[size=29.3333]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ[/size][size=29.3333](40).[/size]
[size=29.3333]قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها} أيْ: كَذَّبُوا بِدلائلِ التَوحيدِ، الدالَّةِ على أَصولِ الدّينِ القَويمِ وأَحْكامِ الشَرْعِ، كالأَدِلَّة على وجودِ الصانِعِ ـ سبحانَه ـ ووحدانيَّتِه، والدالَّةِ على النُبُوَّةِ والرسالةِ والمَعادِ ونحوِهِ، فلم يُصَدِّقوا بذلك كُلِّهِ، ولم يَتَّبِعوا رُسُلَنا، "وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها" أيْ: وتَكَبَّروا عَنِ الإيمانِ بِها والتصديقِ لها، وأَنِفوا عنِ اتَّباعِها والانقيادِ لَها، وأبوا العمَلَ بِمُقْتَضاها تعالياً واستكباراً، لأنَّ مقتضها الإذعان للهِ وأوامرِهِ، والتواضُعُ لخلقِهِ، فأبوا ذلك عُتُوّاً واستكباراً، لا سيما وأنَّ في المؤمنين، منْ هم من الفقراء والضعفاءِ، ومن بينهم مواليهم وعبيدُهُم، فكيفَ سيجالِسونَهم، وكيف يُخالطونهم، ويتواضعون لهم، وخفض الجناح للمؤمن من الواجبات التي جاء بها الشرعُ القويم. [/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ} كَونُ السَّمَاءِ لَهَا أَبْوَاب ثابتٌ فيما ورد من السُنَّةِ المطهّرةِ، وَمِنْ ذلك حَدِيث الْمِعْرَاج. وَهُوَ ثَابت فِي الْكتب الصَّحِيحَة وَفِيه ذكر أَبْوَاب السَّمَاء على وَجه لَا يقبلُ التَّأْوِيلَ وَهُوَ أَمْرٌ مُمكنٌ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ المصدوقُ وقد تَفَتَّحت لَهُ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ أَبْوَابُها بالْقبُولِ، فَلَا حَاجَة إِلَى تَأْوِيله. وهي تُفَتَّحُ للأَعْمالِ الصَّالِحَة والأرواحِ الطّيبَة أيضاً، فقد أخرجَ ابْنُ جَريرٍ الطَبَرِيُّ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله: "لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء" يَعْنِي لَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ مِنْ عَمَلِهم شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدٌ بْنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ "لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء" قَالَ: لَا تُفَتَّحُ لَهُم لِعَمَلٍ وَلَا دُعَاءٍ، وَأخَرَجَ عَبْدٌ بِنُ حَميدٍ، وَابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، وَابْن أبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَن ابْن عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ فِي قَوْله: "لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء" قَالَ: عَيَّرَتها الْكفَّارُ إِنّ السَّمَاءَ لَا تُفَتَّحُ لأَرْواحِهم، وَهِيَ تُفَتَّحُ لأَرواحِ الْمُؤمنِينَ. [/size]
[size=29.3333]وَأَخْرَجَ أَحْمدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ ماجةَ، وَابْنُ جَريرٍ الطَبَرِيُّ، وَابْنُ حبَّانٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْبَعْث) عَن أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذا كَانَ الرجلُ صَالِحاً قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَت فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. اخْرِجِي حَميدةً وأَبْشِري بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَربٍّ رَاضٍ غيرِ غَضْبَان، فَلَا يزَال يُقَالُ لَهَا ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَة فَإِذا كَانَ الرجلُ السوءُ قَالَ: اخْرُجِي أيَّتُها النَّفسُ الخَبيثةُ، كَانَت فِي الْجَسَدِ الْخَبيث، اخْرُجِي