روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 109

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  109 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  109 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 109   فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  109 I_icon_minitimeالأربعاء يناير 29, 2014 4:17 pm

وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ
(109)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} وَأَقْسَمُوا: أَيْ حَلَفُوا، فقد َأَقْسَمَ المُشْرِكُونَ أَيْمَاناً مُؤَكَّدَةً، لَئِنْ أَتَتْهُمْ مُعْجِزَةٌ مِنَ اللهِ لِيُصَدِّقُنَّهَا، وَلَيُؤْمِنُنَّ بِهَا، والجَهْدُ الوِسْعُ والطَاقَةُ مِنْ جَهَدَ نَفْسَهُ يَجْهَدُها في الأمْرِ إذا بَلَغَ أَقْصى وُسْعِها وطاقَتِها فيه. وَجَهْدُ الْيَمِينِ أَشَدُّهَا، وَهُوَ بِاللهِ، فَقَوْلُهُ: "جَهْدَ أَيْمانِهِمْ" أَيْ غَايَةُ أَيْمَانِهِمُ الَّتِي بَلَغَهَا عِلْمُهُمْ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهَا قُدْرَتُهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْإِلَهُ الْأَعْظَمُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ إِنَّمَا يَعْبُدُونَهَا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى} سورةُ الزُمُر، الآية: 3. وَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَبِالْأَصْنَامِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِاللهِ تَعَالَى وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ جَهْدَ الْيَمِينِ إِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ بِاللهِ. وقيلَ: "جَهْدَ أَيْمانِهِمْ" مَعْنَاهُ بِأَغْلَظِ الْأَيْمَانِ عِنْدَهُمْ.
وَتَعْرِضُ هُنَا مَسْأَلَةٌ مِنَ الْأَحْكَامِ عُظْمَى، وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ مَعْرُوفَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فقد كَانُوا يَقُولُونَ: عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: تُطَلَّقُ نِسَاؤُهُ. ثُمَّ تَكَاثَرَتِ الصُّورَةُ حَتَّى آلَتْ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى صُورَةٍ هَذِهِ أُمُّهَا. وَكَانَ الشَيْخُ الْفِهْرِيُّ الطَّرَسُوسِيُّ يَقُولُ: يَلْزَمُهُ إِطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا إِذَا حَنِثَ فِيهَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "الْأَيْمَانُ" جَمْعُ يَمِينٍ، وَهُوَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ وَحَنِثَ أَلْزَمْنَاهُ كَفَّارَةً. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينَانِ لَلَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ إِذَا حَنِثَ. وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ فَيَلْزَمُهُ فِيهَا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ. وَاخْتَلَفَ الشُيُوخُ فِيهَا، فَقَالَ أَحَدُهم: يَلْزَمُهُ فِي زَوْجَتِهِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَالْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ، وَتَفْرِيقُ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعِتْقُ رَقَبَةٍ. وَقَالَ غيرُه: تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ الْحَسَنِ فِي سَمَاعِهِ مِنَ ابْنِ وَهْبٍ فِي قَوْلِهِ: "وَأَشَدُّ مَا أخَذَهُ أَحَدٌ على أَحَدٍ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ". فَجَعَلَ مَنْ سَمَّيْنَاهُ عَلَى الْقَائِلِ: "الْأَيْمَانَ تَلْزَمُهُ" طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ: أَشَدُّ مَا أَخَذَهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. واحْتَجَّ الأَوَّلون بقولِ ابْنِ القاسِمِ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللهِ وَغَلِيظُ مِيثَاقِهِ وَكَفَالَتُهُ وَأَشَدُّ مَا أَخَذَهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ عَلَى أَمْرٍ أَلَّا يَفْعَلَهُ ثُمَّ فَعَلَهُ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يُرِدِ الطَّلَاقَ وَلَا الْعِتَاقَ، وَعَزَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَلْتَكُنْ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ فَلْيُكَفِّرْ كَفَّارَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللهِ وَغَلِيظُ مِيثَاقِهِ. وَيَعْتِقُ رَقَبَةً وَتُطَلَّقُ نِسَاؤُهُ، وَيَمْشِي إِلَى مَكَّةَ ويَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مالِهِ فِي قَوْلِهِ: وَأَشَدُّ مَا أَخَذَهُ عَلَى أَحَدٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُه: {لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها} أي أقْسَمُوا بأَغْلَظِ الأيمانِ وآكَدِها مُعلنينَ أَنَّه إذا جاءتهُم آيةٌ مِنَ الآياتِ الكَوْنِيَّةِ التي اقْتَرَحوها عليكَ يا مُحَمَّدُ لِيُؤمِنُنَّ بِها أَنَّها مِنْ عِنْدِ اللهِ وأَنَّكَ صادقٌ فيما تُبَلِّغُهُ عَنْ ربِّكَ. وقد كان هذا حالُهم في المُكابرة والعِنادِ العُتُوِّ والفَسادِ حَيْثُ كانوا لا يَعُدُّون ما يُشاهدونَهُ مِنَ المُعجزاتِ الباهِرَةِ مِنْ جِنْسِ الآياتِ فاقْتَرحوا غَيْرَها.
قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ} أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ: إنَّ هذهِ الآياتِ التي اقْتَرَحْتُموها تَعَنُّتاً وعِناداً مَرَدُّها إلى اللهِ الْقَادِر عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا إِذَا شَاءَ. فهو وحدَهُ القادِرُ عَلَيْها والمُتَصَرِّفُ فيها حَسْبَ مَشيئَتِهِ وحِكْمَتِهِ، إنْ شاءَ أَنْزَلَها وإنْ شاءَ مَنَعَها، أَمَّا أَنَا فليسَ ذلكَ إليَّ. فإنَّ أَمْرَها في حُكْمِهِ وقَضائهِ خاصَّةً يَتَصَرَّفُ فيها حَسْبَ مَشيئَتِهِ المَبْنِيَّةِ على الحِكَمِ البالِغَةِ لا تَتَعَلَّقُ بها قُدْرَةُ أَحَدٍ ولا مَشيئتُهُ اسْتِقْلالاً ولا اشْتِراكاً بِوَجْهٍ مِنَ الوُجوهِ حتّى يُمْكِنُني أَنْ أَتَصَدّى لإنْزالِها بالاسْتِدْعاءِ؛ وفي هذا الردِّ  سَدٌّ لِبابِ الاقْتِراحاتِ التي لا تنتهي، فإنَّ المتفكِّرَ المتدبِّرَ المنصِفَ الذي يبحثُ عن الحقِّ خالياً من كلِّ رغبةٍ وشهوةٍ يكفيه بعضُ ما جاء به محمَّدٌ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ من الآيات الباهرات التي أيّدَه اللهُ بها كدليلٍ واضحٍ على صِدْقِهِ فيما يُبَلِّغُ عن ربِّهِ ـ جَلَّ وعلا.
قولُهُ: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} بيانٌ لأنَّ أَيْمانَهم فاجِرَةٌ، وأَنْ لو أُجِيبوا إلى ما سَأَلوهُ ما آمنوا. فقد حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَقَدْ أَعْلَمَنَا فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وقيل: الخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَزَلَتِ الْآيَةُ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: "وَما يُشْعِرُكُمْ" أَيْ يُعَلِمُكُمْ وَيُدْرِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ. و"أَنَّها" أَيْ لَعَلَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ. قَالَ بِهِ الْخَلِيلُ: وَحَكَاهُ عَنْهُ سِيبَوَيْهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} أَيْ أَنَّهُ يَزَّكَّى. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: اِيتِ السُّوقَ أَنَّكَ تَشْتَرِي لَنَا شَيْئًا، أَيْ لَعَلَّكَ. وَقَالَ أَبُو النَّجْمِ:
قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهْ ................... أَنَّ تُغَدِّي الْقَوْمَ مِنْ شِوَائِهْ
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
أَعَاذِلُ مَا يُدْرِيكَ أَنَّ مَنِيَّتِي ........ إِلَى سَاعَةٍ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
أَيْ لَعَلَّ. وَقَالَ:
أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي ............... أَرَى مَا ترين أو بخيلا مخلدا
ونَسَبَهُ بعضُهم لِدُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ويُرْوى: لَعَلَّني.
وروى ابْنُ أَبي حاتمٍ وأَبو الشَيْخِ عنْ مُجاهِدٍ أَنَّ الخِطابَ للمُشْركينَ وهو داخلٌ تَحْتَ الأَمْرِ وفيهِ الْتِفاتٌ، و"أَنَّهَا إذا جاءتْ لا يُؤمنون" عندَه إخْبارٌ ابتدائي.
وَسَبَبُ نُزولِ هذِهِ الْآيَةِ الكريمةِ فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ: الْقُرَظِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، تُخْبِرُنَا بِأَنَّ مُوسَى ضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لَهُمْ نَاقَةٌ، فَائِتِنَا بِبَعْضِ هَذِهِ الآياتِ حتّى نُصَدِّقَكَ. فقالَ: ((أَيَّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ))؟ قَالُوا: اجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَوَاللهِ إِنْ فَعَلْتَهُ لَنَتَّبِعَنَّكَ أَجْمَعُونَ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَدْعُو، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفا ذَهباً، ولئن أَرْسَلَ اللهُ آيَةً وَلَمْ يُصَدِّقُوا عِنْدَهَا لَيُعَذِّبَنَّهُمْ فَاتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَلْ يَتُوبُ تَائِبُهُمْ)) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَبَيَّنَ الرَّبُّ بِأَنَّ مَنْ سَبَقَ الْعِلْمُ الْأَزَلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَإِنْ أَقْسَمَ لَيُؤْمِنَنَّ.
قولُهُ تعالى: {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}: "جَهْدَ" الْجَهْدُ (بِفَتْحِ الْجِيمِ): الْمَشَقَّةُ يُقَالُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ بِجَهْدٍ. وَالْجُهْدُ (بِضَمِّهَا): الطَّاقَةُ يُقَالُ: هَذَا جُهْدِي، أَيْ طَاقَتِي. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمَا واحداً، ويَحْتَجُّ بقولِهِ: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} سورة التوبة، الآية: 79. وقد تقدَّمَ الكلامُ عَليْه في المائدةِ.
قولُهُ: {وما يُشْعِركم} ما: استفهاميَّةٌ مُبْتَدَأٌ، والجُمْلَةُ بعدَها خَبَرُها، وفاعِلُ "يشعر" يَعودُ عَلَيْها، وهي تَتَعدّى لاثْنَيْنِ، الأَوَّلُ ضميرُ الخِطابِ، والثاني مَحْذوفٌ، أَيْ: وأَيُّ شيءٍ يُدْريكم إيمانَهم إذا جاءتْهم الآياتُ التي اقْتَرَحوها؟
وقولُهُ: {لا يُؤْمنون} مُتَعلَّقُهُ مَحذوفٌ للعِلْمِ بِهِ، أيْ: لا يُؤمنونَ بها. وَقَرَأَ طلحةُ بْنُ مَصَرِّفٍ: "لَيُؤْمَنَنْ" مَبْنِيّاً للمَفعولِ مُؤكَّداً بالنونِ الخَفيفةِ. وقَرَأَ العامَّةُ "أنها" بفتحِ الهَمْزَةِ، وابْنُ كَثيرٍ، وأَبو عَمْرٍو، وأَبو بَكْرٍ، بِخِلافٍ عَنْهُ بِكَسْرِها. فأَمَّا على قِراءةِ الكَسْرِ فواضِحَةٌ اسْتَجْوَدَها الناسُ: الخَليلُ وغيرُهُ؛ لأنَّ مَعناها اسْتِئنافُ إخْبارٍ بِعَدَمِ إيمانِ مَنْ طُبِعَ على قلبِهِ ولو جاءتْهم كلُّ آيةٍ. قالَ سِيبَوَيْهِ: سألْتُ الخَليلَ عَنْ هذِهِ القِراءَةِ ـ يَعْني قِراءَةَ الفَتْحِ ـ فقلتُ: ما مَنَعَ أَنْ يَكونَ كَقَوْلِكَ: ما يُدريكَ أَنَّهُ لا يَفْعلُ؟ فقالَ: لا يَحْسُنُ ذلك في هذا المَوْضِعِ، إنَّما قالَ: "وما يُشْعركم"، ثمَّ ابْتَدَأَ فأَوْجَبَ فقالَ: "إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ" ولو فَتَح فقال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لَكانَ عُذْراً لَهُم. وقدْ شَرَحَوا قولَ الخَليلِ وأَوْضَحوهُ فقالَ الواحِدِيُّ وغيرُهُ: لأنَّكَ لَوْ فَتَحْتَ "أَنَّ" وجَعَلْتَها كالتي في نَحْوِ "بلغني أَنَّ زَيْداً مُنْطَلِقٌ" لَكَانَ عُذْراً لِمَنْ أَخْبَرَ عَنْهم أَنَّهم لا يُؤمِنون، لأنَّهُ إذا قالَ القائلُ: "إنَّ زَيْداً لا يُؤمِنُ" فَقُلْتَ: وما يُدْريكَ أَنْ لا يُؤمِنُ، كانَ المَعْنَى أَنَّه يُؤمِنُ، وإذا كانَ كذلِكَ كانَ عُذْراً لِمَنْ نَفَى عَنْهُ الإِيمانَ، ولَيْسَ مُرادُ الآيَةِ الكَريمَةِ إقامَةَ عُذْرِهِمْ وَوُجودَ إيمانِهم.
وقَرِئَ "إنّها" بالكَسْرِ، على أَنَّ الكلامَ قَدْ تَمَّ قَبْلَهُ بِمَعْنى: وما يُشْعِرُكم ما يَكونُ مِنْهم، ثُمَّ أَخْبَرَهم بِعِلْمِهِ فيهم فقالَ: إنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمِنون.
أَمَّا قِراءةُ الفَتْحِ فالأَظْهَرُ: أَنَّها بمَعنى لَعَلَّ، حَكى الخَليلُ: "اِيتِ السُوقَ أَنَّكَ تَشتَري لَنا مِنْهُ شَيْئاً" أيْ: لَعَلَّكَ، فهذا مِنْ كَلامِ العَرَبِ شاهدٌ على كَوْنِ "أَنَّ" بمَعنى لَعَلَّ، وأَنْشَدَ أَبو جَعْفَرٍ النّحاسُ لحُطَائِطَ بْنِ يَعْفُرَ وهو أخو الأسودِ بْنِ يَعْفُرَ:
أريني جواداً مات هُزْلاً لأَنَّني .............. أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مُخَلَّدا
ونسب بعضُهم هذا البيتَ لدريدٍ بْنِ الصمَّةَ. وأنشد الزمخشريُّ لامرِئِ القيسِ:
عُوجا على الطَلَلِ المُحيلِ لأنَّنا ......... نَبْكي الديارَ كما بَكَى ابْنُ حذامِ
وقالَ جَرير:
هلَ أنتمْ عائجون بنا لَعَنَّا ................... نرى العَرَصاتِ أو أثرَ الخيام
وقال عَدِيّ بنُ زَيدٍ:
أعَاذِل مَا يُدْريكَ أنَّ مَنْيَّتِي ........ إلى سَاعَةٍ في اليَوْمِ أوْ فِي ضُحَى الغَد
وقال آخر:
قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهْ ................... أَنَّا نُغَذِّي النَّاسَ مِنْ شِوَائِهْ
فـ "أَنَّ" في هذه المَواضِعِ كُلِّها بِمَعنى لَعَلَّ ، قالوا: ويَدُلُّ على ذلك أَنَّها في مُصْحَفِ أُبَيٍّ وقراءتِهِ: "وما أَدْراكم لَعَلَّها إذا جاءتْ لا يُؤمِنونَ". ونُقِلَ عَنْهُ: "وَمَا يُشْعِرُكُمْ لَعَلَّها إِذَا جَاءَتْ"، ذَكَرَ ذَلك أَبو عُبَيْدٍ، وغيرُهُ، ورَجَّحوا ذلك أَيْضاً بأنَّ "لَعَلَّ" قَدْ كَثُرَ وُرودُها في مِثْلِ هذا التَرْكيبِ كقولِه تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} الشورى: 17. وقولِه: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى} عَبَسَ: 3. وممَّنْ جعل "أَنَّ" بِمَعْنى "لَعَلَّ" أَيْضاً يَحْيى بْنُ زيادٍ الفَرَّاءُ. ورجَّحَ الزَجَّاجُ ذلك، فقالَ: زَعَمَ سِيبَوَيْهِ عَنِ الخَليلِ أَنَّ مَعْناها "لَعَلَّها" قال: وهذا الوَجْهُ أَقْوى في العَربيَّةِ وأَجْوَدُ، ونَسَبَ القِراءةَ لأَهْلِ المَدينةِ، وكذا أَبو جَعْفَرٍ النَّحاسُ. وقراءةُ الكُوفيّين والشاميّين أَيضاً، إلاَّ أَنَّ أَبا عَلِيٍّ الفارسِيَّ ضَعَّفَ هذا القولَ الذي اسْتَجْوَدَوهُ وقوَّوْهُ تَخْريجاً لِهذِهِ القراءةِ فقالَ: التَوَقُّعُ الذي تَدُلُّ عَلَيْه "لَعَلَّ" لا يُناسِبُ قراءةَ الكَسْرِ لأنَّها تَدُلُّ على حُكْمِهِ ـ تَعالى ـ عليهِم بأنَّهم لا يُؤمنون. ولكنَّه لمَّا مَنَعَ كونَها بمَعنى "لَعَلَّ" لم يَجْعَلْها مَعْمولَةً لِـ "يُشْعِركم" بَلْ جَعَلَها على حَذْفِ لامِ العِلَّةِ أَيْ لأنَّها، والتَقديرُ عندَهُ: قُلْ إنَّما الآياتُ عندَ اللهِ لأنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمنونَ، فهوَ لا يَأْتي بِها لإِصْرارِهم على كُفْرِهم، فيَكونُ نَظيرَ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُّرْسِلَ بالآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلون} الإِسراء: 59. أيْ بالآياتِ المُقْتَرَحَةِ، وعلى هذا فيَكونُ قولُه: "وما يُشْعركم" اعْتِراضاً بَيْنَ العِلَّةِ والمَعلولِ. ويمكنُ أَنْ تَكونَ "لا" مَزيدَةً، ومِثْلُهُ: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} الأعراف: 12. أيْ: أَنْ تَسْجُدَ، فيَكونُ التَقديرُ: وما يُشْعِرَكُم أَنَّها إذا جاءتْ يُؤمِنونَ، والمَعْنى على هذا: أَنَّها لو جاءتْ لَمْ يُؤمِنوا، وإنَّما حَمَلَ على اعتبارها زائدَةً ما تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّها لَوْ تُقَدَّر زائدةً لَكانَ ظاهِرُ الكَلامِ عُذْراً للكُفَّارِ وأَنَّهم يُؤْمِنون، كما عرَفْتَ تحقيقَه أولاً. إلاَّ أَنَّ الزَجّاجَ نَسَبَ ذلك إلى الغَلَطِ فقالَ: والذي ذُكِرَ أَنَّ "لا" لَغْوٌ غَالِطٌ، لأنَّ ما يَكونُ لَغْواً لا يَكونُ غَيْرَ لَغْوٍ، ومَنْ قَرَأَ بالكَسْرِ فالإِجْماعُ على أَنَّ "لا" غيرُ لَغْوٍ. فَلَيْسَ يَجوزُ أَنْ يَكونَ مَعنى لَفْظَةٍ مَرَّةً النَفْيَ ومَرَةً الإِيجابَ في سِياقٍ واحِدٍ. وانْتَصَرَ الفارِسِيُّ للفَرّاءِ القائل بزيادتها، ونَفى عَنْهُ الغَلَطَ، فإنَّه قالَ: يَجوزُ أَنْ تَكونَ "لا" في تَأْويلٍ زائدةً، وفي تأويلٍ غيرَ زائدةٍ كَقولِ الشاعِرِ:
أَبى جودُه لا البخلَ واستعجلَتْ نَعَمْ ..... به مِنْ فتى لا يَمْنًعُ الجودَ نائِلُهْ
فإنَّهُ يُنْشَدُ بالوَجْهَيْنِ، أيْ بِنَصْبِ "البُخْل" وجَرِّهِ، فَمَنْ نَصَبَه كانتْ زائدَةً أَيْ: أَبى جُودُهُ البُخْلَ، ومَنْ خَفَضَ كانَتْ غيرَ زائدةٍ، وأَضافَ "لا" إلى البُخْلِ. وعلى تَقديرِ النَّصْبِ لا يَلْزَمُ زِيادَتُها لِجَوازِ أَنْ تَكونَ "لا" مَفْعولاً بها، والبُخلُ بُدُلٌ مِنْها أَيْ: أَبى جُودُهُ لَفْظَ "لا"، ولَفْظُ "لا" هُو بُخْلٌ. وقدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ هذا مُحَقَّقاً عِنْدَ قولِهِ تَعالى: {وَلاَ الضالِّين} الفاتحة: 7.
وثمة وجهٌ ثالثٌ هو: أَنَّ الفَتْحَ على تَقديرِ لامِ العِلَّةِ، والتَقديرُ: إنّما الآياتُ التي يَقْتَرِحُونَها عِنْدَ اللهِ لأَنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمنون، وما يُشْعرُكم اعْتِراضٌ، كَما تَقَدَّمَ تَحقيقُ ذلك عَنْ أَبي عَلِيٍّ الفارسيِّ فأغْنَى عَنْ إعادَتِهِ، وصارَ المَعنى: إنَّما الآياتُ عندَ اللهِ ـ أَيْ المُقْتَرَحَةُ ـ لا يَأتي بِها لانْتِفاءِ إيمانِهم وإِصْرارِهم على كُفْرِهم.
ووجه رابعٌ هو: أَنَّ في الكَلامِ حَذْفَ مَعْطوفٍ على ما تَقَدَّمَ. قالَ أَبو جَعْفَرٍ النحاسُ: وقِيلَ في الكلامِ حَذْفٌ، المَعنى: وما يُشْعِرُكم أَنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمنون أَوْ يُؤمنون. فحُذَفَ هذا لِعِلْمِ السامِعِ، وقَدَّرَهُ غيرُه: ما يُشْعِرُكم بانْتِفاءِ الإِيمانِ أوْ وُقوعِهِ.
وخامسٌ: أَنَّ "لا" غيرُ مَزيدَةٍ، ولَيْسَ فِي الكَلامِ حَذْفٌ بَلِ المَعْنَى: وما يُدْريكمْ انْتِفاءَ إيمانِهم، ويَكونُ هذا جَواباً لِمَنْ حَكَمَ عَلَيْهِم بالكُفْرِ أَبَداً ويَئِسَ مِنْ إيمانِهم. وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ: "وما يُشْعِرُكم": وما يُدْريكم، "أَنَّها": أَنَّ الآياتِ التي يَقْتَرِحونَها، إذا جاءتْ لا يُؤمِنونَ بِها، يَعني: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّها إذا جاءتْ لا يُؤْمِنونَ بِها، وأَنْتُمْ لا تَدْرُونَ بِذلكَ، وذلكَ أَنَّ المُؤمنين كانوا حَريصينَ على إيمانِهم، وطامعين فيهِ إذا جاءتْ تِلكَ الآيَةُ ويَتَمَنَّونَ مَجيئَها فقال ـ عَزَّ وَجَلَّ: "وما يُدْريكمْ أَنَّهم لا يُؤمِنونَ" على مَعنَى: أَنَّكم لا تَدْرُوْنَ ما سَبَقَ عِلْمي بِهمْ أَنَّهم لا يُؤمِنوَن، أَلا تَرى إلى قولِهِ تعالى: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الأنْعام: 110. وبَسْطُ قولِه إِنَّهم كانوا يَطْمَعون في إيمانِهمْ كما جاءَ في التَفسيرِ أَنَّ المُشْرِكينَ قالوا لِرَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: أَنْزِلْ عَلَيْنا الآيةَ التي قالَ اللهُ فيها: {إِنْ نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} ونَحنُ واللهِ نُؤمِنُ فأَنْزَلَ اللهُ تَعالى: "وما يُشْعركم" إلى آخرِها. وهذا الوَجْهُ هو اخْتِيارُ الشيخِ أبي حيّانَ التوحيدي، فإنَّه قالَ: ولا يَحتاجُ الكلامُ إلى زِيادةَ "لا" ولا إلى هذا الإِضْمارِ ـ يَعني حَذْفَ المَعطوفِ ـ ولا إلى "أنَّ" بِمَعنى "لَعَلَّ"، وهذا كلُّهُ خُروجٌ عنِ الظاهِرِ لِغَيْرِ ضَرورةٍ، بَلْ حَمْلُهُ على الظاهِرِ أَوْلى، وهو واضحٌ سائغٌ، أيْ: وما يُشْعِرُكم ويُدْريكمْ بِمَعْرِفَةِ انْتِفاءِ إيمانِهم؟ لا سَبيلَ لَكم إلى الشُعورِ بِها.
ووجهٌ أخيرٌ: أَنَّ "ما" حَرْفُ نَفْيٍ، يَعْني أَنَّهُ نَفَى شُعورَهم بِذلك، وعلى هذا فيُطْلَبُ لـ "يُشْعركم" فاعِلٌ، فقيلَ: هُوَ ضَميرُ اللهِ تَعالى، أُضْمِرَ للدَلالةِ عَلَيْهِ، وفيهِ تَكَلُّفٌ بَعيدٌ، أيْ: وما يُشْعِرُكُمُ اللهُ أَنَّها إذا جاءتِ الآياتُ المُقْتَرَحَةُ لا يُؤمِنونَ.
وقدْ تَقدَّمَ في البَقَرَةِ كَيْفِيَّةُ قِراءةِ أَبي عَمْرٍو لـ {يُشْعِرُكُمْ} الأنعام: 109. و{يَنصُرْكُمُ} آل عمران: 160. ونَحوِهِما عَنْدَ قولِه ـ تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ} البقرة: 67، وفيها ثلاثةُ أَوْجُهٍ: الضَمُّ الخالِصُ، والاخْتِلاسُ، والسُكُونُ المَحْضُ.
وقَرأَ الجُمهورُ: "لا يؤمنون" بياءِ الغَيْبَةِ، وقرأ ابْنُ عامرٍ وحَمْزَة بِتَاءِ الخِطابِ، وقَرَآ أَيْضاً في الجاثيةِ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} الآية: 6. بالخِطابِ، وافَقَهُما عَلَيْها الكِسائيُّ وأَبو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وقرأ الباقون بياءِ الغَيْبَةِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ ذلك أَنَّ ابْنَ عامِرٍ وحمزة يَقرآنِ بالخِطابِ في المَوضِعيْنِ، وأَنَّ نافِعاً وابْنَ كَثيرٍ وأَبا عَمْرٍو وحَفْصاً عَنْ عاصِمٍ بالغَيْبَةِ في المَوضِعَيْنِ، وأَنَّ الكِسائيَّ وأَبا بَكْرٍ عَنْ عاصِم بالغَيبَة هُنا وبالخِطابِ في الجَاثيةِ، فقدْ وافقا أَحَدَ الفَريقيْن في إحدى السُورتَيْنِ والآخرَ في أُخْرى.
فأمَّا قراءةُ الخِطابِ هُنا فيَكونُ الظاهرُ مِنَ الخِطابِ في قولِهِ: "وما يشعركم" أَنَّهُ للكُفارِ، ويَتَّضِحُ مَعنى هذِهِ القِراءَةِ على زِيادَةِ "لا" أي: وما يُشْعِرُكم أَنَّكم تُؤمنونَ إذا جاءتِ الآياتُ التي طَلَبْتُموها كَما أَقْسَمْتُمْ عَلَيْهِ، ويَتَّضِحُ أَيْضاً على كَوْنِ "أنَّ" بمَعنى "لَعَلَّ" معَ كونِ "لا" نافيَةً، وعلى كونِها عِلَّةً بِتَقديرِ حَذْفِ اللامِ، أيْ: إنَّما الآياتُ عندَ اللهِ فلا يَأتيكم بِها؛ لأنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمِنون بِها، ويَتَّضِحُ أيْضاً على كونِ المَعطوفِ مَحْذوفاً، أي: وما يُدْريكم بِعَدَمِ إيمانِكم إذا جاءتِ الآياتُ، أوْ وُقوعهُ، لأنَّ مَآلَ أَمْرِكم مُغَيَّبٌ عَنْكم فَكَيْفَ تُقْسِمون على الإِيمانِ عِنْدَ مَجيءِ الآياتِ؟ وإنَّما يُشْكِلُ إذا جَعَلْنا "أَنَّ" مَعمولَةً لـ "يُشْعركم" وجَعَلْنَا "لا" نافيةً غيرَ زائدةٍ، إذْ يَكونُ المُعنى: وما يُدريكم أَيُّها المُشْرِكونَ بانْتِفاءِ إيمانِكم إذا جاءتْكُم، ويَزولُ هَذا الإِشكالُ بِأَنَّ المَعنى: أَيُّ شَيْءٍ يُدريكم بِعَدَمِ إيمانِكم إذا جاءتْكمُ الآياتُ التي اقْتَرَحْتُموها؟ يَعني لا يَمُرُّ هذا بِخَواطِرِكم، بَلْ أَنْتُمْ جازِمُونَ بالإِيمانِ عِنْدَ مَجيئِها لا يَصُدُّكمْ عَنْهُ صادٌّ، وأَنا أَعْلَمُ أَنَّكم لا تُؤمِنونَ وَقْتَ مَجيئِها لأنَّكم مَطبوعٌ على قُلوبِكم.
وأمَّا على قراءةِ الغَيْبَةِ فَتَكونُ الهَمْزةُ مَعَها مَكْسورَةً، وهي قراءةُ ابْنِ كَثيرٍ وأَبي عَمْرٍو وأَبي بَكْرٍ عَنْ عاصِم، ومَفتوحَةً وهي قراءةُ نافعٍ والكَسائيِّ وحَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ.
فعلى قِراءَةِ ابْنِ كَثيرٍ ومَنْ مَعَهُ يَكونُ الخِطابُ في "وما يشعركم" فيه وجهانِ:
الأَوّلُ: أَنَّهُ خَطابٌ للمُؤمنين، أيْ: وما يُشْعِرُكُم ـ أَيًّها المُؤمنون ـ إيمانَهُم، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ إخْباراً عَنْهم بِأنَّهم لا يُؤمنونَ، فلا تَطْمعوا في إيمانِهم.
الثاني: أَنَّهُ للكُفّارِ، أيْ: وما يُشْعِرُكم ـ أيُّها المشركون ـ ما يَكونُ مِنْكم، ثُمَّ اسْتَأنَفَ إخْباراً عَنْهم بِعَدَمِ الإِيمانِ لِعِلْمِهِ السابِقِ فيهم، وعلى هذا ففي الكلامِ الْتِفاتٌ مِنْ خِطابٍ إلى غَيْبَةٍ.
