فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ.
(118)
قَوْلُهُ تَعَالَى شأنُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} هو أَمْرٌ من اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ على الشرابِ والذِبْحِ وكلِّ مَطْعومٍ. فالمعنى على ما ذَهَبَ إليْهِ غيرُ واحدٍ من العلماءِ: كُلوا ممّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ ـ تعالى ـ على ذَبْحِهِ، لا ممّا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غيرِهِ، أو اسمٌ آخرُ معَ اسْمِهِ عَزَّ اسْمُه، أوْ ممَّا ماتَ حَتْفَ أنفِهِ. ولقد ذَكَرَ العلاَّمةُ مُحَمَّد أَمين شيخو، في كتابه: (كتابُ اللهِ أَكْبَرُ رِفْقاً أَيَّها البَشَرُ) في الردِّ على المُشكِّكين بالحكمةِ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهِ تعالى على الذبائح الحقائق الآتية فقال:
يدَّعي بعض المستشرقين الغربيين بأننا معشر المسلمين نهتم بصغائر الأمور فنأتي سفاسفها ونهمل عظائمها، نولي القشور عظيم اهتمامنا ولا نعبأ باللب فنقضي جلَّ أوقاتنا بالقيل والقال وكثرة السؤال، والوقت من ذهب، إذ يسخرون من التكبير على الذبيحة وذكر اسم الله عليها، فهم يقولون:
الموت هو الموت للذبائح من لحوم الخرفان والغنم التي يتم ذبحها، والحيوان الأعجم المشرف على الموت هل يفهم باللغة العربية أو غيرها حتى ننطق عليه التسمية والتكبير، بل ولا نأكل مما لم يُذكر اسم الله عليه، ويقولون إننا لنوغل ونغرق في أمور غريبة لا مردود لها بلا واقع عملي مثمر منتج ومونق مبهج، وإننا لنأتي منكراً من القول وزوراً يستنكره المرء العاقل المفكِّر إن لم تكمن وراءه حكمة ملموسة محسوسة بعيدة عن غيبيات لا ندركها ولا نعلمها، فما فائدة التكبير اللفظي على الذبيحة التي ترزح تحت آلام الذبح وهي لا تعي ولا تدرك، وهي في غمرات الموت وعذابه ويطلبون المخاطبة والجواب بلغة العقل والمنطق والواقع الراهن لا بالنقل والتقليد دون العلم والعقل.
لذا فنحن ندعو كلَّ باحثٍ نزيه أو مستشرق حرٍّ طالب لوجه الحق المجرَّد عن كلِّ وهمٍ وسخف وخرافات، إذ نلجأ عملياً وتطبيقاً إلى الطب في عصره الذهبي بالحاضر العتيد نستقرئه ونستجوبه ندعوه للتحقيق بالتطبيق، فيسرع الإجابة العلمية المجرَّدة عن كلِّ زيف وخداع وهيا بنا إلى أي مسلخ لذبح اللحوم ولنقرن القول بالعمل، فلنكبِّر بسم الله الله أكبر على ذبيحة ولنأخذ عينةً "أي قطعةَ لحمٍ" منها بعد ذبحها، ثم لنأخذ عينة من خروف آخر يُذبح بلا تكبير.. نأخذ العينتين ونزرعهما في مخبر طبي قانوني لنرى النتائج الملموسة بأمِّ أعيننا ولمس أنامل أيدينا فنرى ونلمس النتائج الطبية الصاعقة التي لا ريب ولا شكَّ ولا تلاعب بها أبداً وقطعاً.. نشاهد:
أولاً: إن لحم الخروف، أو أي ذبيحة ذُكِرَ اسم الله عليها خاليةً من الجراثيم تماماً فلا ميكروب بها.
ثانياً: بعد فحص قطعة لحم العينة "لحم الخروف المذبوح دون ذكر اسم الله عليه" نراه ممتلئاً بمستعمرات من الجراثيم العنقودية Staphylo coccus الضارَّة الفتَّاكة بصحة المواطنين..
لقد قامت هيئة صحية بصحبة الطبيب السيد فايز الحكيم وطبَّقت التكبير على خمس ذبائح ذُكِرَ اسم الله عليها، وخمس خرفان أخرى لم يُذكر اسم الله عليها، وزرعت العينات المأخوذة من الذبائح الست لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة فكانت النتيجة الطبية الصاعقة: إنَّ الخرفان التي لم يُذكر اسم الله عليها، كانت محتقنة بمستعمرات الجراثيم، عكس التي ذُكِرَ اسم الله عليها فكانت خاليةً إطلاقاً من الجراثيم، وذلك صبيحة يوم 17/9/2000 في الساعة الثامنة صباحاً..
وكُررت العملية ذاتها بمشاهدة الأطباء وتحت سمعهم وأبصارهم في مسلخ دوما بدمشق بتاريخ 26/9/2000، وكُرِّر الفحص المخبري الدقيق فكانت النتيجة نفسها؛ لا جراثيم بالخرفان المذبوحة والمكبَّر عليها إطلاقاً والخرفان الثلاثة الأخرى تموج فيها الجراثيم الفتَّاكة موجاً.
ثالثاً: كان لون الخرفان المكبَّر عليها زهر فاتح تسرُّ الناظرين، بينما كان لون الذبائح غير المكبَّر عليها أحمر قاتم مائل إلى الزرقة.
رابعاً: بالنسبة لخلايا الذبائح المذكورة لدى فحصها تبيَّن وجود بقايا دماء فاسدة بشكل كثيفٍ جداً في لحوم الذبائح غير المكبَّر عليها، بينما لا نجدها في لحوم الذبائح المكبَّر عليها.
قوله: {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) أَيْ آخِذِينَ بِأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ التي مِنْ جُملَتِها الآياتُ الواردةُ في هذا الشأنِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِهَا يَتَضَمَّنُ وَيَقْتَضِي الْأَخْذَ بها والانقيادَ لها. و"مؤمنين" لأنَّ الإيمان بها يقتضي استباحةَ ما أَحَلَ اللهُ، واجتنابَ ما حرَّمَ، وقيل: المعنى إن صرتم عالمين حقائق الأمور التي هذا الأمرُ مِنْ جُملَتِها بسببِ إيمانِكم، وقيلَ: المُراد إنْ كنتم مُتَّصفين بالإيمان وعلى يَقينٍ منه فإنَّ التَصديقَ يَختلِفُ ظَنَّاً وتقليداً وتحقيقاً.
وممَّا وَرَدَ في سببِ نُزولِ هذِه الآية الكريمة ما ذكَره الواحديُّ من أنَّ المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاةِ إذا ماتت من قِبَلِها فقال ـ عليه الصلاةُ والسلام: ((اللهُ تعالى قَتَلَها)) قالوا : فتزعم أنَّ ما قتلتَ أنتَ وأصحابُك حلالٌ، وما قَتَل الصَّقرُ والكَلْبُ حلالٌ، وما قَتَلَهُ اللهُ ـ تعالى حرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال عِكْرِمَةُ: إنَّ المَجوسَ مِنْ أَهْلِ فارسَ لمَّا أَنزلَ اللهُ تعالى تحريمَ المَيْتَةِ كَتَبوا إلى مُشْرِكي قُريشٍ ـ وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة ـ أَنَّ مُحمَّداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأَصحابَه يَزعمون أَنَّهم يَتَّبعون أَمْرَ اللهِ تعالى، ثمَّ يَزعمون أَنَّ ما ذَبَحوا فهو حلالٌ، وما ذَبَحَ اللهُ تعالى فهو حرام؟ فَوَقَعَ في أَنْفُسِ ناسٍ مِنَ المُسلمين مِن ذلك شيءٌ، فأنزلَ ـ سبحانه ـ الآية. وأَخرج أبو داوودَ والتِرمِذِيُّ (وحسنه) وجماعةٌ عنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما ـ قال: جاءتِ اليهودُ إلى النَبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: أَنأكُلُ ممّا قَتَلْنا ولا نَأْكُلُ مما يَقْتُلُ اللهُ تعالى؟! فأَنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ.
قولُهُ تعالى: {فَكُلُواْ} الفاءُ جوابُ شرطٍ مُقدَّرٍ: فقيل للمسلمين: إنْ كنتم مُتحقِّقين بالإِيمان فكُلوا. أو هي عاطفةٌ على محذوفٍ، ودَخَلتِ الفاءُ للعطف على ما دلَّ عليه أوَّلُ الكلامِ كأنَّهُ قيل: كونوا على الهدى فكلوا، والظاهر أنها عاطفة على ما تقدَّم من مضمون الجمل المتقدمة كأنه قيل: اتَّبِعوا ما أمركم الله مِنْ أكل المُذَكَّى دون الميتة فكُلوا. وهي للترتيبِ، فقد رتَّبت ما بعدَها على ما قبلها.
وقولُهُ: {إِن كُنتُم بآياته} والجار والمجرور متعلِّقان بما بعدهما وقُدِّمَ رِعايةً للفواصل؛ وجوابُ الشرطِ محذوفٌ لدَلالةِ ما قبلَه عليه.