ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(13)
قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ} ذلك: الإِشارةُ فيه إلى الأَمْرِ بِضَرْبهم، والضمير في "بأنهم" عائدٌ على الذين كَفَروا، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المَلاَئِكَةَ بِذَلِكَ لأنَّ الكَافِرِينَ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُما، وَابْتَعَدُوا عَنْهُمَا، وَتَرَكُوا شَرْعَ اللهِ. "وشاقّوا" مِنَ الشَقِّ، وهُوَ القَطْعُ والفَصْلُ بينَ شَيْئَيْن. أي: أنهم أصبحوا في شقٍ غير الشقِّ الذي فيه النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، وأصحابهُ، ـ رضي اللهُ تعالى عنهم أجمعين. والخِطابُ للرَسولِ، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى. أوْ لكِلِّ مَنْ ذُكِرَ قبلُ مِنَ الملائكَةِ والمؤمنينَ على البَدَلِ أَوْ لكلِّ أَحَدٍ ممنْ يَليقُ بالخِطابِ. وجائزٌ أنْ يكون الخطابُ للجميع.
قولُه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وَمَنْ يُخَالِفْ شَرْعَ اللهِ ويعصيه ويعاندُ نبيَّه، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الغَالِبُ لِمَنْ خَالَفَهُ، وَلاَ أحَدَ أَجْدَرُ بِالعِقَابِ مِمَّنْ يُخَالِفُ اللهَ وَرَسُولَهُ. وهذا الإظهارُ في مقامِ الإضْمارِ هنا لتَرْبِيَةِ المَهابَةِ وإِظهارِ كَمالِ شَناعَةِ ما اجْتَرؤوا عَليه، وللإشعارِ بِعِلِّيَّةِ الحُكْمِ. وإنَّ هذا الذي نَزَلَ بهم في ذلك اليومِ شيءٌ قليلٌ ممّا أَعَدَّهُ اللهُ لهم مِنَ العِقابِ يومَ القيامة، وفيهِ وَعيدٌ وتهديدٌ المقصودُ مِنْهُ الزَجْرُ عَنْ الكُفْرِ.
قولُه تعالى: {ذلك بِأَنَّهُمْ شاقّوا اللهَ ورسولَه} ذَلك: ذا اسمُ إشارة مُبْتَدأٌ، واللامُ للبعد والكافُ للخطاب، وقيل: إنَّ "ذلك" خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ أَيْ: الأمْرُ ذلك. ولا حاجة إليه. و "بأنّهم" الباءُ: للسببية. فهي تفيد معنى التعليل ولهذا فصلت الجملة، وهي جارَّةٌ للمَصْدَرِ المُنْسَبِكِ مِنْ "أنِّ" وجملتِها، و "أنَّ" حرفٌ مشبه بالفعلِ من النواسخ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ اسمِ "أنَّ"، والميمُ علامة المذكر. و "شاقوا" فعلٌ ماضٍ مبني على الضمِّ لاتصالِه بواو الفاعل، وهي في محل رفع فاعلِه والألفُ فارقةٌ، و "اللهَ" لفظُ الجلالةِ مفعولُه منصوبٌ، و "ورسولَه" الواو: عاطفةٌ، و "رسولَ" معطوفٌ على "اللهِ" منوبٌ مثلهُ، وهوَ مضافٌ، والهاء في محلِّ جرِّ مضافٍ إليه. وجملةُ "شاقوا" في محلِّ رفعِ خبرٍ للحرف الناسخِ "أنَّ". وجملة: "أنَّهم" في محلِّ رفعِ خبرٍ للمبتدأِ "ذا".
قوله : {وَمَن يُشَاقِقِ الله فإنَ اللهَ شديدُ العقابِ} مَنْ: شرطية، و جملةُ "فإنَ اللهَ شديدُ العقاب" جزاءُ الشرطِ وجوابه، ومَنْ التزم عَوْدَ ضميرٍ مِنْ جملةِ الجزاءِ على اسْم الشرط قدَّره هنا محذوفاً تقديرُه: فإنَّ الله شديدُ العقابِ لَهُ. أَوْ هي تعليلٌ للجَزاءِ المحذوفِ، أَيْ: عاقَبَهُ اللهُ تَعالى فإنَّ اللهَ شديدُ العِقابِ. وأَيّاً ما كان فالشَرْطِيَّةُ بَيانٌ للسَبَبِيَّةِ السابِقَةِ بِطَريقٍ بُرهانيٍّ ، كأنَّه قيل: ذلك العقابُ الشديدُ بِسَبَبِ المُشاقَّةِ للهِ تَعالى ولرسولِهِ ـ عليه الصلاة والسلام، وكُلُّ مَنْ يُشاقِقِ اللهَ ورَسُولَهُ كائناً مَنْ كانَ فَلَهُ بِسَبَبِ ذلك عِقابٌ شديدٌ.
واتَّفَقَ القُرّاءُ على فَكِّ الإِدْغامِ هُنا في "يُشاقِقِ" لأنَّ المَصاحِفَ كَتَبَتْهُ بِقافَينِ مَفْكوكَتَيْن، ولأنَّ الثاني ساكنٌ في الأَصْلِ والحَرَكَةُ لالْتِقاءِ الساكِنَيْنِ فلا يُعْتَدُّ بها، وفَكُّ هذا النوعِ لُغَةُ الحِجازِ، والإِدْغامُ بِشُروطِهِ لُغَةُ تميمٍ.