَّلُ
وقال آخر:
فلا ذا نعيمٍ يُتْرَكَنْ لنعيمه ............ وإن قال قَرِّظْني وخُذْ رشوةً أبى
ولا ذا بيئسٍ يُتركنَّ لبؤسه ............... فينفعَه شكوٌ إليه إن اشْتكى
فإذا جاز أن يُؤكَّد المنفيُّ ب "لا" مع انفصاله فلأَنْ يؤكَّد المنفيُّ غيرُ المفصولِ بطريق الأَوْلى. إلا أنَّ الجمهورَ يَحْمِلونَ ذلك على الضرورة.
وزعم الفراءُ أَنَّ "لا تُصيبَنَّ" جوابٌ للأمْرِ نحوَ قولك: انْزلْ عَنِ الدابَّةِ لا تَطْرَحَنَّك، أيْ: إنْ تَنْزِلْ عَنْها لا تَطْرحنَّك، ومِنْه قولُهُ تعالى في سورة النمل: {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمانُ وجنودُهُ وهم لا يشعرون} الآية: 18، أيْ: إنْ تَدْخُلوا لا يَحْطِمنَّكم، فدَخَلَتِ النُونُ لِما فيه مِنْ معنى الجزاءِ. قالَ الشيخُ أَبُو حَيَّان الأَنْدَلُسي، قولُهُ: {لا يَحْطِمَنَّكم} هذا المثالُ ليس نظيرَ قولِهِ: "فتنةً لا تصيبنَّ الذين" لأنَّهُ يَنْتَظِمُ مِنَ الآيةِ والمثالُ شَرْطٌ وجَزَاءٌ كَما قَدَّرَ، ولا يَنْتَظِمُ ذلك هُنا، أَلاَ تَرى أَنَّهُ لا يَصِحُّ تَقديرُ: إنْ تَتَّقُوا فِتَنَةً لا تُصِبِ الذينَ ظَلَمُوا، لأنَّهُ يَتَرَتَّبُ على الشَرْطِ غيرُ مُقْتَضاهُ مِنْ جِهَةِ المَعْنى.
وقالَ الزَمَخْشَري: "لا تصيبنَّ": لا يَخْلو: إمَّا أَنْ يَكونَ جَواباً للأمْرِ، أَوْ نَهْياً بَعْدَ أَمْرٍ، أو صِفَةً لِ "فِتْنَةً". فإذا كانت جواباً فالمعنى: إنْ أَصابَتْكم لا تُصِبِ الظالمين مِنْكُم خاصَّةً، بَلْ تَعُمُّكم. قالَ الشيخُ أَبو حيّانٍ الأَنْدَلُسِيُّ: وأَخَذَ الزَمَخْشَرِيُّ قولَ الفَرَّاءِ فزَادَهُ فَساداً وخَبَطَ فيه. فَذَكَرَ ما نَقَلْتُهُ عَنْهُ، ثمَّ قالَ: فانْظُرْ إليْهِ كَيْف قدَّرَ أَنْ يَكُونَ جَواباً للأمْرِ الذي هُوَ "اتَّقُوا"، ثمَّ قدَّرَ أداةَ الشَرْطِ داخلةً على غيرِ مُضارِعٍ "اتقوا" فقالَ: المعنى: إنْ أصابَتْكم، يَعْني "الفتنة". وانْظُرْ كَيْفَ قَدَّرَ الفَرّاءُ: اِنْزِلْ عَنِ الدابَّةِ لا تَطْرَحَنَّك، و {اُدْخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} الآية، فأَدْخَلَ أداةَ شَرْطٍ على مُضارِعِ فِعْلِ الأَمْرِ، وهكذا يُقَدَّرُ ما كانَ جَواباً للأَمْرِ.
وقيلَ: "لا تصيبنَّ" جوابُ قسمٍ محذوف، والجملةُ القسميةُ صفةٌ ل "فتنةً" أيْ: فِتْنَة واللهِ لا تُصيبنَّ. ودُخولُ النونِ أَيْضاً قَليلٌ لأنَّهُ مَنْفِيٌّ. وقال: أَبو البقاءِ: ودَخَلَتِ النُونُ على المَنْفِيِّ في غيرِ القَسَمِ على الشذوذِ، وظاهرُ هذا أَنَّه إذا كان النَفْيُ في جوابِ القَسَمِ يَطَّرِدُ دُخولُ النُونِ، ولَيْسَ كَذلِكَ.
وقيل: إنَّ اللامَ لامُ التوكيدِ، والفعلُ بعدَها مُثْبَتٌ، وإنَّما مُطِلَت اللامُ، أَيْ: أُشْبِعَتْ فتْحَتُها فَتَوَلَّدَتْ أَلِفاً، فدُخُولُ النونِ فيها قِياسٌ.  وتَأَثَّرَ هذا القائلُ بقراءةِ جماعةٍ كَثيرةِ: "لَتُصِيبَنَّ" وهي قراءةُ أَمِيرِ المُؤمنينَ عليّ، وابْنِ مَسْعودٍ، وزَيْدِ بْنِ ثابتٍ، والباقِرِ، والرَبيعِ، وأَنَسٍ، وأَبي العالِيَةِ، وابْنِ جماز ـ رضي اللهُ عنهم. وممّنْ وَجَّهَ ذلكَ ابْنُ جِنّيٍّ. والعَجَبُ أَنَّهُ وَجَّهَ هذِهِ القِراءةَ الشاذَّةَ بِتَوجيهٍ يَرُدُّها إلى قِراءَةِ العامَّةِ، فقالَ: ويجوزُ أَنْ تَكونَ قِراءةُ ابْنِ مَسْعودٍ ومَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مَخَفَّفَةً مِنْ "لا" يَعْني حُذِفَتْ ألفُ "لا" تخفيفاً، واكتُفيَ بالحَرَكَةِ، قالَ: كَما قالوا: (أَمَ والله) يُريدونَ: (أَمَا والله). قالَ المَهدويُّ: كما حُذِفتْ مِنْ "ما" وهي أُخْتُ "لا" في نحوِ أَمَا واللهِ لأَفْعَلَنَّ. وشِبْهِهِ. فقولُهُ "أُخْتُ لا" لَيْس كذلك، لأنَّ "أَمَا" هذِهِ للاسْتِفْتاحِ ك "ألا"، ولَيْسَتْ مِنَ النافيةِ في شَيْءٍ، فَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ هذا أَنَّ ابْنَ جِنّيٍّ خَرَّجَ كُلاًّ مِنَ القِراءتَيْنِ عَلى الأُخْرى، وهذا لا يَنْبَغي أَنْ يَجُوزَ البَتَّةَ، كَيْفَ يُورِدُ لَفْظَ نَفْيٍ ويَتَأَوَّلُ بِثُبوتٍ وعَكْسِه؟ هَذا إنَّما يَقْلِبُ الحَقائقَ ويُؤدِّي إلى التَعْمِيَةِ.
وقالَ المُبَرِّدُ والفَرَّاءُ والزَجَّاجُ في قِراءةِ العامَّةِ: "لا تُصيبَنَّ": إنَّ الكلامَ قد تَمَّ عندَ قولِهِ "فِتْنَةً" وهُوَ خِطابٌ عامٌّ للمُؤمنين، ثمَّ ابْتَدَأَ نَهْيَ الظَلَمَةِ خاصَّةً عَنِ الظُلْمِ فَتُصيبهم الفِتْنَةُ خاصَّةً. والمرادُ هنا: لا يَتَعَرَّضُ الظالمُ للفِتْنَةِ فَتَقَعَ إصابَتُها لَهُ خاصَّةً.
قولُهُ: {مِنْكُمْ} الأَظهرُ في "مِنْ" أَنَّها للبَيانِ مُطْلَقاً. أو أَنها حالٌ فتَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ، أوْ هِيَ للتَبْعيضِ على تقديرٍ كونَه جواباً لأمْرٍ، وللبَيانِ على تَقديرٍ آخَرَ، كونَه نهياً بعد أمرٍ. لأنَّ المَعنى: لا تُصيبَنَّكم خاصَّةً على ظُلْمِكم، فالظُلْمَ مِنْكمْ أَقْبَحُ مِنْ سائرِ الناسِ.
قوله: {خَاصَّةً} الظاهرُ أَنَّها حالٌ مِنَ الفاعلِ المُسْتَكِنِّ في قولِهِ: "لا تصيبنَّ"، والأَصْلُ فيها أنْ تكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُهُ: إصابَةً خاصَّةً. ويجوزُ أنْ تكونَ حالاً مِنَ المفعول، وهُو اسمُ الموصولُ "الذين" والتقديرُ: لا تُصيبَنَّ الظالمين خاصَّةً بلْ تَعُمُّهم وتَعُمُّ غيرَهم. ويجوزُ أنْ تكونَ حالاً مِنْ فاعلِ "ظَلَموا". فإنَّ المعنى: واتَّقوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الذين ظَلَموا ولم يَظْلمْ غيرُهم، بمعنى أَنَّهم اخْتَصوا بالظُلمِ ولم يُشارِكْهم فيهِ غيرُهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 25
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 13
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 29
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 45
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 61
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 14

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: