روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54 I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 29, 2014 5:21 am

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
(54)
قَوْلُهُ ـ جلَّ وعَلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} بعدَ قِصَّةِ خَلْقِ الإنْسانِ، وبعدَ الحديثِ عن اتباعِ الشيطان المستكبرين عنِ اتِّباعِ رُسُلِ اللهِ، وبعدَ عرضِ تصوراتِ الجاهليين وتقاليدَهم التي شَرَعوها لأنفسِهم بِلا إذْنٍ من ربِّهم، يَرُدُّ الله تعالى البشرَ إليه، إلى ربِّهم الذي خلق هذا الوجودَ وسَخَّرَهُ بما فيه لهم ليعرفوه فيعبدوه، فيَعْرِضُ لهم ـ جلَّ وعلا ـ قِصَّةَ خَلْقِ السماواتِ والأرضِ. ويُوجِّهُ البصائرَ والأبصارَ إلى مُكنوِّناتِ هذا الكونِ وأَسرارِهِ، وإلى ظواهرِهِ وأَحْوالِهِ، إلى اللّيلِ الذي يَطلُبُ النَّهارَ في ذلك الفَلَكِ الدّوَّارِ.ويذكرهم بنواميسِهِ التي يحكمه بها ويُصَرَّفُه، بقدرتِه وقَدَرِهِ، وهو ـ سبحانَه ـ وحدَه الذي لَهُ الخَلقُ والأَمرُ فيقول: "إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ: أيْ إنَّ سيِّدَكم ومالِكَكم، ومُصْلِحَ أُمورِكم وأحوالكم، ومُوصِلَ الخيراتِ إليكم، الذي يدفعُ المكارِهَ والشرَّ عنكم. "الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ" هو جانبٌ مِنْ بَديعِ صُنْع اللهِ، وجليلِ قُدرتِهِ وتَفرُّدِهِ بالإيجادِ الذي يُوجِبُ على العبادِ توحيدَه وعِبادَتَه، فقد تَعَرَّفَ اللهُ ـ جلَّ وعلا ـ إلى الخلق بآياته الظاهرةِ الدالَّةِ على قُدْرَتِهِ وهيَ أَفعالُه، وبَيَّنَ في هذه الآية الكريمة أَنَّهُ ـ سبحانَهُ وتعالى ـ الْمُنْفَرِدُ بِقُدْرَةِ الْإِيجَادِ، فَهُوَ وحده الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْبَدَ. والخلقُ لغةً: هو التَقديرُ، ويُسْتَعْمَلُ في إبْدَاعِ الشيءِ مِنْ غَيْرِ أَصْل سَبَقَ ولا ابتداءٍ تَقدَّمَ.
قولُهُ: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} اليومُ عِبارةٌ عَنْ مِقْدارٍ مِنَ الزَّمانِ مِنْ طُلوعِ الشمسِ إلى غُروبها. وقيلَ أنَّ هذه الأيامُ الستَّةُ مِنْ أَيَّامِ الدُنيا، وقيلَ هي مِنْ أَيَّامِ الآخرةِ. قالَ ابْنُ عبَّاس: كلُّ يَومٍ مَقْدارُهُ ألفُ سَنَةٍ، وأوَّلُ هذه الأيامِ أوَّلُها الأَحَدُ وآخِرُها الجُمُعةُ، وبِهِ قالَ عبدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ وكَعْبُ الأَحْبارِ والضَّحَّاكُ ومُجاهدٌ، واختارَهُ ابْنُ جَريرٍ والطَبَرِيُّ. وقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَمَعْنَى (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أَيْ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ، لِتَفْخِيمِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَقِيلَ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: أَوَّلُهَا الْأَحَدُ وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ. وقد يكونُ المقصودُ سِتَّ مَراحلَ، أو ستَّةَ أَطوارٍ. وقد تَكونُ سِتَّةَ أَيامٍ مِنْ أَيَّامِ اللهِ التي لا تُقاسُ بمقاييسِ زَمانِنا لأنَّه ناشئٌ مِنْ قِياس حَرَكةِ الأَجْرامِ التي لم تكن موجودةً قبلَ الخلقِ، وقد يَكونُ المقصودُ شيئاً آخر.
وقد ذَكَرَ ـ سبحانَه ـ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَلَوْ أَرَادَ خَلْقَهَا فِي لَحْظَةٍ لَفَعَلَ، إِذْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَقُولَ لَهَا كُونِي فَتَكُونُ. وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَ الْعِبَادَ الرِّفْقَ وَالتَّثَبُّتَ فِي الْأُمُورِ، وَلِتَظْهَرَ قُدْرَتُهُ لِلْمَلَائِكَةِ شَيْئًا بَعْدَ شيءٍ. وَقيل: خَلَقَهَا فِي سِتَّةِ أَيّامٍ لأنَّ لِكُلِّ شيءٍ عِنْدَهُ أَجَلًا. وَبَيَّنَ بِهَذَا تَرْكَ مُعَاجَلَةِ الْعُصَاةِ بالعقابِ، لأنَّ لكلِّ شيءٍ عندَهُ أَجَلاً. وهو كقولِهِ في سورةِ (ق): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ. فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوب} الآيتان: 38 و 39. بَعْدَ أَنْ قَالَ: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً}.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} هَذِهِ مَسْأَلَةُ الِاسْتِوَاءِ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَامٌ، وَالْأَكْثَرُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَنْزِيهُ الْبَارِي ـ سُبْحَانَهُ ـ عَنِ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ فَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ وَلَوَاحِقِهِ اللَّازِمَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَادَتِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْزِيهُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ الْجِهَةِ، فَلَيْسَ بِجِهَةِ فَوْقٍ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَتَى اخْتَصَّ بِجِهَةٍ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانٍ أَوْ حَيِّزٍ، وَيَلْزَمُ عَلَى الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ لِلْمُتَحَيِّزِ، وَالتَّغَيُّرُ وَالْحُدُوثُ. هَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الْأَوَّلُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَةِ وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ، بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّةُ بِإِثْبَاتِهَا للهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابُهُ وَأَخْبَرَتْ رُسُلُهُ. وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ حَقِيقَةً. وَخُصَّ الْعَرْشُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّةَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّهُ لَا تُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ. قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ ـ يَعْنِي في اللُّغةِ ـ والكيف مَجْهُولٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْ هَذَا بِدْعَةٌ. وَكَذَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. وقالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الحَسَنِ: اتَّفَقَ الفُقهاءُ جميعاً على الإيمانِ بالصِفاتِ مِنْ غيرِ تَفسيرٍ ولا تَشْبيهٍ. وقالَ الإمامُ الرازي: إنَّ هذا المَذْهَبَ هو الذي نَقولُ بِهِ ونَخْتَارُهُ ونَعتمِدُ عليه. وذَهَبَ بعضُ عُلَماءِ الخَلَفِ إلى وُجوبِ صَرْفِ الاستواءِ عنْ ظاهرِه لاسْتِحالَتِهِ عقلاً، وأَنَّ المراد منْه أَنَّه اسْتَقامَ مُلْكُهُ، واطَّرَدَ أَمْرُهُ ونَفَذَ حُكْمُهُ في مخلوقاتِهِ، وقد دلَّ ـ تعالى ـ على ذاتِهِ وصِفاتِهِ وكَيْفِيَّةِ تدبيرِهِ للعالَمِ على الوَجْهِ الذى أَلِفوهُ مِنْ مُلوكِهم واسْتَقَرَّ في قلوبِهم، تنبيهاً على عَظَمَتِه وكمالِ قُدْرَتِه، وذلك مَشْروطٌ بِنَفْيِ التَشْبيهِ، ويَشْهَدُ بذلكَ قولُه ـ تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ}وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ، وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْعُلَمَاءِ. وَالِاسْتِوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْعُلُوُّ وَالِاسْتِقْرَارُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَاسْتَوَى مِنَ اعْوِجَاجٍ، وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ، أَيِ اسْتَقَرَّ. وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أَيْ قَصَدَ. وَاسْتَوَى أَيِ اسْتَوْلَى وَظَهَرَ. قَالَ الشاعر الأخطل:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ............... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
وَاسْتَوَى الرَّجُلُ أَيِ انْتَهَى شَبَابُهُ. وَاسْتَوَى الشَّيْءُ إِذَا اعْتَدَلَ. وَحُكيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} قَالَ: عَلَا. وَقَالَ الشَّافعِيُّ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُ:
فَأَوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ ........... وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى
أَيْ عَلَا وَارْتَفَعَ. فعُلُوُّ اللهِ تَعَالَى وَارْتِفَاعُهُ عِبَارَةٌ عَنْ عُلُوِّ مَجْدِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَكُوتِهِ. أَيْ لَيْسَ فَوْقَهُ فِيمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ مَعَانِي الْجَلَالِ أَحَدٌ، وَلَا مَعَهُ مَنْ يَكُونُ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، لَكِنَّهُ ـ سبحانه ـ العَلِيُّ بالإطلاق. و"الْعَرْشِ" لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. فالْعَرْشُ سَرِيرُ الْمُلْكِ. جاءَ فِي الذِكْرِ الحكيمِ: {نَكِّرُوا لَها عَرْشَها}، سورة النمل، الآية: 41. وفي سورة يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} الآية: 100. وَالْعَرْشُ: سَقْفُ الْبَيْتِ. وَعَرْشُ الْقَدَمِ: مَا نَتَأَ فِي ظَهْرِهَا وَفِيهِ الْأَصَابِعُ. وَعَرْشُ السِّمَاكِ: أَرْبَعَةُ كَوَاكِبَ صِغَارٍ أَسْفَلَ مِنَ الْعُوَّاءِ (العُوّاءُ: خمسةُ كواكبَ على خَطٍّ مُعقف. أو هو: منزلٌ مِنَ مَنازلِ القَمَرِ). يُقَالُ: إِنَّهَا عَجُزُ الْأَسَدِ. وَعَرْشُ الْبِئْرِ: طَيُّهَا بِالْخَشَبِ، بَعْدَ أَنْ يُطْوَى أَسْفَلُهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْرَ قَامَةٍ، فَذَلِكَ الْخَشَبُ هُوَ الْعَرْشُ، وَالْجَمْعُ عُرُوشٌ. وقيل هو جسمٌ نورانيٌّ مرتفعٌ على كلِّ الأَجسامِ محيطٌ بها. وقد ذُكِرَ العرشُ في إحدى وعشرين آيةً من القرآنِ الكريم، وذُكِرَ الاسْتِواءُ على العرشِ في سَبْعِ آياتٍ. وَالْعَرْشُ الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ. يُقَالُ: ثُلَّ عَرْشُ فُلَانٍ إِذَا ذَهَبَ مُلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَعِزُّهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشُهَا ......... وَذُبْيَانُ إِذْ ذَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْلُ
وقد يُؤوَّلُ الْعَرْشُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْمُلْكِ، أَيْ مَا اسْتَوَى الْمُلْكُ إِلَّا لَهُ ـ جَلَّ وَعَزَّ. وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قولُهُ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} التَّغْشِيَةُ وَالْإِغْشَاءُ: إِلْبَاسُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ. أَيْ: يَجْعَلُهُ كَالْغِشَاءِ، أَيْ يُذْهِبُ نُورَ النَّهَارِ لِيَتِمَّ قِوَامُ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا بِمَجِيءِ اللَّيْلِ. فَاللَّيْلُ لِلسُّكُونِ، وَالنَّهَارُ للمعاش. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُخُولَ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، ومِثْله قولُهُ: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} سورة النحل، الآية: 81. أيْ والبردَ. وقولِه في سورة آل عمران: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أي والشرُّ. "يَطْلُبُهُ حَثِيثاً" أَيْ يَطْلُبُهُ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ. أَيْ يَطْلُبُهُ طَلَبًا سَرِيعًا. وَالْحَثُّ: الْإِعْجَالُ وَالسُّرْعَةُ. وَوَلَّى حَثِيثًا أَيْ مُسْرِعًا. فإنَّ اللّيلَ يَطلُبُ النهارَ أوْ أنَّ كلاهُما يطلُبُ الآخَرَ طَلَباً سريعاً حتى يَلْحَقَهُ ويُدْرِكُهُ، وهو كناية عن أَنَّ أحدَهُما يَأتي عَقِب َالآخَرِ ويَخْلُفُهُ بِلا فاصِلٍ، فكأنَّه يَطلُبُه طلباً سَريعاً لا يَفْتُرُ عنْه يَلْحَقُهُ دونما راحة أو فرصة فاصلةٍ. والحَثُّ على الشىءِ: الحَضُّ عليْه. يُقالُ: حَثَّ الفَرَسُ على العدْوِ يَحُثُّهُ حَثّاً صاحبُه أوْ وَكزَهُ بِرِجْلٍ أوْ ضَرْبٍ. وذَهَبَ حَثيثاً أي: مُسْرِعاً.
قولُهُ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ} أيْ: وخَلَقَ الشمسَ والقمرَ والنجومَ، كونَهُنَّ مُذَلَّلاتٍ خاضعاتٍ لِتَصَرُّفِه، مُنْقاداتٍ لِمَشيئتِهِ، كأنَّهُنَّ مُميَّزاتٍ أُمِرْنَ فانْقَدْنَ، فتَسميَةُ ذلكَ "أمراً" على سبيلِ التَشبيهِ. ويَصِحُّ حَمْلُ الأمرِ على الإرادةِ. أي: هذه الأجرامُ العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته: ومنهم من حمل الأمرَ على الأمْرِ الكلامي وقال: إنَّه ـ سبحانه ـ أمَرَ هذه الأجرامَ بالسيرِ الدائمِ والحرَكَةِ الدائبةِ على الوجهِ المخصوص إلى حيثُ شاءَ ولا مانعَ أنْ يُعْطيها اللهُ إدْراكاً وفهماً لذلك.
قَوْلُهُ: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي أنَّه ـ سبحانَهُ ـ هو صاحبُ الخلقِ والأمر. فكما أنَّه لا خالقَ معَه. فكذلك لا آمِرَ مَعَهُ. فلَهُ وحدَه الْخَلْقُ وَلَهُ وحدَّه الْأَمْرُ كلُّ الأمرِ، خَلَقَهُمْ كما شاءَ، وَأَمَرَهُمْ بِمَا أَحَبَّ. وَهَذَا الْأَمْرُ يَقْتَضِي النَّهْيَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، فمن جمعَ بينَهُما فقد كَفَرَ. فَالْخَلْقُ الْمَخْلُوقُ، وَالْأَمْرُ كَلَامُهُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: "كُنْ". "إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" وَفِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَلَامُهُ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مَخْلُوقًا لَكَانَ قَدْ قَالَ: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْخَلْقُ. وَذَلِكَ عِيٌّ مِنَ الْكَلَامِ وَمُسْتَهْجَنٌ وَمُسْتَغَثٌّ. وَاللهُ يَتَعَالَى عَنِ التَّكَلُّمِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ في سورة الروم: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} الآية: 25. "والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ". فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ قَائِمَةٌ بِأَمْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا لَافْتَقَرَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ يَقُومُ بِهِ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ. وَذَلِكَ مُحَالٌ. فَثَبَتَ أَنَّ أَمْرَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لِيَصِحَّ قِيَامُ الْمَخْلُوقَاتِ بِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى في سورة الحجر: {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ} الآية: 85. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَهُمَا بِالْحَقِّ، يَعْنِي الْقَوْلَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلْمَكُونَاتِ: {كُنْ}. فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مَخْلُوقًا لَمَا صَحَّ أَنْ يَخْلُقَ بِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يُخْلَقُ بِالْمَخْلُوقِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ} سورة الصافّات، الآية: 171. وقولُهُ في سورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} الآية: 101. وقولُهُ: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} سورة السجدة، الآية: 13. وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى السَّبْقِ فِي الْقَوْلِ فِي الْقِدَمِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْأَزَلَ فِي الْوُجُودِ. وَهَذِهِ النُّكْتَةُ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ. وَلَهُمْ آيَاتٌ احْتَجُّوا بِهَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} سورة الأنبياء، الْآيَةَ: 2. وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً} سورة الأحزاب، الآية: 38. وَقال: { وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} سورة النساء، الآية: 47. وَمَا كَانَ مِثْلَهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابنُ الأنباري: مَعْنَى {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} أَيْ مِنْ وَعْظٍ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَوَعْدٍ وَتَخْوِيفٍ {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} سورة الأنبياء، الآية: 2. لِأَنَّ وَعْظَ الرُّسُلِ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ ـ وَتَحْذِيرَهُمْ ذِكْرٌ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ} سورة الغاشية، الآية: 21. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ. وَمَعْنَى {وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً}، و{مَفْعُولًا} أرادَ ـ سبحانَهُ عِقَابَهُ وَانْتِقَامَهُ مِنَ الْكَافِرِينَ وَنَصْرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمَا حَكَمَ بِهِ وَقَدَّرَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا} سورة هود، الآية: 40. وَقَالَ ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ: {وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} سورة هود، الآية: 97. يَعْنِي به شأنه وأفعال وَطَرَائِقَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَهَا أَمْرُهَا حَتَّى إِذَا مَا تَبَوَّأَتْ ............. بِأَخْفَافِهَا مَرْعًى تَبَوَّأَ مَضْجَعَا
وعليه فَإنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ مِنَ الإرادةِ في شيءٍ. وَالْمُعْتَزِلَةُ تَقُولُ: الْأَمْرُ نَفْسُ الْإِرَادَةِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُ إِلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ. وَقَدْ أَرَادَ شَهَادَةَ حَمْزَةَ حَيْثُ يَقُولُ: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ} سورة آل عمران، الآية: 140. وَقَدْ نَهَى الْكُفَّارَ عَنْ قَتْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: {تَبارَكَ اللهُ} تَبارَكَ: وَزْنُه تَفَاعَلَ، وهو مِنَ الْبَرَكَةِ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ وَالِاتِّسَاعُ. يقال بورك الشيء وبورك فيه، قال ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ:" تَبارَكَ" تَعَالَى وَتَعَاظَمَ وَارْتَفَعَ. وَقِيلَ: إِنَّ بِاسْمِهِ يُتَبَرَّكُ وَيُتَيَّمْنُ. فهذه الكَلِمَةُ مَجْمَعُ الدُعاءِ لاشْتِمالِها على إِفادةِ مَعْنَى قِدَمِهِ ودَوامِ ثُبوتِهِ مِنْ حيثُ يُقال بَرَكَ الطيرُ على الماءِ. وأَفادتْ معنى جَلالِهِ الذي هو استحقاقُهُ لِنُعوتِ العِزِّ لأنَّه قد تَباركَ أيْ تعظَّمَ. وأَشارت إلى إيلاءِ النِّعَمِ وإسداءِ الإحسانِ مِنْ حيثُ إِنَّ البَرَكَة هي الزيادةُ، فهي مَجْمَعُ الثَناءِ والمَدْحِ للحقِّ ـ تعالى شأنُه.
قَولهُ: {رَبُّ الْعالَمِينَ} فإنَّ اللهَ الذي خلقَ هذا الكونَ المشهودَ في ضخامتِه وفَخامَتِه، والذي يدبِّرُه بأمرِه ويُصرَّفُه بقَدَرِهِ. يُغشي الليلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثيثاً في هذه الدورة الدائبة. وهو الذي جعل الشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسَخَّراتٍ بأَمرِه، وإنَّ اللهَ الخالقَ المُهيمِنَ المُصرِّفَ المُدبِّرَ، هو ربُّ العالمين الذي يستحقُّ أَن يكون معبوداً لكم. فيُربِّيكم بِمنهَجِهِ، وتجتمعون على شرعِه ونظامه، ويَقضي بينكم بحُكمِه.
قولُهُ تعالى: {إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذي} إنَّ: حرفٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، "ربّ" اسْمُها مَنْصوبٌ بها، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ. "كم" الكافُ ضميرٌ متَّصِلٌ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليه. "اللهُ" لَفْظُ الجَلالَة خَبَرُها مَرْفوعٌ بها، وعلامةُ رفعِهِ الضمّةُ الظاهرة. "الذي" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعٍ صفةً لاسمِ الجلالة. وهذه الجملةُ استئنافيَّةٌ لا محلَّ لها من الإعراب.
قولُهُ: {خلقَ السماوات والأرضَ في ستَّةِ أيامٍ} خَلَقَ: فعلٌ ماضٍ،
مبنيٌّ على الفتح الظاهر، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هو. "السماواتِ" مفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ وعَلامَةُ نَصْبِه الكَسْرَةُ نيابةً عن الفتحةِ لأنَّه ملحقٌ بالجمع المؤنّثِ السالمِ. "و" حرفُ عَطفٍ، "الأرضَ" مَعطوفٌ على "السَماوات" منصوبٌ مِثله. "في ستّة" جارٌّ ومَجرورٌ متعلِّقٌ بـ "خلق"، "أيَّام" مضافٌ إليه مجرورٌ. والظاهرُ أنَّ "فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ" ظرفٌ لـ "خَلَقَ السماوات والأرض" فاسْتُشْكِل على ذلك: أنَّ اليومَ إنَّما هوَ بِطلوعِ الشمسِ وغُروبها، وذلك إنَّما هوَ بعدَ وُجودِ السماوات والأرضِ. وأُجيبَ عَنْه: بأنَّ الستَّةَ ظرفٌ لِخَلْقِ الأرضِ فقط، وعليه فقولُه: "خَلَقَ السماوات" مُطلَقاً لم يُقَيَّدْ بِمُدَّةٍ، ويكونُ قولُهُ: "والأرض" مفعولاً بفعلٍ مقدَّرٍ، أيْ وخلَقَ الأرضَ، وهذا الفعلُ مقيدٌ بمُدَّةِ ستَّةِ أيامٍ، وهذا قولٌ ضَعيفٌ جِدّاً. وقولُهُ: "ثم استوى" الظاهرُ عَوْدُ الضميرِ على اللهِ تعالى بالتأويلِ المذكورِ في سورةِ البَقَرَةِ. وقيلَ: يعودُ الضميرُ على الخَلْقِ المَفهومِ مِنْ "خَلَق" أيْ: ثمَّ اسْتَوى خَلْقُهُ على العرشِ. ومثلُهُ قولُهُ: {الرحمن عَلَى العرش استوى} سورةُ طه، الآية: 5. قالوا: يُحْتَمَلُ أنْ يَعودَ الضميرُ في: "استوى" على الرحمن، وأنْ يعودَ على الخَلْق، ويكون "الرحمن" خبراً لمبتدأ مَحذوفٍ، أي: هو الرحمن.
وَأَصْلُ "سِتَّةِ" سِدْسَةٌ، فَأَرَادُوا إِدْغَامَ الدَّالِ فِي السِّينِ فَالْتَقَيَا عِنْدَ مَخْرَجِ التَّاءِ فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى السِّينَيْنِ تَاءٌ وَأُدْغِمَ فِي الدَّالِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ فِي تَصْغِيرِهَا: سُدَيْسَةٌ، وَفِي الْجَمْعِ أَسْدَاسٌ، وَالْجَمْعُ وَالتَّصْغِيرُ يَرُدَّانِ الْأَسْمَاءَ إِلَى أُصُولِهَا. وَيَقُولُونَ: جَاءَ فُلَانٌ سَادِسًا وَسَادِتًا وساتا، فمن قال: سادتا أَبدَلَ مِنَ السِّينِ تَاءً. قال الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . ........... وتَعْتَدُّني إن لم يَقِ اللهُ ساديا
أيْ سادساً فأبدلَها ياءً. وكان رجلٌ لَهُ امرأةٌ تُقارعُه ويُقارعُها أَيُّهما يَموتُ
قبلُ، وكانَ تَزَوَّجَ نساءً قبلَها فمِتْنَ وتزوجتْ هي أزواجاً قبلَهُ فماتوا،
فقال:
ومِنْ قَبْلِها أَهلكتُ بالشؤمِ أَربعاً ........... وخامسةٌ أَعتَدُّها مِنْ نِسائيا
بُوَيْزِلُ أَعوامٍ أذاعتْ بخمسةٍ ............ وتَعْتَدُّني إنْ لَمْ يَقِ اللهُ سادِيا
قوله: "بويزل أعوام" أي مُسِنَّةٌ. وجملةُ "خلقَ السماوات" واقعةٌ صلةَ الموصول "الذي" لا محلَّ لها من الإعراب.
قولُهُ: {ثم استوى على العرش} ثمّ: حرفُ عطفٍ، "استوى" فعلٌ ماضٍ، مبنيٍّ على والفتحِ المقدَّرِ على الأَلِفِ للتعذُّرِ. والفاعلُ: ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هو يعود على الله ـ جلَّ جلالُه العظيم، و"استوى" فيه إعلالٌ بالقَلْبِ، فالألفُ مُنقلبةٌ عن ياءٍ لِمَجيئها متحرّكةً بعدَ فتحٍ. و"على العرش" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ "استوى"، و"العرش" اسمٌ جامدٌ. وهذه الجملَةُ معطوفةٌ على جملة الصلة، لا مَحل لها من الإعرابِ كذلك.
قولُهُ: {يغشى الليلَ النهارَ} يغشي: مضارعٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على الياءِ للثقلِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُه "هو" يعودُ على اللهِ. "الليلَ) مفعولٌ به أَوّل، منصوبٌ وعلامة نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ على آخره. "النهارَ" مفعولٌ به ثانٍ منصوبٌ. وهذه الجملة إمَّا قي محل نصبِ حالٍ من فاعلِ "خلق"، أو هي استئنافٌ فلا محلَّ لها من الإعراب.  
قولُهُ: {يطلبُهُ حثيثاً والشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسَخَّراتٍ بأمرِهِ} يَطلبُ: فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ، و"الهاءُ" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ به، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هو، يعودُ على الليل، وإذا كان الاسمان يصلُحُ كلٌّ منهما أنْ يكونَ فاعلاً ومفعولاً بِهِ وَجَبَ جعلُ الفاعلِ في المَعنى مُتَقدِّماً على المَفعولِ في المَعنى لِدَفْعِ الالْتِباسِ، "حثيثا" صفةٌ مُشتقَّةٌ مِنْ حثَّ يَحُثُّ، للمُبالغةِ بابهُ (نَصَرَ) وزنُه (فَعْيَلَ). وهي هنا مَفعولٌ مُطلَقٌ نائبٌ عنِ المَصْدَرِ فهوَ صِفَتُه، أيْ (طَلَباً حثيثاً) ويَجوزُ أَنْ يَكونَ حالًا من فاعلِ يَطْلُبُ، أيْ: حاثّاً، أوْ مِنْ مَفعولِهِ أيْ محثوثاً. "و" عاطفة في المواضعِ الثلاثةِ و(الشمس، القمر، النجوم) معطوفاتٌ على "السماواتِ" منصوباتٌ مثلها. و"مسخّرات" حالٌ مِنَ الألفاظِ الثلاثةِ   مَنصوبةٌ، وعلامةُ النَّصبِ الكسرُ نيابةً عن الفتحِ لأنَّه جمعٌ مؤنَّثٌ سالمٌ. "بأمرِهِ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بـ "مسخّرات" أي بتيسيره وإرادته لها في ذلك. و(الهاءُ) في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ. ويجوزُ أنْ تكون الباءُ للحالِ أي: مصاحبةً لأمره غيرَ خارجةٍ عنه في تسخيرها. وهذه الجملةُ يصلُحُ أن تكونَ في محلِّ نصبِ حالٍ إمّا من الليلِ أو من النهار.
قولُهُ: {ألا له الخلقُ والأمرُ} ألا: حرفُ استفتاحٍ وتنبيهٍ، "له" جارٌّ ومجرورٌ متعلّقٌ بخبرٍ مُقدَّمٍ. "الخلق" مبتدأٌ مؤخَّرٌ. "و" عاطفةٌ "الأمر" معطوفٌ على الخلقِ مرفوعٌ مثله، ويجوزُ أن يكونَ قولُهُ: "لَهُ الخلق والأمر" مصدراً على بابه، وأَنْ يكونَ واقعاً موقعَ المفعولِ به. وهذه الجملةُ استئنافٌ، فلا محلَّ لها من الإعرابِ.
قولُهُ: {تبارك اللهُ ربُّ العالمين} تبارك: مثل خَلَقَ، ويجعلُهُ
بعضُهم جامداً فلا يأتي منهُ مُضارِعٌ ولا أمرٌ، "الله" لفظُ الجلالةِ فاعلٌ مرفوعٌ، "ربّ" نعتٌ للفظِ الجلالةِ مرفوعٌ مثله، وهو مضافٌ. و"العالمين" مضافٌ إليه مجرورٌ وعلامةُ جرِّه الياءُ لأنَّ جمعٌ مذكَّرٌ سالمٌ، والنون عوضاً عن التنوين في الاسمِ المفرد. وهذه الجملةُ استئنافٌ فلا محلَّ لها من الإعرابِ.
قرأ الجمهورُ: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ" برفعِ الجلالةِ خبراً لـ "إنَّ"، ويَضْعُف أن تُجْعل بدلاً من اسم "إنَّ" على الموضِعِ ـ عند مَنْ يرى ذلك، والموصولُ خبرٌ لـ "إنَّ"، وكذا لو جَعَلَه عطفَ بيانٍ، ويَتقوَّى هذا بنصبِ اسمِ الجلالة في قراءة "بكار" فإنها فيها بدلٌ أو بيانٌ لاسمِ "إنَّ" على اللفظِ، ويَضْعُفُ أنْ تَكونَ خَبَرَها عندَ مَنْ يرى نَصْبَ الجزأيْنِ فيها، كقولِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِي:
إذا اسْوَدَّ جنحُ الليلِ فلتأتِ ولتكنْ ..... خُطاك خِفافاً إنَّ حُرَّاسنا أُسْدا
وكقولِهِ:
إنَّ العجوزَ خَبَّةً جَرُوزا ........................... تأكلُ كلَّ ليلةٍ قَفيزا
قيلَ: ويُؤيِّدُ ذلك قراءَةُ الرَّفعِ أيْ في جَعْلِها إيَّاهُ خَبَراً، فالمَوصولُ نعتٌ للهِ أوْ بَيانٌ لَهُ أوْ بَدَلٌ مِنْه، أوْ يُجْعلُ خَبَراً لـ "إنَّ" على ما تَقَدَّمَ مِنَ التَخاريجِ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ مَعْطوفاً على المَدْحِ رَفْعاً أوْ نَصْباً.
وقرأ نافعٌ وابْنُ كَثيرٍ وأبو عَمْرٍو وابْنُ عامرٍ وحفصٌ هنا وفي سورة الرعدِ "يُغْشي" مُخَفَّفاً مِنْ أَغْشى على وزنِ "أفْعَل"، وقرأ الباقون "يُغَشّي" على التشديدِ مِنْ غَشَّى على وزنِ "فَعَّل"، فالهمزةُ والتَضعيفُ كلاهُما للتَعْدِيَةِ أَكْسَبا الفعلَ مفعولاً ثانياً، لأنَّهُ في الأَصْلِ مُتَعَدٍّ لِواحِدٍ فَصارَ الفاعلُ مفعولاً. وقرأَ حميد بنُ قيس في رواية الداني عنه: "يَغْشى" بفتح الياءِ والشين، و"الليلُ" رفعاً، "النهارَ" نصباً. ورَوى ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْهُ نَصْبَ "الليل" ورفعَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 13
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 28
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 42
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 68

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: