ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. (102)
قولُه ـ تبارك وتعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ: إشارةٌ إلى المنعوت بما ذُكِرَ مِنْ جَلائلِ النُعوتِ، أيْ ذلكمُ المَوْصوفُ بما سَمِعْتُمْ مِنْ جلائلِ الصِفاتِ هو اللهُ ربُّكم لا مَنْ زَعَمْتُمْ مِنَ الشُرَكاءِ. والإشارة بالخطابِ "ذلكم" للجميعِ إشارةٌ إلى التكليفِ العامِّ بِعبادةِ اللهِ تَعالى وحدَهُ، وقد ذَكَرَ سَبَبَ الأُلوهِيَّةِ الكامِلَةِ، فقَرَنَها بِوَصْفيْنِ يُزَكِّيانِ معنى الأُلوهيَّةِ: أَوَّلُهُما: الرُبوبيَّةُ الكامِلَةُ؛ الذي يُربِّي الناسَ والأشياءَ، يُرَبّيها ويَرعاها ويَحفظُها، والثاني: أَنَّهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، ولا شيءَ في الوُجودِ إلاَّ وهُوَ الخالقُ لَه والقائمُ عليْه، والمُدَبِّرُ لأَمرِهِ، والكالئُ لَهُ، والخطابُ للمُشركين المعهودين بطريقَ الإلتفاتِ. أو هو خطابٌ لجميعِ الناسِ.
قولُهُ: {فاعبدوه} فأَخلِصوا لَه العِبادةَ فهو ـ سبحانَه ـ الخالقُ لِكُلِّ
شيءٍ وما عداهُ فهو مخلوقٌ يَجِبُ أَنْ يَعْبُدَ خالِقَه. وقد جاءت هذه الدعوةٌ إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وإفرادِهِ بالأُلوهِيَّةِ وخَصائصِها، في حياةِ العبادِ كلِّها؛ بَعدَ استعراضِ صفحةِ الوُجودِ؛ وانْكشافِ حقيقةِ الخلقِ والإنْشاءِ والرِزْقِ والكَفالَةِ والسُلْطان، واسْتِنْكارُ ادِّعاءِ الأُلوهِيَّةِ أوْ إحْدى خَصائصِها. وهي (الآيةُ) نَموذجٌ للمِنْهَجِ القُرآنيِّ في رَبْطِ العِبادةِ الخالِصَةِ، بإفرادِ الأُلوهِيَّةِ للهِ وحدِه، مع تقريرِ أَنَّه ـ سبحانه: "خالقُ كلِّ شيءٍ وهُوَ على كُلِّ شيءٍ وكيلٍ".
قولُهُ {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي وهو مَعَ تلكَ الصفاتِ الجَليلةِ رقيبٌ على عبادِهِ حَفيظٌ عليهم، يُدَبِّرُ أَمْرَهم، ويَتَولّى جَميعَ شُئونِهم.
قولُه تعالى: {ذلكم اللهُ ربُّكم لا إله إِلاَّ هُوَ خالقُ كلِّ شيءٍ} ذلكم: اسْمُ إِشارةٍ والميم للبُعد، مُبْتَدَأٌ و"الله" خبرُه، وكذا "ربكم" وكذا الجملةُ من قولِهِ "لا إله إِلاَّ هُوَ"، وكذا "خالق". قال الزمخشري: وهو مبتدأ وما بعده أخبارٌ مترادفة. وهذا عند مَنْ يجيز تَعَدُّد الخبرِ مطلقاً. وقال أبو البقاء: ويَجوزُ أنْ يكونَ "الله" وحدَه هو الخبرُ وما بعدَهُ أَبْدالٌ، وفيه نظرٌ مِنْ حيثُ إنَّ بعضَها مُشْتَقٌّ والبدَلُ يَقِلُّ بالمُشتقات، وقد يُقالُ إنَّ هذِه، وإن كانتْ مُشْتَقَّةً، ولكنَّها بالنِسْبَةِ إلى الله تعالى مِنْ حيثُ اختصاصُها به صارت كالجَوامِدِ، ويجوزُ أَنْ يَكونَ "الله" هو البدَلُ، وما بعده أخبارٌ أيضاً، ومَنْ مَنَعَ تعدُّدَ الخبرِ قَدَّرَ قبلَ كلِّ خبرٍ مُبْتَدأً، أوْ يَجعَلُها كلَّها بِمَنزِلَةِ اسْمٍ واحدٍ،كأنَّه قيل: ذلكم الموصوفُ هو الجامعُ بين هذه الصفات.