روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59 I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 06, 2014 2:23 pm

لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(59)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} بعدَ أنْ بَيَّنَ لنا ربُّنا ومولانا ـ سبحانَه وتعالى ـ أَنَّهُ الْخَالِقُ الْقَادِرُ، وأَوْضَحَ دَلائلَ وآثارَ قُدْرَتِه، وغَرائبَ خَلْقِهِ وصَنْعَتِهِ، الدّالَّةِ على ربوبيَّتِه ووحدَتِهِ، وأَقامَ الدَّلالَةَ القاطعةَ على صِحَّةِ البَعْثِ بعدَ المَوتِ، أَتْبَعَ ذلكَ بِقِصَصِ الأنْبِياءِ ـ عليهِمُ الصَلاةُ والسّلامُ ـ مَعَ أَقوامِهم. وفي ذلك تَسْلِيَةٌ لفؤادِ النَبِيِّ ـ صلى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ ـ بأَنَّ إعراضَ قومِهِ عن قَبولِ الحَقِّ، لم يكن الوحيدَ، وإنَّما قد أعرضَ كذلك سائرُ الأُمَمِ الخاليةِ، والقرونِ الماضية. وفيه تَنبيهٌ للكفارِ والمشركين الذين كذَّبوا النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ وناصَبوهُ العِداءَ، بأَنَّ عاقِبَتَهم لنْ تكونَ بأفضلَ من عاقبةِ أُولئكَ الذين كذَّبوا الرُّسلَ من قبلُ، فكانتْ عاقبتُهم الخَسَارَ والهَلاكِ والعذابَ العظيمَ في الدُنيا وفي الآخرةِ. ومن جِهَةٍ أُخرى، فإنَّ في ذِكْرِ هذِهِ القِصصِ ـ كما بَيَّنّا غيرَ مَرَّةٍ ـ دَليلٌ واضِحٌ على صِحَّةِ نُبُوَّتِه ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ لأنَّه كانَ أُمّيّاً لا يَقْرأُ ولا يكتُبُ، ولم يَلْقَ أَحَداً مِنْ عُلَماءِ زَمانِهِ، فلمَّا أَتى بِمِثْلِ هذِهِ القِصصِ والأَخبارِ الثابتةِ، عنِ القُرونِ الماضيةِ والأَمَمِ الخَالِيَةِ، ممَّا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أهلِ الرسالات السابقة الذين عِنْدَهم عِلْمٌ بذلك، دلَّ على أنَّهُ إنَّما أَتاه بذلك وحيٌ مِنْ عندِ اللهِ ـ تعالى.
"أرسلنا" بَعَثْنا، وقيلَ: معنى الإرسالِ أَنَّ اللهَ ـ تعالى ـ حمَّلَهُ رِسالةً لِيُؤدِّيها إلى قومِهِ، فالرسالةُ على هذا التقديرِ مُتَضَمِّنَةٌ للبَعْثِ أَيضاً، والبعثُ تابعٌ وليس أصلاً. و"نُوحاً" هو نُوحٌ بْنُ لَمكَ بْنِ مَتوشَلَخَ بْنِ أَخْنُوخ، وقد تَقَدَّم لنا تفصيلُ نسبه في سورة آلِ عمرانَ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً} الآية: 33. قيل: وكانَ اسْمُهُ قَبْلُ "السَكَنُ" لِسُكونِ النّاسِ إليْهِ بَعْدَ آدَمَ ـ عَلَيْه السلام ـ وقيل: كان اسمُه عبدَ الجبَّارِ. قال العلامةُ الألوسيُّ في تفسيره: (وأَنَا لا أُعَوِّلُ على شيءٍ مِنْ هذِه الأخبارِ، والمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدي ما هُوَ الظاهِرُ مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ وُضِعَ لَهُ حِينَ وُلِدَ، وليس مُشْتَقّاً مِنَ النايِحَةِ. وأنَّه كما قالَ صاحبُ "القاموس"). وقد تقّدَّمَ. وهوَ أَوَّلُ نَبِيٍّ عَذَّبَ اللهُ قومَهُ، وقد لَقِيَ مِنْهم ما لَمْ يَلْقَهُ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبياءِ ـ عليهِمُ السلامُ ـ من قومِه. وَكَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَسْكُنُونَ الْجَزِيرَةَ وَالْعِرَاقَ، حَسَبَ ظَنِّ الْمُؤَرِّخِينَ. وروى ابْنُ أَبي حاتِمٍ وابْنُ عساكِر عن قَتادةَ أنَّ بُعثَ من الجزيرة. وَعَبَّرَ الْقُرْآنُ عَنْهُمُ بِطَرِيقِ الْقَوْمِيَّةِ الْمُضَافَةِ إِلَى نُوحٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَسْمَاءِ الْأُمَمِ يُعْرَفُونَ بِهِ، فَالتَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ هُنَا لِأَنَّهَا أَخْصَرُ طَرِيقٍ. وفي سببِ تسميتِهِ ـ عليه السلامُ ـ قالَ ابْنُ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما: سُمِّي نُوحاً لِكَثْرةِ نُوحِهِ على نَفْسِهِ، وهو كما في "القاموسِ" اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ صُرِفَ لِخِفَّتِهِ، فهو مؤلَّفٌ من ثلاثةِ أحرف، واخْتَلَفوا في سببِ نُوحِهِ، فقيلَ: لِدَعْوَتِهِ على قومِهِ بالهلاك، وقيلَ: لِمُراجَعَتِهِ رَبَّهُ في شأنِ ابْنِهِ كِنان، وقيلَ: لأنَّهُ مَرَّ بِكَلْبٍ مَجْذومٍ فقالَ لَهُ: اخْسَأْ يا قَبيح، فأوحى اللهُ تعالى إليْهِ أَعِبْتَني أَمْ عِبْتَ الكَلْبَ؟ وقيلَ: هو إصرارُ قومِهِ على الكُفْرِ فكانَ كلَّما دَعاهم وأَعْرَضوا بَكى عليهم وناح. وكان ـ عليه السلامُ ـ نَجَّاراً، وهو أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ بِتَحْرِيمِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بَعْدَ آدَمَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ قَبْلَهُ فَقَدْ وَهِمَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ وَهْمِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْإِسْرَاءِ والمعرجِ حِينَ لَقِيَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ آدَمَ وَإِدْرِيسَ قَالَ لَهُ آدَمُ: (مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ). وَقَالَ لَهُ إِدْرِيسُ: (مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ). فَلَوْ كَانَ إِدْرِيسُ أَبًا لِنُوحٍ لَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. فَلَمَّا قَالَ لَهُ وَالْأَخُ الصَّالِحُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي نُوحٍ ـ صَلَوَاتُ اللهِ وسلامُه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ـ وَلَا كَلَامَ لِمُنْصِفٍ بَعْدَ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وجاء جوابُ الآباءِ ها هنا كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَآدَمَ (مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ). وَقَالَ عَنْ إِدْرِيسَ (بِالْأَخِ الصَّالِحِ) كَمَا ذُكِرَ عَنْ مُوسَى وَعِيسَى وَيُوسُفَ وَهَارُونَ وَيَحْيَى مِمَّنْ لَيْسَ بِأَبٍ بِاتِّفَاقٍ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ إِدْرِيسَ جَدُّ نُوحٍ ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ـ فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِدْرِيسَ بُعِثَ أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ النَّسَّابِينَ إِنَّهُ قَبْلَ نُوحٍ، لِمَا أَخْبَرَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ مِنْ قَوْلِ آدَمَ إِنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ جَازَ مَا قَالُوا: وَصَحَّ أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ مُرْسَلٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ: اخْتَصَّ بَعْثُ نُوحٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَافَّةً كَنَبِيِّنَا عَلَيْهِما السَّلَامُ ـ كَمَا جاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَيَكُونُ إِدْرِيسُ لِقَوْمِهِ كَمُوسَى وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَغَيْرِهِمْ. وقدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ}. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ. وَقَدْ قُرِئَ {سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ}. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ بَطَّالٍ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ آدَمَ لَيْسَ بِرَسُولٍ، لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آدَمَ وَإِدْرِيسَ رَسُولَانِ. قَالَ ابْنُ عطيَّةَ: ومَجْمَعُ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ بَعْثَةُ نُوحٍ مَشْهُورَةً لِإِصْلَاحِ النَّاسِ وَحَمْلِهِمْ بِالْعَذَابِ وَالْإِهْلَاكِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نُوحًا ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وقيل وهو ابْنُ خَمسين سنة، وقيلَ وهوَ ابْنُ مِئتيْن وخمسين سنةً، وقيلَ وهو ابْنُ مئةِ سَنَةٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَعْدَ آدَمَ بِثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَبَقِيَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، كَمَا أَخْبَرَ التَّنْزِيلُ الحكيمُ. ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ سَنَةً. حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشَوْا. وَقَالَ وَهْبٌ: بُعِثَ نُوحٌ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ شَدَّادٍ: بُعِثَ نُوحٌ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ: التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ الْآنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْعَرَبَ وَفَارِسَ وَالرُّومَ وَأَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْيَمَنِ مِنْ وَلَدِ سَامَ بْنِ نُوحٍ. وَالسِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالزِّنْجَ وَالْحَبَشَةَ وَالزُّطَّ وَالنُّوبَةَ، وَكُلَّ جِلْدٍ أَسْوَدَ مِنْ وَلَدِ حَامِ بْنِ نُوحٍ. وَالتُّرْكَ، وَبَرْبَرَ، وَما وَرَاءَ الصِّينِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالصَّقَالِبَةَ، كُلَّهُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ ذُرِّيَّةُ نُوحٍ عليه السلامُ.
قَوْلُهُ: {فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} أَيْ مَا لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ، أَوْ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ. وهو معنى ومضمون وغايةُ كلِّ الرِسالاتِ السماويَّةِ، ودعوةُ جميعِ النَبيّين والمُرسَلين، توحيدُهُ ـ تقدَّستْ ذاتُه، وتبارَكَتْ أَسماؤهُ وصفاتُه. وَخَاطَبَ نُوحٌ قَوْمَهُ كُلَّهُمْ لِأَنَّ دَعْوَتَه لهم عَامَّةً، ووَصْفَهم بالْقَوْمِ في ندائه لهم لِتَذْكِيرِهِمْ بِآصِرَةِ الْقَرَابَةِ، لِيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُ نَاصِحٌ وَمُرِيدٌ خَيْرَهُمْ وَمُشْفِقٌ عَلَيْهِمْ، وَأَضَافَ "الْقَوْمَ" إِلَى ضَمِيرِهِ لِلتَّحْبِيبِ وَالتَّرْقِيقِ لِاسْتِجْلَابِ اهْتِدَائِهِمْ. وَقَوْلُهُ لَهُمُ: "اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" إِبْطَالٌ لِلْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةُ شِرْكٍ كَحَالَةِ الْعَرَبِ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةَ وَثَنِيَّةٍ بِاقْتِصَارِهِمْ على عبَادَة الأصنامِ من دُونِ اللهِ تَعَالَى، كَحَالَةِ الصَّابِئَةِ وَقُدَمَاءِ الْيُونَانِ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ صَالِحَةٌ لِلْحَالَيْنِ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْقَصَصِ: أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّ آلِهَةَ قَوْمِ نُوحٍ هي أَسْمَاءُ جَمَاعَةٍ مِنْ صَالِحِيهِمْ فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ قَوْمُهُمْ: لَوِ اتَّخَذْنَا فِي مَجَالِسِهِمْ أَنْصَابًا لهم، فَاتَّخَذُوهَا وَسَمَّوْهَا بِأَسْمَائِهِمْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ من دونِ اللهِ. وَظَاهِرُ مَا فِي سُورَةِ نُوحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْبُدُونَ اللهَ لِقَوْلِهِ: {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ} سورة نوح، الآية: 3. وَظَاهِرُ مَا فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِاللهِ لِقَوْلِهِمْ: {لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} سورةُ فُصِّلت: 14. مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ فَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ كَانَ أَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ مُقَيَّدًا بِمَدْلُولِ قَوْلِهِ: "مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ الْأَصْنَامَ، وَإِنْ كَانُوا مُقْتَصِرِينَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ كَانَ قَوْلُهُ: "مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" تَعْلِيلًا لِلْإِقْبَالِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ، أَي هُوَ الْإِلَهُ لَا أَوْثَانُكُمْ.  
قولُهُ: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: إنْ لم تَقْبَلوا ما آمُرُكم بِهِ مِنْ عِبادةِ اللهِ واتِّباعِ أَوامِرِهِ، واليومُ الذي خافَهُ عليهم إمَّا يومُ الطُوفانِ وهلاكِهم فيه، أو يَومُ القيامةِ وعذابهم في جهنّم، وإنَّما قال "أخاف" على الشَكِّ، لأنَّه لم يَعْلَمْ وقْتَ نُزولِ العذابِ بِهم أَيُعاجِلُهم أَمْ يَتَأخَّرُ عنهم إلى يومِ القيامَةِ، وإنْ كانَ هو على يَقينٍ تامٍّ مِنْ نزولِه بِهم، إنْ لم يُؤمِنوا بِهِ نبيّاً مرسَلاً من ربّهِ، وبرسلةِ ربِّهم إليهم.
قولُهُ تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} اللامُ: واقعةٌ في جوابِ القَسَمِ لِقَسَمٍ محذوفٍ تقديرُهُ: واللهِ لقد أَرْسَلْنا. و"قد" للتَحقيقِ، وإذا كان جوابُ القسَمِ ماضياً مُثْبَتاً مُتَصَرِّفاً: فإمَّا أَنْ يَكونَ قريباً مِنْ زَمَنِ الحالِ فتَأتي بـ "قد" وإلاَّ أَتَيْتَ باللامِ وحدَها، ويجوزُ ـ كما قيلَ ـ الوجهان بالاعتبارَيْن. وقالَ هُنا: "لقد" مِنْ غيرِ عاطفٍ وقال في سورة "هود" و"المؤمنون": "ولقد" بعاطِفٍ. لأنَّه قد تقدَّم في "هود" ذِكْرُ الرسولِ مَرَّاتٍ، وفي "المؤمنون" ذُكِرَ نُوحٌ ضِمْناً في قولِهِ: {وعلى الفُلك} لأنَّه أَوَّلُ مَنْ صَنَعَها وركبها فَحَسُنَ أَنْ يُؤْتَى بالعاطِفِ على ما تَقَدَّمَ، بخِلافِهِ في هذِهِ السُّورةِ. "أَرْسَلْنا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ. و"نا" ضميرٌ متَّصلٌ مبنيٌّ في محلِّ رفعِ فاعلٍ. و"نوحاً" مفعولٌ بهِ مَنْصوبٌ، وعلامةُ نصبِه الفتْحُ الظاهرُ على آخره. "إلى قومِهِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ "أرسلنا"، و"قومِ" مضافٌ، و"الهاء" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليْه. وجملةٌ "أرسلنا" جوابُ قَسَمٍ مقدَّرٍ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ. وجملة القسَمِ اسْتِئْنافيَّةٌ.
قولُهُ: {فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} الفاءُ: حرفُ عطْفٍ، "قال" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، والفاعلُ ضميرٌ مستتِرٌ جوازاً تقديرُهُ "هو". وجيءَ بفاءِ العَطْفِ هنا وفي سورةِ "المؤمنون"، على الأصلُ، ولمْ يُؤْتَ بها في قِصَّةِ هُود وصالح وشُعيب، وإنَّما حُذِفَتْ هناك تَخفيفاً وتَوَسُّعاً واكْتِفاءً بالرَبْطِ المَعْنَوِيِّ. "يا" أداةُ نداءٍ، "قومِ" مُنادى مُضافٌ مَنْصوبٌ وعلامَةُ نصبِهِ فتحةٌ مُقدَّرةٌ على ما قبلِ الياءِ المَحْذوفةِ للتَخفيفِ، وياءُ النسبةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرِّ مُضافٍ إليْه. "اعبدوا" فعلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على حَذْفِ النّونِ لأنَّه من الأفعالِ الخمسةِ. والواوُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ، والألفُ فارقةٌ. "الله" لفظُ الجَلالةِ مَفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ. "ما" نافيةٌ، و"لكم" اللامُ حرفُ جَرٍّ، والكافُ: ضميرٌ متَّصلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ بحرفِ الجَرِّ مُتَعَلِّقٌ بمَحذوفِ خبرٍ مُقدَّمٍ، والميمُ علامةُ المذكَّر. "من" حرفُ جَرٍّ زائدٍ. "إلهٍ" مَجرورٌ لَفْظاً مَرْفوعٌ مَحَلاًّ على أنَّه مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. "غيرُ" نَعْتٌ لـ "إلهٍ" تَبِعَه في المَحلِّ فهوَ مَرْفوعٌ. وهو مضافٌ، و"الهاءُ" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليْه. وجملةُ "قال" معطوفةٌ على جُملةِ جوابِ القَسَمِ فلا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. وجملةُ النِّداءِ "يا قوم" في مَحَلِّ نَصْبٍ مَقولَ القولِ. وجُملةُ "اعبُدوا" جوابُ النداءِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ. وجاءَ هُنا "مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ" فلم يَعْطِفْ هذِه الجملةَ المَنفيَّةَ بِفاءٍ ولا غيرِها، لأنّها مُبَيِّنَةٌ ومُنَبِّهةٌ على اختِصاصِ اللهِ تعالى بالعبادةِ ورَفْضِ ما سِواهُ وكانت في غايَةِ الاتِّصال.
قولُهُ: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} إنَّ: حَرْفٌ مِنَ النَواسِخِ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ، والياءُ: ضميرٌ في محلِّ نَصْبِ اسْم "إنّ" "أخافُ" مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لتجرُّده مِنَ الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ على آخره، والفاعِلُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجُوباً تَقديرُهُ "أَنَا"، "عليكم" على: حرفُ جَرٍّ، والكافُ ضميرٌ متَّصلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بـ "أَخافُ"، والميمُ للمذكَّرِ، "عذابَ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ. و"يومٍ" مُضافٌ إليْهِ مَجْرورٌ، وعلامةُ جرِّه ظاهرةٌ على آخره. و"عظيمٍ" نعتٌ لِـ "يَوْمٍ" مَجرورٌ. وجملةُ "إني أخاف" تَعليلِيَّةٌ، لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعرابِ. وجُمْلَةُ "أخافُ" في مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرَ "إن".
قرأَ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ: "غيرُه" بضمِّ الراءِ، على النعتِ أوِ البَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ "إله" لأَنَّ "مِن" مزيدةٌ فيه، وموضعُهُ رَفْعُ: إمَّا بالابْتِداءِ وإمَّا بالفاعِليَّةِ. وقرَأَ الكسائيُّ بخفضِها في جميعِ القُرآنِ، على النَّعتِ أوِ البَدَلِ مِنْ "إله" لَفْظاً. وقرأَ عيسى بْنُ عُمُرَ بنَصْبِها على الاسْتِثناءِ، والقراءتانِ الأُوْلَيان أَرْجَحُ؛ لأنَّ الكلامَ مَتى كان غَيْرَ إيجابٍ رَجَحَ الإِتْباعُ على النَّصْبِ اسْتِثْناءً، وحُكْمُ "غير" حُكْمُ الاسْمِ الواقِعِ بَعْدَ "إلاَّ". و"من إله" إذا جَعَلْتْهُ مُبْتَدَأً فَلَكَ في الخَبَرِ وجْهانِ أَظْهَرُهُما: أَنَّهُ "لكم"، والثاني: أنَّه محذوفٌ، أيْ: ما لكم مِنْ إلهٍ في الوُجودِ أوْ في العَالَمِ غيرُ اللهِ، و"لكم" على هذا تَخصيصٌ وتَبيينٌ. قَالَ النَّحَّاسُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ نَصْبُ "غَيْرَ" إِذَا لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ. وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَقْبَحِ اللَّحْنِ. غَيْرَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ وَالْفَرَّاءَ أَجَازَا نَصْبَ "غَيْرَ" فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْسُنُ فِيهِ "إِلَّا" تَمَّ الْكَلَامُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ فَأَجَازَا: مَا جَاءَنِي غَيْرُكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ وَقُضَاعَةَ. وَأَنْشَدَ لأبي قيسٍ بْنِ الأَسْلَتِ:
لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ هَتَفَتْ ... حَمَامَةٌ فِي غُصونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ
الأوقالُ: الثمارِ
قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَلَا يَجُوزُ جَاءَنِي غَيْرَكَ، فِي الْإِيجَابِ، لِأَنَّ "إِلَّا" لَا تَقَعُ هَاهُنَا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 59
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 13
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 28
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 42
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 68

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: