[size=29.3333]فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ.[/size]
[size=29.3333](6)[/size]
[size=29.3333]قوله ـ تعالى شأنُه: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} سُوالَ تَعنيفٍ وتَعذيبٍ. وهو بَيانٌ لِعذابِهِمُ الأُخْرَوِيِّ إثْرَ بَيانِ عَذابِهِمُ الدُنْيَوِيِّ، أَيْ أنَّه ـ سبحانَه وتعالى ـ سَيَسْأَلُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا أَجَابُوا بِهِ رُسُلَهُمْ فِيمَا أَرْسَلَهُمُ اللهُ بِهِ إِلَيْهِم، وفيها دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يُحَاسَبُونَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ} سورة الغاشية، الآية: 26. وفي سورة القصص: {وَلا يُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} الآية: 78. يَعْنِي إِذَا اسْتَقَرُّوا فِي الْعَذَابِ. لأنَّ الْآخِرَةَ مَوَاطِنُ: مَوْطِنٌ يُسْأَلُونَ فِيهِ لِلْحِسَابِ. وَمَوْطِنٌ لَا يُسْأَلُونَ فِيهِ. وَسُؤَالُهُمْ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ وَإِفْضَاحٌ. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} سؤالَ تَشريفٍ وتَقريبٍ. أيْ سَيَسْأَلُ الرُّسُلَ أَيْضاً عَمَّا بَلَّغُوهُ إلَى الأُمَمِ مِنْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ، وَعَمَّا أَجَابَهُمْ بِهِ أَقْوَامُهُمْ. وسُؤَالُ الرُّسُلِ سُؤَالُ اسْتِشْهَادٍ بِهِمْ وَإِفْصَاحٍ، وَهُوَ مَعْنَى قولِهِ: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} سورة الأحزاب، الآية: 8. وَقِيلَ: المعنى: "فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ" أيْ الأنْبياء، و"وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ" أَيِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ. [/size]
[size=29.3333]أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتِمٍ عن سُفْيان الثوري أَنَّه يُقالُ للذينَ أُرْسِلَ إليهم: هلْ بَلَّغَكمُ الرُسُلُ؟ ويُقالُ للمُرسَلين: ماذا رَدّوا عّليكم؟. وأَخرَجَ أَيضاً عَنِ القاسِمِ أَبي عبدِ الرَحْمنِ أَنَّه تَلا هَذِهِ الآيةَ فقال: يُسأَلُ العَبْدُ يومَ القيامَةِ عَنْ أَرْبَعِ خِصالٍ، يَقولُ رَبُّكَ: أَلَمْ أَجْعل لَّكَ جَسَداً، ففيمَ أَبْلَيْتَه؟ أَلَمْ أَجعلْ لَّك عِلْماً ففيمَ عَمِلْتَ بما عَلِمْتَ؟ أَلمْ أَجْعلْ لَّكَ مالاً ففيمَ أَنْفَقْتَهُ، في طاعَتي أَمْ في مَعْصِيَتي؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَّكَ عُمْراً ففِيمَ أَفْنَيْتَه؟. وأَخْرَجَ هو وغيرُه عَنْ طاووس أَنَّه قَرأَ ذَلكَ فقالَ: الإمامُ يُسأَلُ عنِ الناسِ، والرّجُلُ يُسْأَلُ عَنْ أَهْلِهِ، والمَرْأةُ تُسأَلُ عَنْ بِيْتِ زَوْجِها، والعبدُ يُسْأَلُ عَنْ مالِ سَيِّدِهِ. ولَعَلَّ الظاهِرَ أَنَّ سُؤالَ كُلٍّ مِنَ المُرْسَلِ إليْهم والمُرسَلينَ هُنا عنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِصاحِبِهِ، ولا يَمنعُ هذا مِنْ أَنَّ المُكلَّفين يُسأَلونَ عنْ أُمورٍ أُخَرَ، والمَواقِفُ يَوْمَ القيامَةِ شَتَّى، كما [/size]
[size=29.3333]تقدَّمَ. [/size]
[size=29.3333]والمُرادُ مِنْ هذا السُؤالِ تَوبيخُ الكَفَرَةِ وتَقْريعُهم، والمَنْفِي في قولِه تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} الرحمن: 39. سؤالُ الاسْتِعْلامِ فلا مُنافاةَ بيْنِ الآيَتَيْنِ، وجمعَ آخرون بينَهُما بِأَنَّ للمُثْبَتِ مَوْقِفاً وللمَنْفِي موقفٌ آخر. وقيل: إنَّهم لا يُسأَلون عنِ الأَعْمالِ "أيْ ما فَعَلْتم" ولكنْ يُسألونَ عَنِ الدَواعي التي دَعَتْهم إلى الأَعْمالِ، والصَوارِفِ التي صَرَفَتْهم عنها. [/size]
[size=29.3333]قوله تعالى: {فلنسألَنَّ الذين أرسِلَ إليهم} قال بعضُهم إنَّ الفاءَ هنا لِترتيبِ الأَحْوالِ الأُخْرَويَّةِ على الأحوالِ الدُنْيَويَّةِ ذِكْراً كما رُتِّبَتْ عليها وُجوداً. وذَكَرَ العَلاَّمةُ الطَيبِيُّ أنَّ الفاءَ فَصيحَةٌ على مَعْنى: فمَا كانَ دَعْواهم في الدُنيا إذْ جاءَهم بَأْسُنا إلاَّ أَنْ قالوا.. فقَطَعْنا دَابِرَهُم، ثمَّ لَنَحْشُرَنَّهمْ فَلَنَسْأَلَنَّهم. وعلى هذا فقد وَضعَ الظاهرَ مَوْضِعَ الضَميرِ لِمَزيدِ التَقْريرِ. و"إِلَيْهِمْ" جارٌّ ومَجرورٌ قائمٌ مُقامَ الفاعِلِ.[/size]