ذَميمَةً وأَبْشِري بِحَميمٍ وغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِك حَتَّى تَخْرُجَ، ثمَّ يُعْرَجُ بهَا إِلَى السَّمَاءِ فيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَال: مَنْ هَذَا فَيُقَالُ: فلَانٌ، فَيُقَال: لَا مرْحَبًا بِالنَّفسِ الخَبيثَةِ ،كَانَت فِي الْجَسَدِ الْخَبيثِ، ارْجِعِي ذَميمَةً فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَتُرْسَلُ مِنَ السَّمَاءِ، ثمَّ تَصيرُ إِلَى الْقَبْرِ، وَفِي صَحِيحِ، مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يَصْعَدَانِ بِهَا". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.[/size]
[size=29.3333]وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْنُ أَبي شيبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الْبَعْث) عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: تَخْرُجُ نفسُ الْمُؤمِنِ وَهِي أَطْيَبُ رِيحًاً مِنَ الْمِسْكِ فيَصْعَدُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الَّذين يَتَوَفَّوْنَها فَتَلقاهُمْ مَلَائِكَةٌ دونَ السَّمَاء فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا مَعكُمْ فَيَقُولُونَ: فلَانٌ ويَذْكُرونَهُ بِأَحْسَنِ عَمَلِهِ فَيَقُولُونَ: حيَّاكُمُ اللهُ وَحيَّا مَنْ مَعَكُمْ، فَتُفتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فيُصْعَدُ بِهِ مِنَ الْبَاب الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ عَمَلُهُ مِنْهُ، فيُشرِقُ وَجْهُهُ، فَيَأْتِي الربَّ ولِوَجْهِهِ بُرهَانٌ مِثلُ الشَّمْسِ. قَالَ: وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْرُجُ نَفسُهُ وَهِي أَنْتَنُ مِنَ الجيفَةِ فيَصْعَدُ بهَا الْمَلَائِكَةُ الَّذين يَتَوَفَّوْنَها، فَتَلقاهُمْ مَلَائِكَةٌ دونَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا فَيَقُولُونَ فلَانٌ ويَذْكُرونَهُ بأسْوَأ عَمَلِهِ فَيَقُولُونَ: رُدُّوهُ فَمَا ظَلَمَهُ اللهُ شَيْئًا فَيُرَدُّ إِلَى أَسْفَلَ الْأَرْضين، إِلَى الثَّرى. وَقَرَأَ أَبُو مُوسَى "وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط".[/size]
[size=29.3333]وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيّ وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وابْنُ السّريّ، وَابْنُ حَميدٍ وَأَبُو دَاوُودَ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي كتابِ عَذَابِ الْقَبْرِ عَنِ الْبَراءَ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَجَلَسْنَا حولَهُ وَكَأنَّ على رُؤوسِنا الطَّيرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ ينْكُثُ بِهِ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: اسْتَعيذوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ـ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ـ ثمَّ قَالَ: إنَّ العَبْدَ الْمُؤمِنَ إِذا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وإقبالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نًزًلً إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجوهَمُ الشَّمْسُ، مَعَهم أَكْفانٌ مِنْ كَفَنِ الْجَنَّةِ، وحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسُ عِنْدَ رَأسِهِ، فيقولُ: أَيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ ورِضْوانٍ. فَتَخْرُجُ تَسيلُ كَمَا تَسيلُ القَطْرَةُ مِنْ فِيِّ السِّقاءِ ـ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ غيرَ ذَلِك ـ فيَأْخُذَها، فَإِذا لم يَدَعُوها فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذوها، فيَجْعَلوها فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِك الحَنُوطِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأَرْضِ، فيَصعَدونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ على مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوْحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ: فلَانٌ بْنُ فلَانٍ ـ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمّونَه بهَا فِي الدُّنْيَا ـ حَتَّى يَنْتَهوا بهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فيَسْتَفْتِحونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُم، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبوها إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ: اكْتُبُوا كِتابَ عَبْدِي فِي عِلِّيينَ، وأَعيدوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهمْ، وفيهَا أُعيدُهم، وَمِنْهَا أُخْرِجُهم تَارَةً أُخْرَى، فتُعادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فيَأْتيهِ مَلَكانِ فَيُجْلِسانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟. فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟. فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُم؟. فَيَقُول: هُوَ رَسُولُ اللهِ. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عَمَلُك؟. فَيَقُولُ: قَرَأتُ كتابَ اللهِ فآمَنْتُ بِهِ وصَدَّقْتُ. فيُنادي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فافْرشوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وأَلْبِسوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وافْتَحوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجنَّةِ فيَأْتيهِ مِنْ رَوْحِها وطِيبِها، ويُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، ويأتيهِ رَجُلٌ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُول: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ فوَجْهُكَ الْوَجْهُ، يَجِيءُ بِالْخَيرِ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهلِي وَمَالِي. قَالَ: وَإِن العَبْدَ الْكَافِرَ إِذا كَانَ فِي إِقْبالٍ مِنَ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهم المُسوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجلِسَ عِنْدَ رَأسِهِ فَيَقُول: أَيَّتُها النَّفسُ الخَبيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فيَنْتَزِعُها كَمَا يُنْتَزَعُ السُفُودُ مِنَ الصُّوفِ المَبْلُولِ، فيَأْخُذُها فَإِذا أَخَذَهَا لم يَدَعوها فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَجْعَلوها فِي تِلْكَ المُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جيفَةٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأَرْضِ، فيَصَعدونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا على مَلإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبيثُ، فَيَقُولُونَ: فلَانٌ بْنُ فُلَانٍ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسمَّى بهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فيَسْتَفْتِحُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ. ثمَّ قَرَأَ رَسُول اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تفتح لَهُم أَبْوَابُ السَّمَاء" فَيَقُولُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبوا كِتَابَهُ فِي سِجِّين فِي الأَرْضِ السُّفْلى فتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحاً ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمن يُشْرك بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، أَوْ تَهْوي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحيقٍ} سورةُ الْحَجِّ، الْآيَة: 31. فتُعادُ روحُه فِي جَسَدِهِ، ويأتيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟. فَيَقُولُ: هاهْ .. هاهْ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟. فَيَقُولُ: هاهْ .. هاهْ. لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُم؟. فَيَقُولُ: هاهْ .. هاهْ. لَا أَدْرِي. فيُنادي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ عَبْدِي فأفْرِشوهُ مِنَ النَّارِ، وافْتَحوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فيَأتيهِ مِنْ حَرِّهَا وسُمُومِها، ويَضيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ، ويَأْتيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟. فوجهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ. وَقِيلَ: الْمَصودُ أنَّهم لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ. [/size]
[size=29.3333]قَوْلُهُ: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} الوُلوجُ: الدُخُولُ بِشِدَّةٍ، ولِذلكَ يُقالُ: هُو الدُّخولُ في مَضيقٍ فهُوَ أَخَصُّ مِنَ الدُخولِ. والوَليجَةُ: كُلُّ ما يَعْتَمِدُهُ الإِنسانُ، والوَليجَةُ: الداخلُ في قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهم.[/size]
[size=29.3333]والجملُ هو البَعيرُ إذا بَزَلَ. أو بَلَغَ أَرْبَعَ سِنينَ، ويقال لَهُ: سليل أَوَّلَ ولادتِهِ ولمْ تُعْرَفْ ذُكوريَّتُهُ أوْ أُنوثَتُهُ، فإنْ كانَ ذَكَراً فهو سَقْبٌ، وإن كان أنْثى فهي حائلٌ، ثمَّ هُوَ حُوارٌ إلى الفِطامِ، وبعدَهُ فَصيلٌ إلى سَنَةٍ، وفي السنة الثانيةِ هو ابْنُ مَخاضٍ وهي بِنْتُ مَخاضٍ، وفي الثالثةِ هو ابْنُ لَبونٍ وهي بِنْتُ لَبون، وفي الرابعةِ هو حِقٌّ وهي حِقَّةٌ، وفي الخامِسَةِ هو جَذَعٌ وهي جَذَعَةٌ، وفي السادسةِ هو ثَنِيٌّ وهي ثَنِيَّةٌ، وفي السابعة رَباعٌ ورَباعِيَةٌ، وفي الثامِنَةِ يقال لهما "سَديس"، ذَكَراً وأنثى، وقيل: يقال للأنْثى "سَديسةٌ"، وفي التاسِعَةِ بازِلٌ وبازِلَةٌ، وفي العاشِرَةِ مُخْلِفٌ ومُخْلِفَةٌ، وليس بَعدَ البُزُولِ والإِخْلافِ سِنٌّ، بَلْ يُقالُ: بازِلٌ عامٌ أوْ عامين، ومُخْلِفُ عامٌ أوْ عامَيْن حتّى يَهْرَمَ فيُقالُ لَهُ فَوْدٌ.[/size]
[size=29.3333]وسَمُّ الخياطِ ثُقْبُ الإِبْرَةِ، وسينُه مُثَلَّثةٌ، فيقالُ: "سُمٌّ"، و"سَمٌّ" و"سِمٌّ" وكلُ ثُقْبٍ ضَيِّقٍ "سَمٌّ". وقيلَ: كلُّ ثُقْبٍ في البَدَنِ، وقيلَ: كلُّ ثُقْبٍ في أَنْفٍ أو أُذُنٍ فهو سَمٌّ، وجَمْعُهُ سُمومٌ، قالَ الفَرَزْدَقُ: [/size]
[size=29.3333]فَنَفَّسْتُ عن سَمَّيْهِ حتى تَنَفَّسَا ......... وقلت له لا تخش شيئاً ورائيا[/size]
[size=29.3333]والسُّمُّ: القاتلُ سُمِّيَ بِذَلكَ لِلُطْفِهِ وتَأْثيرِهِ في مَسامِّ البَدَنِ حتَّى يَصِلَ إلى القَلْبِ، وهوَ في الأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ أُريدَ بِهِ مَعْنى الفاعِلِ لِدُخُولِهِ باطِنَ البَدَنِ، وقدْ سَمَّهُ إذا أَدْخَلَهُ فيه، ومنْه "السَّامَّة" للخاصَّةِ الذين يَدْخُلونَ في بَواطِنِ الأُمورِ ومَسَامِّها. والسَّمومُ: الريحُ الحارَّةُ لأنَّها تُؤثِّرُ تَأثيرَ السُّمِّ القاتِلِ. [/size]