وعلى قِراءَةِ نافِعٍ يَكونُ الخِطابُ للكُفَّارِ، وتَكونُ "أنَّ" بمعنى "لَعَلَّ"، كذا قالَهُ أَبو شَامَةَ وغيرُه.
وقالَ أبو حيّانَ التوحيديّ في هذه القراءة: الظاهرُ أنَّ الخِطابَ للمؤمنين، والمَعنى: وما يدريكم ـ أيُّها المُؤمنونَ ـ أَنَّ الآيةَ التي تَقْتَرِحُونَها إذا جاءتْ لا يُؤمنون. يَعني أَنَا أَعْلَمُ أَنَّها إذا جاءتْ لا يُؤمنونَ بِها، ثمَّ ساقَ كلامَ الزَمَخْشَرِيِّ بِعَيْنِهِ الذي تقَدَّمَ ذِكْرُه في الوَجْهِ الخامِسِ، قال: ويَبْعُدُ جِدّاً أَنْ يَكونَ الخِطابُ في "وما يشعركم" للكفارِ. وإنَّما اسْتَبْعَدَهُ لأنَّه لَمْ يَرَ في "أنَّ" هذِه أَنَّها بمَعنى "لَعَلَّ"، وقَدْ جَعلَ الشيخُ في مجموعِ "أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ" بالنِسْبَةِ إلى كَسْرِ الهَمْزَةِ وفَتْحِها، والخِطابِ والغَيْبَةِ أَرْبَعَ قراءاتٍ، قال: وقَرَأَ ابْنُ كثيرٍ وأَبو عَمْرٍو والعَليميُّ والأَعْشى عَنْ أَبي بَكْرٍ، وقالَ ابنُ عَطِيَّةَ: ابْنُ كثيرٍ وأَبو عَمْرٍو وعاصِمٌ في روايةِ داوودَ الإِياديّ: إنَّها بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقَرَأَ باقي السَبْعَةِ بِفَتْحِها، وقرأ ابْنُ عامرٍ وحَمزة "لا تؤمنون" بِتاءِ الخِطابِ، وقرأَ الباقون بِياءِ الغَيْبَةِ، فَتَرتَّبَ أَرْبَعُ قِراءاتٍ:
الأولى: كَسْرُ الهمزةِ والياءِ وهي قراءةُ ابْنِ كثيرٍ وأَبي عَمْرٍو وأَبي بَكْرٍ بِخلافٍ عَنْهُ في كَسْرَ الهَمْزَةِ.
الثانية: كَسْرُ الهمزة والتاء، وهي روايةُ العَليميِّ والأَعْشى عَنْ أَبي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، والمناسبُ أنْ يَكونَ الخِطابُ للكُفَّارِ في هذِهِ القِراءةِ كأنَّه قِيلَ: وما يُدْريكم ـ أَيُّها الكُفّارُ ـ ما يَكونُ مِنْكم؟ ثُمَّ أَخْبَرَهُم على جِهَةِ الجَزْمِ أَنَّهم لا يُؤمنون، على تقديرِ مَجيئها، ويَبْعُدُ جِدّاً أَنْ يَكونَ الخِطابُ في "وما يُشْعركم" للمؤمنين. وفي "تؤمنون" للكُفّارِ.
الثالثةَ: فيها نَظَرٌ لا يَخفى: وذلك أَنَّهُ لَمَّا حكى قراءةَ الخِطابِ في "تؤمنون" لَمْ يَحْكِها إلاَّ عنْ حَمزَةَ وابْنِ عامرٍ فقط، ولم يُدْخِلْ مَعَهُما أَبا بَكْرٍ لا مِنْ طَريقِ العَليمِيِّ والأَعْشى، ولا مِنْ طَريقِ غيرِهِما، والفَرْضُ أَنَّ حَمزَةَ وابْنَ عامرٍ يَفتحان هَمْزَةَ "أنَّها"، وأَبو بَكْرٍ يَكْسِرُها ويَفْتَحُها، ولكنَّه لا يَقْرأُ "يؤمنون" إلاَّ بِياءِ الغَيْبَةِ فَمِنْ أَيْنَ تَجيءُ لَنا قِراءَةٌ بِكَسْرِ الهَمْزِةِ والخَطابِ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 109
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 15
» فيض العليم ... سورة الأنعام الآية: 31
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 49
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 64
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 79

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: