أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(69)
قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى
رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} أي: أسْتَبْعَدْتُم وعَجَبْتُم مِنْ أنْ جاءَكم وحيٌ مِنْ ربِّكم ومالِكِ أمورِكم على لسانِ رَجُلٍ مِنْ جِنْسِكم لِيُنْذِرَكم ويُحَذِّرَكم عاقِبَةَ ما أنْتم عليْهِ مِنَ الكُفْرِ والعصيان، وذلك لفرطِ جهالتكم وغبائكم، وعَجِبْتُم مِنْ كَوْنِ رَجُلٍ منكم رَسولاً إليكم ولم تَتعْجَبوا مِنْ اتِّخاذِ الصَنَمِ الذي تصنعونَه بأيديكم أن تتخذوا منه شريكاً لله خالق كلِّ شيءٍ ومليكِه؟!
قولُه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} تذكيرٌ لهم بنعمة عظيمةٍ عليهم أنْ جَعَلَهم خُلَفاءَ (جَمْعُ خَلِيفَةٍ عَلَى التَّذْكِيرِ وَالْمَعْنَى، وَخَلَائِفُ عَلَى اللَّفْظِ). ومَنٌّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَهُمْ سُكَّانَ الْأَرْضِ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ. فَالْمُرَادُ: جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي تَعْمِيرِ الْأَرْضِ، فَعَادٌ أَوَّلُ أُمَّةٍ اضْطَلَعَتْ بِالْحَضَارَةِ بَعْدَ الطُّوفَانِ، وَكَانَ بَنُو نُوحٍ قَدْ تَكَاثَرُوا وَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ، فِي أَرْمِينِيَّةَ وَالْمَوْصِلِ وَالْعِرَاقِ وَبِلَادِ الْعَرَبِ، وَكَانُوا أُمَمًا كَثِيرَةً، وكَانَت عَادٌ أعظمَ تِلْكَ الْأُمَمِ، وَكانوا أَصْحَابَ السِّيَادَةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ خَلَّفُوا قَوْمَ نُوحٍ فِي دِيَارِهِمْ لِأَنَّ مَنَازِلَ عَادٍ غَيْرُ مُنَازِلِ قَوْمِ نُوحٍ عِنْدَ الْمُؤَرِّخِينَ، وَهَذَا التَّذْكِيرُ تَصْرِيحٌ بِالنِّعْمَةِ، وَتَعْرِيضٌ بِالنِّذَارَةِ وَالْوَعِيدِ بِأَنَّ قَوْمَ نُوحٍ إِنَّمَا اسْتَأْصَلَهُمْ وَأَبَادَهُمْ عَذَابٌ مِنَ اللهِ عَلَى شِرْكِهِمْ، فَمَنِ اتَّبَعَهُمْ فِي صُنْعِهِمْ يُوشِكُ أَنْ يَحِلَّ بِهِ عَذَابٌ أَيْضًا.
قولُه: {وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} وزادكم في الخلق: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ "الْخَلْق" مَصْدَرًا خَالِصًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ. فَإِنْ كَانَ "الْخَلْق" بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَالْبَصْطَةُ الزِّيَادَةُ فِي الْقُوَى الْجِبِلِّيَّةِ، أَيْ زَادَهُمْ قُوَّةً فِي عُقُولِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ فَخَلَقَهُمْ عُقَلَاءَ أَصِحَّاءَ، وَقَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَرَبِ نِسْبَةُ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ إِلَى عَادٍ، وَنِسْبَةُ كَمَالِ قُوَى الْأَجْسَامِ إِلَيْهِمْ قَالَ النَّابِغَةُ:
أَحْلَامُ عَادٍ وَأَجْسَامٌ مُطَهَّرَةٌ ................ مِنَ الْمَعَقَّةِ وَالْآفَاتِ وَالْإِثْمِ
وَقَالَ وَدَّاكُ بْنُ ثُمَيْلٍ المازِنِيُّ فِي (الْحَمَاسَةِ):
وَأَحْلَامُ عَادٍ لَا يَخَافُ جَلِيسُهُمْ .......... وَلَوْ نَطَقَ الْعُوَّارُ غَرْبَ لِسَانِ
وَقَالَ قِيسُ بْنُ عُبَادَةَ:
وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَابَ قَيْسٌ وَهَذِهِ ............. سَرَاوِيلُ عَادِيٍّ نَمَتْهُ ثَمُودُ
وَإِذا كَانَ "الْخَلْق" بِمَعْنَى النَّاسِ فَالْمَعْنَى: وَزَادَكُمْ بَصْطَةً فِي النَّاسِ بِأَنَّ جَعْلَكُمْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فِيمَا تَتَفَاضَلُ بِهِ الْأُمَمُ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَيَشْمَلُ رُجْحَانَ الْعُقُولِ وَقُوَّةَ الْأَجْسَامِ وَسَلَامَتَهَا مِنَ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ وَقُوَّةَ الْبَأْسِ، وَقَدْ نُسِبَتِ الدُّرُوعُ إِلَى عَادٍ فَيُقَالُ لَهَا: الْعَادِيَّةُ، وَكَذَلِكَ السُّيُوفُ الْعَادِيَّةُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ: {وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} سورةُ فُصِّلَتْ: 15. وَحَكَى عَنْ هُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} سورةُ الشُّعَرَاء، الآيات: 129 ـ 134. وَ"بَصْطَةُ" الأصلُ فيها أنَّها بالسينِ "بسطة" وأُبْدِلَ السينُ صاداً لمُجاورتِهِ الطءَ، ومعناها الْوَفْرَةُ وَالسَّعَةُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وهيَ هُنا زِيادةٌ في الطولِ وعِظَمٌ في الجِسْمِ، كما جاءَ في كُتُبِ التَفْسيرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: كَانَ أَطْوَلُهُمْ مِئَةَ ذِرَاعٍ، وَأَقْصَرُهُمْ سِتِّينَ ذِرَاعًا. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَتْ عَلَى خَلْقِ آبَائِهِمْ. وَقِيلَ: عَلَى خَلْقِ قَوْمِ نُوحٍ. قَالَ وَهْبٌ: وكَانَ رَأْسُ أَحدِهِم مِثْلَ قُبَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَكَانَ عَيْنُ الرَّجُلِ يُفَرِّخُ فِيهَا السِّبَاعُ، وَكَذَلِكَ مَنَاخِرُهُمْ. وَرَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّه كَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِ عَادٍ يَتَّخِذُ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ حِجَارَةٍ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا خَمْسُمِئَةِ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ يُطِيقُوهُ، وَإِنَّه كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَغْمِزُ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَتَدْخُلُ فِيهَا.
قولُه: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لعلَّكم تُفلحون} أَيْ اذكروا نِعَمَ اللهِ. والآلاءُ وَاحِدُهَا: إِلًى وَإِلْيٌ وَإِلْوٌ وَأَلًى. مِثْلُ عِنَبٍ وأَعْنَابٍ، كَالْآنَاءِ، وَهُوَ الْوَقْتُ: وَاحِدُهَا إِنًى وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ وأَنًى. قَالَ تَعَالَى: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ} سورةُ الْأَحْزَاب، الآية: 53. أَيْ وَقْتَهُ، وَقَالَ: {وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّح} سورة طَهَ، الآية: 130. فقد انْتَقَلَ مِنْ أَمْرِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ إِلَى تَذْكِيرِهِمْ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِمُ الَّتِي لَا يُنْكِرُونَ أَنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللهِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ للهِ لَا لِغَيْرِهِ. تَذْكِيرًا مِنْ شَأْنِهِ إِيصَالُهُمْ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ. وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَنْسَى النِّعَمَ فَتَكْفُرُ الْمُنْعِمَ، فَإِذَا تَذَكَّرَتِ النِّعْمَةَ رَأَتْ حَقًّا عَلَيْهَا أَنْ تَشْكُرَ الْمُنْعِمَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ مَسْأَلَةُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ مِنْ أَهَمِّ مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ، وَالِاكْتِفَاءِ بِحُسْنِهِ عَقْلًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنِ اكْتَفى بالحِسِّ الْعَقْلِيِّ وَمَنْ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَاعْتَبَرَ التَّوَقُّفَ عَلَى الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ.
قولُهُ: {لعلَّكم تفلحون} رَتَّبَ ـ سبحانَهُ وتعالى ـ رَجَاءَ الفلاحِ عَلَى ذِكْرِ نِعَمِهِ، لِأَنَّ ذِكْرَ النِّعَمِ يُؤَدِّي إِلَى شُكْرِ الْمُنْعِمِ، ويَحْمِلُ عَلَى مُقَابَلَةِ النِّعَمِ بالطّاعَةِ.
قوله تعالى : {أَوَ عَجِبْتُمْ} الهمزةُ للاسْتِفْهامِ الإنْكاريِّ والمُرادُ بِهِ النَهْيُ، أيْ: لا تَعْجَبوا وتَدَبَّروا في أَمْرِكُم. والواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، و"عَجِبْتُمْ" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٍّ على السُكونِ، لاتّصالِه بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ، والتاءُ ضميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ رَفْعِ فاعِلٍ، والميم علامةُ جمعِ الذكورِ. وهو مَعطوفٌ على مَحْذوفٍ دَلَّ عليْهِ سِياقُ الكَلامِ، أيْ: أَفَكَذَّبْتُمْ أَوَ عَجِبْتُمْ، والمَحْذوفُ مُسْتَأْنَفٌ مَسوقٌ لِنَهْيِهم عنِ الإمْعانِ فيما هُمْ عَلَيْه منْ كفرٍ وعنادٍ وتكذيب. جُملةُ: "عَجِبْتُمْ" لا مَحَلَّ لَها مَعْطوفَةٌ على جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٌ، أيْ: كَذَّبْتُمْ وعَجِبْتُمْ أَنْ جاءكم ..، وهي داخلةٌ في حَيِّزِ الكَلامِ المَسبوقِ مِنْ هُودٍ ـ عليْهِ السَّلامُ.
قولُهُ: {أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أَنْ: حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ. أيْ مِنْ أَنْ جاءكم فحذفت "من"، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ مِنْ "أنْ جاءكم" في مَحَلِّ جَرٍّ بِحرفِ الجَرِّ المحذوفِ "مِن" متعلِّقٌ بـ "عَجِبْتُم". و"جاءَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهر على آخرِهِ. و"كم" ضميرُ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مَفعولٍ بِهِ، والميمُ علامة التذكير. و"ذِكْرٌ" فاعلٌ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضمُّ الظاهرُ على آخره. "مِنْ ربِّكم" جارٌ ومجرورٌ مُتَعَلِّقان بِنَعْتِ لِـ "ذِكْرِ"، و"ربِّ" مضافٌ والكاف: في محلِّ جرِّ مضافٍ إليه، والميم للمذكر، جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَعْتٍ ثانٍ لِـ "ذِكْر". "من" حرفُ جَرٍّ و"كم" ضميرٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعَلِّقٍ بِنَعْتٍ لـ "رجل" ويجوزُ أَنْ يَكونَ على حذفِ مُضافٍ، أيْ: على لسانِ رَجُلٍ. وقيلَ "على" بمعنى "مع" ـ وقد تقدّم. أي: مَعَ رَجُلٍ فلا حَذْفَ، وقيل: لا حاجةَ إلى حَذْفٍ ولا إلى تَضمينِ حَرْفٍ لأنَّ المعنى: أُنزلَ إليكمْ ذِكْرٌ على رَجُلٍ، وهذا أَوْلَى، لأنَّ التَضْمينَ في الأفعالِ أَحْسَنُ مِنْهُ في الحُروفِ لِقَوَّتِها وضَعْفِ الحَروفِ. وجُمْلَةُ: "جاءكمْ ذِكْرٌ" صلةُ الموصولِ الحَرْفِيِّ "أنْ" لا محلّ لها من الإعراب لا محلّ لها من الإعرابِ.
قولُه: {لِيُنْذِرَكُمْ} لينذركم: اللامُ لامُ التَعليلِ، "يُنذِرَ" فعلٌ مُضارِعٌ مَنْصوبٌ بأنْ المصدريَّة المُضْمَرَةِ بعدَ لامِ التَعليلِ، والكافُ: في مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعولٍ بِهِ، والميمُ: علامة جمع المذكّر، و"أَن" المصدريّةُ المُضمَرَةُ وما بَعْدَها في تأويلِ مَصْدَرٍ، والمصدرُ مَجرورٌ باللامِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتَعَلِّقان بِـ "جاءكم" والتقدير، لإنْذارِكم. هذه الجُملةُ "يُنْذِرُكم" صلة الموصول الحرفي "أن" المُقَدَّرِ. فلا مَحلَّ لها من الإعرابِ أيضاً.
قولُهُ: {وَاذْكُرُوا إِذْ} الواو عاطفة، "اذكروا" فعلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على حذفِ النونِ لأنَّهُ من الأفعالِ الخمسةِ والواو ضميرٌ متَّصلٌ دالٌ على الجماعة مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ، والألفُ فارقةٌ. "إذ" اسْمُ زمانٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في محلّ نَصْبِ مَفْعولٍ بِهِ لـ "اذكروا"، وقد يَخْلُصُ "إذ" للظَرْفيَّةِ المَحْضَةِ فيَتَعَلَّقُ بمَحْذوفٍ تقديرُهُ "نعمةَ"، أيْ: اذْكُروا نِعْمَةَ رِبِّكم إذْ جَعَلَكُم. وجملةُ: "اذكروا" معطوفةٌ على
مُسْتَأْنَفٍ مُقدَّرٍ، أيْ: لا تَعْجَبوا، أوْ تَدَبَّروا أَمْرَكم واذكروا ...
قولُهُ: {جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} جعلَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهر، فاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ تَقديرُهُ "هو" يَعودُ على "رَبِّكم"، والكافُ: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعول به، والميم علامة الجمع المذكَّر. "خلفاءَ" مَفْعولٌ بِهِ ثانٍ مَنْصوبٌ، ومُنِعَ مِنَ التَنْوينِ لأنَّهُ مُلْحَقٌ بالمَمْدودِ، على وَزْنِ "فَعَلاء"، "من بعدِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مًتعلِّقٌ بمَحذوفِ نَعْتٍ لـ "خلفاءَ"، "قوم" مُضافٌ إليْهِ مَجْرورٌ، "نوح" مُضافٌ إليْهِ مَجرورٌ أيضاً. جملةُ "جعلكم" في محلِّ جَرٍّ بإضافَةِ "إذ" إليها.
قولُهُ: {وزادكم في الخلقِ بصطةً} و: حرفُ عطفٍ، "زادكم" مثلُ جَعَلَكم، "في الخلق" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ "زادكم" أو بمحذوفِ حالٍ مِنْ "بصطة" ـ نعتٌ تَقدَّمَ على المَنعوتِ. و"بَصْطة" مَفْعولٌ به ثانٍ، وجملة "زادكم" في مَحَلِّ جرِّ عطفاً على جملةِ "جعلكم".
قولُه: {فاذكروا ألاءَ اللهِ} الفاء: رابطةٌ لِجوابِ الشَرْطِ المُقدَّرِ، "اذكروا" مثلُ الأوَّلِ، "آلاءَ" مَفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، وهو مضاف. "الله" لفظُ الجلالةِ مضافٌ إليهِ مَجْرورٌ. و هذه الجملةُ في محلِّ جَزْمِ جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ، أي: إنْ عَرَفْتُمْ فضلَ اللهِ عليكم فاذْكُروا آلاءَ اللهِ.
قولُهُ: {لعلَّكم تُفلحون} لعلكم: "لعلَّ" حَرْفٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، للترجّي والكاف: ضميرٌ متَّصلٌ في مَحلِّ نَصْبِ اسْمِ "لعل"، والميم علامة جمع المذكَّر. "تفلحون" فعلٌ مضارعٌ مَرْفوعٌ وعلامة رفعه ثبوت النون لأنَّه من الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ. وجملةُ: "تفلحون" في مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرٍ لـ "لعل". وجملة لعلَّ" تعليليَّةٌ لا مَحلَّ لها من الإعرابِ.