[size=29.3333]والخِياطُ، والمِخْيَطُ: الآلةُ التي يُخاطُ بِها على وزْنِ: "فِعالٍ"، و"مِفْعَلٍ"، كإزارٍ ومِئْزَرٍ، ولِحافٍ ومِلْحَفٍ، وقِناعٍ ومِقْنَعٍ. [/size]
[size=29.3333]وهو تَشْبيهٌ في غايةِ الحُسْنِ، وذلك أَنَّ الجَمَلَ أَعْظَمُ حَيَوانٍ عِنْدَ العَرَبِ وأَكْبَرُهُ جُثَّةً حتّى قال حسّان: [/size]
[size=29.3333]لا عيبَ بالقومِ مِنْ طُولٍ ومِنْ عِظَمٍ ... جسمُ الجِمالِ وأحلامُ العَصافِيرِ[/size]
[size=29.3333] وقوله: [/size]
[size=29.3333]لقد كَبُر البعيرُ بغير لُبٍّ[/size][size=29.3333] ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [/size]
[size=29.3333]وسُمُّ الإِبرةِ في غايةِ الضِيقِ، فلَمَّا كانَ المَثَلُ يُضْرَبُ بِعِظَمِ هَذا وكِبَرِهِ، وبِضيقِ ذاكَ حتّى قيلَ: أَضْيَقُ مِنْ خُرْتِ الإِبْرَةِ، ومِنْه الخِرِّيْتُ وهو البَصَيرُ بِمَضايِقِ الطُرُقِ، قيلَ: لا يَدْخلون الجَنَّةَ حتَّى يَتَقَحَّمَ أَعْظَمُ الأَشْياءِ وأَكْبَرُها عِنْدَ العَرَبِ في أَضْيَقِ الأَشْياءِ وأَصْغَرِها، فكأَنَّه قيلَ: لا يَدْخُلونَ حتّى يُوجَدَ هذا المُسْتَحيلُ، ومثلُهُ في المَعنى قولُ مَنْ بَقِيَ في جزيرةٍ بلا زادٍ فقالَ بطريقِ اليأس متمثِّلاً: [/size]
[size=29.3333]إذا شابَ الغُرابُ أتَيْتُ أَهْلِي ............. وصارَ القارُ كاللّبَنِ الحَليبِ[/size]
[size=29.3333]وَالْجَمَلُ لَا يَلِجُ فَلَا يَدْخُلُونَهَا الْبَتَّةَ. وَهَذَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُمْ. وَعَلَى هَذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ أَنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا إِجْمَاعًا مِنَ الْأُمَّةِ؟ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ بِأَنَّ مُقَلِّدَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لَيْسُوا فِي النَّارِ. قِيلَ لَهُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ كَافِرًا لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْمُقَلِّدَ كَافِرٌ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ فِي النَّارِ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّ الْمُقَلِّدَ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ كَافِرٍ طَرِيقُهُ النَّظَرُ دُونَ التَّوْقِيفِ وَالْخَبَرِ. [/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} أي: ومثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {[/size] [size=29.3333]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا[/size][size=29.3333]} إنَّ: حرفٌ مُشبَّهٌ بالفِعل ـ ناسخ ـ "الذين" اسْمٌ مَوصولٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصْبِ اسْمِ إِنَّ "كذّبوا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواو الجماعة. والواوُ ضميرٌ متَّصِلٌ في محلِّ رفعِ فاعِلٍ. و"بآياتِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعَلِّقٌ بـ "كذّبوا"، و"نا" ضَميرٌ كتَّصلٌ في محلِّ جَرِّ مُضافٍ إليْهِ. الجملةُ الاسميَّةُ من "إنَّ" واسمِها وخبرها، جملةٌ استئنافيَّةٌ لا مَحَلَّ لَها منَ الإعْرابِ. وجُملَةُ "كذّبوا" صِلةُ الموصولِ "الذين" لا مَحَلَّ لَها من الإعرابِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {واسْتكبروا عنها} "الواو" عاطفة، "استكبروا" مِثْل "كذبوا" "عن" حَرْفُ جَرٍّ، و"ها" ضَميرٌ متَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بـ "استكبروا" بِتَضْمينِهِ مَعْنى تَرَفَّعوا. وهذه الجملةُ معطوفةٌ على جُمْلَةِ "كذَبوا" وهي لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ أيضاً. [/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {لا تُفَتَّحُ لهم أبوابُ السماء} لا: حَرْفُ نَفْيٍ، "تُفَتَّحُ" فعلٌ مُضارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، مَرْفوعٌ، "اللاّمُ" حَرْفُ جَرٍّ، و"هُمْ" الهاء: ضَميرٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "تًفَتَّحُ"، "أبوابُ" نائبُ فاعِلٍ مَرْفوعٌ، "السماءِ" مُضافٌ إليْهِ مَجْرورٌ. وجملة "تفتح" في محلِّ رَفْعِ خَبَرِ إنَّ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {ولا يدخُلون الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجملُ في سَمِّ الخِياطِ} الواو: عاطفةٌ "لا" مِثلُ الأَوَّل، "يَدْخُلونَ" فعلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ ثُبوتُ النونِ في آخره لأنَهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ في مَحَلِّ رفعِ فاعلٍ، "الجنَّةَ" مفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، "حتّى" حَرْفُ غايةٍ وجَرٍّ، "يَلِجَ" فعلٌ مُضارِعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أَنّ" مُضْمَرَةٍ بعدَ حَتَّى، "الجمل" فاعِلٌ مَرْفوعٌ، "في" حرفُ جرٍّ، "سَمٍّ" اسمٌ مجرورٌ بحرف الجرِّ وهو مُضافٌ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقان بـ "يَلِجَ"، "الخياط" مضافٌ إليْهِ مَجرورٌ. والمَصْدَرُ المُؤوَّلُ من "أنْ يَلِجَ الجَمَلُ" في مَحَلِّ جَرٍّ بـ "حتى" مُتَعَلِّقٌ بـ "يدخلون". وجملة "يدخلون" في محلِّ رفعٍ عطفاً على جُمْلَةِ: "تفتح". وجملةُ "يلجَ" صلةُ المَوصولِ الحَرْفي "أنْ" المضمَرِ بعد "حتى" لا مَحَلَّ لَها من الإعرابِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {وكذلك نَجْزي المُجرمين} الواو: استئنافيَّةٌ، أوْ اعتراضيَّةٌ، والكاف: حَرْفُ جَرٍّ وتَشْبيهٍ، "ذا" اسْمُ إِشارةٍ مَبْنِيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفِ مَفْعولٍ مُطْلَقٍ عامِلُهُ "نَجزي" واللامُ: للبُعْدِ، والكافُ الثانيةُ: للخِطابِ، "نجزي" فعلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ وعَلامَةُ رفعِهِ الضَمَّةُ المُقَدَّرَةُ على الياءِ، "المجرمين" مَفْعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، وعَلامَةُ نَصْبِهِ الياء لأنَّهُ جمعُ مذكَّرٍ سالمٍ، والنونُ عِوَضاً عنِ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وهذه الجملةُ استئنافيَّةٌ لا محلَّ لها من الإعراب.[/size]
[size=29.3333]وقرأَ أبو عَمْرٍو: "لا تُفْتَحُ" : بضم التاءِ مِنْ فوق، وبالتخفيفِ. وقَرَأَ الأَخَوانِ حمزةُ والكِسائيُّ بالياءِ مِنْ تَحْت وبالتخفيفِ، وقرأ الباقونَ بالتأنيثِ والتَشْديدِ. فالتَأنيثُ والتَذْكيرُ باعْتِبارِ الجَمْعِ والجَماعَةِ، والتَخفيفُ والتَضْعيفُ باعْتِبارِ التَكْثيرِ وعَدَمِهِ، والتَضْعيفُ هُنا أَوْضَحُ لِكَثْرَةِ المُتَعَلِّقِ. وهو في هذِهِ القِراءاتِ مَبْنِيٌّ للمَفْعولِ. وقرَأَ أَبو حَيَوَةَ "تَفَتَّح" بِفَتْحِ التّاءِ مِنْ فَوق وبالتَضعيف، والأصل: لا تَتَفَتَّحُ بِتاءَيْنِ فحُذِفَتْ إحْداهُما، وقدْ تَقَدَّمَ في "تذكَّرون" ونحوِهِ، فـ "أَبْواب" على قِراءَةِ أَبي حَيْوَةَ فاعِلٌ، وعلى مَا تَقَدَّمَ مفعولٌ لم يُسَمَّ فاعلُهُ. وقُرِئَ: "لا تَفْتَحُ" بالتاءِ ونَصْبِ "الأبواب" على أَنَّ الفِعْلَ للآياتِ، وبالياءِ على أَنَّ الفِعْلَ للهِ.[/size]
[size=29.3333]وقرأ عامَّةُ القرّاءِ:"الجَمَلُ"، وقَرَأَ ابْنُ عَبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ في روايةِ ابْنِ حَوْشَب، ومُجاهِد، وابْنِ يَعْمُر، وأَبو مجلز، والشَعبيّ، ومالك بْنُ الشخير، وابنُ مُحَيْصِنٍ، وأَبو رَجاء، وأَبو رَزينٍ، وأَبانٌ عنْ عاصمٍ: "الجُمَّل" بِضَمِّ الجيمِ وفَتْحِ الميمِ مُشَدَّدَةً وهوَ القَلْسُ. والقَلْسُ: حَبْلٌ غَليظٌ يُجْمَعُ مِنْ حِبالٍ كَثيرةٍ فَيُفْتَلُ، وهو حبلُ السّفينةِ، وقيلَ: الحَبْلُ الذي يُصْعَدُ بِهِ إلى النَّخْلِ، ويُروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قال: إنَّ اللهَ أَحْسَنُ تَشْبيهاً مِنْ أَنْ يُشَبِّهَ بالجَمَلِ. كأنَّه رأى ـ إنْ صَحَّ عنْه ذلك ـ أَنَّ المُناسِبَ لِسُمِّ الإِبْرَةِ شَيْءٌ يُناسِبُ الخَيْطَ المَسْلوكَ فيها. وقالَ الكِسائيُّ: الراوي ذَلك عنِ ابْنِ عبّاسٍ أَعْجَمِيٌّ فَشَدَّدَ الميمَ. وضَعَّفَ ابْنُ عَطِيَّةَ قولَ الكِسائيِّ بِكَثْرَةِ رُواتِها عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قراءةً. وهي قراءةٌ مَشْهورةٌ. ورَوى مُجاهد عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَمَّ الجِيمِ وفَتْحَ الميمِ خَفيفةً، وهي قراءةُ ابْنِ جُبَيْرٍ وقَتادةَ وسالِمٍ الأَفْطَسِ.[/size]
[size=29.3333]وقرأ الضحَّاكُ والجحدَرِيُّ، وابْنُ عبَّاسٍ أيْضاً في روايةِ عَطاء: "الجُمُلُ" بِضَمِّ الجيمِ والميمِ مُخفَّفةً. [/size]
[size=29.3333]وقرأَ عِكْرِمَةُ وابْنُ جُبيْر، بِضَمِّ الجيمِ وسُكونِ الميمِ. وقرأ المُتَوَكِّلُ وأبو الجَوزاءِ بالفَتْحِ والسُّكونِ، وكُلُّها لُغاتٌ في القَلْسِ المَذْكورِ آنفاً. [/size]
[size=29.3333]وقرأَ عبدُ اللهِ وقَتادةُ وأبو رَزينٍ وطَلْجة وابنُ سيرين: "سُمّ" بِضَمِّ السين. وقرأ أبو عُمران الحوفِيُّ، وأبو نَهَيْكٍ، والأَصْمَعِيُّ عَنْ نافعٍ: سِمِّ بالكَسْرِ. وقدْ تَقَدَّمَ أَنَّها لُغاتٌ. [/size]
[size=29.3333]وقرأَ عبدُ اللهِ وأَبو رَزين وأَبو مِجلزٍ: المِخْيَطَ بِكَسْرِ المِيمِ وسُكونِ الخاءِ وفتْح الياءِ. وقرأ طَلْحَةُ بِفَتْحِ المِيمِ. وهذه القراءةُ مُخالِفَةٌ للسوادِ الأعظمِ من القراّءِ.[/size]
[size=29.3333]وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ: "حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الْأَصْفَرُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ". ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ابنُ الْأَنْبَارِيُّ. [/size]
[size=29.3333]وقرأ حَمْزَةُ والكِسائيُّ: "لا يُفَتَّحُ" بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ عَلَى تَذْكِيرِ الْجَمْعِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالَ: "مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ" فَأَنَّثَ. وَلَمَّا كَانَ التَّأْنِيثُ فِي الْأَبْوَابِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ جَازَ تَذْكِيرُ الْجَمْعِ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْيَاءِ وَخَفَّفَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ التَّخْفِيفَ يَكُونُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالتَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّكْرِيرِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا غَيْرَ، وَالتَّشْدِيدُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ عَلَى الْكَثِيرِ أَدَلُّ.[/size]